الصحابية بكارة الهلالية
الصحابية بكارة الهلالية
كانت من نساء العرب الموصوفات بالشجاعة والإقدام والفصاحة والبلاغة، وكانت من أنصار أمير المؤمنين علي عليه السلام في حرب صفين، وقد خطبت فيها خطبا حماسية دعت فيها جنود الحق للذب عن سيد المسلمين وأمير المؤمنين علي عليه السلام ولحرب عدوه.
قال ابن طيفور: حدثني عبد الله بن عمرو قراءة من كتابه علي، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن المفصل، قال: حدثنا إبراهيم بن محم الشافعي، عن محمد بن إبراهيم، عن خالد بن الوليد، عمن سمعه من حذافة الجمحي، قال: دخلت بكارة الهلالية على معاوية ابن أبي سفيان، بعد أن كبرت سنها، ودق(١) عظمها، ومعها خادمان لها، وهي متكئة عليهما وبيدها عكاز، فسلمت على معاوية بالخلافة، فأحسن عليها الرد، وأذن لها في الجلوس، وكان عنده مروان بن الحكم وعمرو بن العاص، فابتدأ مروان فقال: أما تعرف هذه يا أمير المؤمنين؟
قال: ومن هي؟ قال: هي التي كانت تعين علينا يوم صفين، وهي القائلة:
يا زيد دونك فاستشر من دارنا * سيفا حساما في التراب دفينا
قد كان مذخورا لكل عظيمة * فاليوم أبرزه الزمان مصونا
فقال عمرو بن العاص، وهي القائلة يا أمير المؤمنين:
أترى ابن هند للخلافة مالكا * هيهات ذاك وما أراد بعيد
منتك نفسك في الخلاء ضلالة * أغراك عمرو للشقاء وسعيد
فارجع بأنكد طائر بنحوسها * لاقت عليا أسعد وسعود
فقال سعيد: يا أمير المؤمنين، وهي القائلة:
قد كنت آمل أن أموت ولا أرى * فوق المنابر من أمية خاطبا
فالله أخر مدتي فتطاولت * حتى رأيت من الزمان عجائبا
في كل يوم لا يزال خطيبهم * وسط الجموع لآل أحمد عائبا
ثم سكت القوم، فقالت بكارة، نبحتني كلابك يا أمير المؤمنين واعتورتني(2)، فقصر محجني(3)، وكثر عجبي، وعشي بصري، وأنا والله قائلة ما قالوا، لا أدفع ذلك بتكذيب، فامض لشأنك، فلا خير في العيش بعد أمير المؤمنين(4).
فقال معاوية: إنه لا يضعك شيء، فاذكري حاجتك تقضي، فقضى حوائجها، وردها إلى بلدها.
قال: وحدثني عيسى بن مروان، قال: حدثني محمد بن عبد الله الخزاعي، عن الشعبي، قال: استأذنت بكارة الهلالية على معاوية، فأذن لها فدخلت، وكانت امرأة قد أسنت، وعشي بصرها، وضعفت قوتها، فهي ترعش بين خادمين لها، فسلمت ثم جلست.
فقال معاوية، كيف أنت يا خالة، قالت: بخير يا أمير المؤمنين.
قال: غيرك الدهر.
قالت: كذلك هو ذو غير، من عاش كبر، ومن مات قبر. ثم ذكر الحديث على ما رواه سعد بن حذافة، في حديث عبد الله بن عمرو.
ومن قول عمرو وسعيد ومروان ورواية في الحديث، قالت: إن عشي بصري وقصرت حجتي، فأنا قائلة ما قالوا، وما خفي عليك أكثر، فضحك معاوية، وقال: ليس بمانعي من برك يا خالة غير عدم مجيئك.
قالت: أما الآن فلا... إلى آخر كلامها.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم عاشت سعيدة، ويوم ماتت، ويوم تبعث حية.
الهوامش:
1- أي نحف.
2- اعتوره: تناوله وتداوله.
3- المحجن: العصا المنعطفة الرأس كالصولجان، وقصوره كناية عن عجزها عن طرد تلك الكلاب.
4- تعني عليا عليه السلام.
اترك تعليق