الصحابية الزرقاء بنت عدي
الصحابية الزرقاء بنت عدي
هي الزرقاء بنت عدي بن غالب بن قيس الهمدانية
الكوفية، خطيبة مصقعة، من ذوات الشجاعة والرأي
ورجاحة العقل والتدبير، توفيت نحو سنة ٦٠ ه.
عرفت بالولاء والاخلاص لأمير المؤمنين علي عليه السلام
وناصرته عليه السلام يوم صفين، حيث كانت تدعو المؤمنين إلى
نصرة الحق معه عليه السلام، وتحرضهم على قتال القاسطين.
روى ابن طيفور بإسناده عن سعد بن حذافة
الجمحي، قال: سمر معاوية ليلة، فذكر الزرقاء بنت عدي
ابن غالب بن قيس، امرأة كانت من أهل الكوفة، وكانت
ممن تعين عليا عليه السلام يوم صفين.
فقال لأصحابه: إنكم يحفظ كلام الزرقاء؟ فقال
القوم: كلنا نحفظه يا أمير المؤمنين.
قال: فما تشيرون علي فيها؟ قالوا: نشير عليك
بقتلها. قال: بئس ما أشرتم علي به، أيحسن بمثلي أن
يتحدث الناس أني قتلت امرأة بعد ما ملكت وصار الامر
لي؟
ثم دعا كاتبه في الليل، فكتب إلى عامله في الكوفة
أن أوفد إلى الزرقاء ابنة عدي مع ثقة من محرمها وعدة
من فرسان قومها، ومهدها وطاء لينا، واسترها بستر
حصيف (١ .(فلما ورد عليه الكتاب، ركب إليها، فأقرأها
الكتاب، فقالت: أما أنا فغير زائغة عن طاعة، وإن كان
أمير المؤمنين جعل المشيئة إلى لم أرم (٢ (من بلدي هذا،
وإن كان حكم الامر فالطاعة له أولى بي، فحملها في
هودج، وجعل غشاءه حبرا (٣ (مبطنا بعصب (٤ (اليمن، ثم
أحسن صحبتها.
وفي حديث المقدمي: فحملها في عمارية جعل
غشاءها خزا أدكن مبطنا بقوهي (١ ،(فلما قدمت على
معاوية قال لها: مرحبا وأهلا خير مقدم قدمه وافد، كيف
حالك يا خالة؟ وكيف رأيت مسيرك؟ قالت: خير مسير،
كأني كنت ربيبة بيت، أو طفلا ممهدا.
قال: بذلك أمرتهم، فهل تعلمين لم بعثت إليك؟
قالت: سبحان الله، أنى لي بعلم ما لم أعلم، وهل يعلم ما
في القلوب إلا الله؟
قال: بعثت إليك إن أسألك ألست راكبة الجمل
الأحمر يوم صفين بين الصفين توقدين الحرب، وتحضين
على القتال، فما حملك على ذلك؟
قالت: يا أمير المؤمنين، إنه قد مات الرأس، وبتر
الذنب، والدهر ذو غير (٢ ،(ومن تفكر أبصر، والامر يحدث
بعده الامر.
قال لها: صدقت، فهل تحفظين كلامك، يوم صفين؟
قالت: ما أحفظه. قال: ولكني والله أحفظه، لله أبوك لقد
سمعتك تقولين: أيها الناس، إنكم في فتنة غشتكم
جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها من
فتنة عمياء صماء يسمع لقائلها، ولا ينظار (١ (لسائقها.
أيها الناس، إن المصباح لا يضيء في الشمس،
وإن الكوكب لا يقد في القمر، وإن البغل لا يسبق الفرس،
وإن الزف (٢ (لا يوازن الحجر، ولا يقطع الحديد إلا
الحديد.
ألا من استر شدنا أرشدناه، ومن استخبرنا أخبرناه،
إن الحق كان يطلب ضالته (٣ (فأصابها، فصبرا يا معشر
المهاجرين والأنصار، فكان قد اندمل شعب (١ (الشتات،
والتأمت كلمة العدل، وغلب الحق باطله، فلا يعجلن أحد
فيقول: كيف وأنى؟ ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ألا إن
خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء والصبر
خير في الأمور عواقبا، إيها إلى الحرب قدما غير
ناكصين، فهذا يوم له بعده.
ثم قال معاوية: والله يا زرقاء، لقد شركت عليا في
كل دم سفكه.
فقال: أحسن الله بشارتك يا أمير المؤمنين، وأدام
سلامتك، مثلك من بشر بخير، وسر جليسه.
قال لها: وقد سرك ذلك؟ قالت: نعم والله، لقد
سرني قولك، فنى بتصديق الفعل.
فقال معاوية: والله لوفاؤكم له بعد موته [أعجب]
إلى من حبكم له في حياته، اذكري حاجتك.
قالت: يا أمير المؤمنين، إني قد آليت على نفسي
أن لا أسال أميرا أعنت عليه شيئا أبدا، ومثلك أعطى عن
غير مسألة، وجاد عن غير طلب.
قال: صدقت، فأقطعها ضيعة أغلتها (١ (في أول سنة
عشرة آلاف درهم، وأحسن صفدها (٢ ،(وردها والذين
معها مكرمين.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم جاهدت، ويوم
ماتت، ويوم تبعث حية.
__
______________________
(١ (الحصيف: المحكم.
(٢ (أي لم أبرح ولم أفارق.
(٣ (الحبر: ثوب من قطن أو كتان مخطط كان يصنع باليمن.
(٤ (العصب: صنف من برود اليمن.
___
____________________
(١ (القوهي: ضرب من الثياب بيض.
(٢ (الغير: الاحداث والنوائب.
____________________
(١ (أي لا يهمل، ولا يتراوض.
(٢ (الزف: صغير الريش، أو صغير الحصى. وتعني أن الفرق بين
معاوية وعلي عليه السلام كالفرق بين المصباح والشمس، والكوكب
والقمر... الخ.
(٣ (الضالة: التائهة.
__________________
(١ (الشعب: الصدع.
_______________
(١ (الغلة: فائدة الأرض.
(٢ (أي عطاءها.
اترك تعليق