نص من كلمة للسيد القائد بمناسبة ولادة الزهراء (ع): كل كلمة أو إشارة من فاطمة (ع) يجب أن تكون نموذجا لنا
بسم الله الرحمان الرحيم
الملاحظة الأولى تتعلق بفاطمة الزهراء(ع) علماً أنّ من الصعوبة بمكان على أشخاص مثلي أن يريدوا الحديث –ولو من بعيد- حول تلك العظمة. فنحن إنّما نمرّر في أذهاننا خيالاً، وصورةً، ونقشاً، فأين ذلك من الواقع والحقائق التي هي أعظم بكثير من أذهاننا؟ الحقّ أنّ ابنة النبي(ص) هي اللغز المحيّر لذهن البشر، والمعارف البشريّة. ضعوا جميع الناس في جهة، ثمّ ضعوا الأولياء في جهة أخرى، فسوف تلاحظون أنّه على الرغم من أنّ عدد الأولياء قليل إلا أنّ كفتهم سوف ترجح على جميع البشريّة. وإذا ما اعتبرنا ملاك الرجحان والعظمة، المعرفة والوعي بحقيقة العالم، والقرب من الله –أي ينبوع كل مظاهر الوجود- فإنّنا سنرى أنّ أحد أولياء الله هو أكثر عظمة، ورجحاناً، وجلالاً من ما سوى جميع الأولياء، وجميع الوجود عداء الأولياء.
عندما تنظرون إلى صفّ الأولياء وعباد الله الصالحين، فسترون أنّ هناك قمماً تكون نسبتها بالقياس إلى الأشخاص العظام الآخرين في عالم المعنوية والمعرفة، نسبة غير قابلة للتصوّر، وعظيمة بشكل خارق. فالاختلاف هو اختلاف فاحش. وهذه القمم تتمثّل في أولئك الأشخاص الذين أينما تطلّعتم إليهم في تاريخ الرسالات، فإنّكم ترونهم من أيّ جانب نظرتم إليهم مثل الأنبياء أولي العزم، والعظام من هذا القبيل، وفي هذا المستوى. ولكن هناك في مجموعة هذه المظاهر من العظمة والجلال، وبين هؤلاء الأكثر بروزاً الذين يعدّ ذكرهم بالنسبة لنا ولأمثالي مجرد لقلقة لسان حيث أنّ قلوبنا، وأرواحنا، ونفوسنا هي أصغر، وأحقر بكثير من أن تستطيع إدراك هذه المظاهر المعنوية، فهي تحمل في أذهانها من بعيد مجرّد صورة تجريها على اللسان، على أنّ هذه الصورة هي من صنع كلماتها، [أقول أنّ هناك] نماذج نادرة للغاية تسمو على الوصف والبيان من بينها فاطمة الزهراء(ع) والتي لا يمكن مقارنتها إلا مع النبي وأمير المؤمنين(ع).
كل كلمة وإشارة من فاطمة الزهراء(ع) يجب أن تكون نموذجاً لنا:
وفي مجال تنزُّل الوجود، حيث تتصل مظاهر العظمة الملكوتيّة بحقائق عالم الجسم والمُلك، وتُصبح هذه القوالب البشريّة حاملة لتلك المظاهر المعنوية والأرواح، فإنّ كل حركة، وإشارة، وكل كلمة من لسانها تتحوّل لنا نحن المتخلّفين إلى نموذج نوراني، فلا يكفي أن نعلم في أيّ ذروة، وبأي عظمة كانت في هذا العالم، وستكون في عالم المعنى والملكوت. وبالطبع فإنّ العلم بذلك هو معروف لنا، وإذا ما استطاع شخص أن يحصل على معرفة واضحة –والتي لا يمكن الحصول عليها بدورها إلا في ظل العمل- فإنّ ذلك له قيمة كبرى.
إنّ المعرفة الخالصة، والواضحة، والمعبّرة عن تلك المظاهر المعنوية لا تتأتّى للجميع، وأولياء الله العظام هم وحدهم الذين يستطيعون أن يدركوا، ويروا جوانب منها، والمقدار الذي ندركه ونفهمه يجب أن يكون لنا نموذجاً لحركتنا، وعملنا. وعلى الشيعة أن لا ينسوا هذه الملاحظة علماً أنّ جميع المسلمين يشتركون في ذلك، إلا أنّ مثل هذه المعرفة تقلّ لدى غير الشيعة لا أن تكون غير موجودة أصلاً، فهناك بعض الأشخاص من غير الشيعة يتقدّمون كثيراً في باب المعرفة بالنسبة إلى أهل البيت، إلّا أنّ ذلك يتعلّق عند هذا الحدّ بالشيعة في الغالب الأعمّ.
إنّ كل حرف، وكلمة، وإشارة في حياة هذه الشخصيّة العظيمة يجب أن تكون نموذجاً لنا، وأن لا نكتفي بالمحبّة من بعد، والإحساس بالمحبّة، بل علينا أن نطبّق هذا الإحساس في الحياة، فإن لم تكن هناك محبة، فإنّ هذه العلاقة العملية سوف لا توجد. وفي ظل هذه المحبّة يمكن إيجاد هذه الرابطة، والآصرة العمليّة، ولكن أصل تلك المحبّة سوف توضع عليه علامات الاستفهام من دون تلك الرابطة والآصرة العملية، [كما يقول –تعالى-]: «قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله»*، فعلى أثر المحبّة يجب أن تكون الطاعة والمتابعة.
• سورة آل عمران، الآية: 31.
من كلمة للامام السيد علي الخامنئي (حفظه الله) لدى لقائه مدّاحي أهل البيت(ع) بمناسبة الولادة المباركة للصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء(ع)؛ 17/10/1369 هـ. ش.
المصدر: مختارات من أحاديث القائد: حديث الولاية، ج2، ترجمة د. صادق خورشا وحيدر نجف، ط1، مؤسسة الهدى، 1425 هـ. ق.
اترك تعليق