مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

يوم المرأة العالمي: الزهراء (ع) هي القدوة والمرأة صانعة الرجال

يوم المرأة العالمي: الزهراء (ع) هي القدوة والمرأة صانعة الرجال

بسم الله الرحمان الرحيم
نبارك هذا اليوم العظيم... هذا اليوم التاريخي الذي لا يُنسى في التاريخ... يوم ولادة زهراء الطهر –والذي يصادف بحمد الله بذكرى ولادة قائدنا المحبوب وإمامنا وأسوتنا (رضوان الله عليه ورحمته)- نباركه لكم جميعاً أيها الأخوة الأعزاء والأخوات العزيزات مدّاحو أهل البيت وذاكرو الفضائل البارزة الناصعة في خيرة خلق الله.
نعمة معرفة أهل البيت(ع):
معرفة أهل البيت(ع) ومحبتهم نعمة كبيرة. لو أنفقنا أعمارنا كلها لشكر هذه النعمة الكبرى بأن لم يجعل الله تعالى أعيننا عاجزة عن إدراك الحقيقة، واستطعنا أن نبصر هذه الأنوار الطالعة المضيئة بقدر استعداداتنا، وندركها ونعشقها ونحبّها ولا نغفل عنها، لكان ذلك قليلاً والحق يقال. رحمة الله على الآباء والأمهات والماضين والروّاد والقادة الذين فتحوا لنا هذه النافذة المضيئة نحو هذه الشموس المعنوية، ورتّلوا في أسماعنا ترانيم محبة أهل البيت(ع) منذ بداية حياتنا وفي فترة طفولتنا وحين كنا في المهد، وجعلوا أفئدتنا ترتوي من محبة هؤلاء العظماء. اللهم اجعل هذه المحبة والمعرفة أعمق وأرسخ في قلوبنا وأرواحنا يوماً بعد يوم، ولا تسلبنا هذه النعمة حتى لحظة واحدة.
 [...]
ألسنتنا قاصرة عن مدح الزهراء(ع):
وثمة كلام عن السيدة فاطمة الزهراء(ع). إنني –للحق- وليس من باب المجاملة، ولا من باب كلام جرى تكراره آلاف المرات، إنني قاصر، واللسان قاصر، والقلب قاصر، والذهن قاصر إذا أراد مدح وتمجيد هذا المقام الشامخ، هذا الموجود الإنساني، وهذه الفتاة الشابة، وكل هذه الفضائل، وكل هذا التألق، وكل هذا الكبرياء والعظمة، إلى درجة أنّ شخصاً مثل الرسول الأكرم(ص) عندما كانت تدخل عليه فاطمة الزهراء(ع) كان يقوم إليها(1)، ولا يقوم فقط بل يقوم ويسير إليها. أحياناً يدخل شخص للغرفة فتقوم احتراماً له، وأحياناً يدخل شخص إلى الغرفة فتندفع نحوه، فهل هذا مزاح أو هزل؟ ليست هذه قضية أب وابنته. رسول الله(ص) يكرّم فاطمة الزهراء(ع) بهذه الصورة، ويعتبر رضاها رضاه، ورضاه رضا الله، وسخطها سخطه، وسخطه سخط الله. هذه مقامات فاطمة الزهراء(ع)، ناهيك عن حياتها مع الإمام علي أمير المؤمنين(ع)، وتربيتها أولئك الأبناء، فهل يمكن لأمثالنا التحدث عن هذه الإنسانة الجليلة؟
ومع كل هذا فإنّ هذه السيدة الجليلة نموذج وقدوة.. هذه هي النقطة المهمة. أئمتنا(ع) مراتبهم ومقاماتهم بلا شك أعلى من الملائكة المقربين، ومع ذلك يعيشوا ولم يتحدثوا ولم ينهجوا نهجاً غير ممكن الوصول إليه. كلا. على حد تعبير المرحوم العلامة الطباطبائي إنهم كالذي يقف على قمة الجبل ويقول للناس اصعدوا إلى هنا، إلي وإلى القمة، ويدعوهم لبلوغ الذروة. لا كالشخصيات المصطنعة في العالم المادي وأصحاب المواهب المعنوية الزائفة يقبعون في أبراجهم العاجية وغرفهم الزجاجية ولا يصل إليهم أحد، كلا... بل يقولون لنا تعالوا تعالوا، هذا هو الطريق. علينا أن نسير خلف الأئمة الأطهار فحياتهم نموذج وقدوة لنا.
نعم "ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك"(2)، لا نستطيع أن نسير مثلهم وليست لنا لياقة ذلك، ولا طاقة لنا بذلك، لكننا نستطيع أن نجعل الدرب الذي ساروا عليه مساراً لحياتنا، واتجاهاً لنا، ونسير في هذا الاتجاه.
يوم المرأة العالمي:
والنقطة الثالثة تتعلق بمناسبة اليوم.. يوم المرأة. قال الإمام الخميني(قده) في إحدى كلماته مخاطباً النساء: إنكن حين رضيتن بأن يكون يوم ولادة فاطمة الزهراء(ع) يوماً للمرأة، فهذا يرتب على عواتقكن مسؤوليات وتكاليف. يومكم يوم المرأة ويوم الأم وهو يوم فاطمة الزهراء(ع)، فما معنى هذا؟ إنها خطوة رمزية وعمل رمزي [شعائري]. ومعناه أنّ المرأة يجب أن تسير على هذا الصراط، والعظمة والجلالة وعلو المقام والقدر يتحقق للمرأة في هذا الدرب... الدرب الذي تتوفّر فيه التقوى والعفاف والعلم والخطابة والصمود في مختلف الميادين التي تحتاج إلى الصمود، وتربية الأبناء، والحياة العائلية، وفيه كل الفضائل والجواهر المعنوية. على النساء السير في هذا الاتجاه.
لحسن الحظ، فإنّ نساء مجتمعنا كنّ هكذا -للحق والإنصاف-، لا في الثورة فقط، بل لقد كنّ هكذا في الماضي أيضاً. النساء الإيرانيات المتدينات كنّ من الروّاد في مختلف الميادين وفي كل القضايا، لقد كنّ في الساحة قبل بدء الكفاح الشديد في النهضة الدستورية، وخلال برهة معينة من الزمن خمد كفاح النهضة الدستورية، ثمّ اشتد ودخل فيه الجميع. عندما لم يكن الجميع قد دخلوا في هذا الكفاح، وكان هناك في الواقع عدد من العلماء والخواص يتابعون هذه الأمور قامت النساء وشكلن اجتماعاً وجئن وسددن طريق الحاكم يوم ذاك فهرب منهن وذهب واختبأ في قصره! فلحقنه وإذ بمأموري الحكومة ينهالون عليهن بالضرب. نزلن إلى الساحة يومذاك بالشادور والشاقشور. غالبيتكم بل ربما جميعكم لم يروا "الشاقشور". الشادور والشاقشور والروبند -نوع من الحجاب الإسلامي الإيراني المغلق- نزلن إلى الساحة بهذه الحالة، ويظن البعض أنّ المرأة ما لم تكن سافرة وعديمة الأخلاق فلن تستطيع الدخول في الميادين الاجتماعية والسياسية المختلفة. في ثورتنا وفي بعض مناطق البلاد شكّلت النساء التجمعات قبل الرجال وسرن في الشوارع وواجهن السلطة، ولدينا معلومات أكيدة عن هذا. لقد كان الحال هكذا في فترة الثورة وفي حالات النضال المتنوعة بعد انتصار الثورة، وكذلك في الحرب المفروضة.
لقد قلتها مراراً... إنني في زيارتي لعوائل الشهداء غالباً ما أجد أمهات الشهداء أشجع وأكثر مقاومة من آباء الشهداء. وهل يمكن مقارنة محبة الأم وعاطفتها بعاطفة الأب؟ فالمشاعر النسوية الرقيقة وخصوصاً تجاه فلذة كبدها بعد أن ربّته وكبّرته وأنشأته كباقة ورد ثم ترضى بأن يتوجّه لساحات الحرب ويستشهد، ثمّ لا تبكي على جنازته من أجل أن لا يفرح أعداء الجمهورية الإسلامية! وقد قلت –أنا العبد- لعوائل الشهداء مراراً ابكوا، لماذا لا تبكون؟ لا عيب في البكاء. لكنهم لا يبكون ويقولون نخشى أن يفرح بذلك أعداء الجمهورية الإسلامية. "لا تسمّها امرأة بل سمّها صانعة رجال العصر"(3).. هؤلاء هنّ نساء إيران، وقد خرجن من الامتحان مرفوعات الرؤوس.
المراقبة للنفس:
طبعاً الإنسان معرض للزلل، الرجال معرضون للزلل، والشباب عرضة للزلل، وكذلك الشيوخ، والعالم والجاهل والكل معرضون للزلل.. "والمخلصون في خطر عظيم". أين المخلص الآن؟ كلنا سيجري علينا هذا المعيار. حتى لو حقّقنا هذا المعيار وكنا من المخلصين، فإنّ المخلصين في خطر عظيم أيضاً! لذلك علينا أن نراقب؛ فأعداء دنيانا وأعداء آخرتنا وأعداء عزتنا وأعداء نظام الجمهورية الإسلامية يستغلون نقاط ضعفنا: ميلنا للشهوات عندنا، ومشاعر الغضب عندنا، وسعينا للسلطة، وحبّنا للتباهي والتظاهر. يجب أن نراقب [أنفسنا]، والسيدات العزيزات أيضاً يجب أن يراقبن [أنفسهن]، والفتيات الشابات أيضاً يجب أن يراقبن.
هذه الحياة تنقضي.. ملذاتها وصعابها تنقضي بطرفة عين. إنكم في فترة الشباب لا تدركون هذا الكلام جيداً. الإنسان في فترة الشباب يتصوّر أنّ الدنيا ثابتة وساكنة.. وأنه هكذا هو الأمر دائماً. حينما تصلون إلى أعمارنا وتلقون نظرة تجدون كم الدنيا سريعة الانقضاء، تنقضي بطرفة عين. وفي ذلك الجانب: "وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان"(4).. الحياة هناك. "ذلك الذي يبشّر الله عباده"(5) -التي قرئت اليوم في جملة الآيات الكريمة- وهناك البشارات الإلهية. من أجل العالم هناك ومن أجل صيانة عزة البلاد وتقدمها، على النساء أن يراقبن وضع الحجاب والعفاف والضوابط والالتزام... هذا واجب. فالاستعراض والتمظهر بالزينة لحظة واحدة، وآثاره السيئة على البلاد وعلى المجتمع وعلى الأخلاق، وحتى على السياسة -آثار تخريبية دائمة، والحال أنّ مراعاة العفاف والحدود الشرعية في سلوك السيدات وتحركاتهن حتى لو كان فيه صعوبة فهي صعوبة قصيرة الأمد لكن آثاره عميقة باقية. السيدات أنفسهن يجب أن يراقبن بدقة قضية الحجاب والعفاف.. فهذا من واجبهن وفخر لهن ويمثل شخصيتهن.
الحجاب مدعاة لرفعة شخصية المرأة وحريتها، خلافاً للدعايات البلهاء والسطحية للماديين، ليس الحجاب مدعاة لأسر المرأة. المرأة بتركها حجابها وتعرية الشيء الذي أراد الله تعالى والطبيعة أن تستره إنما تصغر نفسها وتحط من قدرها وتهين نفسها. الحجاب وقار ورصانة وقيمة للمرأة. إنه رجحان كفة سمعنها واحترامها، ينبغي معرفة قدر ذلك حق المعرفة، ويجب تقديم الشكر للإسلام لقضية الحجاب هذه، فهذا من النعم الإلهية.
على كل حال الكلام في هذا السياق أيضاً كثير. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى وإيانا لنستطيع النهوض بواجباتنا. إذا بقينا أحياء للعام القادم واستطعنا المشاركة في اجتماعكم إن شاء الله نتمنى أن يشعر المدّاحون بأنهم قطعوا خطوات واسعة بالاتجاه الذي جرى ذكره.
والسلام عليكم ورحمة الله


الهوامش:
1- فضائل الخمسة، ج3، ص127.
2- نهج البلاغة، الكتاب رقم 45.
3- عمان الساماني، ديوان الأشعار.
4- سورة العنكبوت، الآية: 64.
5- سورة الشورى، الآية: 23.


كلمته في مدّاحي أهل البيت (ع) بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء (ع) 12/5/2012م

التعليقات (0)

اترك تعليق