أصل المشكلة في قضية المرأة ونموذج المرأة الكامل
بسم الله الرحمان الرحيم
حركة النساء نحو الكمال
بدايةً أُبارك هذه الأيّام المتعلّقة بولادة سيّدة نساء العالَمين، سيّدة نساء أهل الجنّة، الصدِّيقة الطاهرة (ع). بحمد الله هذا الإجتماع مهمّ جداً وأسفَر عن ثمار طيّبة وقيّمة. فالحضور المحترمين أولاً، هنّ نساءٌ بارزات في مختلف قطاعات الحياة الإجتماعية والعلميّة عندنا وهنّ نُخب حقيقيّة؛ سواء الأساتذة المحترمات، هذه الزوجة المحترمة للشهيد والأمّ لأربعة شهداء؛ حيث إنّهن جميعاً يمثّلن ذروة حركة النساء نحو الكمال والسموّ.
بحمد الله هذا الملتقى يُعدّ مميزا من جميع الجهات، والأهميّة الأخرى له هي جهته الرمزيّة. فباليقين هناك نساء محترمات أخريات في أطراف وأكناف البلاد قد حصلن على امتيازات وأظهرن ذلك وأضحين ثروات مهمّة لتطوّر البلد ومستقبله. وهذا الملتقى أنموذجٌ لمجموع الحركة العظيمة لنساء بلدنا.
فالمطالب التي بيَّنَتها السيّدات هنا، تشتمل تقريباً على جميع الجوانب المتعلّقة بالنساء، من جهة أنّه على النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية الإهتمام بهذه القضيّة ومتابعتها. لقد أصغيتُ بدقة إلى الكلمات، فجميع المسائل –تقريباً- فيما يتعلق بقضيّة المرأة التي يمكن البحث بشأنها ومتابعتها والتي على أساسها يتمّ التخطيط في البلاد، قد أُدرجت في كلمات السيّدات. وهذا أمر ملفتٌ جداً ومُرضٍ بالنسبة إلي.
أزمة المرأة
حسنً، لو أردنا أن نصدر حكماً عند هذا الحدّ، لكان حكمنا أنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة تمكّن من الوصول إلى قمّةٍ؛ هي عبارة عن تربية نساءٍ صالحاتٍ صاحبات فكر، ورأي ٍ، ونظرٍ في أكثر قضايا المجتمع دقةً وحساسيّةً، حيث سأبيّن هذا الآن. إنّ قضيّة المرأة –والتي ينبغي تسميتها اليوم في العالم "أزمة المرأة"- تُعدّ من أكثر القضايا أهميّة في أي مدينة ومجتمع وبلد. في هذا المورد أنتنّ استطعتنّ الوصول إلى أعمال متقنة دقيقة وعناوين مهمّة، والتفكير بشأن هذه القضيّة. لهذا، صار ذاك الحكم أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة قد وصلت إلى قمّةٍ لم تبلغها أكثر دُول العالم.
المرأة والأسرة
أذكر هنا مسألة، إنّ قضيّة المرأة والأسرة ومع كلّ ما تمّ القيام به –من قبلكنّ ومن قبل الآخرين- ما زالت قضيّةً مهمّةً وقابلةً للبحث والتوسعة على مستوى حركة الفكر. وهذا الموضوع سيكون محوراً في اللقاءات الفكريّة الإستراتيجيّة التي سنجريها في المستقبل إن شاء الله، إنّ تلك الملتقيات الفكريّة الإستراتيجيّة وأعمالها من الناحية الفكريّة –ستكون إن شاء الله متبوعة بالتخطيط والتطبيق، حيث أجرينا منها اثنين لحدّ الآن- تتكفّل بدراسة القضايا الفكريّة الأكثر أهميّةً واستراتيجيّة للمجتمع. وأحد تلك القضايا قضيّة المرأة والأسرة، والتي أدرجت ضمن هذه القضايا التي سيتم تناولها في المستقبل.
إنّني هنا أطلب من السيّدات المحترمات والمفكّرات من النساء –اللاتي التقينا بنماذج منهن اليوم ولله الحمد- أن يكون لهنّ مشاركة جديّة في هذا العمل، فابحثوا وفكّروا وطالعوا وقوموا بالبحث حول العناوين المتعلّقة بقضيّة المرأة بصورة منفصلة وتخصصيّة وعلميّة بالإعتماد على المصادر الإسلاميّة والفكر الثوري الأصيل –المتحقّق فيكنّ لحسن الحظ- في الملتقى المتعلّق بهذا الموضوع؛ حيث سيُطرح ويُبحث إن شاء الله وسيُتابع على مستوى التحقيق والتطبيق.
أصل المشكلة في قضيّة المرأة
فيما يتعلّق بقضيّة المرأة في المجتمع يرجع أصل المشكلة إلى نقطتين أساسيتين، فلو تمّ التفكير بهما وقُدّم طرحٌ جديد وتمّ العمل بمثابرة واستمرار، يمكن أن نأمل مع مرور الزمن –سواء بالمدى المتوسط أو البعيد- أن تُحلّ تلك المسألة التي تُعدّ اليوم أزمة للمرأة في العالم.
النقطتان هما عبارة عن النظرة الخاطئة وإساءة فهم موقعيّة المرأة وشأنها في المجتمع، حيث إنّ هذه النظرة وسوء الفهم بدأت من الغرب وهي ليست أمراً قديمًا ومتجذرّاً. أولئك الذين ادّعوا أنّ هذه المسألة موجودة في بروتوكولات حكماء صهيون، يمكن أن نحدس بأنّه ليس خلاف الواقع. أي أنّنا لو نظرنا لرأينا أنّ هذه الرؤية الخاطئة، وهذا الإعوجاج الفكري وسوء الفهم، فيما يتعلّق بفهم المرأة في المجتمع، لعلّه لا يرجع إلى أكثر من قرنٍ أو قرنٍ ونصف في الغرب حيث تسلّل من الغرب إلى المجتمعات الأخرى ومنها المجتمعات الإسلامية. هذه نقطة.
والنقطة الثانية، إنّ أساس المشكلة هي إساءة فهم قضيّة الأسرة وإساءة التصرّف في السلوكيات داخل الأسرة، هاتان المشكلتان، بنظرنا، هما ما أوجد أزمة قضيّة المرأة –التي تُعدّ اليوم مشكلة أساسيّة في العالم- إنّ تعبير "أزمة المرأة" يثير العجب. وفي يومنا هذا تُطرح قضيّة أزمة الماء والهواء، وأزمة المياه، وأزمة الطاقة، وأزمة الدفيئة (الإحتباس الحراري)، كقضايا أساسيّة عند البشريّة؛ ولكن لا يُعدّ أيّ منها كذلك.
إنّ أكثر الأشياء التي تُعدّ مشاكل أساسيّة للبشريّة ترجع إلى تلك القضايا التي ترتبط بالمعنويات والأخلاق والسلوك الإجتماعي للبشر فيما بينهم، ومنها قضيّة الرجل والمرأة وموقعيّة المرأة وشأنيتها في المجتمع حيث يُعدّ هذا في الحقيقة أزمة؛ غاية الأمر أنّهم لا يتوجّهون إليها، ولا يطرحونها وتلك السياسات المتسلّطة على العالم لا تعتبرها من شأنها، ولعلّهم يعتبرون أنّ طرح هذه القضيّة مخالفٌ لتطلعاتهم الأساسيّة.
نظرة الغرب إلى المرأة
بشأن القضيّة الأولى، التي هي موقعيّة المرأة في الحياة والمجتمع –وتحت أيّ عنوان أردتم طرحها- المشكلة هنا أنّهم أوجدوا بالتدريج عدم توازن ولا تعادل؛ فهناك طرفٌ مُنتَفِع وطرفٌ يُستغلّ؛ والبشريّة قُسّمت على هذا الأساس، فالمُنتفِع هو الرجل والمُستغَلّ هو المرأة. وقد حدث هذا بصورةٍ هادئة وتدريجيّة وبأساليب مختلفة مع دعايات عديدة على مرّ العقود –لعلّها تصل إلى 100 سنة أو 150 سنة، لا أستطيع أن أجزم هنا وهي قضيّة قابلة للتحقق- في غربة المجتمعات الغربيّة بالدرجة الأولى، وفيما بعد حصل في باقي المجتمعات. لقد عرّفوا شأن المرأة بأنها كائنٌ يجب أن يكون مورداً لانتفاع الرجل. لهذا لو أرادت المرأة بحسب الثقافة الغربيّة، أن تبرز في المجتمع وتثبت شخصيّتها، عليها حتماً أن تظهر شيئاً من جاذبيتها الجنسيّة. وحتى في المجالس الرسميّة يجب أن يكون نوع لباس المرأة مورد استمتاع الرجل الذي هو الجانب المُنتَفِع.
وبرأيي إنّ أكبر ضربة، وإهانةٍ، ودوسٍ على الحقّ جرى في مجال قضيّة المرأة هو هذا. ففي المحيط الإجتماعي تشكّلت ثقافة كانت فيها المرأة كطرف يُنتفع به ويُستفاد منه من جانب الطرف المُنتفِع؛ وللأسف إنّ هذا موجودٌ اليوم في الثقافة الغربيّة، والآخرون قلّدوه وساروا على هذا الطريق وصار الأمر هكذا في العالم، ولو تحدّث أحد بخلاف ذلك لقاموا عليه. فافرضوا مجتمعاً يدين قضيّة عرض النساء وتبرّجهنّ في الإماكن العامّة، فإنّ الدنيا تقوم عليه ولا تقعد. ولو حصل أمرٌ مقابل هذا –أي أن تُطرح في مجتمعٍ ما تعرية المرأة- فلا يحصل أيّ اعتراض في الدنيا. أمّا عندما يُطرح لباس المرأة وعدم تبرّجها وتزيّنها في المجتمع فإنّ الأجهزة الإعلامّة والدعائيّة المهيمنة في العالم تقوم وتثير الضجيج؛ وهذا مؤشّر على أنّ هناك ثقافة وسياسة ومخطّط يتمّ العمل عليه منذ سنوات متماديّة وأساسه تثبيت هذه الموقعيّة، وهذا الشأن، وهذا الأمر الخاطئ والمُهين للمرأة؛ وللأسف لقد فعلوا ذلك.
لهذا ترون في الغرب كيف أنّهم بالتدريج بدأوا يخالفون الحجاب بصورة علنيّة، والعنوان الذي يذكرونه لهذا الإعتراض هو أن يقولوا أنّ الحجاب هو شعار حركة دينيّة، ونحن لا نريد أن تُطرح المظاهر الدينيّة في مجتمعاتنا التي هي مجتمعات علمانيّة. وبرأيي هذا كذب، فالبحث لا يتعلق بالدين وغير الدين، البحث هو أنّ السياسة الإستراتيجيّة الأساسيّة للغرب قامت على أساس استعراض لامرأة واستغلالها والحجاب يُعارض ذلك. حتى لو لم يكن الحجاب ناشئاً من دافعٍ وإيمان ديني، فإنّهم يخالفون ذلك، ويعترضون؛ فالمشكلة الأساسيّة هي هذه.
المُتاجرة بالنساء
فقد نتج عن هذه القضيّة تبعات مؤلمة جداً على صعيد المجتمعات البشريّة: كقضيّة تهاوي بنيان الأسرة وتقاريرها المروّعة –والتي أشارت إحدى السيّدات المحترمات هنا إلى نموذج منها- قضيّة الإحصاءات المبكية المؤسفة المتعلقة بالمُتاجرة بالنساء، في عالمنا اليوم وطبق التقرير الذي قدّم –حيث إنّ هذا التقرير برأيي صادرٌ عن الأمم المتحدة وهو تقرير لمركزٍ رسمي- إنّ من أكثر التجارات نمواً في العالم، هي المتاجرة بالنساء وتهريب النساء. وهناك مجموعة من الدول هي من أكثر الدول سوءً في هذا المجال، ومن جملتهم الكيان الصهيوني. حيث يجمعون النساء والبنات تحت عنوان إيجاد العمل والزواج وأمثالها من الدول الفقيرة، من أمريكا اللاتينيّة ومن بعض دول آسيا، ومن بعض الدول الفقيرة في أوروبا ويأتون بهنّ تحت طروفٍ قاسيةٍ جداً إلى مراكز، تهزّ الإنسان بمجرد تصوّرها وذكر اسمها. وكل ذلك مبنيٌّ على هذه النظرة الخاطئة وهذا اللاتوازن الظالم فيما يتعلّق بمكانة المرأة في المجتمع. وظاهرة الأطفال اللاشرعيين –حيث إنّ هذا الرقم يبلغ أعلى معدّلاته في أمريكا- هي ظاهرة الحياة المشتركة التي تحصل بدون زواج؛ أي هي في الحقيقة عبارة عن إبادة لمؤسسة العائلة والبيئة الحميمة والدافئة للأسرة وبركاتها وحرمان الإنسان من هذه البركات، والتي هي جميعاً ناشئة من المشكلة الأولى؛ يجب التفكير بشأن هذا. يجب تعريف موقعيّة المرأة، والوقوف بجدّ مقابل المنطق المفضوح للغرب.
لقد قلتُ ذات مرّة؛ عندما سُئلت ما هو دفاعك تجاه ما يقوله الغربيّون بشأن المرأة في البلد؟ وقد قلت: نحن لا ندافع، نحن نهجم! نحن من يطالب الغرب فيما يتعلق بقضيّة المرأة؛ نحن نتّهم الغرب، هم الذين يظلمون المرأة ويُحقّرونها ويُسقطون من موقعيتها تحت اسم الحريّة والعمالة وإعطاء المسؤوليّة، يجعلونها تحت ضغوطات روحيّة ونفسيّة وعاطفيّة ويهينون شخصيّتها وشأنيتها فهم من عليه أن يجيب.
على الجمهوريّة الإسلاميّة في هذا المجال مسؤوليّة. يجب على الجمهوريّة الإسلاميّة فيما يختّص بقضيّة المرأة أن تعلن رأيها بشكل صريح ودون أيّة مجاملة –الذي هو في الأساس اعتراض على الرؤيّة الغربيّة وهذا اللاتوازن الظلم في الغرب- عندها وبهذه الرؤية تأخذ قضيّة الحجاب ونوعيّة العلاقة بين المرأة والرجل معناها. هذه قضيّة.
نظرة الإسلام للمرأة وموقعيتها في الأسرة
المسألة اللاحقة –التي تُعدّ في قضيّة المرأة مشكلةً ثانية- قضيّة الأسرة. إنّ نظرة الإسلام لما يختصّ بالأسرة وموقعيّة المرأة فيها هي رؤية واضحة جداً. "المرأة سيّدة بيتها"، وهذا مروي عن النبي الأكرم (ص).
إنّ موقعيّة المرأة في الأسرة هي ما ورد في العديد من الروايات عن الأئمة (ع): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"، وفي تعبير اللغة العربيّة القهرمان هو العامل، الخادم المحترم، يقولون: إنّ المرأة داخل البيت ليست قهرمانة بل هي ريحانة، هي وردة البيت. والخطاب للرجال: خيركم من يكون صاحب أفضل سلوك مع زوجته. هذه هي رؤى الإسلام، ويوجد من هذا القبيل إلى ما شاء الله، لكن في نفس الوقت إنّ تحقّقَ بمثل هذه الكلمات ولم يُحل؛ فهو يحتاج إلى دعامةٍ قانونيّة، وتنفيذيّة وضمانات إجرائيّة؛ وهذا العمل لم يُنجز طيلة السنوات الماضية المديدة. فالأُسر التي كانت متديّنة والرجال الذين تمتّعوا بأخلاقٍ جيّدة، والتزامات شرعيّة، قدّموا اعتراضات، لكن في الموارد التي لم تكن فيها هذه الخصوصيّات، لم تُسجّل هذه الإعتراضات وتعرّضت المرأة داخل الأسرة للظلم.
بالطبع، هذا لا يعني أن نظنّ بأنّ الغربيين متقدّمون علينا في هذا المجال؛ أبدا. لدى هذا العبد إحصاءات كثيرة، وهذه السيّدة المحترمة أيضاً ذكرت إحصاءات؛ وباليقين إنّ الوضع الداخلي للأسرة الغربيّة من ناحية مظلوميّة المرأة وعدم رعاية حقوقها هو أسوأ من وضع الأسر الإسلاميّة والإيرانيّة والشرقيّة، وما لم تكن أسوأ، فهي ليست أفضل؛ وفي بعض الموارد هي أسوأ. نحن إذاً لا ننظر إليهم وهم ليسوا قدوتنا. نحن لدينا نقائص عديدة على مستوى الأسرة وهذا ما يحتاج إلى دعامات وضمانات قانونيّة وإجرائيّة يجب أن تتحقّق. فهذه القضيّة من جملة الميادين عليها داخل البلد حيث يجب ذلك.
أمّا من ناحية الرؤيّة الإسلاميّة والمتون الإسلاميّة فلا يوجد أيّ نقصٍ في هذا البُعد من القضيّة. نحن نرى بعض الأشخاص الذين ينتقدون الأفكار الإسلاميّة، حيث يُشكِلون على الإرث والديّة وأمثالها، في حين أنّ هذه الإشكالات غير واردة؛ ويوجد عليها أجوبة منطقيّة وقويّة.
أمّا في مجال السلوكيّات داخل الأسرة فللأسف قد بقي مغفولاً عنها في الأغلب. في حين أنّه بنظر الإسلام يوجد رؤية شديدة الوضوح. يجب أن تكون بيئة الأسرة بالنسبة للمرأة بيئةً آمنةً عزيزةً هادئةً لكي تتمكّن المرأة من تأدية مسؤوليتها الأساسيّة -التي هي الحفاظ على الأسرة- على أفضل وجه.
ميزان المرأة الصالحة في القرآن
لقد جرت أبحاث كثيرة في مورد الرؤية الإسلاميّة للمرأة، ونحن أيضاً تحدثنا عدة مرات. وذكرت مراراً أنّ المرأة قد عُرضت في القرآن كنموذج للإنسان المؤمن والمرضي عند الله، وكنموذج للإنسان الكافر المطرود من جنب الله؛ وهذا أمرٌ ملفتٌ. فالقرآن عندما يريد أن يذكر نموذجاً للإنسان الصالح والإنسان السيّء فإنّه يختار لهما من النساء: «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوح وَامْرَأَتَ لُوط» (سورة التحريم، الآية: 10)، فهاتان المرأتان هما بحسب القرآن مثل أي نموذج ومظهر للمرأة السيّئة، زوجة نوح وزوجة لوط، وفيما بعد وبالنقطة المقابلة، «وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذينَ آمنُوا امْرأَتَ فِرْعَوْن» (سورة التحريم، الآية: 11) كنموذج للمرأة الصالحة والسامية والمؤمنة، فيذكر الإثنين، إحداهما زوجة فرعون والأخرى مريم «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا» (سورة التحريم، الآية: 12)، والملفت أنّ كلاً من هؤلاء النساء الأربع صلاحهن وسوؤهن مرتبط بالأسرة. ففي مورد المرأتين السيئتين امرأة نوح وامرأة لوط يقول تعالى: «كانَتا تحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخَانَتاهُما» (سورة التحريم، الآية: 10)، فالقضيّة هي قضيّة الأسرة. وموضوع المرأتين الأخريين يتعلق بالأسرة، الأولى زوجة فرعون قيمتها وأهميتها أنّها قد ربّت في حضنها نبيّاً من أولي العزم، موسى كليم الله وآمنت به وساندته لهذا انتقم فرعون منها. القضيّة قضيّة داخل الأسرة مع هذا التأثير والشعاع العظيم للعمل الذي قامت به، حيث ربّت شخصاً كموسى. وبشأن مريم الأمر كذلك: التي أحصنت فرجها فحفظت شأنيّتها وعفّتها. وهذا يدلّ على وجود عوامل متعدّدة في البيئة الإجتماعيّة لمريم (ع) كان من الممكن أن تهدّد عفّة وشرف امرأة عفيفة وقد استطاعت أن تواجهها. لهذا فإنّ هذه كلها ناظرة إلى هذه الأبعاد المهمّة التي ذُكرت، البعد الأُسري وقضيّة شأن المرأة في المجتمع. لهذا فإنّ القضيّة مهمّة.
بالطبع نحن في الجمهوريّة الإسلاميّة تقدّمنا، ونظرتي هي نظرة متفائلة. لقد شاهدنا ما قبل الثورة الوضع الذي كانت عليه بلادنا ومجتمعنا ونساؤنا والمسير الذي يسلكونه كان وضعاً مهولاً جداً وخطراً. وذلك بسبب جانب التقليد في هذه الحركة، حيث إنّ الوضع الظاهري للنساء بحسب ما كنّا نراه في الصور والمنقولات والتقارير أو نقرأه كان أحياناً أسوأ من وضع نساء أوروبا، كانوا يشيعون مثل هذا الوضع.
وبالطبع فإنّ المرأة الإيرانيّة بسبب جوهر الإيمان الموجود فيها تمكّنت أن تنتصر على هذه الأمواج التخريبيّة. فقد كان لها مشاركة أساسيّة في الثورة، سواء في حضورها أو في حثّها للرجال، لتكون ركيزة أساسيّة لانتصار الثورة، وبعد الثورة أيضاً كانت الحركة النسائيّة حركة استثنائيّة.
نموذج المرأة الكامل
من اللازم أن أذكر؛ أنّ هؤلاء النساء المجاهدات في سبيل الله والمناضلات والرائدات والأمهات هنّ في الحقيقة آية من الصبر والمقاومة. عندما ينظر الإنسان ويقرأ عن أحوالهنّ بنحو مفصّل، ويشاهد آلامهن –وبالطبع النساء اللاتي كنّ قبل الثورة زوجات مجاهدين تحمّلن الصعاب نشاهد منهن نماذج هناك؛ لكن النماذج الكاملة كانت في مرحلة الدفاع المقدس- يرى كم تحمّلن هذه النسوّة وهذه الأمهات. حيث أرسلن الأبناء إلى الجبهات وأضحى الكثير منهم شهداء ومعوّقين، وهذه النماذج والأسوة في الصبر والمقاومة وقفن كالطود الشامخ. هذا في مجال القضايا المعنويّة والإنسانيّة، أمّا في ميدان القضايا السياسيّة والعلميّة فإنّ بلدنا بحمد الله قد تطور بشكل استثنائي.
كل هذه النساء العاملات الأستاذات في التخصّصات العلميّة المختلفة في العلوم الحوزويّة والجامعيّة، حيث إنّ النماذج منهن لحسن الحظ أنتن الحاضرات المحترمات في هذا المجلس، كل ذلك مؤشّر على نجاح الجمهوريّة الإسلاميّة، هذه هي نظرتي. وهذه النظرة، تدخل الأمل بالمستقبل إلى القلوب. لو تقدّمنا بنفس هذه الحركة والسرعة إن شاء الله فإنّنا قطعاً سنتمكن من الإنتصار على الثقافة الغربيّة الخاطئة والرائجة في العالم. يجب العمل والسعي والمثابرة. فالنظرة متفائلة، غاية الأمر أنّ هذه الرؤية المتفائلة لا ينبغي أن تصبح مانعاً من ملاحظة نقاط الضعف. لقد تقدّمنا بدرجات، ولكن حبّذا لو أمكن أن نتقدّم عشرة أضعاف ذلك.
إنّ ما أدى إلى أن لا نتمكن من التقدّم إلى هذا الحدّ هو تلك النقائص والمشكلات الموجودة والتي أشرتنّ إلى بعضها، ويوجد مشاكل أخرى ينبغي العمل على إزالتها.
ما أريد أن أذكره في نهاية كلمتي هو أنّ أساس العمل على النساء أنفسهن القيام به. فأنتنّ من يمكنه التفكير والتخطيط والمطالعة وحلّ المعضلات على صعيد الفكر والرأي، وتقديم طريق الأساليب الإجرائيّة في مقام العمل. وهذا ما يسهّل العمل كثيراً ويقربه. بالطبع، قدّمت النساء المحترمات في هذا الملتقى اقتراحات بعضها عمليّ بشكل كامل، وفي متناول الأيدي ويمكن تطبيقه والإقدام عليه ويمكن أن يكون بالنسبة للبعض أرضيّة بنّاءة.
على كلّ حال أملنا أن تكون الشريحة النسائيّة في بلدنا إن شاء الله من أكثر الشرائح نجاحاً، وتتمكّن بناتنا الشابات إن شاء الله من القيام بخطوات عظيمة على هذه الأرضيّة التي أوجدتموها ونصبح يوماً بعد يوم بمشيئة الله أقرب إلى الأهداف الإسلاميّة السامية، إن شاء الله تبقى بركات هذا اللقاء في هذا المجال وتستمر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الامام السيد علي الخامنئي عند لقاء مجموعة من النساء النخبة
على أعتاب ذكرى ولادة حضرة فاطمة الزهراء (ع)
22/5/2011م
اترك تعليق