مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مكانة المرأة في الإسلام والغرب(3)

مكانة المرأة في الإسلام والغرب(3)

"في مدينة طهران نفسها كانت مظاهرات النساء ضد الجهاز الحاكم مظاهرات قوية وصارمة. أقول هذا ليتضح أن مشاركة المرأة المسلمة بدوافع إسلامية له سابقته حتى قبل أحداث الثورة الإسلامية."
الفصل الثالث: دور المرأة في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية:
أولا : دور المرأة في التاريخ الإيراني المعاصر:

كان للمرأة في إيران ولأسباب معينة دور بارز في المرحلة الزمنية الراهنة وربما في الكثير من الأحداث الكبيرة الأخرى. إذا راجعنا تاريخ المائة وخمسين عاماً الماضية -و هو تاريخ جدّ مهم وزاخر بالدروس والعبر- سنشاهد أنّ حركة المرأة ومشاركتها في بعض الميادين مهمة وملحوظة و مؤثرة جداً. ومن ذلك إسهام المرأة في حادثة مقارعة الاستعمار بقيادة المرحوم الميرزا الشيرازي في إيران. في مدينة طهران نفسها كانت مظاهرات النساء ضد الجهاز الحاكم مظاهرات قوية وصارمة. أقول هذا ليتضح أن مشاركة المرأة المسلمة بدوافع إسلامية له سابقته حتى قبل أحداث الثورة الإسلامية.
ثانياً: المرأة في عصر الحكم الملكي البهلوي:
كانت المرأة مظلومة حقاً وعلى كافة الأصعدة في المجتمع المنهزم على عهد النظام الملكي القذر. إذا أرادت المرأة الخوض في ميدان العلم فقد كان عليها ترك قيود الدين والتقوى والعفة. السيدة المسلمة المتدينة لم يكن بوسعها في الجامعات والبيئات التعليمية والمراكز العلمية والثقافية الحفاظ على حجابها ورزانتها ووقارها بسهولة. لم يكن بمقدور المرأة المتدينة المشي في شوارع طهران برزانة ووقار إسلامي أو حتى بنصف حجاب بحيث تبقى في مأمن من لسعات ألسنة الوقحين وحركات المتهالكين على الفساد والفحشاء الوافد من الغرب. فعلوا في هذه البلاد ما من شأنه تعذّر طلب العلم على النساء غالباً. لم يكن بالإمكان عموماً توجّه المرأة إلى ميادين العلم إلا بترك الحجاب والتخلّي عن التقوى والوقار الإسلامي!
وكذا الحال في المضمار السياسي وعلى مستوى الأنشطة الاجتماعية. إذا أرادت امرأة في العهد الملكي في إيران تولّي منصب من المناصب الاجتماعية والسياسية، كان عليها ترك الحجاب، والعفة، والوقار، والرصانة الإسلامية المقررة للمرأة. طبعاً، كان الأمر يعود إلى جوهر تلك المرأة وطبيعتها. إذا كانت رديئة المعدن جداً فعليها الانزلاق إلى تلك الهاوية. وإذا كانت صائنة لنفسها فستحفظ نفسها إلى حدّ ما، لكنها تواجه دوماً ضغوطاً متزايدة تفرضها عليها البيئة الاجتماعية.
في النظام السابق مع أن نسبة كبيرة من النساء كنّ غير متعلمات ولا يعرفن شيئاً عن القضايا الاجتماعية -أي لم يكونوا يسمحون لهن بمعرفة شيء- وكنّ غير مهتمات بمصير البلاد، ولا يعلمن أساساً أن بوسع المرأة التدخل في تقرير مصير البلاد، مع كل ذلك كن من حيث الظاهر شبه أوروبيات، بل ويزدِن أحياناً على النساء الغربيات والأوربية، وحينما ينظر لهن المرء يتصوَّر أنهن نساء قدِمن إلى إيران تواً من بلد أوربي ومن بيئة غربية. ولكن إذا تحدثتَ معهن كلمتين وجدتهن غير متعلمات أو قليلات التعليم! فرضوا على المرأة أن تصنع لنفسها شخصية كاذبة من خلال التبرّج واجتذاب الأنظار إليها. كان هذا انحطاطاً وليس تقدماً بالنسبة للمرأة. فهل ثمة جريمة أكبر من هذه بحق المرأة أن يشغلوها بالتبرج، والتقليعات، والموضات، والإغواء، والملابس، والذهب، والحلي، واستخدامها لمقاصدهم المختلفة كوسيلة ليس إلا، وعدم السماح لها بخوض ميادين السياسة والأخلاق والتربية؟ هذا ما تم القيام به في النظام الملكي البهلوي تحديداً وبشكل مبرمج.
ثالثاً: دور المرأة في الثورة الإسلامية في إيران:
أثبتت الثورة الإسلامية في إيران خطأ جميع التصورات الباطلة بشأن المرأة فكانت النساء جنوداً في الخط الأمامي للثورة الإسلامية. لو لم تكن المرأة منسجمة مع الثورة ولو لم تكن توافقها وتؤيدها وتؤمن بها لما حدثت الثورة بكل تأكيد. لو لم تكن المرأة:
أولاً لما تواجد نصف الثوريين أنفسهم في الساحة.
ثانياً لكنّ أثّرن على أبنائهن و أزواجهن وإخوانهن ومحيط بيوتهن -وللمرأة تأثيرها الثقافي الكبير في البيئة المنـزلية- ومنعنهم من التواجد والمشاركة في الساحة. تواجدهن هو الذي استطاع أن يقصم ظهر العدو، ويتقدم بالعمل النضالي إلى الأمام بالمعنى الحقيقي للكلمة. الرجال -سواء كانوا أزواجاً أو أبناءً- يخضعون لتأثير النساء من زوجات وأمهات.
هذه حالة حتمية لا مفرّ منها. حتى الأم غير المتعلمة والتي لا تحمل معلومات وتجارب تُذكر تتمتع بنفود خاص ليس من سنخ نفوذ المعلم على التلميذ أو الرئيس على المرؤوس. ثمة نفوذ خاص للأم على الأبناء يستمر إلى حين شيخوخة الأم. بمعنى أن الأم إذا أرادت استخدام روح الأمومة  نفوذها لاستطاعت.
غالباً ما تؤثر الأمهات على أبنائهن فيتغلغل كلامهن وحبّهن وكلماتهن عند إبداء محبتهن إلى أعماق نفس المتلقّي.
حينما تطورت النهضة الإسلامية في إيران إلى مرحلة الثورة الإسلامية، وتقدمت النسوة إلى الأمام بتصوراتهن الطبيعية التي سادت المجتمع النسوي عن الإسلام، قال الإمام الخميني(رض): لو لم تتعاون المرأة في هذه النهضة لما انتصرت الثورة.
كان للمرأة الإيرانية في تشكيل الجمهورية الإسلامية والأحداث الكبرى التي تتابعت إلى اليوم تواجدها وتأثيرها بنفس مستوى الرجال أحياناً وأكثر من مستوى الرجال أحياناً، وأقل من ذلك في أحيان أخرى. وكذا الحال في الأحداث السياسية المختلفة وفي المظاهرات الدينية والسياسية في البلاد. وفي الحقول العلمية ومجالات البناء والسياسية والقضايا الاجتماعية. ثمة سياق عام ومتواصل لمشاركة المرأة الإيرانية.
الشخصية الاجتماعية للمرأة كعضو في هذه المنظومة الهائلة لها أهميتها الكبرى. لم يكن للمرأة في الماضي اهتمامها بهذا الجانب على الإطلاق. لم يكن ثمة دور مفترض للمرأة في المسؤوليات العامة للمجتمع. وهنَّ أيضاً لم يكنَّ يفترضن لأنفسهن دوراً معيناً. جميع النساء في القرى والمدن البعيدة يرين اليوم لأنفسهن دوراً وشأناً في هذه الثورة. وليس بين المرأة والرجل فرق من هذه الناحية، بل إن النساء يحملن أحياناً إيماناً أصلب ورؤية أوضح لمسائل المجتمع من الرجال، ويرين البلاد وقضاياها من اختصاصهن ومما يعنيهن.
رابعاً: الثورة الإسلامية و المكانة الاجتماعية للمرأة:
جاء الإسلام والثورة والإمام وجعل المرأة في قطب الأنشطة السياسية، وأعطاهن راية الثورة بأيديهن، واستطاعت المرأة في الوقت ذاته حفظ حجابها ووقارها ورزانتها الإسلامية وعفافها ودينها وتقواها. ليس لأحد حق أكبر من هذا في عنق المرأة الإيرانية المتدينة.
سارت المرأة الإيرانية في طريق جيد جداً بفضل الثورة. بمقدور المرأة الإيرانية راهناً الخوض في مضمار العلم والرقي في مدارج العلم مع حفظ دينها، وعفتها، وتقواها، ووقارها، ورزانتها، وشخصيتها وحرمتها. كما بوسع المرأة المساهمة في ميادين العلوم الدينية من دون أن تعترض طريقها أية عقبة. باستطاعة المرأة في إيران اليوم إثبات شخصيتها في الحقول السياسية، والاجتماعية، والجهادية، وفي مساعدة الجماهير، والثورة، والمساهمة في الميادين المختلفة إلى جانب حفظ رزانتها ووقارها وحجابها الإسلامي.
خامساً: مكانة المرأة من منظار الإمام الخميني(رض):
معلم الثورة الكبير الإمام الخميني (قدس سره) كان يجلَّ دور المرأة في الثورة -سواء في ظهورها أو استمرارها- إلى أقصى الحدود، وكذلك منـزلتها في تكامل المجتمع الإسلامي والنضج الإسلامي والثوري، وهذا هو الصحيح وهذا ما يستدعي أن تواصل المرأة الإيرانية والمرأة المسلمة بإرادة راسخة جهادها للتحرر من الشراك والفخاخ ومن الثقافة الغربية المتفسخة، ولا تستسلم إطلاقاً لإغراءات الذين يريدون المرأة أداة لتحرير سياساتهم الهدامة الآسرة. لا بد من دقة وذكاء للتفريق بين احترام المرأة وصيانة شخصيتها العلمية والثقافية و الاجتماعية والفنية و السياسية، وبين هبوطها وانحطاطها إلى مستوى أداة للمقاصد السياسية والشخصية، وأن لا يختلط هذان الأمران على أي إنسان حرّ واعٍ.
حاول الإمام الخميني(رض) دائماً أن يمنح للمرأة في المجتمع الإيراني -وهي فيه نصف السكان كمياً وأكثر منصفه نوعاً في بعض الأحيان- شخصيتها. والشخصية هنا ليست شخصية مفروضة ومفتعلة، بل شخصيتها الواقعية المغفول عنها والمختفية تحت أنواع الحجب. وكان مصرّاً على إظهار تلك الشخصية واستعراضها دوماً أمام الجميع لا سيما أمام النساء أنفسهن، وإقناعهن بهذه الحقيقة المتألقة القائمة.

المصدر: قناة المنار.
الإمام القائد السيد علي الخامنئي(دام ظله)، 08/02/2010.

التعليقات (0)

اترك تعليق