الصحابية أم وهب
الصحابية أم وهب
من ربات الفروسية والشجاعة والعزة والحمية، نصرت الامام الحسين عليه السلام، فقضت شهيدة صابرة محتسبة رضي الله عنها وأنزلها منازل الأبرار.
وهي زوجة عبد الله ابن عمير من بني عليم. وكان ينزل الكوفة، وقد اتخذ عند بئر الجعد، دارا،
فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين عليه لاسلام، فسأل عنهم، فقيل له: يسرحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال: لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا، وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين.
فدخل إلى امرأته أم وهب، فأخبرها بما سمع، وأعلمها بما يريد.
فقال: أصبت أصاب الله بك، وأرشد أمورك، وأخرجني معك.
فخرج بها ليلا، حتى أتى الحسين عليه السلام فأقام معه، فلما دنا منه عمر بن سعد ورمى بسهم نحو معسكر الحسين عليه السلام، ارتمى الناس، فخرج يسار مولى زياد بن أبيه، وسالم مولى عبيد الله بن زياد، فقالا: من يبارز، ليخرج إلينا بعضكم، فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن
خضير، فقال لهما الامام الحسين عليه السلام: أجلسنا. فقام عبد الله بن عمير الكلبي، فقال: يا أبا عبد الله، رحمك الله ائذن لي لأخرج إليهما.
فرأى الامام الحسين عليه السلام رجلا آدم طويلا شديد الساعدين، بعيد ما بين المنكبين.
فقال عليه السلام: إني لأحسبه للاقران قتالا، اخرج إن شئت.
فخرج إليهما.
فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما.
فقال له يسار: لا نعرفك، ليخرجك إلينا زهير بن القين، أو حبيب بن مظاهر، أو برير بن خضير.
فقال له الكلبي: يا بن القاعلة، وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس، ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد(1)، فإنه لمشتغل به يضرب بسيفه، إذ شد عليه سالم فصاحوا به: قد رهقك العبد، فلم يأبه له حتى غشيه، فبدره بضرية، فاتقاها الكلبي بيده اليسرى، فأطار أصابعها، ثم مال عليه الكلبي فضربه حتى قتله، وأقبل الكلبي وهو يرتجز ويقول، وقد قتلهما جميعا:
إن تنكروني فأنا ابن كلب * حسبي ببيتي في عليم حسبي
إني امرؤ ذو مرة وعصب(2) * ولست بالخوار عند النكب
إني زعيم لك أم وهب * بالطعن فيهم مقدما والضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
فأخذت أم وهب امرأته عمودا، ثم أقبلت نحو زوجها وهي تقول له: فداك أبي وأمي جاهد دون الطيبين ذرية محمد صلى الله عليه وآله، فأقبل إليها يردها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه، ثم قالت: إني لن أدعك دون أن أموت معك.
فناداها الامام الحسين عليه السلام فقال: جزيتم من أهل بيت خيرا، رحمك الله، ارجعي إلى النساء فاجلسي معهن، فإنه ليس على النساء قتال. فانصرفت إليهن، ثم خرجت أم وهب تمشي إلى زوجها بعد أن قتل(3)، فجلست عند رأسه تمسح عنه التراب، وتقول: هنيئا لك
الجنة.
فقال شمر بن ذي الجوشن لعنه الله لغلام له يدعى رستم: اضرب رأسها بالعمود، فضرب رأسها فشدخه، فماتت مكانها، وذلك سنة ٦١ هـ.
فسلام عليها وعلى زوجها يوم استشهدا، ويوم يبعثا حيين.
____________________
1- هي أم وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط. وقى: أم وهب
بنت محمد.
*(هامش) * أي هلك. (*)
2- المرة: قوة الخلق وشدته، والعقل والأصالة. والعصب: الشدة.
3- قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التيمي من تيم
الله بن ثعلبة.
المصدر: الأعلام من الصحابة والتابعين، الحاج حسين الشاكري، الجزء: 12. الطبعة الثانية، ١٤١٨هـ.
اترك تعليق