عبادة السيدة مريم (ع)
إن حياة الصديقة الطاهرة مريم العذراء (ع) كانت مليئة بالعبر والدروس. وقد ترجمت الاصطفاء الإلهي سلوكاً عملياً، وانقطاعاً وتبتلاً. كانت لا ترى الوجود إلا ظلاً لله تعالى، كانت الواثقة المؤمنة المطمئنة، المجاهدة، وقد عبّدت طريق الوصول بدموع وآهات، عزيزة بالعز الذي آمنت به، تأكل مما تنبت الأرض ولا تكلف أحداً شيئاً. وقد أعرضت عن الدنيا وملذّاتها، مؤمنة بأن العاقبة الحسنة لمن زهد فيها وبها.
دخلت مريم عليها السلام الصغيرة، أول أنثى يشرّف بها المعبد، دخلت غرفة نذرها وحيدة مع ربها، منقطعة إليه. ورُوي عن ابن عباس أنه قال عن مريم عليها السلام، أنها لما بلغت تسع سنين كانت تصوم يومها، وتقوم ليلها، وتقضي وقتها في عبادة الله تعالى تفكراً وتأمّلاً وذكرا!(1)
وكثيراً ما كان يستوقف زكريا عليه السلام صمتها وتأمّلاتها، صيام وقيام، إعراض وزهادة عن الحطام، نموذج فريد، غرفتها دائمة العبق، رائحة لا مثيل لها، ونور لا يترك خيط الظلام، لا تطلب حاجة، حاجتها حاضرة، اكتفت بالله عمن سواه، وقد صوّر المشهد القرآن الكريم بقوله تعالى: «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْها زَكَريَا المِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها ِرزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ» (2).
وتقول لزكريا عليه السلام: سيدي يا زكريا قد وهبته وجودي مسلّمة ومتوكلة، ويقيني أني لا أضيع «وَمَا مِنْ دابَةٍ فِي الأَرْضِ إلّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا»(3)، يا كفيلي يا نبي الله «إنّ اللهَ هُوَ الَّرزاقُ ذُو القُوَةِ المَتينُ»(4).
ويقول زكريا عليه السلام: لله درّك يا مباركة، يا لك من عالمة عارفة، وقد تقبّلك الله بقبول حسن، وهذه هي ثماره «يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ».
ولما توفيت تلك الصديقة نادها حبيبها ولدها، عيسى المسيح عليه السلام بعد دفنها قائلاً: يا أماه، هل تريدين أن ترجعي إلى الدنيا؟
قالت: نعم، لأصلي لله في ليلة شديدة البرد، وأصوم يوماً شديد الحر، يا بني فإن الطريق مخوف(5).
أعطت مريم عليها السلام المثل الأعلى في الطاعة، والمعرفة والتعلق بربّها، والطهارة والصفاء، وتحمّل آلام الحياة ومحنها.
يا لها من عارفة سبقت الزهّاد والرهبان والعلماء، وقد غمرتها الألطاف والعناية الإلهية، فاستحقت الاصطفاء ولقب سيدة النساء.
الهوامش:
1. مجمع البيان، ج: 4، ص: 51، مع بعض التصرف.
2. سورة آل عمران، الآية: 37.
3. سورة هود، الآية: 6.
4. سورة الذاريات، الآية:58.
5. الميرزا النوري، مستدرك الوسائل: ج: 7، ص: 506.
المصدر: يزبك، محمد: مريم العذراء أم المسيح في القرآن الكريم. ط1، دار المحجة البيضاء، لبنان_ بيروت، 2008م.
دخلت مريم عليها السلام الصغيرة، أول أنثى يشرّف بها المعبد، دخلت غرفة نذرها وحيدة مع ربها، منقطعة إليه. ورُوي عن ابن عباس أنه قال عن مريم عليها السلام، أنها لما بلغت تسع سنين كانت تصوم يومها، وتقوم ليلها، وتقضي وقتها في عبادة الله تعالى تفكراً وتأمّلاً وذكرا!(1)
وكثيراً ما كان يستوقف زكريا عليه السلام صمتها وتأمّلاتها، صيام وقيام، إعراض وزهادة عن الحطام، نموذج فريد، غرفتها دائمة العبق، رائحة لا مثيل لها، ونور لا يترك خيط الظلام، لا تطلب حاجة، حاجتها حاضرة، اكتفت بالله عمن سواه، وقد صوّر المشهد القرآن الكريم بقوله تعالى: «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْها زَكَريَا المِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها ِرزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ» (2).
وتقول لزكريا عليه السلام: سيدي يا زكريا قد وهبته وجودي مسلّمة ومتوكلة، ويقيني أني لا أضيع «وَمَا مِنْ دابَةٍ فِي الأَرْضِ إلّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا»(3)، يا كفيلي يا نبي الله «إنّ اللهَ هُوَ الَّرزاقُ ذُو القُوَةِ المَتينُ»(4).
ويقول زكريا عليه السلام: لله درّك يا مباركة، يا لك من عالمة عارفة، وقد تقبّلك الله بقبول حسن، وهذه هي ثماره «يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ».
ولما توفيت تلك الصديقة نادها حبيبها ولدها، عيسى المسيح عليه السلام بعد دفنها قائلاً: يا أماه، هل تريدين أن ترجعي إلى الدنيا؟
قالت: نعم، لأصلي لله في ليلة شديدة البرد، وأصوم يوماً شديد الحر، يا بني فإن الطريق مخوف(5).
أعطت مريم عليها السلام المثل الأعلى في الطاعة، والمعرفة والتعلق بربّها، والطهارة والصفاء، وتحمّل آلام الحياة ومحنها.
يا لها من عارفة سبقت الزهّاد والرهبان والعلماء، وقد غمرتها الألطاف والعناية الإلهية، فاستحقت الاصطفاء ولقب سيدة النساء.
الهوامش:
1. مجمع البيان، ج: 4، ص: 51، مع بعض التصرف.
2. سورة آل عمران، الآية: 37.
3. سورة هود، الآية: 6.
4. سورة الذاريات، الآية:58.
5. الميرزا النوري، مستدرك الوسائل: ج: 7، ص: 506.
المصدر: يزبك، محمد: مريم العذراء أم المسيح في القرآن الكريم. ط1، دار المحجة البيضاء، لبنان_ بيروت، 2008م.
اترك تعليق