قضية المرأة قضية بالغة الأهمية وهي تحتلّ مكانة أساسية للغاية في الأسرة
بسم الله الرحمان الرحيم
قضيّة المرأة قضية بالغة الأهميّة:
في البدء أقدم –بدوري- تبريكاتي بمناسبة مولد السيدة الكبرى في تاريخ الانسانية، وأبرز امرأة عُرفت في جميع عمر البشرية (فاطمة) الزهراء (ع)، لكنّ أيتها السيدات، ولجميع نساء بلادنا، ونساء المسلمين، وكل أبناء الأمة الإسلامية. نأمل من الله أن يوفقنا جميعاً لأن نستطيع أن نكون تابعين ملتزمين لهذه الشخصيّة العظيمة، وأسرتها الطاهرة، فأولادها هم أئمتنا وقادتنا، فنرجو من الله –بإذنه- أن نكون مأمومين جيدين لأولئك العظام.
إنّ قضية المرأة التي تُمثّل موضوع نشاط السيدات الحاضرات هي قضية بالغة الأهميّة. وبالطبع فإنّ وضع المرأة في بلدنا بعد الثورة باعتبارها عضواً في المجتمع، وكذلك باعتبارها الشخص الذي يضطلع بالمسؤوليات الخاصة بالمرأة –مسؤولية الأمومة، والزوجية وأمثالهما- أفضل بكثير من السابق، رغم أنّ وضع البعض من النساء في بلدنا –وليس غالبيتهن- لعلّه لم يكن شيئاً في السابق من الناحية الشخصيّة لا من الناحيتين اللتين أشرت إليهما، فقد كانت هناك نساء على مستوى خاص يتمتعن بالرفاهية العامة بالمجتمع، إلا أنّ القضية الشخصيّة لا تُمثّل القضية الأكثر أهميّة للمرأة، فإذا نحن نظرنا إلى أبعاد حياة المرأة فإننا سنرى –حقاً- أنّ تلك القضايا ليست هي أهم جوانب وأبعاد وجودها.
النساء يشعرن بشخصيتهن اليوم حتى اللواتي في المناطق النائية:
إن الشخصية الاجتماعية للمرأة باعتبارها عضواً من هذه المجموعة الواسعة تتمتع بأهميّة كبرى، في حين أنّ النساء في الماضي لم يكنّ يلتفتنّ إلى هذا الجانب ويعرنه أهميّة في الأساس. ففي مجال المسؤوليات العامة للمجتمع لم يكن يتم افتراض دور للنساء بل إنّ النساء أنفسهن لم يكنّ يفترضن دوراً لأنفسهنّ، وخصوصاً على هذا المستوى الواسع المطروح اليوم. والآن فإنكم تلاحظون أنّ جميع نساء القرن، والمدن البعيدة يشعرن بشخصيتهن باعتبارهن أفراداً من هذه المجموعة المحافظة على هذه الثورة، وأصحابها، ومن هذه الناحية لا يوجد أي فرق بين المرأة والرجل، بل إنّ النساء في بعض الأحيان يمتلكن إيماناً أكثر حماساً، ورؤية أكثر وضوحاً بالنسبة إلى قضايا المجتمع، ويعتبرن أنفسهن معنيات بالبلد وقضاياه.
(ترى) في أي وقت كان يسود مثل هذا الشعور بين نسائنا وعلى مثل هذا المستوى الواسع من المجتمع؟ لقد حدث هذا ببركة الثورة. فنفس حالة الوعي الذاتي، والشعور بالشخصية الإجتماعية التي ظهرت بين الرجال، يمكن القول أنها ظهرت أيضاً بين النساء مقترنةً بنهضةٍ أكثر، ولم يكن لهذه الحالة وجود أصلاً في السابق، إلا أنّها اليوم موجودة على مستوىً عالٍ جداً، وهكذا الحال بالنسبة إلى الجانب المتعلّق بالأعمال، والأمور الخاصّة بالنساء ومعرفة قدر دور الأم والزوجة، فهي أيضاً من جملة الحالات التي تمّ الإلتفات إليها.
المرأة تحتلّ مكانةً أساسيّة وسامية للغاية في الأسرة:
لقد كان أساس الأسرة قد تزلزل خلال العقدين أو العقود الثلاثة قبل الثورة بسبب نفوذ الثقافة الغربية؛ أي أنّ الأسرة لم تعد تمتلك –حقاً- تلك الأصالة، والقيمة، والعظمة التي تمتلكها في الإسلام، والثقافة التقليدية. فعندما تكون الأسرة, فإنّ الزوجة والأم تكونان العضو الرئيسي فيها. فالمرأة تحتلّ في هذه المجموعة منزلة أساسية ورفيعةً للغاية، ولذلك فعندما يكون أساس الأسرة متعرّضاً للتساؤلات، ومتزلزلاً، فإنّ أي شيء سوف لا يكون في مكانه الطبيعي فيها، إنّ هذه الظواهر تمثّل مواضيع يجب تأمّلها، ودراستها بدقة بالغة.
وما أعظم التأملات الصحيحة، والإرشادات القيّمة التي يمتلكها الإسلام بشأن هذه القضايا، وهذا هو الإنجاز الذي أعطته ثورتنا لنساء مجتمعنا، فأدخلتهنّ في ساحة الجهاد، والسياسة، والتأثير في البناء الأساسي للبلاد –والذي هو نفسه بناء الثورة، وهذه الظاهرة مهمّة للغاية، ولا يمكن مقارنتها إلا مع صدر الإسلام.
الإسلام منح حياة جديدة للمرأة:
أرى أنّ من غير الضروري أن أشير مرة أخرى إلى ما جرى على النساء في الماضي في الثقافات الشرقية، والغربية، والإيرانيّة، وغير الإيرانية لأنّها معروفة من قبل الجميع. وقد منح الإسلام –حقاً- حياة جديدة للمرأة، إلا أنّ هناك ملاحظة مهمّة أكّدتُ عليها دوماً وهي أنّ المرأة في مجتمعنا الإيراني لم تصل إلى الآن –رغم كل ذلك- إلى المستوى الذي أراده الإسلام لا من ناحية الحقوق الاجتماعية، ولا من ناحية التمكن والقدرة على التصرف الفردي، ولا من ناحية القوانين المتعلقة بها.
فهناك أخلاق سلبية تسود قسماً من مجتمعنا فيما يتعلّق بالمرأة، وهي –طبعاً- لا تقتصر على إيران، فإذا ما نظر الإنسان فسيرى أنّ هناك للأسف ظلماً تعرضت له المرأة دوماً طيلة التاريخ، وهو صادر في معظمه من عدم معرفة قدر المرأة، ومكانتها. وبالطبع فإنّ هذه الظاهرة لا تعنينا أينما كانت، وبأي شكل كانت أو تكون، إلا أنّ منزلة المرأة يجب أن تكون في مجتمعنا بالشكل الذي أراده الإسلام، فالمرأة يجب أن تجد منزلتها ومستواها الحقيقي، ويجب أن لا يمارس بحقّها أي ظلم بسبب كونها امرأة، فهذه ظاهرة سلبية للغاية، سواء الظلم الذي مورس بحق المرأة ويحمل اسم الظلم، وسواء المظالم التي لا توصف بأنّها ظلم؛ مثل جرفها باتجاه الكماليات، والنزعة الاستهلاكية، والتبرج الأجوف، والنفقات الباهظة، وتحولها إلى أداة استهلاكيّة. فهذا ظلم كبير للمرأة، ولعلنا نستطيع أن نقول أنه لا يوجد ظلم أكبر من هذا، ذلك لأنه يدفعها إلى أن تغفل وتعرض بشكل كامل عن غاياتها، وأهدافها التكاملية، لتشغلها بالأشياء التافهة والحقيرة للغاية. وقد كان هذا هو العمل الذي تمّ في ظل النظام الملكي الظالم، وكان علينا أن نحول دونه. وقد كانت الأمور تجري بشكل جيّد بل جيّد جداً في أوائل الثورة، ولكن حدثت فيما بعد بعض مظاهر الغفلة، وعلينا أن نخطط لها بشكل متقن.
اهتمام الإسلام بحاجات، وتطلعات البشرية:
إنّ للإسلام رؤية موضوعية، ومستندة إلى الفطرة، والطبيعة, والحاجات الحقيقية للمرأة والرجل، وجميع الخلائق، أي أنه لا يتوقع من أي شخص ما هو فوق تمكّنه، وأكثر مما أتيح له، بل إن الإسلام قائم أصلاً على هذا الأساس؛ فهو بناء واقعي ومنطقي، ففي أدعية أسحار الجمعة نقرأ فقرة تقول: "وجعل ما امتنّ به على عباده في كفاء لتأدية حقّه" بل إن معرفة حقائق كل شخص تتناسب مع التوقع الموجود منه.
وعلى هذا فإن الإسلام اهتمّ بالحاجات، والرغبات، والطبائع البشرية وغير البشرية، بل إنه أخذها بنظر الإعتبار –أساساً- وعيّن لها الحكم الإلهي المناسب، إلا أنّ ذلك لا يعني أنه لم يعين تطلعات للناس، فنحن محكومون بسجن الطبيعة، ونسير في إطار قوانين الطبيعة، ولكن ألم يُحدّ أمامنا هدف في هذا الإطار الذي نتحرك ضمنه ويطلب منّا أن نسير في اتجاهه؟
إنّ النزعة التطلعية في الإسلام والتوجه نحو القمم، والذرى، والتطلعات يمثلان شيئاً قطعياً وحتمياً، وعلى المرأة –كما هو الحال لدى الرجل وجميع الخلائق- أن تسير في هذا الإتجاه، وهذا ما لا ينسجم ويتلائم مع الإتجاهات المبالغ فيها، وفي إطار الشخصية البحتة، وانعدام القيمة. وبالطبع فإنّ من الواجب استئصال تلك الظواهر في النظام الإسلامي، فقد كان من الواجب في المجتمع الإسلامي أن يتم إجتثاث هذه النزعة إلى الإستهلاك والكماليات وأمثالها مما تتم تنميته في المجتمعات الجاهلية، أو أن تكون معتدلة على الأقل، وأن لا يحدث فيها إفراط ولكننا نلاحظ الآن –للأسف- أن هناك شرائح في المجتمع ما زالت مكبّة على الملاهي السابقة نفسها والتي لا تليق إلا بالمجتمعات البعيدة عن الإسلام، والقيم المعنوية، والحقيقية، وهذه سلوكية خاطئة.
علينا أن نرى ما هي الأداة القانونية التي تحتاج إليها النساء:
إنّ ما أردت أن أقوله هو أنّ كلّ نقص يعاني منه وضع المرأة في مجتمعنا له علاج، ذلك لأنّ الإسلام يمتلك بالنسبة إلى المرأة رؤية شاملة وكاملة، علينا أن نجد طرق العلاج، وعندما كان المجلس الثقافي والاجتماعي للنساء يُشَكَّل، فقد كان يصب اهتمامه على هذه الملاحظات بالضبط. إنّ علينا اليوم أن نرى ما هي الأداة القانونية التي تحتاج إليها النساء من أجل التحرّك في المسار المطلوب في الإسلام للمرأة، وما هو التفكير، والتأمّل اللذان يجب أن يتمّا، وما هي التوجيهات التي يجب أن تُعطى، وما هي المراكز التوجيهية التي يجب أن تُوجد، علينا أن نوفّر ذلك لهنّ ونعدّه، وبالطبع فإنّ من الواجب أن يكون هناك مركز يعدّ، ويدير، ويتابع هذه التدابير، ومظاهر الدعم المعنوي –وأنا لا أقصد هنا مظاهر الدعم المادي، ففي هذه الحالة يجب أن يشارك الجميع- وهذا المركز يتمثّل في هذا المجلس الثقافي والاجتماعي للنساء، والذي أنتنّ أيتها السيدات أعضاء فيه.
ومنذ بدء تشكيل هذا المجلس صرّح الإمام (رض) أنّ القرارات المُصادق عليها في هذا المجلس يجب أن تُنفّذ.
إنّ عليكم أن تروا ما هي واجبات المرأة –كمرأة- وما هي الإرشادات التي تحتاجها لتحمّل هذه الواجبات، وما هي التوصيات التي يجب أن تُقدّم للنساء، وما هي القوانين التي يجب توافرها من أجل أن يُصبحن متمتعاتٍ بحقوقهنّ الاجتماعية والإنسانيّة، وما هي المؤسسات التي يجب أحياناً أن تتشكّل لتضطلع بقسم من المسؤوليّات، عليكم أن تدرسوا ذلك، وحينئذٍ قدّموا توصياتكم إلى الأجهزة المختلفة –مثل المجلس أو المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة، لكي تتّخذ القرارات، وتُنْجز هذه الأعمال، فالآن وقد أصبحنا نمتلك هذه المجموعة فإنّ عليها أن تتحرّك وتبذل جهوداً واسعة.
أزيلوا القناعات المغلوطة في ذهن المرأة الإيرانيّة:
أنا أرى أنّ أهمية هذا العمل الذي تضطلع به النساء اليوم لا تقلّ عن أهميّة الأعمال العاديّة لهنّ على مستوى البلد، بل إنّها أكثر في الغالب، نعم، إنّ عليكم أن تطرحوا هذا السؤال وهو؛ لماذا لا تشغل النساء المسؤوليات، والمناصب الإداريّة الأساسيّة؟، وهذا سؤال مقبول، فإذا ما كانت النساء يتمتّعنّ بصلاحيات جيّدة –علماً أننا لا نريد أن نتشدّد هنا ونقول أنّ المرأة يجب أن تكون مسؤولة حتماً في بعض المراكز- فإنّ هذه الصلاحيّات تصل شموليّتها إلى المستويات العليا في المواضع التي لا يمنعها الإسلام –ذلك لأنّ من الممكن أن يمنعها الإسلام في بعض الحالات-، وعندما يريدون أن يجروا الدراسة في هذا النوع من الحالات، وينتخبوا أشخاصاً باعتبارهم الأصلح، فإنّ عليهم أن يأخذوا بنظر الاعتبار النساء أيضاً إلى جانب الرجال، وينتخبوا الأصلح دون أي تعصّب، وبالطبع فإنّ هذا الإجراء يمثّل عرفاً وثقافةً، ففي مثل هذه الحالات لا يوجد أمر بأن نُصدر تعميماً، كلا، فمثل هذه (الإجراءات) هي جزء من ثقافة وقناعات المجتمع، ويجب أن يتم التأكيد عليها، والاستدلال بشأنها إلى أن تترسّخ.
وأنا أرى، أنّ المسؤوليّة التي تقع اليوم على عاتق مجموعتكنّ وكل مجموعة نسائيّة تمارس نشاطها بأشكال متنوّعة ومن أجل أهداف مختلفة هي أن تعمل على إزالة القناعات المغلوطة التي أدخلتها الثقافة الغربية والأوروبية خلال العقود الأخيرة في ذهن المرأة الإيرانيّة. وبالطبع فقد كانت هناك قناعة مغلوطة في السابق؛ أي أنّ الميل إلى بعض من الأشكال الخاطئة للاستهلاك والكماليّات كان موجوداً منذ السابق أيضاً. ومع دخول الثقافة الأوروبيّة تفاقمت بشكل عجيب هذه النزعة إلى الموضات العصريّة الحديثة في الاستهلاك. وقد كانت هذه الظاهرة محسوبة، ومخطّطاً لها من قبل، فواضعو السياسات الغربية –الذين كان الصهاينة والمستعمرون يمثّلون غالبيّتهم- قاموا بذلك مدفوعين بنوايا وأهداف معيّنة، وعليكنّ أن تزيلوا هذه القناعات المغلوطة، وهذا ما لا يمكن إلّا من خلال تقديم البحوث، والأعمال الإسلاميّة، وإذا ما تمّ هذا العمل فإنّ جذور هذه المشاكل التي تُطرح في بعض الأحيان –من مثل عدم الالتزام بالحجاب، وشيوع الفساد، والفحشاء وما إلى ذلك- سوف تُقتلع تلقائيّاً، فهذه الظواهر لها أسباب في الأغلب، وأسبابها تتمثّل في تلك القناعات والمفاهيم التي يجب أن نعمل من أجل إزالتها.
نأمل من الله –تعالى- أن يمنح هذا التوفيق لنسائنا ببركة وجود فاطمة الزهراء (ع)، والهداية الإسلاميّة. فهناك بين المسلمين، وفي الثقافة الإسلامية امرأة بين الشعوب الأخرى، والأمم السالفة –دون أن تكون هناك إشكاليّة في ذلك، ولكان بالامكان تحقّقه- إلا أنّه جعلها في الأمة الإسلاميّة، وهذا ما يمثّل بالنسبة إلينا حجّة وتنبيهاً إلى أنّ باستطاعتنا أن نضع هذا المثل الأعلى نصب أعيننا، ونتابعه، ونحن نرجو من الله أيتها الأخوات العزيزات –أن يوفقكن لأن تجتزن هذا الطريق الهم بقوّة وصلابة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمته خلال لقائه أعضاء المجلس الثقافي والاجتماعي للنساء؛ 16/10/1369 هـ. ش.
مصدر: مختارات من أحاديث القائد: حديث الولاية، ج2، ترجمة د. صادق خورشا وحيدر نجف، ط1، مؤسسة الهدى، 1425 هـ. ق.
اترك تعليق