الصحابية الدارمية الحجونية
الصحابية الدارمية الحجونية
كانت الدارمية من فضليات النساء في زمانها، ومن خيارهن نسكا وتقوى وعبادة، وكانت قوية الحجة شديدة العارضة.
والت أمير المؤمنين علي عليه السلام بكل كيانها وبكل ما تملك من طاقات وجهود.
قال ابن طيفور:
وقال المقدسي أبو إسحاق، قال: حج معاوية سنة من سنيه، فسأل عن امرأة يقال لها الدارمية الحجونية، وكانت امرأة سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها، فبعث إليها فجيء بها.
فقال لها: كيف حالك يا ابنة حام(1).
قالت: بخير، ولست لحام، إنما أنا امرأة من قريش من بني كنانة ثمت من بني أبيك.
قال: صدقت، هل تعلمين لم بعثت إليك؟
قالت: لا، يا سبحان الله، وأنّى لي بعلم ما لم أعلم.
قال: بعثت إليك أن أسألك علام أحببت عليا وأبغضتني، وعلام واليتيه وعاديتيني؟
قالت: أو تعفيني من ذلك؟
قال: لا أعفيك، ولذلك دعوتك.
قالت: فأما إذ أبيت، فإني أحببت عليا عليه السلام على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وأبغضك عى قتالك من هو أولى بالأمر منك، وطلبك ما ليس لك، وواليت عليا عليه السلام على ما عقد له رسول الله من الولاية، وحب المساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفكك
الدماء، وشقك العصا.
قال: صدقت، فلذلك انتفخ بطنك، وكبر ثديك، وعظمت عجيزتك.
قالت: يا هذا، بهند والله يضرب المثل لا أنا.
قال معاوية: يا هذه، لا تغضبي، فإنا لم نقل إلا خيرا، إنه إن انتفخ بطن المرأة خلق ولدها، وإذا كبر ثديها حسن غذاء ولدها، وإذا عظمت عجيزتها وزن مجلسها، فرجعت المرأة.
فقال لها: هل رأيت عليا؟
قالت: كيف رأيته؟
قالت: لم ينفخه الملك، ولم تصقله النعمة(2).
قال: فهل سمعت كلامه؟
قالت: نعم.
قال: فكيف سمعته؟
قالت: كان والله يجلو القلوب من العمى، كما يجلو الزيت صداء الطست.
قال: صدقت، هل لك من حاجة؟
قال: وتفعل إذا سألت؟
قال: نعم.
قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها.
قال: تصنعين بها ماذا؟
قالت: أغذوا بألبانها الصغار، وأستحني(3) بها الكبار، وأكتسب بها المكارم، وأصلح بها بين عشائر
العرب.
قال: فإن أنا أعطيتك هذا أحل منك محل علي؟
قالت: يا سبحان الله! أو دونه أو دونه.
فقال معاوية:
إذا لم أجد منكم عليكم * قمن ذا الذي بعدي يؤمل بالحلم
خذيها هنيئا واذكري فعل ماجد * حباك على حرب العداوة بالسلم
أما والله لو كان عليا ما أعطاك شيئا.
قالت: إي والله ولا برة(4) واحدة من مال المسلمين يعطني.
ثم أمر لها بما سألت.
فسلام عليا يوم ولدت، ويوم عاشت، ويوم ماتت، ويوم تبعث حية.
_____________________
1- يعرض بها لكونها سوداء البشرة.
2- المراد أنه عليه السلام بقي على بساطة عيشه رغم كونه خليفة وحاكما تجبى إليه الأموال.
3- أي أستعطف.
4- البرة: حبة الحنطة.
المصدر: الأعلام من الصحابة والتابعين، الحاج حسين الشاكري، الجزء: 12. الطبعة الثانية، ١٤١٨هـ.
اترك تعليق