الحقوق الإنسانية والاجتماعية للمرأة والرجل في الإسلام
يرى الإسلام أي فرق بين المرأة والرجل، وليس لجنس المرأة والرجل أدنى تأثير، إذ لا فرق في جوهر إنسانيتهما ولا في حقوقهما الأساسية.
المقدمة:
يمكن النظر لرؤية الإسلام للجنسين (المرأة والرجل) من زاويتين: إحدى الزاويتين زاوية مبدأ الإنسانية وجوهرها وحقيقتها والأمور التي تترتب على هذا الجوهر والحقيقة، سواء في نفس الإنسان، أو في مصيره أو في الدرب الذي يوصل الإنسان إلى ذلك المصير، وتلك الدرجات السامية التي يمكن للإنسان أن يصلها أو ما يتعلق بالحقوق الأساسية للإنسان كحق الحرية، أو حق التعقل، أو حق التكليف –والتكليف أيضاً هو حق بمعنى من المعاني– وحق الاختيار، وحق الإرادة، وحق الملكية.
وأحياناً ينظر الإسلام للرجل والمرأة من زاوية بعض الأعراض واللواحق والظروف الحياتية الخاصة من قبيل الحالة الجسمية والواجبات والتكاليف الاجتماعية.
أولا: الفارق في الحقيقة الإنسانية:
من الزاوية الأولى، لا يرى الإسلام أي فرق بين المرأة والرجل، وليس لجنس المرأة والرجل أدنى تأثير، إذ لا فرق في جوهر إنسانيتهما و لا في حقوقهما الأساسية. الرجل حرّ والمرأة أيضاً حرة، وللرجل حق الانتخاب والمرأة أيضاً لها حق الانتخاب، والرجل تقع على عاتقه واجبات والمرأة أيضاً تقع على عاتقها بعض الواجبات، الرجل بوسعه الرقي للمراتب الإنسانية العليا والمرأة كذلك بوسعها الرقي للمراتب الإنسانية العليا، والرجل من حقه طلب العلم وتحصيله والمرأة كذلك من حقها طلب العلم وتحصيله، والرجل تقع على عاتقه واجبات جسيمة تتعلق بالجهاد في سبيل الله والمرأة أيضاً تقع على عاتقها واجبات جسيمة تتعلق بالجهاد في سبيل الله –فالجهاد واجب على المرأة والرجل، والجهاد ليس القتال بالسيف فقط إنما توجد أنواع وصنوف متعددة من الجهاد، وبعض أنواع الجهاد أصعب حتى من القتال بالسيف والتواجد في الجبهات، وقد تكون بعض أنواع الجهاد متيسّرة للرجل وغير متيسّرة للمرأة، لكن الجهاد في سبيل الله على كل حال واجب على المرأة والرجل – والتكاليف الإلهية التي تعدّ فرصاً لعروج الإنسان، وبواسطتها يستطيع الإنسان أن يعرج إلى الأعالي، واجبة على المرأة وعلى الرجل. كل هذه الأمور موضوعة أمام المرأة والرجل على السواء ومن دون أي تفاوت.
لذلك يذكر القرآن الكريم المرأة والرجل في مواضع عديدة إلى جانب بعضهما: «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا». هنا ليس بوسع الرجال أن يقولوا إن لنا هذا الامتياز أو الترجيح، كلا، في كل هذه الأمور يؤخذ الرجل والمرأة في الرؤية الإلهية على نحو السواء. بل في بعض الأحيان، من أجل أن يضع الله تعالى نموذجاً أمام أنظار البشر يختار النساء لذلك.
وكان بوسعه أن يختار رجلاً فالرجال الكبار كثر لكنه يختار امرأة، ولهذا الاختيار معناه. مقابل أولئك الجاهليين الذين كانوا يتصورون أن ثمة فروقاً بين المرأة والرجل يقول القرآن الكريم: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ» أي إنه يضرب امرأة فرعون مثلاً للمؤمنين «إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة». وفي الجهةالمقابلة، أي في جانب السوء: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ» فالله يسوق امرأة نوح وامرأة لوط كنماذج للسوء، أي في ميادين الإنسانية والتكامل والتعالي، وفي مواطن العروج والسقوط، ومن حيث التكاليف والحقوق، لا يوجد أي فارق بين المرأة والرجل فكلاهما كائن أنساني.
ثانيا: الفوارق في الحقيقة الجسمانية والتكاليف الاجتماعية:
الزاوية الثانية هي النظر للجنسين من حيث واقعهما كجنسين، إذ ثمة واقع لكل واحد من هذين الجنسين. إرضاع الطفل مثلاً واجب وضع على عاتق المرأة، وعلى المرأة إرضاع الطفل، وليس بوسع الرجل إرضاع الطفل. أو خذوا مثلاً حضانة الطفل وهو تكليف وحق –إنه واجب وبمعنى من المعاني حق– وضع على عاتق المرأة. أو مثلاً إعالة العائلة وتوفير مستلزمات المعيشة لها تكليف وضع على عاتق الرجل. لو كانت للمرأة ثروة الدنيا كلها فليس من واجبها الإنفاق على متطلبات البيت وتكاليف الحياة من جيبها، وعلى الرجل القيام بذلك. هذه أمور ناجمة عن واقع الجنسين. أي إن الله تعالى خلق هذين الجنسين على شكلين مختلفين من الناحية الجسمية والعاطفية، وذلك من أجل مصالحهما ولبقاء النسل ولعمارة العالم ولإدارته وإدارة الطبيعة بشكل صحيح. لقد خلق كل من المرأة والرجل على شكل مختلف من حيث المشاعر والجسم، وذلك في ضوء الواجبات الملقاة على عاتق كل منهما.
وهذه الواجبات مرسومة على أساس ذلك الواقع. هذا الواقع الطبيعي –سواء الجسماني أو العاطفي– يؤثر في نوع التكاليف الموضوعة على عواتقهم، وكذلك في نوع الحقوق المخصصة لهم، كنفقة المرأة وكسوتها التي يتولاها الرجل. فحق النفقة والكسوة لا علاقة له بفقر المرأة أو ضعفها بحيث أنها يجب أن تنال هذه الحقوق لأنها لا تستطيع أن تعمل، لا، قد تكون المرأة قادرة على العمل والحصول على العمل، لكن ليس من واجبها أن تنفق من أموالها حتى ريالاً واحداً في حياتها المشتركة مع زوجها. بوسعها إذا شاءت أن تنفق أموالها في موضع آخر ولا إشكال في هذا إطلاقاً. لكن ليس للرجل مثل هذا الحق.
نظرة الإسلام هذه للرجل والمرأة ناجمة عن تربيتهما الطبيعة. أوجد الله تعالى نظاماً طبيعياً على أساس المصالح والحكم، ومن أجل نجاح الحياة بين المرأة والرجل، ولكي يستطيعا إدارة الدنيا. ووضع أعمالاً على عاتق المرأة وأعمالاً على عاتق الرجل، وقرّر حقوقاً للمرأة وحقوقاً للرجل. مثلاً حجاب المرأة فيه تشدّد أكبر من حجاب الرجل. طبعاً الرجل أيضاً يجب أن يراعي الحجاب في بعض الحالات، ولا يكشف عن أنحاء من جسمه. لكن هذا المعنى أشد وأكبر لدى المرأة، لماذا؟ لأن طبيعةالمرأة وخصوصياتها ولطافتها جعلتها مظهراً للجمال والظرافة في الخلقة، وإذا أردنا للمجتمع أن لا يصاب بالتشنج والانهيار والتلوث والفساد فيجب حجب هذا الجنس. والرجل ليس كالمرأة بالمطلق في هذا المجال وله حريات أكبر. هذا ناجم عن الوضع الطبيعي لكل من المرأة والرجل والرؤية الإلهية في تنظيم العالم وإدارته.
ثالثا: سبب الفرق بين دية المرأة ودية الرجل في الإسلام:
من عوامل الفرق بين المرأة والرجل قضية المال والأمور الاقتصادية تترك تأثيراتها بعض المواطن، ولكن ثمة في مسألة القصاص مسألتين:
الأولى النفس مقابل النفس. وهذا لا فرق فيه أبداً بين الجنسين. إذا قتلت المرأة رجلاً أو قتل رجل امرأة فيجب أن يُقتصّ من القاتل، ولا يقال أبداً إذا قتل الرجل امرأة فحكمه كذا، وإذا قتلت المرأة رجلاً فحكمها كذا، كلا، القصاص حكم كلاهما ويجب الاقتصاص منهما، أي لا يوجد من حيث أهمية النفس «من قتل نفساً... فكأنما قتل الناس جميعاً» أي لا فرق بين المرأة والرجل.
ولكن ثمة اختلاف بين المرأة والرجل من الناحية المالية حيث قرر للرجل امتياز مالي. هذا الامتياز المالي المقرر للرجل يأتي في مقابل الواجب المالي الملقى على عاتق الرجل، ليس في أمور العائلة وحسب، بل لأن إنتاج المال والثروة يتم بواسطة الرجل غالباً. ولا علاقة لهذا بالقيم الإنسانية. لنفترض أنكم تريدون اختيار عامل لإنجاز بعض أعمال البناء في منزلكم.. ستذهبون وتجدون عشرة أشخاص واقفين لطلب العمل بينهم رجل قوي ورجل متعلم نسبياً. هنا سوف تختارون الرجل القوي وتعطونه المال للعمل في منزلكم.
أما إذا أردتم أن تختاروا معلماً لابنكم أو تسليته لمدة ساعة من وقت الفراغ فسوف لن تختاروا ذلك العامل القوي إنما ستمنحون مال أكثر لذلك الرجل الأصفر الوجه النحيف وتأتون به لهذه المهمة. وعموماً فإنكم تختارون الأشخاص بما يتناسب والأعمال المطلوبة منهم. الرجل معدّ للخوض في ميادين الاقتصاد والمال، ولا يعني هذا أن المرأة لا يحق لها ذلك، بلى من حقها ذلك، لكنها مشغولة بأمور أخرى فعليها مهام الحمل والإرضاع، وهناك ظرافتها الجسمية والروحية ورقة مشاعرها، ولا تستطيع الدخول في كل الساحات، ولا طاقة لها بكل ألوان التعامل، وهذا ما يخلق لها قيوداً من الناحية المالية والاقتصادية والأنشطة ذات الصلة بهذه الأمور، بينما لا يتقيّد الرجل بهذه القيود بل هو مختص أساساً بتحمل أعباءالأمور الاقتصادية. طبقاً لذلك المثال فإن ذلك الامتياز يعطى للرجل القوي أي لو تقرر أن يعطوا لذلك الرجل الضعيف ألف تومان في اليوم فسوف يعطون للرجل القوي ألفاً وخمسمائة تومان يومياً.
وليس معنى هذه الألف وخمسمائة تومان أنّ القيمة الحقيقية للرجل القوي أكبر من الرجل الضعيف، بل معناها أن قيمته في هذا العمل أكبر. وإذا أرادوا مثلاً تخصيص امتياز لحضانة الطفل فسوف يخصّص هذا الامتياز للمرأة، وإذا أرادوا تخصيص امتياز للإرضاع فسيكون الامتياز للمرأة هلمّ جراً. وعلى هذا الأساس يوجد فرق بين دية المرأة ودية الرجل، وليس لأن قيمة المرأة أكبر من قيمة الرجل، لا، القصاص موجود بالنسبة للجميع –النفس في مقابل النفس– ولكن لأن الرجل عموماً هو الناشط في حقل المسائل المالية والمنتج للمال والثروة، عليه تختلف ديته عن دية المرأة. وهذا كله طبعاً قائم على الأغلبية، وإلا قد تكون هناك امرأة أقوى من عدة رجال أقوياء! كتلك السيدة المحترمة في صدر الإسلام التي قالت لذلك الشاعر قم واقتل ذلك اليهودي، لكن الشاعر خاف واعتزل، فقامت هي وأخذت بيدها عموداً وضربت اليهودي فقتلته، وكان ذلك الشاعر المسكين يرتعد من الخوف هناك! كان لدينا مثل هذه النماذج في زماننا وفي الزمن الماضي. لكن هذه ليست حالات غالبة، والأحكام العامة لا تشرّع على أساس الحالات النادرة إنما على أساس الغالبية والحالات الغالبة. إذن من الناحية الإنسانية للقضية –وهي قيمة النفس– يتساوى الرجل والمرأة، ولكن من حيث القيمة المالية والمادية –والتي تتعلق بالدور العام للرجل في مجال إنتاج الثروة– يختلف الرجل عن المرأة.
رابعا: الإفتاء وإمامة صلاة الجماعة:
طبعاً بعض هذه الواجبات التي تعدّ مسلماً بها في الفقه –كمسألة الإفتاء– يمكن مناقشتها. لا نستطيع أن نؤيد تمام التأييد أن الرجولة شرط للإفتاء. بل في بعض المسائل ربما وجب إفتاء النساء. ثمة مسائل لا نستطيع أنا وأنتم الرجال أن نفهمها، وحتى لو شرحوها لنا لما اتضحت لنا، وإنما بوسع المرأة أن تفهم الموضوع. ربما قال الإنسان بأن من المتعيّن إفتاء النساء في المسائل المتعلقة بالنساء. على كل حال لا نريد أخذ ما قيل في الفقه في مقام الاختلاف بين المرأة والرجل أخذ المسلمات، لا، بعض ما قيل في الفقه من المسلمات –كمسألة الدية هذه– وبعضه ليس بمسلمات ويمكن إعادة النظر فيه، كمسألة الإفتاء والقضاء، وحتى مسألة إمامة الجماعة، حيث لم يكن بعض الأكابر من قبيل الإمام الخميني (رضوان الله عليه) من القائلين بحق إمامة الجماعة للنساء –على ما في بالي الآن– لكننا لم نوافق هذا الرأي. إذن، لسنا نقبل على نحو الإطلاق كل ما ورد في الفقه من الاختلافات بين المرأة والرجل ونعتبره مما لا نقاش فيه، لا، بعض ما ورد يقبل النقاش وبعضه لا يقبل النقاش حقاً.
خامسا: تفسير الآية الكريمة «الرجال قوّامون على النساء»:
قدّم آية الله العظمى السيد علي الخامنئي في مراسم عقد قران عدد من الشباب تفسيراً للآية 34 من سورة النساء: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» مستعرضاً باختصار واجبات المرأة والرجل في العائلة والتباينات بينهما، وفي ما يلي خلاصة حديثه:
معنى هذه الآية أنّ الإشراف على أمور البيت يقع على عاتق الرجل، وعلى الرجل أن يذهب ويعمل ويتولى إعالة العائلة ومعاشها. وكل ما تمتلكه المرأة من ثروة فهو لها وليست معيشة العائلة على عاتقها. وليس الأمر بحيث نقول إن المرأة يجب أن تتبع الرجل في كل المواطن، كلا، ليس لدينا مثل هذا الأمر، لا في الإسلام ولا في الشرع. آية «الرجال قوّامون على النساء» ليس معناها أن تكون المرأة تابعة لزوجها في كل الأمور، لا.. أو أن نقول مثل بعض هؤلاء الذين لم يروا الغرب ويسلكون سلوكاً أسوء من الغربيين في تقليدهم للغرب، بأن المرأة يجب أن تكون الكل في الكل ويكون الرجل تابعاً لها. لا، هذا أيضاً خطأ.
هما بالتالي شريكان ورفيقان، وعلى الرجل أن يتنازل في بعض المواطن، وعلى المرأة أن تتنازل في بعض المواطن. أحدهما يتنازل عن ذوقه وإرادته هنا والآخر يتنازل في موضع آخر ليستطيعا العيش سوية.
لكن الله تعالى جعل بين المرأة والرجل اختلافات طبيعية. جعل الله تعالى طبيعة المرأة ظريفة. بعض أصابع يد الإنسان كبيرة وضخمة جداً ومناسبة جداً لاقتلاع صخرة من الأرض ولكن ليس من المعلوم أن بوسعها رفع جوهرة صغيرة جداً أو لمسها. وبعض الأصابع ظريفة ورفيعة ولا تستطيع رفع تلك الصخور لكن بمقدورها جمع تلك الجواهر الصغيرة وبرادة الذهب من على الأرض. وهكذا هما الرجل والمرأة، لكل منهما مسؤولياته، ولا يمكن القول مسؤولية من منهما أعظم وأثقل. مسؤولية كلاهما ثقيلة، وكلا المسؤوليتين لازمة. هكذا جعلهما الله إلى جانب بعضهما.
المصدر: قناة المنار.
الإمام القائد السيد علي الخامنئي(دام ظله)، 29/12/2010.
اترك تعليق