مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

شخصية الزهراء (ع) الجامعة وأسوة المرأة المسلمة

شخصية الزهراء (ع) الجامعة وأسوة المرأة المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك لجميع النساء والرجال المحبّين والطّالبين للحقّ في أنحاء العالم, وكذلك لكم أيّها الأخوة والأخوات الذين قدمتم من مراكز جامعيّة وثقافية وسياسية, وكذلك لأسر الشهداء المحترمة الذين حضروا هذا المجلس وهذا الإجتماع بمناسبة ميلاد سيّدة نساء العالمين, الصدّيقة الكبرى (ع), وأرحّب بكم.
عظمة شخصية فاطمة الزهراء (ع)
إنّ الإنسان كلّما فكّر وتدبّر أكثر في أحوال الزهراء الطاهرة (ع) يحتار أكثر, وحيرة الإنسان ليست ناجمة عن كيفيّة تمكّن هذا الكائن الإنساني من نيل هذه الرتبة من الكمالات المعنويّة والمادّية في سنين الشّباب –وهي بالطبع حقيقة تثير الحيرة أيضاً- بل من القدرة العجيبة التي استطاع الإسلام بها أن يبلغ بتربيته الرفيعة إلى درجة تُمكِّن إمرأة شابّة كسب هذه المنزلة العالية في تلك الظروف الصعبة. فعظمة هذا الكائن وهذا الإنسان الرفيع تثير العجب والحيرة وكذلك عظمة الرسالة التي أظهرت هذا الكائن عظيم القدر وجليل المنزلة.
ولدت بنت النبي (ص) الكريمة في السنة الخامسة للبعثة طبقاً للقول المشهور, وعلى هذا فإنّ عمر فاطمة الزهراء (ع) حين الإستشهاد كان 18 عاماً. وقيل إنّ ولادة هذه السّيدة الكريمة كانت في السنة الثانية أو السنة الأولى للبعثة, فيكون الحد الأكثر لعمرها 22 أو 23 عاماً. ولو أخذتم جميع القيود التي يمكن أن تحيط بالمرأة (خاصّة في تلك الفترة حيث كانت القيود أكثر). فعند ذلك ترون العظمة التي أثبتتها هذه السيّدة المكرّمة في تلك الظروف وخلال هذا العمر القصير, وبالطبع إنّني لا أتمكّن أن أتكلّم عن الجوانب المعنويّة والروحيّة والإلهيّة لتلك السيّدة الكريمة, فأنا أصغر من أن أدرك تلك الأمور, وحتّى لو استطاع شخص إدراك ذلك, فإنّه لا يستطيع وصفها وبيانها كما هو حقّها, فتلك الجوانب المعنويّة هي عالم آخر.
جُهدُ فاطمة (ع).. "إنّ فاطمة (ع) كانت محدَّثة"
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "إنّ فاطــمة كــانت مُحـدَّثة" أي أنّ الملائكة كانت تنزل عليها وتأنس معها وتحدّثها. وهناك روايات عديدة في هذا المجال. وإنّ كونها محدّثة لا يختصّ بالشيعة فقط, فالشّيعة والسنّة يعتقدون أنّه كان هناك أشخاص في صدر الإسلام –أو من الممكن وجودهم-كانت تحدّثهم الملائكة, ومصداق هؤلاء في رواياتنا هي فاطمة الزهراء (ع). وقد ورد في هذه الرواية عن الإمام الصادق (ع) بأنّ الملائكة كانت تأتي فاطمة الزهراء (ع) وتتحدّث معها وتقرأ عليها آيات الله. وكما أنّ هناك تعبير في القرآن حول مريم (ع) في الآية »إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين» (آل عمران 42)   فإنّ الملائكة كانت تخاطب فاطمة الزهراء (ع) وتقول: "يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين". ثمّ يقول الإمام الصادق (ع) في هذه الرواية بأنّ الملائكة في إحدى الليالي كانت تتحدّث مع فاطمة (ع) وكانت تذكر هذه العبارات, فقالت فاطمة الزهراء (ع) لها: "أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم" فقالت الملائكة لفاطمة الزهراء (ع): بأنّ مريم كانت المفضّلة على النساء في زمانها وفاطمة مفضّلة على النساء في كل الأزمنة من الأوّلين والآخرين.فأيّ مقام معنوي رفيع هذا؟ إنّ الإنسان العادي مثلنا لا يمكنه أن يتصوّر في ذهنه هذه العظمة والدرجة.
وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنّ فاطمة الزهراء (ع) قالت له بأنّ الملائكة تأتي وتتحدّث معها وتقول لها بعض المسائل، فقال لها أمير المؤمنين (ع) بأنْ تخبره عندما تسمع صوت الملك حتّى يكتب ما تسمع, فكتب أمير المؤمنين (ع) ما أملته الملائكة إلى فاطمة الزهراء (ع)، وأصبح هذا كتاباً موجوداً لدى الأئمّة (ع) اسمه (مصحف فاطمة) أو (صحيفة فاطمة).
وقد جاء في روايات عديدة أنّ الأئمة عليهم السلام كانوا يراجعون (مصحف فاطمة) في مسائلهم المتنوّعة, ثمّ قال الإمام (ع): "إنّه ليس فيها حلال وحرام, فيها علم ما يكون", فأيّ علم رفيع هذا؟ وأيّة معرفة وحكمة ليس لها نظير هذه التي أعطاها الله تعالى لإمرأة في سنيّ الشباب؟ هذا هو المقام المعنوي للزهرء (ع).
إنّ هذه المسائل المعنوية لها ارتباط كبير بالفضائل العمليّة, ارتباط بما ينجم عن جهد فاطمة الزهراء (ع) وهذا المقام لا يعطى مجّاناً وبلا سبب. فعمل الإنسان له تأثير كبير في إحراز الفضائل والمناقب المعنويّة.
جهاد الزهراء (ع) في الدفاع عن الاسلام والنبي (ص)
البنت التي ولدت في لهيب الجهاد المرير للنبي (ص) في مكّة, والتي أعانت أباها وواسته في شعب أبي طالب, كانت فتاة عمرها حوالي 7 – 8 سنوات أو أقل أو أكثر بعدة سنوات (حسب اختلاف الروايات), ومع ذلك تحمّلت تلك الظروف, مَنْ الّذي يرفع عن وجهها غبار الهمّ في تلك الظروف حيث توفّيت خديجة وأبو طالب والنبي (ص) لوحده بلا مواس, والجميع كانوا يلوذون به؟ فلا خديجة ولا أبو طالب, في تلك الظروف الصعبة, وفي ذلك الجوع والعطش والبرد والحر الذي استمرّ ثلاث سنوات في شعب أبي طالب (وهي من الفترات الصعبة في حياة النبي "ص") حيث كان يعيش عدد من المسلمين في شقّ جبل وهم في حالة إبعاد إجباري, في تلك الأحوال تحمّلت هذه الفتاة المشاكل فكانت كالمنقذ للنبي (ص), وأمّ لأبيها, وممرضة عظيمة لذلك الإنسان العظيم. فقد واست النبي (ص) وتحمّلت العناء وعبدت الله وعزّزت إيمانها، وهذّبت نفسها وفتحت قلبها للمعرفة والنور الإلهي. وهذه هي الأمور التي توصل الإنسان إلى الكمال.
وبعد الهجرة؛ وفي بداية سنين التكليف تزوّجت فاطمة الزهراء(ع) من علي بن أبي طالب (ع). ولعلّكم جميعاً تعرفون البساطة وحالة الفقر التي مرّت بها فاطمة الزهراء(ع) بعد زواجها وهي بنت الشخص الأوّل في العالم الإسلامي, والحاكم على أولئك النّاس.
إنّ حياة فاطمة الزهراء (ع) في جميع الأبعاد كانت مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسمو الروحي للإنسان, وكان زوجها الشاب في الجبهة وميادين الحرب دائماً, وكانت مشاكل المحيط والحياة قد جعلت فاطمة الزهراء(ع) مركزاً لمراجعات الناس والمسلمين. وقد أمضت البنت المعينة للنبي (ص) حياتها بمنتهى الرفعة في تلك الظروف, وقامت بتربية أولادها الحسن والحسين وزينب وإعانة زوجها علي(ع) وكسب رضا أباها النبي (ص), وعندما بدأت مرحلة الفتوحات والغنائم لم تأخذ بنت النبي ذرّة من لذائذ الدنيا وزخرفها ومظاهر الزينة والأمور التي تميل لها قلوب الشابّات والنساء.
وكانت عبادة فاطمة الزهراء(ع) عبادة نموذجيّة, يقول الحسن البصري الذي كان أحد العبّاد والزهّاد في العالم الإسلامي حول فاطمة الزهراء(ع) بأنّ بنت النبي عبدت الله ووقفت في محراب العبادة إلى درجة (تورّمت قدماها), ويقول الإمام الحسن المجتبى (ع) بأنّ أمّه وقفت تعبد الله في إحدى الليالي حتّى الصبح (حتى انفجر عمود الصبح). ويقول الإمام الحسن (ع) أنّه سمعها تدعو دائماً للمؤمنين والمؤمنات, وتدعو للناس وتدعو للمشاكل العامّة للعالم الإسلامي, وعند الصباح قال لها: "يا أمّاه أما تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك, فقالت: يا بنيّ الجار ثمّ الدّار".
إنّ جهاد تلك المكرّمة في الميادين المختلفة هو جهاد نموذجي, في الدفاع عن الإسلام وفي الدفاع عن الإمامة والولاية, وفي الدفاع عن النبي (ص) وفي المعاشرة مع أكبر القادة الإسلاميين وهو أمير المؤمنين الذي كان زوجها. وقد قال أمير المؤمنين(ع) مرّة بشأن فاطمة الزهراء(ع): "ما أغضبتني ولا خرجت من أمري". ومع تلك العظمة والجلالة, فإنّ فاطمة الزهراء (ع) كانت زوجة في بيتها, وإمرأة كما يقول الإسلام, وعالمة رفيعة في محيط العلم. وعن الخطبة التي قالتها فاطمة الزهراء (ع) في مسجد المدينة بعد رحلة النبي (ص) قال العلاّمة المجلسي: إنّ على كبار الفصحاء والبلغاء والعلماء أن يجلسوا ويوضّحوا كلمات وعبارات هذه الخطبة. فقد كانت قيّمة إلى هذه الدرجة. ومن حيث الجمال الفنّي فإنّها كانت مثل أجمل وأرفع كلمات نهج البلاغة وفي مستوى كلام أمير المؤمنين(ع). ذهبت فاطمة الزهراء(ع) ووقفت في مسجد المدينة وتكلّمت ارتجالاً أمام الناس حوالي ساعة كاملة بأفضل وأجمل العبارات وأصفى المعاني. هكذا كانت عبادتها وفصاحتها وبلاغتها وحكمتها وعلمها ومعرفتها وحكمتها وجهادها وسلوكها كزوجة وكأمّ, وإحسانها إلى الفقراء. فمرّة أرسل النبي(ص) رجلاً عجوزاً فقيراً إلى بيت أمير المؤمنين (ع) وقال له أن يطلب حاجته منهم, فأعطته فاطمة الزهراء (عليها السلام) جلداً كان ينام عليه الحسن والحسين حيث لم يكن عندها شيئاً غيره, وقالت له أن يأخذه ويبيعه ويستفيد من نقوده. هذه هي شخصية فاطمة الزهراء (ع) الجامعة للأطراف؛ إنّها أسوة للمرأة المسلمة.
دور العلماء لا يعادل أهمية دور الأم
إنّ على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق الحكمة والعلم، وفي طريق التهذيب المعنوي والأخلاقي للنفس وتكون طليعة في ميدان الجهاد والكفاح (بكلّ أنواعه) ولا تهتمّ بزخارف الدنيا ومظاهرها الرخيصة، وتكون عفّتها وعصمتها وطهارتها بدرجة، بحيث تدفع عنها نظر الأجنبي تلقائيّاً، وفي البيت سكينة للزوج والأولاد وراحة للحياة الزوجيّة، وتربّي في حضنها الحنون والرءوف وبكلماتها اللطيفة والحنونة أولاداً مهذّبين بلا عقد، وذوو روحيّة حسنة وسليمة، وتربّي رجالاً ونساءاً وشخصيّات المجتمع. إنّ الأمّ هي أفضل من يبني، فأكبر العلماء قد يصنعوا أداة إلكترونيّة معقّدة جدّاً مثلاً، أو يصنعوا أجهزة للصعود إلى الفضاء أو صواريخ عابرة للقارّات، ولكن هذا كلّه لا يعادل أهمّية بناء إنسان رفيع، وهو عمل لا يتمكّن منه إلاّ الأمّ، وهذه هي أسوة المرأة المسلمة.
إنّ العالم الإستكباري الغارق في الجاهليّة يخطأ عندما يتصوّر إنّ قيمة واعتبار المرأة هو في تجمّلها أمام الرجل حتى تنظر إليها العيون الطائشة وتتمتّع برؤيتها وتصفّق لها. وهذا الذي يطرح اليوم من قبل الثقافة الغربية المنحطّة بعنوان حريّة المرأة قائم على هذا الأساس؛ وهو جعْل المرأة معرّضة لأنظار الرجل حتّى يتمتّع بها الرجل ويلتذّ منها فتكون النساء وسيلة لالتذاذ الرجال. ويسمّون هذا حرّية المرأة. فهل هذه هي حرّية المرأة؟.
إنّ الّذين يدّعون حماية حقوق الإنسان، وحقوق المرأة في العالم الغربي الجاهل، والغافل والمنحرف، هم في الحقيقة يظلمون المرأة. إنّ عليكم أن تنظروا إلى المرأة نظرة إنسان رفيع حتّى يتّضح ما هو حقّها وحريّتها وكمالها؟ انظروا إلى المرأة ككائن يمكنه أن يصلح المجتمع عن طريق تربية أناس بمستوى عال حتى تتّضح ما هي المرأة وكيف هي حريّتها. انظروا للمرأة على أنّها عنصر أساسي في تشكيل الأسرة، فرغم أنّ الأسرة تتشكّل من الرجل والمرأة، وكلاهما مؤثّر في تشكيل الأسرة، ولكن استقرار أجواء الأسرة هو ببركة المرأة وطبيعة النساء. فلينظروا إلى المرأة هذه النظرة حتّى يتبيّن كيف تتكامل المرأة، وأين هي حقوقها؟
الغرب وظلم المرأة
إنّ الأوروبيين عندما تقدّموا صناعيّاً (أوائل القرن التاسع عشر) وفتح الرأسماليّون الغربيّون مصانع كثيرة، كانوا بحاجة إلى عمّال بأجور زهيدة لا يثيرون العناء، ولذا رفعوا ضجّة حريّة المرأة من أجل سحب المرأة من الأسرة إلى المصانع، والاستفادة منها باعتبارها عاملاً زهيداً للأجور فيملئون جيوبهم ويسقطونها من كرامتها ومنزلتها.
إنّ ما طرح اليوم من حرّية المرأة في الغرب هو استمرار لتلك القضيّة، ولذا فإنّ الظلم الذي تعرّضت له المرأة في الثقافة الغربية والفهم الخاطئ للمرأة في الثقافة والأدب الغربيين ليس له نظير في كلّ عصور التاريخ. فقد تعرّضت المرأة سابقاً إلى الظلم ولكن الظلم العام والشامل يختصّ بالفترة الأخيرة وهو ناجم عن الحضارة الغربية، حيث اعتبروا المرأة وسيلة لالتذاذ الرجال وأطلقوا على ذلك اسم حرّية المرأة! بينما الحقيقة هي أنّ ذلك هو حرّية للرّجال الطائشين من أجل التمتّع بالمرأة. ولم يقم الغربيون بظلم المرأة في مجال العمل والنشاط الصناعي وأمثال ذلك فقط، بل كذلك في مجال الفنّ والأدب أيضاً. فلو نظرتم اليوم في النتاجات الفنّية وفي القصص والشعر والرسوم وفي أنواع الأعمال الفنّية لديهم، لرأيتم ما هي نظرتهم للمرأة. هل هناك اهتمام بالجوانب الإيجابية والقيم الرفيعة الموجودة في المرأة؟ هل هناك اهتمام بالعواطف الرقيقة والرأفة والطبع الرؤوف الذي أودعه الله تعالى في المرأة، طبع الأمومة وروحيّة المحافظة على الطفل وتربية الأولاد، أم الإهتمام بالجوانب الجنسية أو بتعبيرهم جوانب العشق، وهو تعبير خطأ وغير صحيح، فحقيقة المسألة هي الشهوة وليست العشق، وقد أرادوا تربية المرأة وتعويدها هكذا، فهم يعتبرون المرأة كائناً استهلاكيّاً سخيّاً، وعاملاً قليل المطالبة وزهيد الأجور.
ضرورة عودة المرأة المسلمة إلى فطرتها وأصلها
إنّ الإسلام لا يعتبر ذلك قيمة للمرأة، والإسلام يؤيّد عمل المرأة، بل لعلّه يعتبره لازماً عندما لا يزاحم عملها الأساسي، والذي هو أمّ أعمالها، أي تربية الأولاد والمحافظة على الأسرة، ولا يمكن للبلد أن يستغني عن طاقة العمل عند النساء في المجالات المختلفة. ولكن هذا العمل يجب أن لا يتنافى مع كرامة المرأة وقيمتها المعنوية والإنسانيّة. ويجب أن لا يذلّوا المرأة ولا يدفعوها إلى التواضع والخضوع؛ فالتكبّر مذموم من جميع الناس إلاّ من النساء أمام الأجانب. فيجب أن تكون المرأة متكبّرة أمام الرجل الأجنبي »فلا تخْضَعْنَ بالقول» (الأحزاب 32). وهذا هو من أجل المحافظة على كرامة المرأة، والإسلام يريد هذا وهذه هي أسوة المرأة المسلمة. المعجزة العظيمة التي تصنعها المرأة المسلمة عندما تعود إلى فطرتها وأصلها، كما حصل في الثورة والنظام الإسلامي –ولله الحمد– وكما يشاهد اليوم أيضاً، فنحن لم نرى تلك القدرة والعظمة من النساء كما نراها اليوم في أمّهات الشهداء، ولم نرى تلك التضحية من النساء الشابات كما رأيناها في فترة الحرب حيث كنّ يرسلن أزواجهنّ الأحبّاء إلى ميادين الحرب ويحافظن على أسرهن وعفّتهن وأمانتهن ليبقى الأزواج مرتاحي البال هناك.
فهذه هي عظمة الإسلام التي ظهرت على وجوه نسائنا الثوريات في أيام الثورة وحاليّاً أيضاً –ولله الحمد- فلا يقول البعض أنّ النساء لا يمكنهن كسب العلم إذا حافظن على الحجاب والعفّة وإدارة البيت وتربية الأولاد. فكم من النساء العالمات لدينا في مختلف المجالات في مجتمعنا –ولله الحمد- فهناك عدد كبير من الطالبات الجامعيّات المجدّات ومن ذوات القابليّة، وكذلك من الخرّيجات في مستويات عالية وطبيبات ممتازات من النمط العالي في مجالات علميّة متنوّعة.
إنّ نساءنا اليوم في الجمهوريّة الإسلاميّة يحافظن على عفافهن وعصمتهن وطهارتهن كنساء ويحافظن على الحجاب بشكل كامل، ويقمن بتربية أولادهن بالطريقة الإسلامية كذا بالواجبات الزوجية كما يقول الإسلام، ويمارسن نشاطات علمية وسياسية. والآن بينكن أيتها السيدات الحاضرات هنا عدد كبير لديهنّ نشاطات سياسية واجتماعيّة جيّدة جدّاً ونشاطات ممتازة، سواء السيدات المتزوّجات أو غير المتزوّجات ويفخر الأزواج أيضاً –ويجب أن يفخروا- في أنّ نساءهم متقدّمات في ميادين متنوّعة ويستطعن أن يصلن إلى الكمال الحقيقي في محيط إسلامي، وبروحيّة إسلاميّة، بعيداً عن الانحطاط ومظاهر الزينة والاحتقار.
إنني أقول للنساء المسلمات –الشابّات وربّات البيوت- لا تذهبن وراء الإعلام الاستهلاكي الّذي يروّج له الغرب كالأرَضَة في روح المجتمعات البشريّة ومجتمعات الدول النامية ومنها دولتنا. فالاستهلاك جيّد بمقدار اللازم وليس في حدّ الإسراف، وعلى نساء المسؤولين اللواتي لدى أزواجهن أو لديهنّ مسؤوليات في المجالات المختلفة أن يكنّ أسوة للأخريات من حيث الابتعاد عن الإسراف. ويجب عليهن أن يعطين الأخريات درساً في أنّ المرأة المسلمة هي أرفع من أن تصبح أسيرة للمجوهرات والمسكوكات الذهبية وأمثال هذه الأشياء. ولا نريد أن نقول إنّها حرام، بل نريد أن نقول إنّ شأن المرأة المسلمة هو أرفع من أن يقوم البعض –في الفترة التي يعيش كثير من أبناء مجتمعنا في وضع هم بحاجة فيه إلى المساعدات الماديّة- في شراء الذهب والزينة ووسائل الحياة المتنوّعة ويسرفون في مجالات الحياة المختلفة. وهذه هي أسوة المرأة المسلمة، وهذه هي إحدى الميادين التي نفخر بها أمام العالم الاستكباري.
وقد قلت مراراً للخطباء والمبلّغين؛ إنّ على الثقافة الغربيّة المنحطّة أن تدافع عن نفسها في مسألة المرأة، وليس نحن الذين ندافع عن موقفنا, وإنّ ما نعرضه للمرأة لا يمكن لأيّ إنسان عاقل ومنصف أن ينكر بأنّ ذلك جيّد للمرأة، فنحن ندعو المرأة إلى العفّة والعصمة والحجاب وعدم الاختلاط والمعاشرة بلا حدّ بين المرأة والرجل، والمحافظة على الكرامة الإنسانيّة وعدم الزينة أمام الرجال الأجانب من أجل أن يلتذّوا، فهل إنّ هذه أمور سيّئة؟ إنّها كرامة للمرأة المسلمة، وإنّ على الّذين يشجّعون المرأة في التزيّن والتبرّج حتّى ينظر إليها الرجال في الشوارع والأسواق ليشبعوا غرائزهم الجنسيّة أن يدافعوا عن أنفسهم لأنّهم أنزلوا المرأة إلى هذا الحدّ وأذلّوها. إنّ ثقافتنا هي ثقافة يقبلها العظماء والعلماء، حتّى في الغرب، لا تقبل النساء العفيفات واللواتي يرين لأنفسهنّ قيمة أن يجعلن أنفسهن أداة لإشباع الغرائز الجنسية للأجانب والأنظار الطائشة.
الإسلام وحفظ حقوق الإنسان
إنّ الثقافة الغربية المنحطّة فيها أمور كثيرة من هذا القبيل، ومن المسائل التي يتكلّمون عنها هي مسألة حقوق الإنسان. فهل أنّ الأمر الذي يدافع عنه الغرب هو حقوق الإنسان حقيقة؟ فزعماء حقوق الإنسان صامتون عندما تهدر حقوق أكثر من مليار مسلم تهان مقدّساتهم. وأنتم ترون اليوم إنّ جميع الأجهزة الاستكبارية وعملاءها من أصحاب الأقلام والمرتزقة قد وقفوا صفّاً في الدفاع عن إنسان لا قيمة له عرض كتاب آيات شيطانية للناس، وهو إنسان مرتد وملحد، إنّه سلمان رشدي، فهل إنّ هذا هو دفاع عن حقوق الإنسان؟ لماذا لا يتكلّمون عن حقوق الإنسان عندما تهدر حقوق مائتي مليون مسلم هندي وتحرق أماكن العبادة من قبل بعض الجاهلين والمتعصّبين الّذين يحرّكهم أعداء الإسلام والمسلمين؟ لماذا لا يدافعون عن حقوق الإنسان في البوسنة والهرسك حيث يتعرّض ملايين الناس لأصعب العقوبات الظالمة والمجازر الجماعيّة فيموت الأطفال والنساء ويقتل المرضى، بل يكتفون بالكلام فقط؟ إذا كانوا حقّاً يدافعون عن حقوق الإنسان فلماذا سكتوا هنا؟ لماذا شرّدوا الشعب الفلسطيني من دياره وغصبوا أراضيه، ويقومون اليوم في كلّ مناسبة هم وأنصارهم بقصف المخيّمات الفلسطينية في لبنان، ولا يتكلّم الذين يدافعون عن حقوق الإنسان؟ هل أنّ هؤلاء هم المدافعون عن حقوق الإنسان؟ أم أنّهم كذّابون ومحتالون أو أنّ حقوق الإنسان بالطريقة الغربية هي حقوق معادية للإنسان، حقوق الظالمين. فهذه ليست حقوق الإنسان ونحن نؤيّد حقوق الإنسان. والإسلام يؤيّد حقوق الإنسان، وليس هناك أي دين كالإسلام يعطي للإنسان هذا القدر من القيمة والكرامة الرفيعة.
إنّ من القواعد الإسلاميّة التي تطرح دائماً في مدح الإسلام هي قاعدة تكريم الإنسان، فنحن أوّل المؤيّدين لحقوق الإنسان، ولكن حقوق الإنسان يمكن الدفاع عنها في ظلّ الإسلام واعتبارها حقوقاً للإنسان، فالإسلام هو الّذي دافع عن حقوق الناس في أحكامه، سواء في الأحكام القضائيّة والجزائيّة أو في الأحكام المدنيّة والحقوق العامة والمسائل السياسية، وإنّ ما يعتبره أولئك حقوقاً للإنسان ليست حقوقاً للإنسان. ونحن ندافع عن حقوق الإنسان وسوف نتابع حقوق الإنسان ولا نهتمّ بما تقول اللجنة الفلانية لمنظمة الأمم المتّحدة واللجنة الدولية الفلانية، فنحن ندافع عن حقوق الإنسان لأنّ الإسلام أمر بذلك، لأنّ حقوق الإنسان هي من أسس الإسلام، أمّا ما يطرحه أولئك فنعتبره حيلة وكذب. فذلك هو دفاعهم عن حقوق المرأة وهذا هو دفاعهم عن حقوق الإنسان.
إنّ المستكبرين والمستبدّين وناهبي العالم، والذين لا يهتمون بحقوق الشعوب والعاملين للقضاء على مصالح الشعوب الضعيفة، والمحتلّين لأراضي الدول الضعيفة، يحملون اليوم راية الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ومن الواضح أنّ الشعوب الإسلاميّة لا يمكن أن تهتمّ بهؤلاء. والمهمّ أن تقمن أنتنّ النساء المسلمات وخاصة الشابّات والفتيات الجامعيّات والسيّدات العاملات في النشاطات العلميّة، والاجتماعيّة، والسياسية، بمتابعة هذه الطريقة الإسلاميّة بجدّية واهتمام كامل وعدم تركها.
إنّ التربية الإسلامية والثورية للمرأة المسلمة تدعو إلى فخر وتباهي الجمهورية الإسلامية. ونحن نفخر بنسائنا المسلمات، ونفخر عندما تظهر النساء بحجاب كامل في الصور التي تلتقط للمسيرات، وهنّ يحملن أطفالهن ويخرجن إلى المسيرات في الظروف الصعبة لإعلان موقف سياسي، أو يحضرن في صلاة الجمعة –وهي أمر عبادي وسياسي- ويدلين بأصواتهن لانتخاب المرشّحين السياسيين.
إنّ الجمهوريّة الإسلامية تفخر ويرتفع شأنها عندما تحصل نساؤها على درجات عالية في الجامعات، أو يحصلن على الرتبة الأولى والثانية في الفروع المختلفة للامتحانات الوزارية، وهذا فخر لأحكام الإسلام النورانية.
وفي هذا العالم الذي تتحرّك فيه موجات الإعلام المنحرف الخاطئ من كلّ الجوانب استطاعت المرأة المسلمة إثبات وجودها بهذه الشجاعة وبهذا الرأي المستقل، وكلّ هذا من بركات الإسلام.
إنّ محيط الجامعات مهمّ جدّاً، وعلى السيدات الجامعيات والأساتذة أن يسعين لنشر هذه الروحية والثقافة الإسلامية في محيط الجامعات، ولا يسمحن بهتك حرمة الحجاب الإسلامي وكذا النساء والطالبات الجامعيات المسلمات أو نشر الأفكار الفاسدة، فمحيط الجامعة يجب أن يكون محيطاً إسلاميّاً, محيطاً لنمو الإنسان والمرأة المسلمة، المرأة التي أسوتها فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وذلك مهمّ جدّاً لمستقبل البلد، والموضع أكثر أهمّية في بعض الجامعات مثل المعهد العالي للمعلّمين، الذي هو في الحقيقة مؤسّسة ثوريّة، وقد قلت دائماً إنّ ما ننتظره من المعهد العالي للمعلّمين هو أكثر من الجامعات الأخرى، فرغم إنّ جميع الجامعات هي اليوم في ظلّ الإسلام ولله الحمد ولكن المعهد العالي للمعلّمين هو وليد الإسلام والثورة، وقد أسّس بهدف إعداد الأساتذة والمدرّسين الإسلاميين من أهل المنزلة الرفيعة، وما ننتظره من هذه الجامعة هو أكثر من الجامعات الأخرى، ويجب أن يكون اهتمام المسؤولين بهذا النوع من المراكز اهتماماً لائقاً وكما ينبغي. نرجو أن يشملكم الله تعالى برحمته ورعايته ويتلطّف عليكم الوجود المقدّس لوليّ العصر أرواحنا فداه وترضى عنكم الروح المقدّسة لإمامنا الكبير.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
   
المناسبة: مولد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع)
الزمان والمكان: 21 جمادى الثانية 1413 هـ / طهران
بحضور جموع من طالبات المراكز والجامعات الثقافية والسياسية وأسر الشهداء

التعليقات (0)

اترك تعليق