مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

عاشوراء فرصه لتعديل سلوك الأبناء

عاشوراء فرصه لتعديل سلوك الأبناء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
ماذا يأخذ أبناؤنا من عاشوراء؟
كيف تبني عاشوراء القيم والأخلاق لدي أبنائنا؟
وكيف نستفيد من هذه الأيام في تعديل سلوك أبنائنا؟
إذا تأملنا قليلاً في هذه العشرة أيام من كل سنة وما يحدث  فيها من انقلاب في الحركة الباطنية والظاهرية، الحركة الاجتماعية والأسرية والفردية، مما يدل على تحقيق أهداف تلك الحركة العاشورائية من جهة وقدرة المجتمع الولائي واستعداده للتغير والسير باتجاه تكامله وصلاحه واتحاده من جهة أخرى، ومن هنا فإن التعاطي مع عاشوراء لا يتوقف على ما جرى في التاريخ ولا يقتصر على استحضار القصة وإنما حركة تربوية للمجتمع والأجيال على مر الزمن.
هذه العشرة أيام هي في الواقع فرصة لإصلاح الأرواح والقلوب والسلوك لكل فئات المجتمع كباراً وصغاراً، لما تحمله هذه الحركة من آثار تكوينية من جهة ومن آثار اجتماعية واضحة وملموسة من جهة أخرى ويمكننا أن نقول أن عاشوراء فرصة لتعديل سلوك الأبناء...
وإذا أمعنا النظر في المشهد، خلال العشرة أيام من كل عام، وجدنا الصغير والكبير يسارع إلى خدمة وحضور المجالس الحسينية ولديه قناعة بأن عليه أن يتأدب في هذه العشرة أيام، فيغير أكله وشربة واهتماماته والأمور التي ينشغل بها وبرنامجه اليومي... الخ
وإذا رجعنا بذاكرتنا للوراء لوجدنا أمورا محفورة في الذاكرة تركت أثراً ايجابيا في نفوسنا بغض النظر عن صحة مصدرها، لكنها كانت اتفاقاً اجتماعياً تحول إلى عرف اجتماعي على مر الأيام، فقد كنا لا نمضغ العلكة في هذه الأيام ولا نأكل الحب (الفصفص) ولا نلعب ولا نضحك...الخ.
بدافع الحب والتأدب والمواساة لمصيبة الحسين عليه السلام، فتفاعل الأطفال مع هذه الحركة يحي في نفوسهم حسّ الشعور بالمسؤولية، ومراعاة الآداب العرفية والاجتماعية وهذا رصيد مهم باتجاه الضبط السلوكي.
و كما نعلم التأديب في الصغر أرسخ وأكثر أثراً لأن قلب الطفل كالصفحة البيضاء يسهل النقش عليها، يقول أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام: "وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك".
الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع أن يعيش في عزلة، والمجتمع يمثل المحيط الذي ينشأ فيه الطفل اجتماعيا وثقافيا، ولكل مجتمع ملامحه ومعاييره وإحياء هذه العشرة أيام بما يحمله هذا الإحياء من مفاهيم، وأخلاقيات، وآداب ينتقل عبر الأجيال ويصبح جزءاً من ثقافة المجتمع.
عاشوراء تشكل في الأطفال رصيدهم المعرفي والثقافي الذي يحملونه في حياتهم، إذا استطعنا أن نستفيد من هذه الأيام في تعليم الأطفال وتثقيفهم إلى ما حملته هذه الحركة من أخلاقيات، وقيم، وبطولات، وسلوكيات وليس فقط ما جرى فيها من مآسي واضطهاد وظلم، وإنما هذا الظلم والمشهد المؤلم هي معاناة لا بد منها لتحقيق الأهداف السامية، ونيل الثواب الجزيل لتصل إلى نفوسهم رسائل ضمنية أن الإنسان يمكنه أن يتحمل الكثير من أجل الأهداف السامية، كما يعلمهم المفاهيم الصحيحة للفضائل والأخلاق الكريمة من خلال النموذج العملي المتجسد في أبطال هذه القصة الدامية.
ظهرت أبحاث كثير تشير إلى أن السلوك لا يتغير من خلال التوجيهات والنصائح أو كثرة الوعظ ما لم يرتبط بتطبيقات عملية وأنماط سلوكية تستمر لفترات لتضمن تثبيتها حتى تتحول إلى عادة. إذن تعديل السلوك وتبني أنماط وعادات صحية وايجابية راسخة  مستمرة للناشئة والأطفال لن يحدث إلا من خلال التحول من الثقافة الوعظية وعلوم الكلام وفلسفة الأخلاق إلى التدريب والتطبيق العملي لعلوم سلوكية إسلامية وتطبيقية، وهذا هو منهج القرآن الكريم وسنة النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين في تربية الإنسان الذي اشتمل على عدد هائل من هذه النماذج السلوكية العملية والتطبيقات في كيفية التصرف في مختلف نواحي ومواقف الحياة وتحت مختلف الضغوط والظروف النفسية والاجتماعية، مما يفرض علينا ضرورة دراسة وتحليل هذه النماذج والمهارات السلوكية بل ضرورة تأسيس علوم جديدة في فقه السلوك تهتم بدراسة تلك الأساليب السلوكية وتطويرها لتتناسب مع العصر وظروفه وتكون وفق منهج علمي صحيح.
في عصرنا بالذات، إن ما يسمعونه الأبناء من خطب وعظية تتبخر من الذهن بعد دقائق وذلك بسبب التشويش الذهني الذي يعيشه أبناؤنا بفعل المثيرات الفضائية والصراعات التي يعايشونها والتداخل في القيم وعدم وضوح الأهداف، فإذا لم يكن الخطاب مؤثراً بالدرجة التي تقابل شدة المؤثرات الخارجية السلبية لن يحقق الهدف منه.
إذن كيف نجعل الخطاب مؤثراً؟ وكيف نستفيد من عاشوراء لنقل القيم والأخلاق والسلوك الحسن لأبنائنا؟
هذه خطوات عمليه يمكننا تطبيقها لكسب الفائدة لأبنائنا خلال الأيام العاشورائية:
- تخصيص مجالس للأطفال والناشئة لمخاطبتهم بمستواهم حتى لا يكون تفاعلهم مع عاشوراء تفاعلاً عاطفياً فقط -وإن كان له أثره- بل يجب أن نراعي طبيعة استيعابهم/ المشاهد المؤثرة فيهم/ الأفكار التي تتناسب مع بنائهم الثقافي/ الأجواء التي تدخل إلى أعماق قلوبهم... ولأن البناء العاشورائي بناء متكامل فلنهيئ الأطفال ونقربهم من المفهوم بقدر استيعابهم ليستفيدوا من عاشوراء بكل مفرداتها.
- التأكيد على مراعاة الآداب في هذه الأيام من مأكل وملبس وسلوكيات.
- التأكيد على إبراز مظاهر الحزن والعاطفة.
- حفظ الشعارات الحسينية والأقوال المأثورة والشعر والنثر المتناسب وأعمارهم.
- الربط بالواقع، فالطفل ترسخ في ذهنه الفكرة أكثر إذا ربطناها بالواقع الذي يعيشه فهو يحتاج إلى أمثله من الواقع استطاعت أن تستفيد من عاشوراء في أهدافها وحركتها ونجاحها.
- أسلوب العرض ينبغي أن يكون متوازنا فلا يطغى عليه الظلم والاضطهاد وبشاعة الجريمة والدماء... بل يجب أن يبرز في المقابل البطولات التي حققتها هذه الثلة والعزة التي نالتها والأجر العظيم عند الله عز وجل، وعرض النهاية البائسة والحساب العسير لأعداء الحسين عليه السلام، حتى لا يؤدي بالطفل للشعور بالإحباط وحتى يعرف أن الصعوبات والآلام مقدمات طبيعية للانتصار النهائي.
- التركيز على السرد القصصي المشوق.
- إيصال الطفل إلى العبرة والاستنتاج الصحيح وكشف المعالم التفصيلية في الشخصيات القدوة لتوفير المثل الأعلى لاختيار القدوة.
- إثارة العواطف للتفاعل مع الحادثة وكسب الفائدة الروحية.
- احترام الأطفال ودورهم... إيكال بعض المسؤوليات لهم بما يتناسب وقدراتهم... نقل توقعات إيجابيه لسلوكهم في المجالس.
أخيراً نستطيع أن نقول أن عاشوراء فرصة ذهبية تمر علينا في كل عام لإصلاح الأرواح والقلوب والسلوك، علينا أن نعرف كيف نستفيد منها ونستثمرها لبناء جيل واع يعرف طريق الحق فيسلكه وطريق الباطل فيجتنبه.

المصدر: شبكة والفجر الثقافية- أ. أم أحمد الموسى.


التعليقات (0)

اترك تعليق