مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الرفاهية التكنولوجية قد تكون نقمة على الأطفال

الرفاهية التكنولوجية قد تكون نقمة على الأطفال


غيّرت الحياة المعاصرة أساليب العيش اليومية لدى الإنسان المعاصر خاصةً في مجتمعاتنا العربية، فتبدّلت مزاجاته وخياراته دون إرادته وصار مضطراً إلى التعامل مع كل ما هو جديد وإلا فلا مكان له في مجتمع التطور التكنولوجي. ومن أكثر المتأثرين بهذا النمط هم الأطفال، الذين كانت لهم الحصة الأكبر من حجم التكنولوجيا الهائل المقدّم على طبقٍ من فضة للإنسانية جمعاء.
ينعكس تأثّر هؤلاء الأطفال بدايةً وأهم من أي شيءٍ آخر، في كيفية ممارستهم للعب والتسلية. وهو ما يظهر بقوة ضمن المجتمعات الغنية مادياً أكثر منه في المجتمعات النامية والفقيرة، حيث تلعب الحالة المادية دورا لا يستهان به في تحديد الإمكانية التكنولوجية المتاحة لشعبٍ دون آخر، وبالتالي تحديد نمط حياة كباره وصغاره بالضرورة.
ومع تغيّر نمط الألعاب عند الأطفال صار التغيّر واضحاً في سلوكهم، حيث يشتكي الأهل اليوم من بعض سلوكيات أبنائهم التي تتجلّى في العدوانية، والعزلة، والكسل، والعجز عن التركيز في دراستهم سواء داخل المدرسة أو خارجها. في حين كان الجيل السابق من الأطفال أكثر حيوية وأقل عدوانية وأكثر وعياً. فضلاً عن أن أطفال المجتمع الحالي لا يدركون قيمةً معنوية للغرض الذي يحصلون عليه، وذلك لسهولة اقتنائه وكثرته من جهة ولأنهم أصبحوا يتوجهون لا إرادياً نحو النمط المادي من جهةٍ أخرى.
لقد سرقت التكنولوجيا بمفرزاتها من الكمبيوتر والآي باد وغيرهما الأطفال من الحدائق والأحياء والساحات حيث كانوا يلعبون، وزرعتهم وراء شاشات مربعة ومستطيلة جامدة قدّمت لهم العالم بصورة مختلفة وافتراضية بعيدة عن الواقع. مما تسبب في جمودهم وركودهم وعزلتهم نفسياً وفكرياً. وتحوّل شغلهم الشاغل إلى متابعة آخر المنتجات التكنولوجية في الأسواق لاقتنائها بما يشبع شغفهم الذي أصبح متعلّقاً بالشاشة الإلكترونية وأيقوناتها وأزرارها وشخصياتها.
ومن الطبيعي أن يعيش الطفل في هذا العصر عزلة تامة وأن يفضّل الجلوس بمفرده وقضاء أوقاته وحيداً دون العائلة والأصدقاء، بما أنه يقضي ساعاتٍ وساعات منعزلاً عن الحياة الحقيقية بكل ما فيها من حلوها ومرها وهو يجلس أمام الكمبيوتر أو أي جهازٍ تكنولوجي آخر. الشيء الذي يضرّ بعقله وجسده، حيث أن عضلاته بحاجة إلى الحركة الفيزيولوجية من أجل اكتساب النشاط والطاقة.
وأما العدوانية فتأتي لأطفال اليوم من خلال بعض الألعاب العنيفة التي يلعبونها حيث الدم والذبح والقتل بكافة أنواع الأسلحة هو ما يحدّد مستوى الفوز ومن هو الرابح. والمصيبة الأكبر هنا أن الطفل يلعب هذه الألعاب بعلم الأهل ورضاهم، حتى أنهم وفي بعض الأحيان هم من ينتقونها له ويلعبونها معه كنوع من المشاركة والتسلية والترفيه.
الألعاب بشكلها القديم التي يركض الأطفال فيها، يتحاورون ويتفاعلون ويخترعون ويمثّلون، من الأمور المهمة لتوفير الجو الاجتماعي للأطفال، بما في ذلك التعليم والتواصل الثقافي واللغوي. ولأنها في مضمونها تدلّ على جوانب مهمة من التراث وتضيء على نمط حياة شعبية تقليدية معتمدة لدى بعض المجتمعات، فضلاً عن كونها تحفّز على العمل الجماعي التفاعلي، والذي وحسب الدراسات البحثية يسهم في تطوير المجتمعات والإنسان جنباً إلى جنب أكثر من الأعمال الفردية، وفي كل المجالات خاصةً الثقافية والتعليمية منها.
شيءٌ آخر كانت تمنحه الألعاب قبل عصر الثراء التكنولوجي الفاحش، يتجلّى في الحميمية التي لطالما خيّمت على الجو السائد بين الأطفال، فقد كانت ألعابهم تتصف بأنها مبنية على ممارسة جماعية للرياضة فيما يخدم اللعبة ومبدأي الفوز والخسارة، وعلى حكايات تمثيلية متفق عليها فيما بينهم من خلال شروط وقوانين وضعوها هم ومن سبقهم. فضلاً عن تشخيص ألعابهم القديمة لمنظومات اجتماعية مثل الأسرة والمدرسة وأحياناً كانوا يجسّدون نظام الحكم ولكن بطريقة رومانسية حالمة قد تبدو في الغالب منطقية من خلال شخصيات الملك والملكة واللص والشرطة وعامة الشعب.
ويبقى السؤال: هل نستطيع درء التقدم التكنولوجي عن الدخول إلى بيوتنا لينعم أطفالنا بحياة صحية تؤهلهم ليكونوا أسوياء اجتماعياً وفكرياً؟ الجواب طبعاً لا، فليس من مصلحة أحد من الكبار أو الصغار إغلاق الباب في وجه التطور والمعاصرة، لكن يبقى الخيار الوحيد المتاح أمام الجميع هو التوازن المعيشي بين ما هو إنساني وحميمي وبين ما هو تقني وإلكتروني، حيث لا يمكن الفصل بينهما ليس في اللعب فقط بل في جميع نواحي الحياة.
وهنا يأتي دور أصحاب المسؤولية من الأهل والمدارس وبعض المؤسسات الحكومية في كل الدول. فالتشجيع على الألعاب القديمة من خلال الرياضة والموسيقى والفنون بأنواعها، وإعطاء الأطفال مساحة من الوقت للعب في النوادي أو في المنتزهات، سيعودان بالفائدة على الفرد والمجتمع، ومن الطبيعي أن يتخلّص الطفل وقتها من العزلة ويندمج في المجتمع بطريقة صحيحة وسليمة بينما هو يتقن العمل على الأجهزة الإلكترونية ويعرف مداخلها وضروراتها.


المصدر: موقع نسيج. نت.

التعليقات (0)

اترك تعليق