الصحابية عكرشة بنت الأطش
الصحابية عكرشة بنت الأطش
سيدة جليلة القدر، تعد في طليعة نساء زمانها في شجاعتها وقوة بيانها، عرفت بالولاء والإخلاص لأمير المؤمنين علي عليه السلام، وكانت في صفين تدعو الناس إلى نصرة الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام ومناجزة عدوه، شادة وسطها، متقلدة بحمائل السيف، واقفة بين الصفين تحرض المؤمنين على قتال العدو.
روى ابن طيفور عن العباس بن بكار، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي وعبد الله بن سليمان، عن عكرمة، وقال:
حدثنا المقدمي بإسناده عن الشافعي، قالوا: دخلت عكرشة بنت الأطش على معاوية، وبيدها عكاز في أسفله زج(1) مسقى، فسلمت عليه بالخلافة وجلست.
فقال لها معاوية: يا عكرشة، الآن صرت أمير المؤمنين.
قالت: نعم، إذ لا علي حي.
قال: ألست صاحبة الكور(2) المسدول، والوسيط المشدود، والمتقلدة بحمائل السف، وأنت واقفة بين الصفين يوم صفين؟ تقولين:
يا أيها الناس، عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، إن الجنة دار لا يرحل عنها من قطنها، ولا يحزن من سكنها، فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها، ولا تنصرم همومها، كونوا قوما مستبصرين، إن معاوية دلف(3) إليكم بعجم العرب، غلف القلوب، لا يفقهون الإيمان، ولا
يدرون ما الحكمة، دعاهم بالدنيا، فأجابوه، واستدعاهم إلى الباطل فلبوه، فالله الله عباد الله في دين الله، وإياكم والتواكل(4)، فإن في ذلك نقض عروة الإسلام، وإطفاء نور الإيمان، وذهاب السنة، وإظهار الباطل، هذه بدر الصغرى، والعقبة الأخرى، قاتلوا يا معشر الأنصار والمهاجرين على بصيرة من دينكم، واصبروا على عزيمتكم، فكأني بكم غدا قد لقيتم أهل الشام كالحمر النهاقة، والبغال الشحاجة، تضفع(5) ضفع البقر، وتروث روث العتاق(6) "انتهت حكاية قولها".
ثم قال معاوية: فوالله لولا قدر الله، وما أحب أن يجعل لنا هذا الأمر، لقد كان انكفأ على العسكرين، فما حملك على ذلك؟
قالت: يا أمير المؤمنين، إن اللبيب إذا كره أمرا لم يحب إعادته. قال: صدقت اذكري حاجتك.
قال: يا أمير المؤمنين، إن الله قد رد صدقاتنا علينا، ورد أموالنا فينا إلا بحقها، وإنا قد فقدنا ذلك، فما ينعش لنا فقير، ولا يجبر لنا كسير، فإن كان ذلك عن رأيك فما مثلك من استعان بالخونة، ولا استعمل الظالمين.
قال معاوية، يا هذه إنه تنوبنا أمور هي أولى بنا منكم من بحور تنبثق وثغور تنفتق.
قالت: يا سبحان الله! ما فرض الله لنا حقا جعل لنا فيه ضررا على غيرنا ما جعله لنا وهو علام الغيوب.
قال معاوية: هيهات يا أهل العراق، فقهكم ابن أبي طالب فلن تطاقوا، ثم أمر لها برد صدقتها وإنصافها، وردها مكرمة.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم آمنت وجاهدت، ويوم ماتت، ويوم تبعث حية.
________________
1- الزج: الحديدة في أسفل الرمح أو العكاز ونحوهما.
2- الكور: الرحل، أو ما تجعله المرأة على رأسها من غطاء.
3- أي مشى.
4- التواكل: إظهار العجز، أو الاعتماد على الغير.
5- الشحيج: صوت البغال، والضفع: رجيع الصوت.
6- العتاق: الجمال.
المصدر: الأعلام من الصحابة والتابعين، الحاج حسين الشاكري، الجزء: 12. الطبعة الثانية، ١٤١٨هـ.
اترك تعليق