مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

وفاة السيدة مريم (ع) في جبل لبنان

تعبّد السيدة مريم(ع) في جبل لبنان ووفاتها فيه

قال وهب وجدت في بعض الكتب أنّ عيسى بن مريم (ع) قال لأمه: يا أماه إني وجدت مما علمني الله أنّ هذه الدار دار فناء وزوال، ودار الآخرة هي التي لا تخرب أبداً، تعالي أجيبيني يا أماه نأخذ من هذه الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية، فانطلقا إلى جبل لبنان وكانا فيه يصومان النهار ويقومان الليل، يأكلان من ورق الأشجار ويشربان من ماء الأمطار، فمكثا في ذلك زماناً طويلاً، ثم إنّ عيسى (ع) هبط ذات يوم من الجبل إلى بطن الوادي ليلتقط الحشيش والبقول لإفطارهما، فلما هبط نزل ملك الموت على مريم وهي معتكفة في محرابها فقال: السلام عليك يا مريم الصائمة القائمة فغشي على مريم من هول ملك الموت، ثم أفاقت فقالت: السلام عليك فغشي عليها، ثم أفاقت فقالت: من أنت يا عبد الله؟ اقشعرّ من صوتك جلدي، وارتعدت فرائصي وطار عقلي! فقال: أنا الذي لا أرحم الصغير لصغر سنه، ولا أوقر الكبير لكبره، أنا الذي لا أستأذن على الملوك ولا أهاب الجبابرة، أنا مخرب الدور والقصور وعامر القبور، ومفرق بين الجماعات والاخوة والأخوات والآباء والأمهات، أنا قابض الأرواح، أنا ملك الموت. قالت: يا ملك الموت جئت زائراً أم قابضاً؟ قال: قابضاً فاستعدي للموت.
قالت له: يا ملك الموت فأذن لي حتى يرجع حبيبي وقرة عيني وثمرة فؤادي عيسى فأتزود منه ومن ريحه؟ قال: يا مريم لم أومر بذلك [...] والله لا أستطيع أن اقبض روح بعوضة حتى يأمرني ربي بذلك وقد أمرني ربي أن لا أزال قدماً عن قدم حتى أقبض روحك، فقالت له: يا ملك الموت سلمت لأمر الله فاقبض ما أمرك الله تعالى، فدنا ملك الموت فقبض روحها [...] وصعد بروحها إلى السماء، فأبطأ عيسى (ع) في ذلك اليوم عن وقته فلم يأت حتى دخل وقت العشاء الآخرة، فلما صعد الجبل ومعه الحشيش لإفطار أمه [...]نظر إليها رآها وهي كنائمة في محرابها، فظن قد أدت الفرائض ونامت لتستعين على العبادة، فطرح ما كان معه من الحشيش والبقل ثم استقبل المحراب ولم يزل قائماً يصلي [...]
حتى طلع الفجر وجاء إليها وعرف أنها ميتة ووضع خده على خدها وفمه على فيها ويده على رأسها ونادى: السلام عليك يا أماه [...] فإذا مناد ينادي يا عيسى ارفع رأسك فقد ماتت أمك فعظم الله أجرك فجعل عيسى يبكي [...]
ثم هبط من ذلك الجبل إلى قرية من قرى بني إسرائيل فنادى بصوت حزين السلام عليكم يا بني إسرائيل، فخرجن ذوات الخدور من خدورهن وقلن: من أنت يا عبد الله فقد أضاء من حسن وجهك نور فقال: أنا روح الله عيسى بن مريم إنّ أمي ماتت غريبة فأعينوني على غسلها وكفنها ودفنها فقالوا: يا روح الله إنّ هذا الجبل كثير الأفاعي والحيات لم يسلكه آباؤنا وأجدادنا منذ ثلاثمأة سنة فهذا الحنوط والكفن فسر به، فتولى عيسى فرداً فلقي رجلين فقال لهما إنّ أمي [...] غريبة في هذا الجبل فأعينوني على غسلها ودفنها [...] فقالا: أنا جبرئيل وهذا ميكائيل وهذا الحنوط وأكفان الجنة، يا عيسى أعرض بوجهك فإن الحور العين يهبطن عليها بغسلها، فأعرض عيسى (ع) بوجهه حتى أهبطت الحور العين فغسلتها وحنطتها، وتولى جبرئيل حفر قبرها وشق الجبل شقاً وجعل رأسها مما يلي القبلة، التي كانا يصليان إليها، ثم صلى عليها عيسى وجبرئيل وميكائيل مع الملائكة فلما دفنوها عرج جبرئيل وميكائيل والملائكة إلى السماء فرجعت الحور العين إلى الجنة باكيات [...].



المصدر: لئالي الأخبار، ج5، ص 165.

التعليقات (0)

اترك تعليق