حقوق المرأة ودورها في المجتمع(1)
"يجب أن يُنظر للمرأة بعين الإنسان السامي لتتضح حقيقة تكاملها وحقوقها وحريتها. ينبغي أن يُنظر للمرأة ككائن يستطيع أن يكون سبباً في صلاح المجتمع وتربية أفراد متسامين".
الفصل الأول: دور المرأة في المجتمع:
أولاً: دور المرأة في المجتمع الإنساني:
قضية المرأة وتعامل المجتمعات معها قضية كانت مطروحة علی بساط البحث بين المجتمعات والحضارات المختلفة منذ القدم. كانت النساء دوماً نصف سكان العالم. قوام الحياة في العالم كما أنه رهن بالرجل فهو رهن بالمرأة بنفس المقدار وبنفس الدرجة. المرأة تتولی بشكل طبيعي أعظم المهام في الخلقة.. المهام الرئيسية في الخلقة مثل الإنجاب وتربية الأطفال تقع علی عاتق المرأة. إذن قضية المرأة قضية علی جانب كبير من الأهمية وقد كانت مطروحة ومهمة منذ القدم بين المفكرين وفي إطار الأخلاق والعادات المختلفة للشعوب.
ثانياً: النظرة الصحيحة للمرأة:
يجب أن يُنظر للمرأة بعين الإنسان السامي لتتضح حقيقة تكاملها وحقوقها وحريتها. ينبغي أن يُنظر للمرأة ككائن يستطيع أن يكون سبباً في صلاح المجتمع وتربية أفراد متسامين، ليتضح ما هي حقوق المرأة وكيف يجب أن تكون حريتها. لينظر إلی المرأة باعتبارها العنصر الرئيس في تشكيل العائلة. فالعائلة مع أنها تتشكل من الرجل والمرأة وكلاهما يساهم ويؤثر في تشكيل العائلة وإيجادها، بيد أن السكينة في أجواء العائلة والهدوء والسكون السائد في المنزل إنما هو ببركة المرأة والطبيعة النسوية. يجب أن ينظر للمرأة من هذه الزواية ليتجلی كيف تحرز الكمال وما هي حقوقها.
ثالثاً: الظلم التاريخي ضد المرأة:
تعرضت المرأة للظلم علی امتداد التاريخ وفي شتی المجتمعات. وهذا ناجم عن جهل البشر. طبيعة الإنسان الجاهل هي أنه حينما لا يكون هناك إجبار وقهر خارجي، أو لا يكون هنالك في داخله -وهذا نادر جداً- إيمان قوي وجلي وصريح، ولا يكون ثمة في الخارج قانون -أي سيف القانون وهراوته- فعادة ما يتسلط القوي علی الضعيف. وللأسف كان هناك علی مرّ التاريخ نوع من الظلم التاريخي ضد المرأة. وهو علی الأغلب بسبب أنهم لم يعرفوا قدر المرأة ومكانتها. يجب أن تكتسب المرأة منزلتها الحقيقية وينبغي أن لا يطالها أي ظلم بسبب كونها امرأة. هذا شيء سيئ جداً. سواء الظلم الذي مورس ضد المرأة وكان اسمه ظلماً، أو الظلم الذي لم يكن اسمه ظلماً لكنه في الحقيقة ظلم، كدفع المرأة نحو التبرج والنزعة الاستهلاكية والتجمل العبثي والتكاليف الباهضة وتحويلها إلی أداة استهلاك. هذا ظلم كبير ضد المرأة. وربما أمكن القول أنه ما من ظلم فوق هذا الظلم. لأنه يصرفها عن مبادئها وأهدافها التكاملية ويلهيها بأشياء جد صغيرة وحقيرة.
رابعاً: قضية المرأة في العالم:
البشر رغم كل ادعاءاتهم ورغم كل الجهود التي بذلها المخلصون والصادقون ورغم كل الأعمال الثقافية الواسعة التي أنجزت في خصوص قضية المرأة لم يستطيعوا لحد الآن التوصل فيما يتصل بقضية الجنسين وقضية المرأة -وتبعاً لها قضية الرجل بشكل من الأشكال- إلی صراط مستقيم وطريق صواب.
بعبارة أخری فإن التطرف والاعوجاج وسوء الفهم، وتبعاً لذلك حالات الاعتداء، والظلم، والنواقص النفسية، والمشكلات العائلية، والمشكلات ذات الصلة بطريقة الاختلاط والارتباط بين الجنسين، لا تزال من القضايا غير المحلولة عند الإنسان. أي إن البشر أنجز كل هذه الاكتشافات في المجالات المادية، وفي خصوص الأجرام السماوية، وفي أعماق البحار، راح يتشدق بدقائق الأعمال في علم النفس والتحليل النفسي، والقضايا الاجتماعية والمسائل الاقتصادية وسائر المجالات، والحق أن الإنسان تقدم في كثير من هذه الحقول، لكنه بقي يراوح في هذه المسألة.
خامساً: دور الحجاب في التكامل الاجتماعي للمرأة:
في المدرسة الإسلامية ثمة حجاب بين المرأة والرجل. وهذا لا يعني أن للنساء عالماً منفصلاً غير عالم الرجال. لا.. النساء والرجال يعيشون سوية في المجتمع وفي بيئة العمل. يتعاملون فيما بينهم في كل مكان. يعالجون المشكلات الاجتماعية سوية. يديرون قضايا الحرب سوية وقد فعلوا ذلك. يديرون العائلة و يربّون الأولاد سوية. لكن ذلك الحجاب والمانع يجب أن يبقی بالتأكيد خارج بيئة البيت والعائلة. هذه هي النقطة الأصلية في النموذج الإسلامي. إذا لم تجر مراعاة هذه النقطة كانت النتيجة هذا الابتذال الذي يعاني منه الغرب اليوم. إذا لم تراع هذه النقطة ستقعد المرأة عن الريادة في المسيرة نحو القيم و هو ما حصل في إيران الإسلامية. يرغب الغربيون في ترسيخ هذه الحالة بكل قدراتهم.
ليس قضية الحجاب لعزل المرأة. إذا تصور شخص مثل هذا الشيء بخصوص الحجاب كان ذلك تصوراً خاطئاً ومنحرفاً تماماً. الحجاب معناه الحؤول دون الاختلاط غير المقيد وغير المشروط بين المرأة والرجل في المجتمع. هذا الاختلاط يضر المجتمع ويضر المرأة والرجل وهو في ضرر المرأة علی الخصوص. الحفاظ علی الحجاب يساعد المرأة لبلوغ مرتبتها المعنوية العليا ولكي لا تعترضها الانزلاقات البالغة الخطورة في الطريق.
أية حركة للدفاع عن المرأة يجب أن تكون مراعاة العفاف ركنها الرئيسي. العفاف عند المرأة وسيلة لسمو شخصية المرأة وتكريمها في أعين الآخرين حتی في أعين الرجال الوقحين غير الملتزمين. عفة المرأة سبب احترامها وشخصيتها. يهتم الإسلام بمسألة عفاف المرأة. طبعاً عفاف الرجل مهم أيضاً. ليس العفاف شيئاً خاصاً بالمرأة. علی الرجال أيضاً أن يكونوا عفيفين. حينما ينزعون الحجاب عن المرأة وحينما يدفعونها صوب التعري والتحلل فسوف يتعرض أمن المرأة نفسها بالدرجة الأولی ومن ثم أمن الرجال والشباب للخطر. من أجل أن تتمتع بيئة الحياة بالسلامة والأمان ولكي تستطيع المرأة النهوض بمهماتها في المجتمع ويستطيع الرجل أيضاً القيام بمسؤولياته فقد قرر الإسلام الحجاب.
سادساً: مسؤولية المرأة و دورها:
المجال في المجتمع الإسلامي مفتوح للمرأة والرجل علی السواء. والشاهد علی هذا المعنی هو جميع الآثار الإسلامية الموجودة في هذه المجالات وكافة التكاليف الإسلامية التي تحمّل المرأة والرجل المسؤوليات الاجتماعية بشكل متكافئ. حين يقول رسول الإسلام(ص): "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم" فهذا شيء لا يختص بالرجال إذ علی النساء أيضاً الشعور بالمسؤولية والاهتمام بأمور المسلمين والمجتمع الإسلامي وشؤون العالم الإسلامي وجميع القضايا الجارية في العالم، لأن ذلك واجب إسلامي. نموذج السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها في فترة طفولتها وبعد هجرة الرسول إلی المدينة وفي داخل المدينة وفي كافة الشؤون التي مرّ بها والدها آنذاك -وقد كان قطباً لجميع الأحداث السياسية والاجتماعية- دليل علی أهمية دور المرأة في النظام الإسلامي.
علی أساس الآية الكريمة من سورة الأحزاب يتساوی الرجل والمرأة في الإسلام، والإيمان، والقنوت، والخشوع، والتصدق، والصوم، والصبر، والاستقامة، والصيانة، والعفاف وذكر الله. نشاط المرأة في المجتمع مباح ومحبذ ومسموح به تماماً، ويمكن مزاولته بحفظ الحدود الإسلامية، ويوفر نصف الطاقة الفاعلة في المجتمع للمجتمع. حينما يطلب الرجل والمرأة كلاهما العلم سيكون عدد المتعلمين ضعف عددهم مقارنة بما لو طلب العلم الرجالُ فقط. حينما تدرِّس المرأة إلی جانب الرجل سيكون عدد المدرسين والمعلمين ضعف عددهم حينما لا يدرس سوی الرجال، وفي النشاط العمراني والاقتصادي، وفي التخطيط والتفكير لشؤون البلاد والمدينة والقرية، وحتی الشؤون الشخصية في العائلة لا يوجد فرق بين النساء والرجال. الكل مسؤولون والكل يجب أن ينهضوا بمسؤولياتهم.
سابعاً: أساس الحركات الاجتماعية النسوية:
في أية حركة اجتماعية لا تكون المسيرة صحيحة ولن تؤدي إلی نتائج سليمة إلا إذا ابتنت علی العقل والتأمل والتشخيص الصحيح والمصلحة والأسس العقلية الصائبة. وأية حركة تنطلق لإحقاق حقوق المرأة يجب فيها ملاحظة هذا المعنی بالتحديد. بمعنی أن أي حركة يجب أن تقوم علی ركائز رؤية عقلانية وعلی أساس حقائق الوجود -معرفة الطبيعة والفطرة عند المرأة والرجل والمسؤوليات والمشاغل الخاصة بكل منهما وما يمكن أن يكون مشتركاً بينهما- و لا تكون انطلاقاً من الانفعال والتقليد. إذا كانت الحركة علی أساس الانفعال والتقليد والقرارات العمياء فستكون ضارة بالتأكيد.
ثامناً: دور المرأة في التنمية الوطنية:
إذا أراد البلد إطلاق نهضة بناء حقيقية فعليه تركيز جل اعتماده ونظرته واهتمامه علی الإنسان والطاقات الإنسانية. حينما يتعلق الأمر بالطاقات الإنسانية ينبغي الالتفات إلی أن النساء هنّ نصف عدد السكان ونصف الطاقات البشرية. إذا كانت ثمة رؤية خاطئة بخصوص المرأة فلن يكون من الممكن إعادة البناء بالمعنی الحقيقي للكلمة وعلی نطاق واسع. علی نساء البلد أنفسهن أن يتوفرن علی وعي كاف وضروري حول موضوع المرأة من وجهة نظر الإسلام ليستطعن اعتماداً علی النظرة المتسامية للدين الإسلامي المقدس الدفاع عن حقوقهن بشكل كامل، وكذلك علی جميع أفراد المجتمع والرجال في البلد الإسلامي أن يعرفوا نظرة الإسلام حول المرأة وأهمية مشاركة المرأة في ميادين الحياة وممارسة المرأة لأنشطتها، وتعليمها، وعملها، ومساعيها الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والعلمية، ودورها في العائلة، وخارج نطاق العائلة والمنزل.
تاسعاً: وجوب طلب العلم:
بإمكان المرأة أن تطلب العلم وتدرس بمستويات عليا. البعض يخالون أن البنات يجب أن لا يدرسن. هذا خطأ واشتباه. علی الفتيات أن يدرسن في الفروع المفيدة لهن والتي يرغبن فيها ويتشوقن إليها. المجتمع بحاجة لدراسة الفتيات كما هو بحاجة لدراسة البنين. طبعاً بيئة الدراسة يجب أن تكون سليمة.
ليس من لوازم طلب العلم عدم التقيد بالموازين الأخلاقية فيما يتصل بالتعايش بين المرأة والرجل، إنما يمكن عبر مراعاة الموازين والمعايير بشكل كامل تحصيل العلم وطلبه والوصول إلی أعلی الدرجات.
من المهام الأساسية جداً هي جعل النساء قارئات كتب، لتُبتكر أساليب جديدة تجعل النساء في البيوت يقرأن الكتب. الكتب هي المعارف البشرية التي تعدّ الأذهان لفهم أفضل وتفكير أفضل وابتكار أفضل والتموضع في الموقف الأصح.
العلم شيء عزيز جداً وأنا أنحاز لأن تصبح النساء في المجتمع الإسلامي عالمات في كافة الفروع والحقول. بعض النساء يتصورن أن المرأة إذا درست الطب فعليها دراسة الأمراض الخاصة بالمرأة فقط كقضايا الولادة، والحال أنه ينبغي علی المرأة دراسة مختلف الفروع الطبية كالقلب والداخلية والأعصاب و... هذه فريضة شرعية واجتماعية.
عاشرا: عمل المرأة:
الإسلام يوافق عمل المرأة. ولا يوافقه وحسب بل ربما اعتبر عملها ضرورياً ما لم يتزاحم مع المهمة والعمل الأساسي للمرأة وهي تربية الأولاد والحفاظ علی العائلة. البلد لا يمكن أن يستغني عن طاقة عمل المرأة في الميادين المختلفة.
البعض يعملون بالإفراط والبعض بالتفريط. البعض يقولون: لأن النشاط الاجتماعي لا يسمح للمرأة برعاية بيتها وزوجها وأبنائها إذن يجب أن لا تزاول النشاط الاجتماعي، والبعض يقولون: لأن البيت والزوج والأبناء لا يسمحون للمرأة بالنشاط الاجتماعي إذن علی المرأة أن تترك زوجها وأبناءها. كلا التصورين خاطئ. يجب أن لا تترك المرأة هذا من أجل ذاك ولا ذاك من أجل هذا.
طبعاً قضية العمل ليست من قضايا الدرجة الأولی بالنسبة للمرأة. مع أن الإسلام لا يمانع من عمل المرأة وتوليها المسؤوليات المختلفة -إلا في حالات استثنائية بعضها مُجمع عليه من قبل الفقهاء وبعضها موضع اختلاف- لكن العمل ليس قضية المرأة الأساسية: هل لديها عمل أم لا؟ القضية الرئيسية للمرأة هي تلك التي غابت واضمحلت اليوم في الغرب للأسف ألا وهي الشعور بالهدوء والأمن، والشعور بإمكانية تفجير الطاقات والمواهب، وعدم الخضوع للظلم في المجتمع، والعائلة، وفي بيت الزوج، وفي بيت الأب وما إلی ذلك؛ الذين يعملون من أجل المرأة عليهم العمل في هذه المجالات.
المصدر: قناة المنار.
الإمام القائد السيد علي الخامنئي(دام ظله)، 07/03/2011.
اترك تعليق