السيدة زينب (ع) والثورة الحسينية: جسدت السيدة زينب (ع) في مواقفها المعاني الشريفة والقيم الرفيعة
كانت العقيلة زينب بنت علي بن أبي طالب الشريكة الأساس في الثورة الحسينية بكل ملامحها وفصولها، حملت أهداف الثورة وتبنت قيمها وناضلت من أجلها. وهذا ليس بغريب على من كانت من نسل طاهر مبارك، وكان جدها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. فبعد زواج النور من النور؛ الإمام علي عليه السلام من السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام رزق النبي(ص) بأحفاد، كانت ثالثهم السيدة زينب بعد أخويها الإمامين الحسن والحسين عليهم السلام، وذلك في الخامس من جمادي الأولى في السنة السادسة للهجرة. دخل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على ابنته مهَّنئا، ضم الطفلة وقبلها، وسالت دموعه، لعلمه بما ستعانيه في حياتها. وسمّاها زينب بعد أن هبط عليه جبرائيل، وقال له: "يا رسول الله إنّ ربك يقرئك السلام، ويقول: يا حبيبي، اجعل اسمها زينب".
عاشت خمس سنوات في أحضان جدها وأمها ثمّ افتقدتهما معا، فعانت اليتم من فقدان هذين النورين، إلا أن عزائها كان بوجود الأنوار الباقية من أهل البيت عليهم، وكان لها علاقة خاصة مع أخيها الحسين(ع). واكبت والدها أمير المؤمنين(ع) وشاطرته صبره وآلامه ومعاناته، والتحقت به بعد تحوله إلى الكوفة وسكنت في جواره مع زوجها عبد الله بن جعفر. وكان الإمام علي عليه السلام يحرص على السيدة زينب لعلمه بالدور الجهادي المناط بها، لذلك اشترط على زوجها عدم منعها من الخروج مع الإمام الحسين. كما أنه كان قد أخذ بيد ولده أبي الفضل العباس، ووضعها في يد ابنته زينب وقال: "هي في كفالتك". كان لها دور علمي وفكري مهم جدا في المدينة والكوفة، كما يروي لنا التاريخ، فإنها كانت تقيم مجالس تفسير القرآن.
السيدة زينب والثورة الحسينية
جاء السير إلى كربلاء، فكانت السيدة زينب(ع) أميرة الركب تحاط بهالة كبرى، يظللها الامام الحسين(ع) ويرعاها أبو الفضل العباس. عاشت اللحظات المصيرية مع امام زمانها أخيها الحسين(ع) وما لحق به من ظلم، من اضطراره لهجرة مدينة جده. ثم ما حل به في كربلاء وكثرة الأعداء، وقلة الناصر والمعين.
سمعت السيدة زينب(ع) عشية التاسع من المحرم بعض الكلمات رددها الامام الحسين(ع). فعلمت أن البلاء قد نزل. فاقتربت منه تجر ثوبها وقالت: "واثكلاه! يا ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة، وأبي علي، وأخي الحسن، يا خليفة الماضين، وكمال الباقين!".
أوصاها الامام الحسين(ع) ليلة العاشر: "يا أختاه اتقي الله! وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجهه تعالى، الذي خلق الخلق بقدرته، ويبعث الخلق ويعودون، وهو فرد وحده، جدي خير مني، وأبي خير مني، وأمي خير مني وأخي خير مني، ولي ولكل مسلم برسول الله صلّى الله عليه وآله أسوة.
يا أختاه: أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي عليّ جيبا، ولا تخدشي عليّ وجهاً، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت".
وحين دعا الامام الحسين(ع) النساء للوداع، تعلقت السيدة زينب بالإمام(ع) وقبلت يديه، فصبّرها، وقالت: "يا ابن أمي طب نفساً وقرّ عينا، فإنك ستجدني كما تحب وترضى". وعندما خرج خرجت وأخذت بعنان الجواد وأقبلت إليه تقدم جواد المنية. ومضى الحسين وقلب زينب متعلق به ونظرها يلاحقه.
مواقف زينبية
كانت زينب، كما أوصاها الحسين(ع)، قوية، تحدت بموافقها أهل النفاق والفتن، أرهبت الطغاة بصلابتها ورباطة جأشها بالرغم من معاناتها ومشاهدتها لإخوانها، وبني إخوانها، وبني عمومتها وشيعة أخيها على الرمال مجزرين.
جسدت السيدة زينب(ع) أعلى درجات التفاني، والطاعة والتسليم، والرضا، وهي تضع يديها تحت جثمان الامام الحسين(ع) الموزع بالسيوف، رافعة له، وهي تقول: "اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان".
الدفاع عن الإمامة
كان لها مواقف شجاعة، في الدفاع عن إمام زمانها، فلم تبخل بالنفس والولد.
فقد أخذت السيدة زينب(ع) بيدي ولديها محمد وعون وذهبت بهما إلى خيمة الحسين وطلبت منه أن يقبلهما ليفدياه بأنفسهما في سبيل الله.
ونصرته بالموقف والكلمة عندما خرجت إلى باب الفسطاط في ساحة الطف ونادت عمر بن سعد: "ويلك يا عمر! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! فلم يجبها بشيء. فنادت: "ويحكم أما فيكم من مسلم؟!". فلم يجبها أحد.
غامرت بنفسها من أجل المحافظة على الدين، والإمام، والإمامة، حيث اقتحمت النار المشتعلة في الخيام، غير مبالية لتخرج الامام زين العابدين(ع).
وتصدت لعبيد الله بن زياد عندما أراد قتل ابن أخيها علي بن الحسين عليه السلام صاحت به: يا ابن زياد! حسبك من دمائنا" واعتنقت عليا وقالت: "والله لا أفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه".
وكذلك عندما قام الشمر لعنه الله بضرب الامام علي بن الحسين(ع) بالسوط، واجهته وقالت: "ويلك يا شمر رفقا بيتيم النبوة وسليل الرسالة وحليف التقى وتاج الخلافة". فلم تزل تقول كذا حتى نحته عنه.
رعاية النساء والأطفال
مع غياب الشمس وازدياد الظلام، اشتدّ الخوف، والكل ينادي عمتاه من يحرسنا؟ تولت زينب الحراسة، أمضت تلك الليلة، وبالرغم من ذلك لم تغفل عن عبادته، وهي التي كانت تقضي عامة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن كأمها الزهراء(ع)، وما تركت ذلك حتى ليلة الحادي عشر من المحرم مع تلك المصائب والمحن النازلة بها فلم تزل قائمة في تلك الليلة في محرابها، ما هدأت لها عين ولا سكنت لها رنّة.
الحفاظ على العفة والحجاب
ومن مواقفها الصلبة، كان في صباح اليوم التالي، عندما أمر ابن سعد لعنه الله أن تحمل النساء على الأقتاب بلا وطأ وحجاب، فقدمت النياق إلى حرم رسول الله(ص) وقد أحاط بهن وقيل لهن: تعالين واركبن فقد أمر ابن سعد بالرحيل.
فزينب عليها السلام ورغم مصائبها لم تغفل عن مسألة العفة وصون الحجاب، فإذا بها تنظر إليه وتقول: سوّد الله وجهك يا ابن سعد في الدنيا والآخرة، تأمر هؤلاء القوم بأن يركبونا ونحن ودائع رسول الله، فقل لهم أن يتباعدون عنا ويركب بعضنا بعضا.
قال: فتنحوا عنهن.
فتقدمت زينب عليها السلام ومعها أم كلثوم، وجعلت تنادي كل واحدة من النساء باسمها وتركبها على المحمل حتى لم يبق أحد سوى السيدة زينب، فنظرت يمينا وشمالا فلم تر أحدا سوى زين العابدين وهو مريض، فأتت إليه وقالت: قم يا ابن أخي واركب الناقة.
فقال: يا عمتاه اركبي أنت ودعيني وهؤلاء القوم.
فرجعت إلى ناقتها لأنها لم تقدر على مخالفة الإمام. فالتفت يمينا وشمالا فلم تر إلا أجسادا على الرمال ورؤوسا على الأسنة بأيدي الرجال.
فبكت وقالت: واغربتاه وأخاه واحسيناه واعباساه وارجالاه واضيعتاه بعدك يا أبا عبد الله.
فلما نظر زين العابدين(ع) إلى ذلك لم يتمالك على نفسه دون أن قام وهو يرتعش من الضعف، فأخذ عصاه يتوكأ عليها وأتى إلى عمته وثنى ركبته، وأركبها.
جسدت السيدة زينب(ع) في مواقفها المعاني الشريفة والقيم الرفيعة، والصور الإنسانية النبيلة، حتى أصبحت سلام الله عليها مظهرا من مظاهر الفضائل، وعنوانا للخصال الطيبة التي تهفو إليها النفوس المحبة للخير، التواقة للعدل الرافضة للظلم، لترسم للمرأة نموذجا للثورة والنضال.
المصادر والمراجع:
- السيد ابن طاووس (ت 664)، اللهوف في قتلى الطفوف، ط: 1417، أنوار الهدى/ قم– ايران.
- الشيخ المفيد (ت 413هـ)، الإرشاد، ج2، ط2، 1414 هـ- 1993م. دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت- لبنان الشيخ عبد الله الحسن، ليلة عاشورارء في الحديث والأدب، ط1، 1418 هـ
- يزبك، الشيخ محمد حسن، العقيلة زينب.
- النقدي، جعفر، زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين.
-علماء القطيف والبحرين، وفيات الأئمة.
موقع ممهدات
اترك تعليق