حروب غزة
كان قادة الصهيونية و قادة الحلفاء على ادراك لحجم المشروع و صعوباته بانشاء دولة (اسرائيل) . فلسطين مأهولة بالسكان منذ ما قبل التاريخ.
القضية ليست احتلالاً من دولة لدولة بل مشروع خطير ينافي اي مفهوم انساني, اقتلاع بشر و سكان بشتّى الوسائل و استقدام آخرين غرباء للسكن مكانهم . مشروع بهذه الخطورة خطط له بغدر و مكر و على غفلة من اهل الارض الذين خرجوا لتوهم من احتلال عثماني طويل اوصلهم الى عصر الانحطاط بكل المقاييس . حلّت الهجرات الاولى برعاية بريطانيا و امّنت المراكز لتدفق العصابات . كل الهجرات الاولى هي فرق عصابات مسلحة مع حاجاتها اللوجستيّة . فرضت العصابات سيطرة على اماكن عديدة في ظل الوجود البريطاني . و على المقلب الدولي صدر قرار تقسيم فلسطين 3 نوفمبر 1947 , دور الحلفاء بتكريس واقع دولي سياسي لدولة "اسرائيل" . ايار 1948 كانت النكبة . خلال النكبة ارتكبت العصابات الصهيونية مجازر وحشيّة أدّت الى خوف عارم فنزح معظم الفلسطنيين عن اراضيهم و اعلنت الدولة على مساحة اكبر من تلك المعلن عنها بقرار التقسيم . قطاع غزة و الضفة الغربية كانوا خارج دولة العدو , الاولى مع مصر و الثانية مع المملكة الاردنية .
جزء كبير من سكان الجنوب الفلسطيني نزحوا الى القطاع و طبعا نزح جزء كبير الى الضفة .
اكتظ القطاع بالسكان و مع ولادات مرتفعة اصبح من الاكثر كثافة سكانية بالعالم .
عام 1967 احتل العدو القطاع و كامل سيناء دون تهجير للسكان . اتفاقية كامب دايفيد لم تتطرق الى وضع القطاع .انسحب العدو من سيناء و بقي القطاع تحت الاحتلال . بسبب الكثافة السكانية كان زرع المستوطنات صعبا و ضبط الامن كذلك . زرعت "اسرائيل" حوالي 19 مستوطنة صغيرة في القطاع و بلغ عدد سكانهم حوالي 8600 مستوطنة فقط , بعد اتفاقية اوسلو كان القطاع جزء من الدويلة الفلسطينية حسب الاتفاق و لكنه بقي عمليا ضمن النفوذ العسكري الاسرائيلي تماما كما الضفة .
فلسطينيو القطاع بمعظمهم رفضوا اوسلو و خاصموا منظمة التحرير الفلسطينية و اتخذوا خيار المقاومة تحت الراية الاسلامية ( حركة حماس و حركة الجهاد) خلال الاعوام بين 1993 و 2005 . قام المقاومون بمجموعة من العمليات ضد العدو , قررت حكومة شارون عام 2005 اخلاء القطاع و تم ذلك خلال شهر ايلول معلنة عن حسن نيّة .
لكن شارون كان قد صرّح للداخل "الاسرائيلي" ان كلفة حماية المستوطنات اكثر من بقائها . هذا هو التفكير الصهيوني . حجم ارض الدولة مهم انما ليس على حساب قوتها , حدود الدولة غير مهم , تتوسّع حين يسهل ذلك فالمشروع كبير و تتقلّص اذا اضطرت .
الانسحاب من القطاع هو عمليا تحرير القطاع . اختار العدو الخناق حين عجز عن الاحتفاظ به و حصار القطاع ضروريا بالنسبة للعدو حتى لا يقوى بيوم على تهديده لكن الامور صارت بعكس ارادته . حين زوّد القطاع بما يمكنه من زيادة قدراته العسكرية تدريجيا . صنع صواريخ صغيرة قصيرة المدى لكنها تطال مستوطنات الغلاف و طوّرها حتى اصبحت تطال تل أبيب و حفر الانفاق للدفاع و احيانا للهجوم و طبعا للنقل . ارادة الحياة عنده جبّارة , اختاروا المقاومة و الجهاد و استبسلوا و ابدعوا , عرف العدو بنموّ القدرات و لاحق القادة و الخبراء عبر استخباراته ( معظمهم من الفلسطينيين اللذين اتخذوا خيار اوسلو) و قام بعدّة اغتيالات بشتّى الوسائل مما ادّى الى رد من المقاومة بالصواريخ فكانت اول لمعارك الكبيرة عام 2008 .
بالعودة الى مقدمة المقالة دولة "اسرائيل" هي دولة غير طبيعية وجدت بعملية قيصريّة كانت جيشا اولا ثم شعبا ( الحاجة اللوجستيّة للجيش) .
قامت محاطة بالاعداء و ضرورة بقائها تهديدهم , لا تبحث عن استقرار مع الخارج , اقتصادها مؤمّن من الخارج , جلّ ما تبحث عنه استقرار في الداخل مبني على وعي انها متفوّقة , حروبها على ارض الآخرين و منتصرة , و لا احد يستطيع تهديد مواطنيها , هذا شرط اساسي لهجرة اليهود من دول مستقرة اليها كما هو شرط لعدم عودة مواطنيها اليهود من حيث جائوا .
الحرب على غزّة عام 2008 كانت قاسية جدا على شعبنا و وقع فيها مجازر عدّة (ارتقى اكثر من 200 شهيد و اكثر من 700 جريح في اليوم الاول 27 كانون الاول 2007 ) .
كان العدو يبحث عن نصر بعد لاخفاق في حربه على لبنان عام 2006 لناحية معنويات و وظيفة الجيش كما لناحية معنويات و استقرار يهود دولة العدو في مستعمرات الجنوب . حاول العدو الوصول الى اهدافه بكل الوسائل الوحشيّة و استعمل الاسلحة المحرّمة دوليا . رمى اطنان القذائف و الصواريخ على بقعة جغرافية صغيرة مليئة بالسكان . المقاومة في غزة صمدت و استمرت تدك مستعمرات العدو بالصواريخ الصغيرة الغير الفتّاكة . لم تتراجع و لم تسمح للعدو باعادة احتلال غزة رغم الاعلان عن حملة بريّة اخترق فيها القطاع من اكثر من مكان . الصمود , رغم كل الآلام و التضحيات , ادّى الى وقف الحرب دون تحقيق اهداف العدو . صواريخ غزة الصغيرة تطوّرت . كبر الحجم و التأثير و وصل مداها الى تل ابيب . عاود العدو الحرب في العام 2012 ثم 2014 دون تحقيق اية اهداف بينما المقاومة تزداد قوة و لو ببطء . هذه المسيرة تنازلية للعدو و تصاعديّة لشعبنا . لا العدو يستطيع الاستمرار بالحرب بشكل دائم و لا اهلنا يستطعون . و كون الحرب تحتاج الى اعداد ( خاصة بالسلاح ) و كونها مكلفة علينا ( خاصة بالتضحيات ) لذلك كنّا ردة الفعل اكثر من كوننا الفعل . كان العدو يذهب الى هذا الخيار من اجل وقف النمو التصاعدي لمقاومة شعبنا . حالياً بات الوضع اصعب . العدو يدرك صعوبة الحرب المقبلة مع لبنان او مع غزة . و نحن نعرف مأزق العدو و امكاناته و دور حلفائه بالاخص الاميركي الموجود على ارضنا حاليا .
"اسرائيل" لا تريد حربا جديدة مع غزة و لا تريد ذلك مع لبنان . تبحث عن حلول في مكان آخر و لم تجدها بعد و لن تجدها .
عميد الاذاعة
الامين مأمون ملاعب
نسخ الرابط :