مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الأخت بتول الموسوي في ذكرى احتفال القادة الشهداء في مبنى الجمعيات 2013م

كلمة الأخت بتول الموسوي في ذكرى احتفال القادة الشهداء في مبنى الجمعيات 2013م

                                                         بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على المبعوث رحمة للعالمين أشرف الخلق أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
يقول الله تعالى: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنون».
إلى الذين حملوا أعمارهم نذوراً وقرابين وانتقلوا بشهادتهم إلى جوار الأولياء..
إلى الذين حملوا دماءهم أمانة على أكفّهم وتسابقوا إلى الفوز بإحدى الحسنيين..
إلى الذين جعلوا من ثغور مرابطهم ربذة أبي ذر ومحراب علي وكربلاء الحسين..
إلى الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً..
أيها الشهداء لكم منا ألف سلام وتحية...
والدي العزيز.. يا بن رسول الله.. يا حفيد الحسين، ما أعظم شهادتك التي أصبحت عنوان كرامة... بعدك يا والدي صارت الأسماء عندنا كلّها واحدة.. والوجوه كلّها ظلّ وجهك، والكلمات كلّها صدى كلماتك...
ما أروع الحلم، وأننا جلسنا وتربينا بين يديك.. تطهّرنا بعبق شذاك.. حدّثتنا وحدّثناك، حدّثناك عن الموت وحدّثتنا عن الحياة...
صدّق يا والدي أننا بعد غيابك بتنا نشتاق إلى الرحيل.. علّمتنا كما أئمتنا الأطهار، طريقة الخروج من قيد الجسد، من سجن المادة إلى رحاب الروح، علّمتنا كيف يصبح الموت حياةً لأممٍ وأجيال.
رحلتم أيّها الأحبة.. اخترتم طرق الحسين اختيار الأحرار، استسغتم السير في طريق ذات الشوكة، أدمنتم وخز شوكها، وعر صخرها، وسرتم بإيمان العارف، إيمان المدركِ بأنّ دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.. لقد سكنتِ الشهادة نفوسكم..
أبا ياسر.. هاهم المجاهدون يتفيأون ظلّ هامتك.. في عباءتك المشرعة بقاعاً.. جنوباً.. نحن على خطاك وفي أثرك وأثر سابقيك من الشهداء، وعيوننا تهفو إلى مواكب الشهادة..
نعم إنّ شعباً يُستشهد قادته في طليعة مسيرته هو شعب لن يموت..
إحياء ذكرى الشهداء، إنما هي وقفة لنا معهم، لتجديد العهد على إكمال الطريق، وتحيةً منا لعطاءاتهم وتضحياتهم، ولنشحن هذه القلوب من إرادتهم وعزيمتهم، ولنستمد القوة من تلك الأرواح الملكوتية التي ارتوت من العشق الإلهي، واستنارت بنور الولاء للحسين(ع).
هؤلاء الشهداء الذين نجلس في محضرهم، سيد شهداء المقاومة السيد عباس وزوجته، الشهيدة أم ياسر وشيخ شهدائها الشيخ راغب، وعمادها الحاج رضوان، جعلوا حياتهم لله في الجهاد والتضحية والعمل المتواصل في سبيل نيل رضاه، وكما كانت حياتهم كذلك شهادتهم، أحيت وهدت وشعّت ونصرت وأنارت لنا الطريق...
أمّ ياسر.. ماذا عساي أقول فيك.. أيتها العاشقة لله وللقائه.. أردت اختصار الطريق إليه، فغدوت قدوةً ومثالاً للقلوب.. أمّ ياسر هذه الإنسانة العالمة الرسالية، التي حملت همّ المرأة المسلمة، فكان لها الدور في تلك المرحلة، وأعادت للذاكرة بشهادتها قصص شهيداتٍ استشهدن قبلها، أمثال أستاذتها الشهيدة بنت الهدى(رض)، وسجّلت للمرأة موقف جهادي في وجه كلّ قوى الاستكبار، وأصبحت مثالاً لكلّ امرأة تتقدم في هذا الطريق، امتلكتِ الأفئدة بصبرها وثباتها، بإيمانها وبيقينها بالله، وصفاء روحها التي ما زالت ترفرفُ في قلوبنا..
مارست دورها جنباً إلى جنب مع زوجها شريكةً في الجهاد ومساهمةً معه في كلّ تضحياته، من حوزة الزهراء التي كانت فيها الأستاذة والمربية، والتي أولتها جلّ اهتمامها ورعايتها عبر تدريسها لتلامذتها وبثّ روح الوعي والالتزام والإيمان فيهنّ، ولم يقتصر دورها على الحوزة فقط، بل انطلقت لأداء الواجب، للدفاع عن دين الله وإقامة شرعه في العديد من المناطق والقرى، حيث يدعوها الواجب، إيماناً منها بدور المرأة في المجتمع، فجعلت مسيرة حياتها جهاداً ومعاناة وتضحية...
كانت الأم الحنون الرؤوف مع أولادها، ربّتنا على حبّ الله وأوليائه، وكانت الزوجة الصالحة إلى جانب زوجها المجاهد، واكبت عمله وجهاده بكلّ مراحله من بداية التأسيس لحركة المقاومة إلى حين الشهادة، استشعرت معه لذّة الطاعة بين يدي الله بكلّ إخلاص.. تعمل على خدمة الفقراء والمحتاجين، تزور عوائل الشهداء وعوائل الأسرى والجرحى، تخفف عنهم وتواسيهم، تمسحُ على رؤوس الأيتام.. وهي مع ذلك تحاضرُ هنا وهناك..
أيها الحضور الكريم، إمامنا الخميني(قده) لطالما أوصى بقراءة وصايا الشهداء، والاطلاع على كلماتهم لما لها من تأثير في النفوس، عملاً بوصية الإمام أحببتُ أن يكون الكلام لوالدتي الشهيدة أم ياسر وأن أضيء على بعض كلماتها النورانية، حيث تقول(رض): "إنّ الإقتداء بالزهراء مسؤولية كبرى ملقاةٌ على عاتقنا جميعاً لا يكون اقتداءً إلا بعد أن يتحقق بالموقف الذي يتجسد بالفعل أو الكلمة". وفي مكان آخر بمناسبة يوم المرأة تستشهد بكلام للإمام الخميني(قده) حيث يقول في الزهراء: "أنّها كالشمس بزغت على جبين الإسلام العزيز" فعندها تعقِّب لتقول: "إنّ عبارة الإمام هذه تحكي الاستفادة العامة من وجود الزهراء، لأنّ الشمس يستفيد من وجودها كلّ موجود وتمدّ الحياة بشعاعها الدافىء".
أخوتي أخواتي الأعزة، لقد عاشت والدتي حياتها مع الزهراء، بحيث تأسّت واقتدت بها، جسّدت الحديث القائل: " كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم" فسلكت مسلك ابنة رسول الله وفضّلته وقدّمته على كلّ شيءٍ في حياتها.
كما أنّها تفاعلت مع فكر الإمام الخميني ونداءاته تفاعلاً كاملاً، وكانت تعتبر أنّ وجود الإمام(قده) نعمة يجب أن نشكر الله عليها، وتقول في إحدى كلماتها: "نحن استفدنا من حياة الإمام عشر سنوات فقط ومن قال أننا استفدنا كلّ الفائدة، لأنّنا لم نتفاعل مع روح الإمام كما ذاب هو مع روح الإسلام" وكانت تعتبر أنّ الفضل الكبير للإمام الذي عرّفنا بالزهراء والذي جعل للمرأة الدور المهم والكبير في المجتمع، وأي يومٍ أسمى وأعظم من يوم ولادة الزهراء أعلنه الإمام يوماً عالمياً للمرأة".
وأخيراً في محاضرةٍ لها بولادة السيدة الزهراء(ع) تقول فيها: "إنّ الإمام رسم لنا منهاجاً صحيحاً، هذا المنهاج إن نحن سرنا عليه سنصبحُ النساء المثاليات لزمن الإمام الحجة(عج)، من الممكن أن لا أكون اليوم بنت القرآن، لكن الإمام رسم لي الخطة، لكي يقول لي مطلوبٌ أن تكوني بنت القرآن ولو بعد حين".
هذه الكلمات حقيقة تجعل روح الشهيدة أم ياسر أكثر حضوراً بيننا، لقد درّست وتعلمت علوم القرآن فجسدّت ذلك العلم الإلهي قولاً وفعلاً.
ولطالما كان دعاؤها بين يدي الله (عزّ وجلّ) أن يرزقها الشهادة مع توأم روحها السيد عباس، وما أسرع الإجابة حيث الأجساد الطاهرة تحترق وتقطع على أيدي قتلة الأنبياء، فوق الأرض التي أحباها في أرض عامل، وفي اليوم الذي استشهد فيه الشيخ راغب، وفي شهر رسول الله وفي ذكرى مولد الإمام الحجة(عج)، لتصنع شهادتهم ولادة النصر للأمة، وليتوج لهما الله حياتهما بالشهادة مع ثمرة فؤادهما العزيز حسين، فهنيئاً لكم الشهادة أيها الشهداء.
نقف على أعتابكم بخشوع وخضوع، لنرتشف عذب الدروس والعبر..
تبقى دماؤكم تدعوننا إلى مزيدٍ من الحركة والجهاد والسعي من أجل إقامة حكم الله في الأرض، وإلى أن نعيش همّ الإسلام..
ها نحن كلما أظلمتِ الدنيا علينا واشتدّ الكرب بنا أضاءت لنا الدماء الطاهرة، وأشرقت علينا أنوار الشهداء لتهدينا وتدّنا إلى سواء السبيل.
أيها الشهداء.. لقد أزهرت دماؤكم دماء القداسة الحسينية، لتسلك أفواج المجاهدين طريقها لتهزم أعداء النبيين. في محضر الشهداء القادة نقول لهم، سنواصل الدرب، نعاهدكم على أن نحفظ وصاياكم ونعلمها لأبنائنا وأحفادنا، ولن تروا إلا النصر والعزّة والكرامة.
فسلام الله عليكم يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تبعثون حياً، طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم، وفزتم والله فوزاً عظيماً، والحمد لله رب العالمين.. والسلام عليكم.. 

التعليقات (0)

اترك تعليق