مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

اللعب في الصغر.. أساس الشخصية المثالية

اللعب في الصغر.. أساس الشخصية المثالية

هو استعداد فطري عند الطفل، من خلاله يتم التخلص من الطاقة الزائدة الموجودة فيه، وهو مقدمةٌ للعمل الجدّيّ الهادف.. فيه يشعر الطفل بقدرته على التعامل مع الآخرين، ومن خلاله يتحقق النمو النفسي والعقلي والإجتماعي والإنفعالي، ويتعلّم الطفل المعايير الإجتماعية وضبط الإنفعالات والنظام والتعاون والثقة بالنفس.. هذا هو اللعب، الذي بالإضافة الى كلّ ما ذكر، فإنه يضفي على نفسيّة الطفل المتعة والبهجة والسرور، وينمّي بذلك مواهبه وقدرته على الخلق والإبداع..
اللعب حاجةٌ ضروريةٌ للطفل، وقد جاءت الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام لتؤكد على إشباع هذه الحاجة، والحثّ عليها، فعن الإمام الصادق(ع): "دع ابنك يلعب سبع سنين".. ويؤكد إختصاصيو التربية أن اللعب مع الأطفال يمنحهم الإحساس بالمكانة المرموقة ويدخل عليهم البهجة والسرور، لذلك ينبغي على الكبار الخضوع لرغبة الصغار إذا طلبوا منهم اللعب معهم، فيقول النبي الأعظم(ص): "من كان عنده صبي فليتصاب له"، فقد كان النبي محمد(ص) يلاعب الأطفال بنفسه، وكان الإمامان الحسن والحسين(ع) أحيانا يركبان ظهر النبي(ص) ويقولان: "حل حل" فيقول(ص): "نعم الجمل جملكما".
وجاء عن علي العامري أنه خرج من عند رسول الله(ص) إلى طعام دعي إليه، فإذا هو بحسين(ع) يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي(ص) أمام القوم، ثم بسط يديه، فوثب الصبي بارتفاعٍ ها هنا مرة وها هنا مرة، وجعل رسول الله(ص) يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت قفاه، ووضع فاه على فيه وقبّله.
إن قائد الإسلام العظيم يعامل سبطه بهذه المعاملة أمام الناس، لكي يرشد الناس إلى ضرورة إدخال السرور إلى قلوب الأطفال، وأهمية اللعب معهم في سبيل تربيتهم تربيةً صحيحةً، لأنه عندما يتنازل الأب والأم والمربي إلى مشاركة الطفل في لعبه، يطفح قلب الصغير بالفرح والبشر، ويحسّ في قرارة نفسه بأن أفعاله الصبيانية مهمة إلى درجة أنها تدعو الكبار إلى المساهمة معه وجعل أنفهم في مستواه، إنّ هذا الإحساس يحيي شخصية الطفل ويركز فيه الشعور بالإستقلال والثقة بالنفس.
لم يفرض الإسلام على الناس أن يكون كل كلامهم ذكراً وكل صمتهم فكراً وكل سمعهم قرآناً، وكل فراغهم في المسجد، وإنه اعترف بهم وبفطرتهم التي خلقهم الله عليها. وقد قال الإمام علي(ع): "إن القلوب تملّ كما الأبدان فابتغوا لها الطرائف".
دوافع اللعب عند الأطفال:
1-
دافع فطري:
اللعب فطري غريزي غير مكتسب كفعل، لكنه يتطور مع التعلم والاكتساب ويتعلم الطفل قوانينه وأشكاله خلال مراحل حياته.
2- دافع معرفي: الاستكشاف والبحث وحب المعرفة من أبرز المحرّكات لسلوك الطفل نحو اللعب.
3- دافع نمائي: لكي تنمو أعضاء الطفل وخاصةً الجهاز العصبي والعضلات فلا بدّ من نشاطٍ يشتمل على حركاتٍ تكون متصلة بالدماغ.
4- دافع تفريغي: الطفل لديه الكثير من الطاقة الزائدة التي تجد في اللعب الوسيلة الوحيدة للتخلص منها.
اللعب ومجالات النمو:
يؤكد المختصون في مجال التربية أنّ اللعب يساهم على نحوٍ فعّال في عملية نمو الطفل، ولذلك سنشير الى العلاقة بين اللعب والنمو:
1- النمو الجسمي – الحركي:
يساعد اللعب الطفل على إنماء قدراته الجسدية الحركية من خلال النشاط الحركي المتصل بعضلات الجسم، الذي بدوره ينمي العضلات، ويحقق بالتالي التوازن على مستوى وظائف الجسم.
فينشط الدورة الدموية ويساعد الجسم على التخلص من السموم، إضافةً الى المرونة والحيوية التي يقدمها للجسم.
2- النمو المعرفي – العقلي:
يعتبر اللعب مدخلاً أساسياً في النمو المعرفي-العقلي لدى الطفل، حيث يبدأ من خلاله بالتعرّف.
دع ابنك يلعب سبع سنين:
على الأشياء وتصنيفها، ويتعلم مفاهيم جديدة تغني قاموسه اللغوي، والأهم من ذلك أنه يكسبه مهارة التواصل اللغوي مع الآخرين.
كذلك من خلال ممارسة الطفل للّعب، فإنه يقوم بعمليات عقلية معرفية واسعة، من خلال اكتسابه لأساليب التفكير كالاستكشاف والملاحظة والتحليل..فمثلاً عندما يرى الطفل لعبةً جديدةً فإنه يستكشف الأزرار التي تحدث صوتاً، ويلاحظ تلك التي تضيء، أو عندما يقلّد أفعال الآخرين فإنه يقوم بنشاط عقلي كتذكّر الفعل وتصوّره، وإدراكه للفعل الذي يقوم به، أو عندما يطرح أسئلة حول لعبةٍ ما فإنّ ذلك يدلّ على البحث والاستكشاف.
3- النمو الإنفعالي:
يؤثر اللعب في الجانب الإنفعالي من شخصية الطفل، حيث أنه يهيئ له الفرصة للتفريغ عن الإنفعالات المكبوتة، ويحرّره من التوتر، مثلاً: الألعاب التمثيلية والإيهامية تساعده على التكيف والسيطرة على الذات، حيث أنّ المشاجرات خلال اللعب التي يقوم بها الطفل تساعده على التحرّر من الصراعات التي بداخله، وعلى إعادة التوازن النفسي.
4- النمو الإجتماعي:
تبرز أهمية اللعب في النمو الإجتماعي من خلال اللعب الجماعي التعاوني -باختلاف أنواعه- فإنه يساعد الطفل على إنماء سلوكه عبر اكتسابه لقيم إجتماعية كاحترام الآخرين وطاعتهم، التعاون، الانتماء للفريق. كما يكسبه مهارات إجتماعية كحلّ المشكلات بروح جماعية، التواصل، الإلتزام بالنظام.. إضافةً الى اكتسابه مفاهيم أخلاقية كالحلال والحرام، المرفوض والمقبول.
5- النمو الأخلاقي:
يعتقد الطفل أنّ القوانين التي تنظم لعبةً ما وتحدد أفعالها، ما هي إلا قوانين ثابتة لا يمكن تغييرها أو استبدالها، وإذا لم يلتزم بهذه القوانين فإنه سيلقى العقاب المناسب لحجم المخالفة، لذلك يلتزم الطفل بقوانين اللعبة التي بدورها تساعده على الانضباط وتنمية حسّ المسؤولية، ومعرفة حقوقه وواجباته، والاحترام، والالتزام بالقوانين على مستوى الأسرة والمجتمع.
اللعب وسمات الشخصية:
من أهم الوسائل التي تنمي التفكير الإبداعي لدى الطفل هو اللعب، لأنه يشكل لديه عادات إبداعية كالتخيّل واستحداث حركاتٍ أو تعابير غير مألوفةٍ.. كذلك عندما يلعب الطفل مع نفسه أو مع الآخرين فإنّ شيخصيته تتأثر بمختلف جوانبها، وينمو ويرتفع مفهوم الذات لديه، فعن طريق ممارسة الألعاب التربوية ينمو الجانب المعرفي، وعن طريق ممارسة الألعاب الرياضية والحركية ينمو الجانب الجسمي، وعن طريق تكوين الصداقات ينمو الجانب الإجتماعي.
أما بالنسبة للثقة بالنفس عند الطفل، فإنّ النشاط الحرّ بممارسة اللعب وخاصةً في المخيمات الكشفية مثلاً، يؤدي الى رفع مستوى الثقة بالنفس لديه، خاصةً من خلال ألعاب التخييم التي تنمّي الجرأة في شخصيته وتساعد على بناء علاقلات وطيدة بين الأطفال، مما يكسبهم الشعور بالمسؤولية وتقبّل الذات والآخرين.
من جهةٍ ثانية، يؤدي اللعب الجماعي إلى جذب الطفل للإنخراط في اللعب، وممارسة اللعب بشكل طبيعي من خلال احتكاكه بأقرانه، ويعتبر اللعب الجماعي من أهم الوسائل لمنع الإصابة بالخجل لأن الطفل أثناء اللعب الجماعي يناقش، ويكوّن علاقات إجتماعية وصداقات، ويشجعه على التعبير عن نفسه بحرية، فمثلاً: عندما يشترك الطفل في لعبة التمثيلية التحزيرية، حيث يقوم شخص بالتعبير عن شيءٍ ما بالإشارة ويقوم الباقون بالتعرف على هذا الشيء، فبذلك يتشجع الطفل للتعبير عن نفسه أمام الآخرين.
وهكذا نخلص إلى القول أنّ هذا النشاط الذي تعاني منه بعض الأمهات وتعتبره عدوها، وبالتالي لا تعطيه الأهمية الضرورية، ليس عبثاً كما يظنه البعض، إنما هو حاجةٌ ملحةٌ عند كل طفل لنمو الشخصية السويّة. فيبقى على الأهل إتاحة الفرصة أمام الأطفال للعب، وذلك بتهيئة المكان والأدوات والمناخ المناسب.

المصدر: وكالة أنباء التقريب.

التعليقات (0)

اترك تعليق