مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

سبل التعامل السليم مع الأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد

سبل التعامل السليم مع الأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد

يبلغ طفلي التاسعة من عمره، ويشكون منه المعلمون وزملاؤه في المدرسة، بسبب حركته الكثيرة، ومضايقته لزملائه ومعلميه، وعدم قدرته على القيام بأي مهام دراسيّة، وقد قمت بتغيير مدرسته ثلاث مرات من دون إحراز أي تقدّم في مستواه الدراسي المتدنّي، وهو مزعج في البيت أيضاً ولا يهدأ أبداً. لقد نصحني الاختصاصي في مدرسته بعرضه على طبيب نفسي لاعتقاده بأنه يعاني اضطراباً يسمى فرط النشاط، أنا أشعر بالعجوز لم أعد أستطع التعامل معه؟
يعاني الآباء والمعلمون على حدّ سواء مشكلة النشاط الزائد، أو نقص الانتباه، أو المشكلتين مجتمعتين، لدى الأبناء في سن الطفولة المبكرة والمتوسطة، وأحياناً المراهقة، ويخلط الآباء والمعلمون بين ما هو طبيعي ومقبول من الحركة والنشاط، وبين ما يراه الاختصاصيّون اضطراباً.
لا يعلم كثيرون أنّ الحركة والنشاط واللعب هي أهم خصائص وحاجات الأطفال، وأنها وسيلتهم في التعبير عن أنفسهم، واهتماماتهم، وحتى رغباتهم، وأنها تحمل دلالات مهمة أيضاً حول سويّة نموهم الجسدي والعقلي والانفعالي، لذلك يحاولون حث الأطفال على التوقف عن ذلك أو يعاقبونهم عليه. في حين يكمن الحل ببساطة بالسماح للطفل بقضاء وقتٍ كافٍ في اللعب وممارسة أنشطة بدنيّة لتفريغ طاقته، وتحسين نظام غذائه، وإعطائه تعليمات بسيطة وواضحة وهادئة، وتشجيعه والثناء عليه كلما التزم بما هو مطلوب منه.
وبما أنّه قد تمّ تشخيص طفلك على أنه مصاب باضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد ADHD، وهو ما يبدو صحيحاً من الأعراض التي ذكرتها هنا، وحتى نميز بين الحد الطبيعي والمقبول من الحركة لدى الأطفال، وبين اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد، لا بدّ من معرفة الأعراض والآثار التي تظهر على الأطفال المصابين بهذا الاضطراب، وهو اضطراب سلوكي يظهر واضحاً في سن الطفولة المبكرة، حيث يعاني الطفل مشكلة في القدرة على التركيز، أو الحفاظ على حد مقبول من الحركة، والقدرة على البقاء في مكان واحد فترة من الزمن.
يمكن القول إنّ الطفل يعاني مشكلة النشاط الزائد حين تؤثّر حركته ونشاطه على حياته الأسرية والمدرسيّة والاجتماعيّة، أو تبدو مختلفة إلى حدّ كبير عمّا هي عليه لدى الأطفال في نفس عمره.
الأعراض:
تشير الدراسات إلى أنّ مشكلة النشاط الزائد تنتشر بين 2- 5% من الأطفال في المدارس، وأنها تظهر لدى الأولاد أكثر مما تظهر لدى البنات. ولم يتم التوصل حتى الآن إلى معرفة أسباب محددة للإصابة بهذا الاضطراب، إلا أنّ الدراسات تشير إلى انتشاره أكثر لدى الأطفال الذين يمرون بخبرات صادمة، ومؤلمة في طفولتهم. ورغم أنّ بعض الآباء يلومون أنفسهم على هذه المشكلة، إلا أنه لا توجد أدلة على أنّ طريقة التربيّة لها علاقة بالأمر، ولكن الآباء والأمهات يلعبون بالتأكيد دوراً حاسماً في مساعدة الأطفال المصابين بهذا الاضطراب.
يرتبط اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد بمجموعة من السلوكيّات تبعاً لعمر الطفل والمكان الذي يوجد فيه (البيت، المدرسة، الملعب). ولا تظهر جميع الأعراض بالضرورة على الطفل، إذ يعاني بعض الأطفال نقص الانتباه، بينما المشكلة الرئيسية لدى الجزء الأكبر منهم هي النشاط الزائد. وتظهر على الأطفال الذين يعانون مشاكل نقص الانتباه أعراض النسيان، والتشتت، وعدم الرغبة في الاستماع إلى المعلمين، أو الآباء، أو حضور الدروس، كما أنهم غير منظمين، وإذا بدؤوا عملاً أو مهاماً مدرسيّة، فإنّهم لا ينهونها إّلا نادراً.
أما الأطفال المصابون بفرط النشاط فيعانون القلق والعصبيّة، كما أنهم يتحدثون بصوت مرتفع، ويحدثون صخباً، ويثرثرون باستمرار، كما أنهم مندفعون ولديهم صعوبة في انتظار دورهم في الألعاب، أو في قائمة الانتظار، ويقاطعون حديث الآخرين، وأيضاً هم كثيرو الاستفزاز لزملائهم ومعلميهم، ويواجهون صعوبة كبيرة في البقاء جالسين حتى نهاية الحصة الدراسيّة، أو حتى منتصفها.
ويمكن أن يعاني الأطفال المصابون باضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد مشكلات أخرى، مثل صعوبات التعلم، واضطرابات السلوك، والقلق، والاكتئاب، وأحياناً التوحد. بالإضافة إلى مشكلات عصبية مثل التشنجات اللاإراديّة، والصرع، ومشكلات التآزر الحركي، ونقص المهارات الاجتماعية.
تشخيص الاضطراب:
ليس هناك اختبار واحد بسيط ومحدد لاتخاذ قرار بتشخيص الإصابة باضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد، فالتشخيص يتطلب تقييماً متخصصاً، يتم عادة من قبل اختصاصي علم النفس التربوي والطفولة، أو الطبيب النفسي، أو أطباء الأطفال المتمرسين، ويتم ذلك بالتعرف إلى أنماط سلوك الطفل، ومراقبته، والحصول على تقارير عن سلوكه في البيت والمدرسة، ويتم ذلك في بعض الأحيان إجراء اختبار للمساعدة في التشخيص، من قبل اختصاصي علم النفس السريري أو الاختبارات التعليميّة.
كيف يتم علاجه؟
يحتاج الطفل الذي يعاني اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد إلى دعم متكامل من الأسرة، والمدرسة، والأصدقاء، وحتى المجتمع:
أولاً- من المهم جداً أن يفهم جميع أفراد لأسرة والمعلمين والاختصاصيين الاجتماعيين في المدارس والمرشدين حالة الطفل، والاضطراب الذي يعانيه، وكيف يؤثّر عليه هذا الاضطراب، والشعور بالمسؤولية تجاه مساعدته ليكون واعياً بحالته، وكيفية إدارتها.
ثانياً- على المعلمين وأولياء الأمور استخدام استراتيجيّات تعديل السلوك كالتعزيز والتشجيع وغيرهما، وعدم اللجوء للعقاب أو الإساءة اللفظيّة.
ثالثاً- يجب أن تتعاون المدرسة بوضع خطط تربويّة محددة لمساعدة الأطفال على إنجاز عملهم اليومي في الفصول الدراسيّة والواجبات المنزليّة، فهي تساعد الأطفال على بناء الثقة بأنفسهم، وتطوير مهاراتهم الاجتماعيّة.
رابعاً- من المهم المحافظة على اتصالات جيدة بين البيت والمدرسة والاختصاصي المُعالج، لمتابعة تحسن الطفل، وتسجيل أي أعراض جديدة قد تطرأ أو تشهد تحسناً.
خامساً- يمكن أن تلعب الأدوية دوراً مهماً في الحد من تطور الاضطراب، وإزالة أعراضه، والحد من النشاط المفرط وتحسين التركيز، وبالتالي تحسين التعلم واكتساب مهارات جديدة، لكن لا يحتاج جميع الأطفال المصابين بهذا الاضطراب لاستخدام الأدوية.
ماذا يمكن أن أفعل؟
قد تصدر عن الأطفال الذين يعانون اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد، سلوكيّات صعبة للغاية في المنزل أو المدرسة أو خارجهما، وقد تسبب هذه السلوكيّات أذى للآخرين، أو إحراجاً للوالدين، ومع ذلك فإنّ أولى الخطوات الصحيحة للتعامل مع هذه السلوكيّات هي ضبط النفس والهدوء، وتفهم سلوك الطفل، ومحاولة إيقافه بهدوء من دون اللجوء لتوجيه الشتائم أو العقاب الجسدي. فالتعامل غير الصحيح مع مقدار ما لدى هؤلاء الأطفال من الطاقة، سيسبب لهم شعوراً بالإحباط وفقدان الثقة، وسوء التكيّف مع المحيط. في حين يمكن لإجراءات ترسي أسلوب حياة صحي، مع نظام غذائي متوازن، وممارسة أنشطة معينة، أن تساعد في تجنب كثير من المشكلات وحلها، ومن هذه الإجراءات:
1- إعطاء تعليمات واضحة وبسيطة، مع الوقوف إلى جانب الطفل، والنظر إليه بهدوء، وسؤاله ببطء وهدوء عمّا نريد منه أن يفعل، بدلاً من الصراخ عبر الغرفة.
2- تشجيع الطفل والثناء على قيامه بما هو مطلوب منه، مهما كان هذا الفعل بسيطاً، بدلاً من قول (ماذا كان سيحصل لو فعلت هذا من البداية؟).
3- إذا لزم الأمر، كتابة قائمة بالأشياء التي يجب على الطفل القيام بها، ووضعها في مكان يمكّن الطفل من النظر إليه بشكل واضح، مثل جدار غرفته، أو الباب، أو مكتبته، ويجب عدم توقّع أن يدرك الطفل من تلقاء نفسه ما يتوجب عليه القيام به، بمجرد الصراخ عليه أو الغضب منه.
4- تجزئة أي مهمّة يُطلب من الطفل القيام بها مثل العمل المنزلي أو الجلوس على مائدة الطعام، إلى أقصر وقت ممكن، بحيث لا تمتد المهمة الواحدة أكثر من 15- 20 دقيقة، لأنّ هؤلاء الأطفال لا يستطيعون التركيز أو الجلوس طويلاً لتنفيذ مهمات تمتد لأكثر من هذا الوقت، ولا يستطيعون إنهاءها، وبالتالي تقع المشكلات بينهم وبين آبائهم ومعلميهم.
5- إعطاء الطفل وقتاً كافياً وإضافيّاً، لتفريغ طاقته في أنشطة وألعاب مثل كرة القدم والسباحة، والأنشطة التي تتطلب جهداً بدنيّاً.
6- تغيير النظام الغذائي للطفل، وتجنب المواد الحافظة والمضافة، إذ تشير الدراسات إلى تأثير النظام الغذائي على بعض الأطفال، فقد تكون لديهم حساسيّة لبعض الإضافات الغذائيّة والمُلونات، وكذلك التخفيف من الأطعمة والسكريّات التي يلاحظ الوالدان أنها تفاقم فرط النشاط، ومن الأفضل مناقشة هذا الأمر مع الطبيب أو اختصاصي التغذية.
7- يمكن للآباء والأمهات المشاركة في دورات تدريبية للتعرف على وسائل التعامل المناسبة مع مثل هذه المشكلات وأساليب التعامل معها، وهذا أقل ما يمكنهما فعله للتعرف على المشكلة وفهمها وتنمية قدرتهما على التعامل معها.[...]

المصدر: مجلة المرأة اليوم، العدد: 587. 

التعليقات (0)

اترك تعليق