عمل المرأة في الإسلام بين الحق والواجب
المرأة بين الحق والواجب:
عرّف الدين الفقر على أنه أكبر مشكلة عند البشر بحيث يمكن أن تؤدّي إلى العديد من المشاكل الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة.
إنّ البحث عن جذور وأسباب الفقر في المجتمعات البشريّة يدلنا على أنّ هذا الأمر معقّد للغاية وله عدة أسباب. أحياناً يكون الفقر ناتجاً عن حوادث طبيعيّة وأحياناً ينتج عن التخطيط والبرامج الاقتصاديّة وسياسة الدولة. إنّ اتّباع سياسة معينة من قبل أحد السلطات في مجتمع ما يؤدّي إلى اختلال في اقتصاد المجتمع، وإلى إيجاد تفاوت أكبر بين طبقات المجتمع المختلفة.
اعتبر الإسلام أنّ مسألة الفقر مسألة عامة حيث قام بتشريع الخمس والزكاة وأشار إلى أنّ الفقر هو مسألة تعني جميع البشر وليست مختصة بالدولة فقط، كما أوجد رابطة بين الفقراء والأغنياء حيث فرض عليهم سهماً للفقراء عليهم أن يؤدّوه بلا منّة أو أذى(1).
يعتبر الإسلام أنّ تأمين المرأة من الناحية الماديّة هو من واجب الرجل (الزوج أو الأب)، وهذا يعني للوهلة الأولى، أنّ المرأة ليست مكلفة أن تقوم بتأمين احتياجاتها واحتياجات الآخرين المالية.
إنّ الإسلام لم يكلف المرأة بأن تقوم بتأمين لقمة العيش وذلك بسبب المقدرة الجسديّة للمرأة، والشروط البيولوجيّة التي تتمتع بها بالإضافة إلى مسألة الحمل والوضع وغيرها من المشاكل التي تتعلق بها. طبعاً هناك فرق بين العمل بصفته واجباً والعمل بصفته أمراً مباحاً وكلاهما يختلفان عن مسألة الملكية وحق التملك.
لقد عمل الإسلام على أن يحرر المرأة من التفكير بالمشاكل الاقتصاديّة للأسرة. يهتم الإسلام بأمور المرأة ويعيرها اهتماماً خاصاً وهذا يبدو من خلال ترجيح الاهتمام بالبنات والأمور الماديّة للمرأة، بالإضافة إلى تقديم الهدايا لها،، وتأمين حاجتها من الطعام وحقّها بالمهر والنفقة وما إلى ذلك.
لقد أعطى الإسلام حق الملكيّة للمرأة كما للرجل، وذلك لعدة أسباب منها ما ذكره القرآن الكريم بقوله: «للرِجَال نَصِيبٌ مِمَا اكْتَسَبُوا وَللنِسَاء نَصِيْب مِمَا اكْتَسَبْن»(2).
يحق للمرأة أن تعمل وتحصل على مدخول، ويذكر لنا التاريخ أنّ المرأة في صدر الإسلام لم تكن ممنوعة من العمل والقيام بنشاط اقتصادي حيث كانت تعمل وتقوم بالأنشطة الاقتصاديّة حتى في حضور النبي الأكرم(ص).
إنّ أكبر دليل على حضور المرأة بشكل غير مباشر في مجال العمل هو قيام النبي الأكرم(ص) بتقديم أراضٍ زراعيّة ومعها عدد من العمال لابنته السيدة فاطمة الزهراء(ع).
إلا أنه من أجل استخراج رأي الإسلام بما يتناسب مع شروط هذا الزمن الذي نعيش فيه، فإننا نحتاج إلى دقة أكبر. من الواضح أنّ المرأة تقوم بأدوار مختلفة عما يقوم به الرجل، كما أنّ فهم الأولويّات والالتفات إليها من أجل قيام المرأة بدورها وفقاً للنموذج الإسلامي مسألة مهمة جداً. فالمرأة تقوم بدور الزوجة والأم وربة المنزل كما لها دور اجتماعي يتجلى بأشكال مختلفة في كافة المجالات السياسية والاجتماعيّة والثقافيّة. فالمرأة تقوم بإيفاء أدوار مختلفة في الحياة.
من الطبيعي أنّ تقسيم أدوار المرأة وتربيتها حسب الأولويّة يشكّل أمراً ضروريّاً لكي تتمكن من القيام بهذه الأدوار بشكل متعادل وصحيح. فالمرأة تقوم بدور محوري وأساسي في الأسرة، وتشكّل الجزء المتمم للعلاقة الزوجيّة ولها دور أساسي في المجتمع.
للوهلة الأولى يبدو أنه من الواجب أن نقوم بالبناء على أساس أنّ أولوية الأسرة على المجتمع أمراً ضروريّاً. إنّ الفصل المفرط الذي قامت به الحركة النسائيّة بين الحياة الشخصيّة والعامة واحتقارهم للخصوصيّات الفردية أدّى لأن يقوم الغرب بالتخطيط بسرعة لحضور المرأة في المجتمع.
من أهم الخطط التي وضعها الغرب لدخول المرأة إلى المجتمع أن قامت الحكومات والمؤسسات الخاصة بالأخذ على عاتقها القيام بوظائف المرأة داخل البيت، وذلك من وجهة نظر اقتصاديّة بحتة. من الوظائف التي تعهدت بها هذه المؤسسات نذكر منها:
أ- تفويض دور الأم إلى الحضانة. لقد ظنوا حصر علاقة الأم بطفلها ضمن إطار العناية التمريضيّة معتبرين أنّ الأم وخلال رعايتها لابنها تعمل على تلقينه الأخلاق والثقافة والدين وغيرها من القيم التي تنتقل من جيل إلى آخر. تشكل الأمومة أهم وأطهر سبب لوجود القرابة والمحبّة والود والروابط الرحميّة والرضاعيّة(3).
ما أنّ القرابة بين الناس تشكل أفضل وأقرب سبب يؤدّي إلى الخدمة والتعاون الاجتماعي والتضحية والدفاع بين الناس.
ب- تفويض دور الزوجة إلى الشريك الجنسي. طبعاً هذا ضمن الاعتقاد أنّ الزواج يعني علاقة جنسيّة فقط. أي أنهم قاموا بحذف جميع الثمار المترتبة عن الزواج وحصروا هذه الرابطة المقدّسة بين الزوجين بالعلاقة الجنسيّة القائمة على الغريزة الغير مختصة بنوع الإنسان.
لقد ورد على جدول أعمال الحركة الإنسانوية في العام 1973 ما يلي: "نحن نعتقد في مجال العلاقة الجنسيّة، أنّ الآراء القمعيّة التي تطورت على يد المذهب الأرثوذكسي وثقافات بيورتن تعمل على قمع السلوك الجنسي(4).
أي أنّ العلاقة الزوجيّة لم تحصل على الاهتمام بصفتها علاقة نفسية تقوم بتأمين الاطمئنان والحماية والسكون والهداية الإلهيّة.
مع الاعتراف بشكل رسمي بمسألة التحكم إلى حد يجيز الإجهاض و"الطلاق على المزاج" نصل إلى مرحلة تنزل الأبعاد إلى مستوى كبير من الخطورة. وبالنتيجة يصبح من السهل تفويض هذا الأمر (العلاقة الجنسيّة) إلى أي شيء يرضي ميول الآخر.
ت- تفويض د\ور ربة المنزل إلى الآلة. يشكل هذا أحد أهم تبعات الثورة الصناعيّة. إذ أنّ دخول الآلة إلى حياة الأسرة أدى إلى أن تنعم المرأة بالكثير من فراغ الوقت، والذي تكون فيه بلا عمل. (طبعاً هذا إلى جانب التحكّم بمسألة الحمل).
ما ذكرناه آنفاً، وبالإضافة إلى الجو الفكري والثقافي الحاكم، عوامل ساهمت بدخول المرأة إلى المجالات الاجتماعيّة لا سيما مجال العمل، وهذا ما أدّى إلى إضعاف دور المرأة في الأسرة وداخل المنزل ومحو الأمومة.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه إلى جانب التضعيف والتقليل من شأن خصوصيّات الأفراد، فقد تمّ تنظيم الشروط الاقتصاديّة بشكل لا يترك خياراً للمرأة بأن تختار بين العمل أو البقاء في المنزل، بل يجبرها على العمل والقيام بالأنشطة الاقتصاديّة.
يحدثنا ويليام غردنر عن البلدان المتقدمة لاسيما تلك الدول التي تدار بواسطة نظام اشتراكي، ويقول: "إنّ معدل العمالة بين النساء اللواتي لديهن ولد شهد ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة الماضيّة".
... أحد تفاسير هذه الوتيرة التصاعديّة يعود إلى ارتفاع تكلفة رعاية الطفل في المجتمع إلى حد أجبر المرأة التي لها طفل صغير على الذهاب إلى العمل من أجل تأمين احتياجات الحياة"(5).
تدلنا البيانات على ما يلي: "تعاني الأسر التقليديّة التي تعتمد على مدخول واحد من ضغوطات ماديّة كبيرة. مما يعني أنّ هذا نوعاً من العقوبة يفرض على الأمهات اللواتي يصممن على تربية أبنائهن بنفسهن"(6).
في المقابل "فإنّ النظام الضريبي يقف إلى جانب الأسرة ذات المدخولين بشكل واضح"(7). في هذه الشروط يقوم النظام القائم على أساس الربح بإجبار المرأة على العمل. لا بد من القول هنا أنّ "هناك عدد قليل من النساء يتخذن قراراً بعدم الزواج أبداً"(8).
البعض يتخذ منحى آخر فيتزوج ولكن لا يقوم بالإنجاب. وتثبت الوثائق الدوليّة أنّ المرأة التي تعمل وهي أم تعاني من ضغوط نفسيّة عالية نتيجة لضغوط العمل التي تعيشها(9). والسبب أنه بموازاة دخول المرأة إلى العمل تمّ نزع الدور الطبيعي لها.
من جهة أخرى فإنّ نسبة 44 بالمئة من النساء العاملات يعتبرن أنّ العمل مصدراً للقلق الذي يشعن فيه. تشير الدراسات إلى أنه: "حتى الآن تعاني الكثير من النساء من تجربة العمل كالرجال"(10).
بعد ذكرنا لما تقدم نأتي على طرح وجهة نظر الدين حول المرأة والأولويّات المترتبة على الواجبات التي عليها القيام بها. يعتبر مؤلف الكتاب أنّ من بين الأدوار والواجبات التي ذكرنا يمكن أن نفوّض دور ربة المنزل، أما دور الأم والزوجة فهو غير قابل للتفويض والانتقال بأي وجه.
إنّ طلب السيدة الزهراء(ع) من النبي(ص) لكي يأتيها بمن تساعدها على القيام بالأعمال المنزليّة إنما يدل على أنّ تفويض أعمال المنزل في حال الإمكان مسألة ضروريّة. إنّ النفقة التي هي حق المرأة تتضمن خادمة عند اللزوم.
اليوم نرى أنّ العديد من النسوة يلقين القيام بواجبات البيت على عاتق الآلة، إلا أننا نستخلص من السيرة المقدّسة للسيدة الزهراء(ع) أنّ دور الأم لا يمكن أن يفوض إطلاقاً.
يحكي لنا التاريخ أنه عندما دخلت أمة باسم فضة، إلى منزل السيدة الزهراء(ع)، لم تقم بجميع أعمال المنزل لوحدها، بل إنّ السيدة الزهراء(ع) كانت تقسم أعمال المنزل بينها وبين أَمَتها بحيث أنّ كليهما كانتا تتناوبان على الأعمال المنزليّة وكانت كل واحد منهن تقوم بأعمال المنزل يوميّاً لترتاح فيه الأخرى(11).
كانت السيدة الزهراء(ع) في يوم استراحتها تستفيد من وقت الفراغ لتمضيه مع أولادها وتنشغل فيه بالعبادة.
كما أنه عندما كان يأتي أصحاب النبي(ص)، نظير سلمان وبلال، ليساعدوه، كان يوكلهم بالاهتمام ببعض أعمال المنزل لينصرف(ص) إلى ملاعبة أولاده(12).
إنّ سلوك السيدة الزهراء(ع) يدلنا على أنه من أجل أوقات الفراغ وعند الانتهاء من الأعمال المنزليّة، يجب أن نخطط بشكل جيد من أجل الاستفادة من هذا الوقت.
ولا يجب أن لا ننسى أنه في نظر الإسلام يعتبر القيام بالأعمال عملاً عباديّاً، بحيث أنّ المرأة عندما تقوم بأعمالها المنزلية تعتبر في حالة عبادة، وهذا ما يبعث الشعور بالفرح والسرور عند المرأة ويمنع عنها الحزن والإحباط والشعور بعدم الفائدة.
أكّدنا مراراً عدّة في هذا الكتاب على ضرورة أن يعتبر الرجل والمرأة أنّ وظيفة الزوجين بما تتضمنه من أعمال هي على رأس أولوياتهما ومن الواجبات التي عليهما أن يقوما بها. يعتبر الإسلام أنّ التمكين من أهم الوظائف التي على المرأة القيام بها. ففي كل حالة يتنافى عمل المرأة مع استمتاع الرجل يكون عملهما من الناحيّة الفقهيّة غير مجاز. لكن على كل حال إذا قامت المرأة برعاية الأولويّات المذكورة عندها لا يوجد مشكلة من أن تعمل ويكون لها دور في المجتمع.
كما أنّ الرجل يمكن أن يعمل على إيجاد توازن في الأسرة ويقوم بمساعدة المرأة لكي تؤدّي واجبها وتنجز ما عليها من واجبات. ونحن لا يجب أن نفكّر دائماً بالعمل على إخراج المرأة من البيت بل على العكس يجب أن نجهد في سبيل أن نجذب الرجل إلى داخل المنزل(13).
عندما يقوم الرجل بما هو مطلوب منه بحيث يؤدّي دوره بصفته راعي ومرشد لأبنائه ويتحمّل مسؤوليته أمامهم، عندها تتوزّع المسؤوليّات داخل الأسرة. على الرجل المسلم أن يتأسّى بالإمام علي(ع) الذي كان أحياناً يحمل أبناءه ويأخذهم معه إلى الحقل، أو حيث كان يعمل، لكي تتمكن السيدة الزهراء(ع) من القيام بواجباتها المنزليّة، وفي نفس الوقت تكون مطمئنّة إلى أنّ أبنائها تحت رعاية والدهم يلعبون أو يقومون بأي عمل آخر تحت إشرافه(14).
كما كان(ع) خلال حضوره في المنزل يعمل على مساعدة السيدة الزهراء(ع)، حيث كان يمضي بعض الليالي في رعاية أبنائه من الليل حتى مطلع الصباح(15).
يعتبر الإسلام أنّ مساعدة المرأة في العمل المنزلي عبادة. وهذه سنة النبي(ص) والأئمة الأطهار(ع) حيث يذكر لنا التاريخ العديد من الحالات التي كانوا يقومون فيها بالمساعدة في أعمال المنزل، ويمكن للمهتمين أن يراجعوا هذه الروايات، إلا أننا هنا نكتفي بالإشارة إلى واحدة: "في أحد الأيام دخل النبي(ص) إلى منزل السيدة الزهراء(ع)، فوجدها وزوجها يعملان، فسأل(ص) أيكما أعيى؟ أجاب أمير المؤمنين(ع) "فاطمة". عندها قام رسول الله(ص) وجلس مكانها وطلب منها أن تستريح"(16).
لا شك أنه عندما يكون المرأة والرجل متفقين على ما عليهما القيام به والدور المخصص لكل واحد منهما وعندما يقوم الزوجان بمراعاة الأولويّات، عندها تتهيأ شروط المشاركة في أمور الحياة بشكل صحيح، وعندها لا يؤدّي عمل المرأة إلى نتائج غير محمودة.
لا شك أننا أحياناً وخلال البرامج العمليّة والسياسات المقطعيّة، قد ننظر إلى عمل المرأة بشكل كلي وهذا من شأنه أن يؤثّر على عمل المرأة إلى حد ما. بعبارة أوضح، إذا كان الأساس في ما يتعلق باقتصاد الأسرة قيام الرجل بتأمين لقمة العيش لها، عندها إذا قلَّت فرص العمل، فإنّ الأولويّة لأرباب الأسر والرجال المطلوب منهم تأمين لقمة العيش لأبنائهم، والاهتمام بالشأن الاقتصادي للأسرة.
للأسف، تعتبر الوثائق الحقوقيّة المتعلقة بالمرأة، أنّ عملها يُشكّل فرصة لإثبات قدراتها ومجالاً لإثبات ثقافة التساوي بينها وبين الرجل. في الحقيقة إنّ العالم اليوم، ومن أجل محاربة الفقر وتأنيثه، يرى أنّ الحل الوحيد يكمن في تقوية مسألة عمل المرأة. على هذا الأساس، ومن وجهة النظر هذه، يعتبر الاستقلال الاقتصادي أصلاً، كما أنّ التبعيّة الاقتصاديّة بين المرأة وأبيها أو زوجها تعتبر نقطة ضعف ونوعاً من التمييز ضد المرأة. في حين أنّ علماء الاجتماع من مؤيّدي الحركة النسائيّة لم ينظروا أبداً إلى مسألة التبعيّة الماليّة للمرأة لزوجها على أنها مسألة داخل الأسرة.
في الفقه الإسلامي تعتبر نفقة المرأة واجبة على الرجل حتى مع امتلاك المرأة لثورة كبيرة. في الواقع يعتبر الإسلام أنّ تعلق المرأة بزوجها أمراً محموداً.
هذا الأمر يساعد الإحساس الباطني عند الرجل ويؤكّد على أهميّة وجوده بالنسبة للأسرة من جهة، ومن جهة أخرى يسمح للمرأة ويعطيها الحرية لكي تعمل ويكون لها مدخول شخصي، ويمتّن العلاقة بينها وبين الرجل.
من الملفت هنا أنّ تجربة التساوي في العمل ووظيفة تأمين لقمة العيش في الدول الصناعيّة تؤيّد ما ندّعيه نحن. حول هذا الأمر يكتب جيمز كيو ويلسون: "الحقيقة أنه إذا كان دخل المرأة مرتفعاً ويساوي دخل الرجل عندها يصبح من المستبعد أن تتزوج المرأة". إذا كان دخل الرجل منخفضاً فإنه من المستبعد أن تقبل المرأة العاملة والتي تحصل على دخل منخفض أيضاً بالزواج منه.
يعتبر المهتمين بشؤون الأسرة ومشاكلها أنّ ميزان دخل المرأة يلعب دوراً مهماً في تحقيق الثبات لبناء الأسرة. في السابق كانت الأسرة تقوم بوظيفة اقتصاديّة إلا أنه "مع ازدياد عدد النساء اللواتي يدخلن إلى سوق العمل، لم يعد هناك من سبب اقتصادي للزواج وشهدنا انخفاضاً في معدل الزواج"(17).
في بعض الدول التي تعمل على إدخال المرأة في مجال العمل الإلزامي والهش، تسعى إلى تبديل كافة القوانين التي تؤمن الحماية المالية للأسرة إلى قوانين رسميّة متعلقة بالدولة.
في حين أنّ الدولة تنظر إلى المرأة على أنها مواطن وشريك اقتصادي لها، نرى أنّ الأسرة تعتبر المرأة جزءاً من إطارها العاطفي والتي لا بدّ لها من أن تتمتّع بالثقافة اللازمة وأن تكون حقوقها محفوظة ضمن القانون.
في ختام هذا البحث، نرى من المفيد أن نلفت إلى هذه المسألة وهي أنه لا بد من أن يعلم أنّ هناك علاقة قويّة بين خصوصيّات الجنس ونوع العمل، حيث يجب أن يعمل كلٌ بما يتناسب مع شروطه. للأسف فإنّ "العديد من ذوي النوايا الطيبة، يعتبرون أنه عندما تتخلص المرأة من قبضة الرجل وظلمه، يمكنها الوصول بسرعة واستلام المناصب التي يمسك بها الرجال"(18).
"إلّا أنّه كما نلاحظ، أنّ الرجال لا زالوا يمسكون بالوظائف التي تحتاج إلى تجسم فضائي- تصويري قوي كما في الماضي. تخفي الملايين من النساء رغبتهن بالعمل في مجال معيّن، من هذه المجالات تلك التي يمكنهن من خلال القدرات الذهنيّة الخاصة لهن أن يصلن إلى أرفع المناصب، من دون أن يبذلن جهوداً مضاعفة"(19).
الواقع والحل الديني:
من أهم مشاكل عمل المرأة الجمع بين العمل من غير أجر والعمل المأجور. العمل الغير مأجور هو العمل داخل الأسرة والذي يشمل رعاية الأبناء والأفراد داخل الأسرة. هذا يعني أنّ المرأة عندما تريد أن تعمل خارج المنزل لا بدّ من أن يؤثّر عملها في الخارج على أدائها داخل الأسرة. إنّ أغلب النساء اللواتي يعملن خارج المنزل تقلّ فعاليتهن داخل المنزل وينخفض مستوى عملهن في إطار الأسرة.
هنا من أجل حل هذه المعضلة نقدّم هذين الحلّين. المشكلة الأولى هي مشكلة أغلب النساء اللواتي يذهبن إلى العمل من أجل الهروب من الفقر. والثانيّة التضحيّة بالشخصيّة.
الخيار الأول يقضي بتبديل العمل غير المأجور إلى عمل مأجور. لا أحد ينكر أنّ عمل المرأة داخل الأسرة عملاً غير مأجور. حول هذا الموضوع يكتب غيدنز: "إنّ للعمل غير المأجور داخل الأسرة أهميّة اقتصاديّة كبيرة على المستوى الاجتماعي. كذلك يشكّل العمل المنزلي حسب التقديرات بين 25 إلى 40 بالمئة من الثروة التي تنتجها البلدان الصناعيّة"(20).
هذا الدور المتمثّل بالعمل داخل الأسرة يشكّل أمراً جدياً ومهماً، لا سيما في البلدان مثل بلدنا حيث أنّ الزراعة التقليديّة لا تزال رائجة. بعض هذه الأعمال يمكن أن تحتسب من ضمن الإنتاج القومي بحيث تقوم الدولة بدفع أجر النساء العاملات مباشرةً. لأنّ الاهتمام بهذه المسألة والالتفات إلى المرأة لا سيما خلال فترة التقاعد وسنين العجز أمر ضروري.
إنّ مشروع أجرة الخدمة وأجرة الرضاعة واستخدام خادمة، هي من ضمن الطروحات الدينيّة التي تسهّل حل المشكلة المذكورة. عندما يتحوّل هذا الأمر إلى ثقافة، ويقوم الرجل باحتساب أجرة المرأة على ما تقوم به من أعمال داخل المنزل ويقدمه لها من دخله الخاص، وعندما تقوم الشركات والمؤسسات الرسميّة والخاصة باحتسابه مع الالتفات إلى هذه المسألة، يقل الحافز الذي يدفع المرأة إلى الخروج من منزلها من أجل أن تعمل خارج إطار الأسرة.
الهوامش:
1- يقول سماحة السيد القائد حول هذا الموضوع: "... إنّ أوروبا التي تدعي اليوم أنّ المرأة فيها تتمتع بالحرية، كانت إلى فترة نصف قرن مضى من الزمن، لا تسمح للمرأة أن تتصرف بمالها الشخصي... أمّا في الإسلام فالمرأة هي المالك الوحيد لثروتها، وتستطيع أن تتصرف بهذه الثروة من دون إذن من أحد، فهي لا تحتاج لا إلى رضى زوجها ولا أبيها لتقوم بالتصرّف بمالها. فالإسلام يعطي المرأة الحق أن تدخر مالها وتتصرف به كما تشاء. (من خطاب ألقاه سماحته خلال لقائه حشود شعبيّة في محافظة خوزستان جنوب إيران، في 20/12/1375هـ (11/3/1996م) زن از ديدكاه مقام معظم رهبرى (المرأة في فكر السيد القائد) ص 66- 65).
2- سورة النساء، الآية 32.
3- جوادي آملي، عبدالله. زن در آيينه جلال وجمال. (المرأة مظهر الجلال والجمال) ص32-33.
4- غردنر، ويليام، جنك عليه خانواده (الحرب على الأسرة). ترجمة معصومه محمدي. ص82.
5- غردنر، ويليام، جنك عليه خانواده (الحرب على الأسرة). ترجمة معصومه محمدي. ص63.
6- نفس المصدر، 85.
7- غردنر، ويليام، جنك عليه خانواده (الحرب على الأسرة). ترجمة معصومه محمدي. ص57.
8- يتحدث ويليام غردنر أنّه في كندا وخلال التسعينات ازداد عدد النساء بين سن 40 إلى 44 من اللواتي لم يتزوجن. أي النساء الذين مروا في مرحلة الخصوبة إلّا أنهن أحجمن عن الزواج نتيجة لظروف متعددة. راجع الحرب على الأسرة ص 60.
9- وثيقة بكين، بند 52.
10- بيس آلن وباربارا، شرا مردان به حرف زنان كوش نمي دهند. (لماذا لا يصغي الرجال إلى ما تقوله النساء) ص 367.
11- بحراني، عبدالله، عوالم العلوم والمعارف والأحوال. ج11، ص865، حديث 24.
12- بحراني، عبدالله، عوالم العلوم والمعارف والأحوال. ج11، ص356، حديث 26.
13- هبة رؤوف عزة، كاتبة مصريّة كتبت حول نقد الدكتورة نوال سعداوي: "قبل أن نقوم بتشجيع المرأة على الدخول في المجالات الاجتماعيّة... من الأفضل لنا أن نعمل على تشجيع الرجل من أجل الدخول في الحياة الأسريّة الخاصة ويقوم بدوره داخل الأسرة ونعمل على إعادة الأب الغائب عن الأسرة لكي يقوم بمسؤولياته المنسيّة" راجع: نيمه ديكر (النصف الآخر) ترجمة مهدي سرحدي، ص 135.
14- طبري، محب الدين، ذخائر العقبى، ص49.
15- كنز العمال، ج15، ص507.
16- بحار الأنوار، ج 43، ص 50.
17- برنشتاين، فليب، اتش، برنشتاين. مارسي تي، زناشوئي درماني (العلاج بالزواج) ترجمة حسين بور عابدي نائيني، غلام رضا منشي، ص 16.
18- راجع: بيس، آلن وبابارا، شرا مردان به حرف زنان كوش نمى كنند (لماذا لا يصغي الرجل إلى ما تقوله النساء) ص 202.
19- نفس المصدر، ص202.
20- غيدنز، آنتوني. جامعة شناسي، ص196.
المصدر: علا سوند، فريبا: المرأة بين الحق والواجب (ترجمة محمود حمدان)، كتاب نيستان، ط1، 1386 هـ. ش، طهران.
عرّف الدين الفقر على أنه أكبر مشكلة عند البشر بحيث يمكن أن تؤدّي إلى العديد من المشاكل الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة.
إنّ البحث عن جذور وأسباب الفقر في المجتمعات البشريّة يدلنا على أنّ هذا الأمر معقّد للغاية وله عدة أسباب. أحياناً يكون الفقر ناتجاً عن حوادث طبيعيّة وأحياناً ينتج عن التخطيط والبرامج الاقتصاديّة وسياسة الدولة. إنّ اتّباع سياسة معينة من قبل أحد السلطات في مجتمع ما يؤدّي إلى اختلال في اقتصاد المجتمع، وإلى إيجاد تفاوت أكبر بين طبقات المجتمع المختلفة.
اعتبر الإسلام أنّ مسألة الفقر مسألة عامة حيث قام بتشريع الخمس والزكاة وأشار إلى أنّ الفقر هو مسألة تعني جميع البشر وليست مختصة بالدولة فقط، كما أوجد رابطة بين الفقراء والأغنياء حيث فرض عليهم سهماً للفقراء عليهم أن يؤدّوه بلا منّة أو أذى(1).
يعتبر الإسلام أنّ تأمين المرأة من الناحية الماديّة هو من واجب الرجل (الزوج أو الأب)، وهذا يعني للوهلة الأولى، أنّ المرأة ليست مكلفة أن تقوم بتأمين احتياجاتها واحتياجات الآخرين المالية.
إنّ الإسلام لم يكلف المرأة بأن تقوم بتأمين لقمة العيش وذلك بسبب المقدرة الجسديّة للمرأة، والشروط البيولوجيّة التي تتمتع بها بالإضافة إلى مسألة الحمل والوضع وغيرها من المشاكل التي تتعلق بها. طبعاً هناك فرق بين العمل بصفته واجباً والعمل بصفته أمراً مباحاً وكلاهما يختلفان عن مسألة الملكية وحق التملك.
لقد عمل الإسلام على أن يحرر المرأة من التفكير بالمشاكل الاقتصاديّة للأسرة. يهتم الإسلام بأمور المرأة ويعيرها اهتماماً خاصاً وهذا يبدو من خلال ترجيح الاهتمام بالبنات والأمور الماديّة للمرأة، بالإضافة إلى تقديم الهدايا لها،، وتأمين حاجتها من الطعام وحقّها بالمهر والنفقة وما إلى ذلك.
لقد أعطى الإسلام حق الملكيّة للمرأة كما للرجل، وذلك لعدة أسباب منها ما ذكره القرآن الكريم بقوله: «للرِجَال نَصِيبٌ مِمَا اكْتَسَبُوا وَللنِسَاء نَصِيْب مِمَا اكْتَسَبْن»(2).
يحق للمرأة أن تعمل وتحصل على مدخول، ويذكر لنا التاريخ أنّ المرأة في صدر الإسلام لم تكن ممنوعة من العمل والقيام بنشاط اقتصادي حيث كانت تعمل وتقوم بالأنشطة الاقتصاديّة حتى في حضور النبي الأكرم(ص).
إنّ أكبر دليل على حضور المرأة بشكل غير مباشر في مجال العمل هو قيام النبي الأكرم(ص) بتقديم أراضٍ زراعيّة ومعها عدد من العمال لابنته السيدة فاطمة الزهراء(ع).
إلا أنه من أجل استخراج رأي الإسلام بما يتناسب مع شروط هذا الزمن الذي نعيش فيه، فإننا نحتاج إلى دقة أكبر. من الواضح أنّ المرأة تقوم بأدوار مختلفة عما يقوم به الرجل، كما أنّ فهم الأولويّات والالتفات إليها من أجل قيام المرأة بدورها وفقاً للنموذج الإسلامي مسألة مهمة جداً. فالمرأة تقوم بدور الزوجة والأم وربة المنزل كما لها دور اجتماعي يتجلى بأشكال مختلفة في كافة المجالات السياسية والاجتماعيّة والثقافيّة. فالمرأة تقوم بإيفاء أدوار مختلفة في الحياة.
من الطبيعي أنّ تقسيم أدوار المرأة وتربيتها حسب الأولويّة يشكّل أمراً ضروريّاً لكي تتمكن من القيام بهذه الأدوار بشكل متعادل وصحيح. فالمرأة تقوم بدور محوري وأساسي في الأسرة، وتشكّل الجزء المتمم للعلاقة الزوجيّة ولها دور أساسي في المجتمع.
للوهلة الأولى يبدو أنه من الواجب أن نقوم بالبناء على أساس أنّ أولوية الأسرة على المجتمع أمراً ضروريّاً. إنّ الفصل المفرط الذي قامت به الحركة النسائيّة بين الحياة الشخصيّة والعامة واحتقارهم للخصوصيّات الفردية أدّى لأن يقوم الغرب بالتخطيط بسرعة لحضور المرأة في المجتمع.
من أهم الخطط التي وضعها الغرب لدخول المرأة إلى المجتمع أن قامت الحكومات والمؤسسات الخاصة بالأخذ على عاتقها القيام بوظائف المرأة داخل البيت، وذلك من وجهة نظر اقتصاديّة بحتة. من الوظائف التي تعهدت بها هذه المؤسسات نذكر منها:
أ- تفويض دور الأم إلى الحضانة. لقد ظنوا حصر علاقة الأم بطفلها ضمن إطار العناية التمريضيّة معتبرين أنّ الأم وخلال رعايتها لابنها تعمل على تلقينه الأخلاق والثقافة والدين وغيرها من القيم التي تنتقل من جيل إلى آخر. تشكل الأمومة أهم وأطهر سبب لوجود القرابة والمحبّة والود والروابط الرحميّة والرضاعيّة(3).
ما أنّ القرابة بين الناس تشكل أفضل وأقرب سبب يؤدّي إلى الخدمة والتعاون الاجتماعي والتضحية والدفاع بين الناس.
ب- تفويض دور الزوجة إلى الشريك الجنسي. طبعاً هذا ضمن الاعتقاد أنّ الزواج يعني علاقة جنسيّة فقط. أي أنهم قاموا بحذف جميع الثمار المترتبة عن الزواج وحصروا هذه الرابطة المقدّسة بين الزوجين بالعلاقة الجنسيّة القائمة على الغريزة الغير مختصة بنوع الإنسان.
لقد ورد على جدول أعمال الحركة الإنسانوية في العام 1973 ما يلي: "نحن نعتقد في مجال العلاقة الجنسيّة، أنّ الآراء القمعيّة التي تطورت على يد المذهب الأرثوذكسي وثقافات بيورتن تعمل على قمع السلوك الجنسي(4).
أي أنّ العلاقة الزوجيّة لم تحصل على الاهتمام بصفتها علاقة نفسية تقوم بتأمين الاطمئنان والحماية والسكون والهداية الإلهيّة.
مع الاعتراف بشكل رسمي بمسألة التحكم إلى حد يجيز الإجهاض و"الطلاق على المزاج" نصل إلى مرحلة تنزل الأبعاد إلى مستوى كبير من الخطورة. وبالنتيجة يصبح من السهل تفويض هذا الأمر (العلاقة الجنسيّة) إلى أي شيء يرضي ميول الآخر.
ت- تفويض د\ور ربة المنزل إلى الآلة. يشكل هذا أحد أهم تبعات الثورة الصناعيّة. إذ أنّ دخول الآلة إلى حياة الأسرة أدى إلى أن تنعم المرأة بالكثير من فراغ الوقت، والذي تكون فيه بلا عمل. (طبعاً هذا إلى جانب التحكّم بمسألة الحمل).
ما ذكرناه آنفاً، وبالإضافة إلى الجو الفكري والثقافي الحاكم، عوامل ساهمت بدخول المرأة إلى المجالات الاجتماعيّة لا سيما مجال العمل، وهذا ما أدّى إلى إضعاف دور المرأة في الأسرة وداخل المنزل ومحو الأمومة.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه إلى جانب التضعيف والتقليل من شأن خصوصيّات الأفراد، فقد تمّ تنظيم الشروط الاقتصاديّة بشكل لا يترك خياراً للمرأة بأن تختار بين العمل أو البقاء في المنزل، بل يجبرها على العمل والقيام بالأنشطة الاقتصاديّة.
يحدثنا ويليام غردنر عن البلدان المتقدمة لاسيما تلك الدول التي تدار بواسطة نظام اشتراكي، ويقول: "إنّ معدل العمالة بين النساء اللواتي لديهن ولد شهد ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة الماضيّة".
... أحد تفاسير هذه الوتيرة التصاعديّة يعود إلى ارتفاع تكلفة رعاية الطفل في المجتمع إلى حد أجبر المرأة التي لها طفل صغير على الذهاب إلى العمل من أجل تأمين احتياجات الحياة"(5).
تدلنا البيانات على ما يلي: "تعاني الأسر التقليديّة التي تعتمد على مدخول واحد من ضغوطات ماديّة كبيرة. مما يعني أنّ هذا نوعاً من العقوبة يفرض على الأمهات اللواتي يصممن على تربية أبنائهن بنفسهن"(6).
في المقابل "فإنّ النظام الضريبي يقف إلى جانب الأسرة ذات المدخولين بشكل واضح"(7). في هذه الشروط يقوم النظام القائم على أساس الربح بإجبار المرأة على العمل. لا بد من القول هنا أنّ "هناك عدد قليل من النساء يتخذن قراراً بعدم الزواج أبداً"(8).
البعض يتخذ منحى آخر فيتزوج ولكن لا يقوم بالإنجاب. وتثبت الوثائق الدوليّة أنّ المرأة التي تعمل وهي أم تعاني من ضغوط نفسيّة عالية نتيجة لضغوط العمل التي تعيشها(9). والسبب أنه بموازاة دخول المرأة إلى العمل تمّ نزع الدور الطبيعي لها.
من جهة أخرى فإنّ نسبة 44 بالمئة من النساء العاملات يعتبرن أنّ العمل مصدراً للقلق الذي يشعن فيه. تشير الدراسات إلى أنه: "حتى الآن تعاني الكثير من النساء من تجربة العمل كالرجال"(10).
بعد ذكرنا لما تقدم نأتي على طرح وجهة نظر الدين حول المرأة والأولويّات المترتبة على الواجبات التي عليها القيام بها. يعتبر مؤلف الكتاب أنّ من بين الأدوار والواجبات التي ذكرنا يمكن أن نفوّض دور ربة المنزل، أما دور الأم والزوجة فهو غير قابل للتفويض والانتقال بأي وجه.
إنّ طلب السيدة الزهراء(ع) من النبي(ص) لكي يأتيها بمن تساعدها على القيام بالأعمال المنزليّة إنما يدل على أنّ تفويض أعمال المنزل في حال الإمكان مسألة ضروريّة. إنّ النفقة التي هي حق المرأة تتضمن خادمة عند اللزوم.
اليوم نرى أنّ العديد من النسوة يلقين القيام بواجبات البيت على عاتق الآلة، إلا أننا نستخلص من السيرة المقدّسة للسيدة الزهراء(ع) أنّ دور الأم لا يمكن أن يفوض إطلاقاً.
يحكي لنا التاريخ أنه عندما دخلت أمة باسم فضة، إلى منزل السيدة الزهراء(ع)، لم تقم بجميع أعمال المنزل لوحدها، بل إنّ السيدة الزهراء(ع) كانت تقسم أعمال المنزل بينها وبين أَمَتها بحيث أنّ كليهما كانتا تتناوبان على الأعمال المنزليّة وكانت كل واحد منهن تقوم بأعمال المنزل يوميّاً لترتاح فيه الأخرى(11).
كانت السيدة الزهراء(ع) في يوم استراحتها تستفيد من وقت الفراغ لتمضيه مع أولادها وتنشغل فيه بالعبادة.
كما أنه عندما كان يأتي أصحاب النبي(ص)، نظير سلمان وبلال، ليساعدوه، كان يوكلهم بالاهتمام ببعض أعمال المنزل لينصرف(ص) إلى ملاعبة أولاده(12).
إنّ سلوك السيدة الزهراء(ع) يدلنا على أنه من أجل أوقات الفراغ وعند الانتهاء من الأعمال المنزليّة، يجب أن نخطط بشكل جيد من أجل الاستفادة من هذا الوقت.
ولا يجب أن لا ننسى أنه في نظر الإسلام يعتبر القيام بالأعمال عملاً عباديّاً، بحيث أنّ المرأة عندما تقوم بأعمالها المنزلية تعتبر في حالة عبادة، وهذا ما يبعث الشعور بالفرح والسرور عند المرأة ويمنع عنها الحزن والإحباط والشعور بعدم الفائدة.
أكّدنا مراراً عدّة في هذا الكتاب على ضرورة أن يعتبر الرجل والمرأة أنّ وظيفة الزوجين بما تتضمنه من أعمال هي على رأس أولوياتهما ومن الواجبات التي عليهما أن يقوما بها. يعتبر الإسلام أنّ التمكين من أهم الوظائف التي على المرأة القيام بها. ففي كل حالة يتنافى عمل المرأة مع استمتاع الرجل يكون عملهما من الناحيّة الفقهيّة غير مجاز. لكن على كل حال إذا قامت المرأة برعاية الأولويّات المذكورة عندها لا يوجد مشكلة من أن تعمل ويكون لها دور في المجتمع.
كما أنّ الرجل يمكن أن يعمل على إيجاد توازن في الأسرة ويقوم بمساعدة المرأة لكي تؤدّي واجبها وتنجز ما عليها من واجبات. ونحن لا يجب أن نفكّر دائماً بالعمل على إخراج المرأة من البيت بل على العكس يجب أن نجهد في سبيل أن نجذب الرجل إلى داخل المنزل(13).
عندما يقوم الرجل بما هو مطلوب منه بحيث يؤدّي دوره بصفته راعي ومرشد لأبنائه ويتحمّل مسؤوليته أمامهم، عندها تتوزّع المسؤوليّات داخل الأسرة. على الرجل المسلم أن يتأسّى بالإمام علي(ع) الذي كان أحياناً يحمل أبناءه ويأخذهم معه إلى الحقل، أو حيث كان يعمل، لكي تتمكن السيدة الزهراء(ع) من القيام بواجباتها المنزليّة، وفي نفس الوقت تكون مطمئنّة إلى أنّ أبنائها تحت رعاية والدهم يلعبون أو يقومون بأي عمل آخر تحت إشرافه(14).
كما كان(ع) خلال حضوره في المنزل يعمل على مساعدة السيدة الزهراء(ع)، حيث كان يمضي بعض الليالي في رعاية أبنائه من الليل حتى مطلع الصباح(15).
يعتبر الإسلام أنّ مساعدة المرأة في العمل المنزلي عبادة. وهذه سنة النبي(ص) والأئمة الأطهار(ع) حيث يذكر لنا التاريخ العديد من الحالات التي كانوا يقومون فيها بالمساعدة في أعمال المنزل، ويمكن للمهتمين أن يراجعوا هذه الروايات، إلا أننا هنا نكتفي بالإشارة إلى واحدة: "في أحد الأيام دخل النبي(ص) إلى منزل السيدة الزهراء(ع)، فوجدها وزوجها يعملان، فسأل(ص) أيكما أعيى؟ أجاب أمير المؤمنين(ع) "فاطمة". عندها قام رسول الله(ص) وجلس مكانها وطلب منها أن تستريح"(16).
لا شك أنه عندما يكون المرأة والرجل متفقين على ما عليهما القيام به والدور المخصص لكل واحد منهما وعندما يقوم الزوجان بمراعاة الأولويّات، عندها تتهيأ شروط المشاركة في أمور الحياة بشكل صحيح، وعندها لا يؤدّي عمل المرأة إلى نتائج غير محمودة.
لا شك أننا أحياناً وخلال البرامج العمليّة والسياسات المقطعيّة، قد ننظر إلى عمل المرأة بشكل كلي وهذا من شأنه أن يؤثّر على عمل المرأة إلى حد ما. بعبارة أوضح، إذا كان الأساس في ما يتعلق باقتصاد الأسرة قيام الرجل بتأمين لقمة العيش لها، عندها إذا قلَّت فرص العمل، فإنّ الأولويّة لأرباب الأسر والرجال المطلوب منهم تأمين لقمة العيش لأبنائهم، والاهتمام بالشأن الاقتصادي للأسرة.
للأسف، تعتبر الوثائق الحقوقيّة المتعلقة بالمرأة، أنّ عملها يُشكّل فرصة لإثبات قدراتها ومجالاً لإثبات ثقافة التساوي بينها وبين الرجل. في الحقيقة إنّ العالم اليوم، ومن أجل محاربة الفقر وتأنيثه، يرى أنّ الحل الوحيد يكمن في تقوية مسألة عمل المرأة. على هذا الأساس، ومن وجهة النظر هذه، يعتبر الاستقلال الاقتصادي أصلاً، كما أنّ التبعيّة الاقتصاديّة بين المرأة وأبيها أو زوجها تعتبر نقطة ضعف ونوعاً من التمييز ضد المرأة. في حين أنّ علماء الاجتماع من مؤيّدي الحركة النسائيّة لم ينظروا أبداً إلى مسألة التبعيّة الماليّة للمرأة لزوجها على أنها مسألة داخل الأسرة.
في الفقه الإسلامي تعتبر نفقة المرأة واجبة على الرجل حتى مع امتلاك المرأة لثورة كبيرة. في الواقع يعتبر الإسلام أنّ تعلق المرأة بزوجها أمراً محموداً.
هذا الأمر يساعد الإحساس الباطني عند الرجل ويؤكّد على أهميّة وجوده بالنسبة للأسرة من جهة، ومن جهة أخرى يسمح للمرأة ويعطيها الحرية لكي تعمل ويكون لها مدخول شخصي، ويمتّن العلاقة بينها وبين الرجل.
من الملفت هنا أنّ تجربة التساوي في العمل ووظيفة تأمين لقمة العيش في الدول الصناعيّة تؤيّد ما ندّعيه نحن. حول هذا الأمر يكتب جيمز كيو ويلسون: "الحقيقة أنه إذا كان دخل المرأة مرتفعاً ويساوي دخل الرجل عندها يصبح من المستبعد أن تتزوج المرأة". إذا كان دخل الرجل منخفضاً فإنه من المستبعد أن تقبل المرأة العاملة والتي تحصل على دخل منخفض أيضاً بالزواج منه.
يعتبر المهتمين بشؤون الأسرة ومشاكلها أنّ ميزان دخل المرأة يلعب دوراً مهماً في تحقيق الثبات لبناء الأسرة. في السابق كانت الأسرة تقوم بوظيفة اقتصاديّة إلا أنه "مع ازدياد عدد النساء اللواتي يدخلن إلى سوق العمل، لم يعد هناك من سبب اقتصادي للزواج وشهدنا انخفاضاً في معدل الزواج"(17).
في بعض الدول التي تعمل على إدخال المرأة في مجال العمل الإلزامي والهش، تسعى إلى تبديل كافة القوانين التي تؤمن الحماية المالية للأسرة إلى قوانين رسميّة متعلقة بالدولة.
في حين أنّ الدولة تنظر إلى المرأة على أنها مواطن وشريك اقتصادي لها، نرى أنّ الأسرة تعتبر المرأة جزءاً من إطارها العاطفي والتي لا بدّ لها من أن تتمتّع بالثقافة اللازمة وأن تكون حقوقها محفوظة ضمن القانون.
في ختام هذا البحث، نرى من المفيد أن نلفت إلى هذه المسألة وهي أنه لا بد من أن يعلم أنّ هناك علاقة قويّة بين خصوصيّات الجنس ونوع العمل، حيث يجب أن يعمل كلٌ بما يتناسب مع شروطه. للأسف فإنّ "العديد من ذوي النوايا الطيبة، يعتبرون أنه عندما تتخلص المرأة من قبضة الرجل وظلمه، يمكنها الوصول بسرعة واستلام المناصب التي يمسك بها الرجال"(18).
"إلّا أنّه كما نلاحظ، أنّ الرجال لا زالوا يمسكون بالوظائف التي تحتاج إلى تجسم فضائي- تصويري قوي كما في الماضي. تخفي الملايين من النساء رغبتهن بالعمل في مجال معيّن، من هذه المجالات تلك التي يمكنهن من خلال القدرات الذهنيّة الخاصة لهن أن يصلن إلى أرفع المناصب، من دون أن يبذلن جهوداً مضاعفة"(19).
الواقع والحل الديني:
من أهم مشاكل عمل المرأة الجمع بين العمل من غير أجر والعمل المأجور. العمل الغير مأجور هو العمل داخل الأسرة والذي يشمل رعاية الأبناء والأفراد داخل الأسرة. هذا يعني أنّ المرأة عندما تريد أن تعمل خارج المنزل لا بدّ من أن يؤثّر عملها في الخارج على أدائها داخل الأسرة. إنّ أغلب النساء اللواتي يعملن خارج المنزل تقلّ فعاليتهن داخل المنزل وينخفض مستوى عملهن في إطار الأسرة.
هنا من أجل حل هذه المعضلة نقدّم هذين الحلّين. المشكلة الأولى هي مشكلة أغلب النساء اللواتي يذهبن إلى العمل من أجل الهروب من الفقر. والثانيّة التضحيّة بالشخصيّة.
الخيار الأول يقضي بتبديل العمل غير المأجور إلى عمل مأجور. لا أحد ينكر أنّ عمل المرأة داخل الأسرة عملاً غير مأجور. حول هذا الموضوع يكتب غيدنز: "إنّ للعمل غير المأجور داخل الأسرة أهميّة اقتصاديّة كبيرة على المستوى الاجتماعي. كذلك يشكّل العمل المنزلي حسب التقديرات بين 25 إلى 40 بالمئة من الثروة التي تنتجها البلدان الصناعيّة"(20).
هذا الدور المتمثّل بالعمل داخل الأسرة يشكّل أمراً جدياً ومهماً، لا سيما في البلدان مثل بلدنا حيث أنّ الزراعة التقليديّة لا تزال رائجة. بعض هذه الأعمال يمكن أن تحتسب من ضمن الإنتاج القومي بحيث تقوم الدولة بدفع أجر النساء العاملات مباشرةً. لأنّ الاهتمام بهذه المسألة والالتفات إلى المرأة لا سيما خلال فترة التقاعد وسنين العجز أمر ضروري.
إنّ مشروع أجرة الخدمة وأجرة الرضاعة واستخدام خادمة، هي من ضمن الطروحات الدينيّة التي تسهّل حل المشكلة المذكورة. عندما يتحوّل هذا الأمر إلى ثقافة، ويقوم الرجل باحتساب أجرة المرأة على ما تقوم به من أعمال داخل المنزل ويقدمه لها من دخله الخاص، وعندما تقوم الشركات والمؤسسات الرسميّة والخاصة باحتسابه مع الالتفات إلى هذه المسألة، يقل الحافز الذي يدفع المرأة إلى الخروج من منزلها من أجل أن تعمل خارج إطار الأسرة.
الهوامش:
1- يقول سماحة السيد القائد حول هذا الموضوع: "... إنّ أوروبا التي تدعي اليوم أنّ المرأة فيها تتمتع بالحرية، كانت إلى فترة نصف قرن مضى من الزمن، لا تسمح للمرأة أن تتصرف بمالها الشخصي... أمّا في الإسلام فالمرأة هي المالك الوحيد لثروتها، وتستطيع أن تتصرف بهذه الثروة من دون إذن من أحد، فهي لا تحتاج لا إلى رضى زوجها ولا أبيها لتقوم بالتصرّف بمالها. فالإسلام يعطي المرأة الحق أن تدخر مالها وتتصرف به كما تشاء. (من خطاب ألقاه سماحته خلال لقائه حشود شعبيّة في محافظة خوزستان جنوب إيران، في 20/12/1375هـ (11/3/1996م) زن از ديدكاه مقام معظم رهبرى (المرأة في فكر السيد القائد) ص 66- 65).
2- سورة النساء، الآية 32.
3- جوادي آملي، عبدالله. زن در آيينه جلال وجمال. (المرأة مظهر الجلال والجمال) ص32-33.
4- غردنر، ويليام، جنك عليه خانواده (الحرب على الأسرة). ترجمة معصومه محمدي. ص82.
5- غردنر، ويليام، جنك عليه خانواده (الحرب على الأسرة). ترجمة معصومه محمدي. ص63.
6- نفس المصدر، 85.
7- غردنر، ويليام، جنك عليه خانواده (الحرب على الأسرة). ترجمة معصومه محمدي. ص57.
8- يتحدث ويليام غردنر أنّه في كندا وخلال التسعينات ازداد عدد النساء بين سن 40 إلى 44 من اللواتي لم يتزوجن. أي النساء الذين مروا في مرحلة الخصوبة إلّا أنهن أحجمن عن الزواج نتيجة لظروف متعددة. راجع الحرب على الأسرة ص 60.
9- وثيقة بكين، بند 52.
10- بيس آلن وباربارا، شرا مردان به حرف زنان كوش نمي دهند. (لماذا لا يصغي الرجال إلى ما تقوله النساء) ص 367.
11- بحراني، عبدالله، عوالم العلوم والمعارف والأحوال. ج11، ص865، حديث 24.
12- بحراني، عبدالله، عوالم العلوم والمعارف والأحوال. ج11، ص356، حديث 26.
13- هبة رؤوف عزة، كاتبة مصريّة كتبت حول نقد الدكتورة نوال سعداوي: "قبل أن نقوم بتشجيع المرأة على الدخول في المجالات الاجتماعيّة... من الأفضل لنا أن نعمل على تشجيع الرجل من أجل الدخول في الحياة الأسريّة الخاصة ويقوم بدوره داخل الأسرة ونعمل على إعادة الأب الغائب عن الأسرة لكي يقوم بمسؤولياته المنسيّة" راجع: نيمه ديكر (النصف الآخر) ترجمة مهدي سرحدي، ص 135.
14- طبري، محب الدين، ذخائر العقبى، ص49.
15- كنز العمال، ج15، ص507.
16- بحار الأنوار، ج 43، ص 50.
17- برنشتاين، فليب، اتش، برنشتاين. مارسي تي، زناشوئي درماني (العلاج بالزواج) ترجمة حسين بور عابدي نائيني، غلام رضا منشي، ص 16.
18- راجع: بيس، آلن وبابارا، شرا مردان به حرف زنان كوش نمى كنند (لماذا لا يصغي الرجل إلى ما تقوله النساء) ص 202.
19- نفس المصدر، ص202.
20- غيدنز، آنتوني. جامعة شناسي، ص196.
المصدر: علا سوند، فريبا: المرأة بين الحق والواجب (ترجمة محمود حمدان)، كتاب نيستان، ط1، 1386 هـ. ش، طهران.
اترك تعليق