
المجاهدة المحتسبة.. السيّدة زينب(ع) المدافعة عن حريم الولاية
السيّدة زينب(ع) المدافعة عن حريم الولاية:
أ. مع أمير المؤمنين(ع):
نافحت عقيلة الهاشميين(ع) عن حريم الولاية، ووقفت إلى صفّ إمام زمانها(ع) تدافع عنه وتجاهد في الذبّ عنه، فقد رُويَ أنّ أمير المؤمنين(ع) لمّا توجّه لقتال الناكثين الذين نكثوا بيعته وألّبُوا عليه في البصرة، وقال في حقّهم كلاماً جاء فيه «... واللهِ، إنّ طلحة والزبير لَيعلَمان أنّهما مُخطئان وما يَجهلان، ولربّما عالم قَتَلَه جَهْلُه وعِلْمُه معه لا ينفعه! واللهِ لَينبحنّها كلابُ الحَوْأب، فهل يَعتبر مُعتبر، أو يَتفكّر متفكّر؟! ثمّ قال: قد قامت الفئةُ الباغية، فأين المُحسنون؟(1)
ونُقل أنّ عائشة أرسلت إلى حفصة كتاباً تقول فيه: ما الخبر ما الخبر؟! إنّ عليّاً كالأشقر، إن تَقَدّم عُقِر، وإن تأخّر نُحِر. فجمعت حفصةُ نساءَ قومها وصِرن يَضرِبنَ بالدُّفوف ويَردِّدنَ ذلك الكلام، فأُخبِرت زينب(ع) بذلك، فعمدت إلى الخروج إليهنّ وخرجت تَحفُّ بها الإماء ومعها أمّ سَلَمة زوجةُ رسولِ الله(ص) وأمّ أيمن، حتّى دخلت على النسوة، فلمّا رأتها حفصةُ استحيت وفَرّقت النساء، فقالت لها زينب(ع): إن تَظاهرتُما على أبي فلقد تَظاهرتُما على رسول الله(ص) مِن قبلُ(2).
ب. مع الحسين الشهيد(ع):
أمّا دفاعها عن أخيها وإمامها الحسين الشهيد(ع)، فقد رافقته إلى كربلاء، ووقفت إلى جانبه خلال تلك الشدائد التي يَشيبُ لها الوِلدان، وقدّمت ابنَيها عوناً ومحمّداً شهيدَين في طفّ كربلاء، ولم يُنقَل عنها(ع) أنّها نَدبت ابنَيها بكلمةٍ ولا ذَرَفت لفقدهما دمعة، فقد كان همّها الشاغل مواساة أخيها الحسين(ع) بكلّ وجودها.
روي أنها(ع) دخلت على أبي عبد الله الحسين(ع) في خِبائه ليلةَ عاشوراء، فوجدته يَصقِلُ سَيفاً له ويقول: يا دهرُ أُفٍّ لك من خليلِ... الأبيات، فذُعِرت وعَرَفت أنّ أخاها قد يئس من الحياة، وأنّه مقتول لا محالة، فصرخت نادبةً أخاها وقالت: واثُكلاه! ليتَ الموتَ أعدَمني الحياة! اليومَ ماتت فاطمةُ أمّي وعليٌّ أبي وحسن أخي، يا خليفةَ الماضي وثُمالَ الباقي(3).
وروي أنّ عليّ الأكبر ابن الإمام الحسين(ع) لما بَرَز إلى القوم وقاتل حتّى استُشهد، جاء إليه الحسين(ع) وهو يقول: قَتَل اللهُ قوماً قتلوك، ما أجرأهُم على الرحمان وعلى رسوله وعلى انتهاكِ حُرمةِ الرسول، على الدنيا بَعدَك العَفا.
قال الراوي: فكأنّي أنظر إلى امرأة مسرعةٍ تنادي بالويل والثبور وتقول: يا حبيباه! يا ثمرةَ فؤاداه! يا نورَ عيناه!
فسألتُ عنها فقيل: هي زينب بنت عليّ(ع). فجاءت وانكبّت عليه، فجاء الحسين(ع) فأخذ بيدها ورَدَّها إلى الفِسطاط(4).
وروى أصحابُ المقاتل أنّ الإمام الحسين(ع) لمّا هَوى من ظهر جوادِه وقد أثخنته الجراح، دون أن يُضعِف ذلك من عزمه أو يَفُتّ في عَضُده، حتّى قال عنه أحدُ الذين قاتَلوه: فواللهِ ما رأيتُ مكسوراً مكثوراً قطُّ قد قُتِل وُلدُه وأهلُ بيته وأصحابُه، أربَطَ جأشاً، ولا أمضى جَناناً، ولا أجرأ مَقدَماً منه، واللهِ ما رأيتُ قَبلَه ولا بعدَه مِثلَه، إن كانت الرجّالةُ لَتنكشِفُ من عن يمينه انكشافَ المِعزى إذا شَدَّ فيها الذئب.
قال: فواللهِ إنّه لكذلك إذ خرجت زينبُ ابنةُ فاطمة أختُه... وهي تقول: لَيتَ السماء تَطابقتْ على الأرض! ثمّ خاطبت عمر بن سعد وقد دنا من الحسين، فقالت: يا عمر بن سعد! أيُقتَلُ أبو عبدالله وأنت تَنظر إليه؟! فصرف عمر بن سعد وجهَه عنها(5).
وروى المجلسي أنّ الإمام الحسين(ع) لمّا طُعن في خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن، خرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي: واأخاه واسيّداه واأهلَ بيتاه! لَيت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل(6).
وروي أنّ جيش عمر بن سعد أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار، فخَرجنَ حَواسِرَ حافياتٍ باكياتٍ، وقُلنَ: بحقِّ الله إلاّ ما مَررتُم بنا على مصرع الحسين.
قال الراوي: فواللهِ لا أنسى زينبَ بنت عليّ(ع) وهي تندبُ الحسينَ وتنادي بصوتٍ حزين وقلبٍ كئيب:
وا محمّداه! صلّى عليك مَليكُ السماء، هذا حسينٌ مُرمَّلٌ بالدماء، مُقَطَّعُ الأعضاء، وبَناتُك سبايا، إلى الله المُشتكى... وامحمّداه هذا حُسين بالعراء، يَسفي عليه الصَّبا، قتيلُ أولادِ البغايا، يا حُزناه يا كَرباه! اليوم مات جدّي رسول الله. يا أصحابَ محمّداه، هؤلاء ذريّةُ المصطفى يُساقُونَ سَوقَ السبايا!(7)
ج. مع الإمام زين العابدين(ع):
تولّت عقيلة بني هاشم(ع) تمريضَ الإمام زين العابدين(ع) ورعايتَه والمحافظةَ عليه في كربلاء والكوفة والشام. وكان من المواقف التي خلّدها لها التاريخ في دفاعِها عن إمام زمانها: الإمام زين العابدين(ع) بعد شهادة أبي عبد الله الحسين(ع)، موقفٌ في مجلس ابن زياد في الكوفة، فقد خاطبها ابن زياد فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أُحدوثتكم! فقالت: إنّما يُفتَضَحُ الفاسقُ ويُكذَبُ الفاجرُ، وهو غيرنا.
فقال ابن زياد: كيف رأيتِ صُنعَ الله بأخيكِ وأهل بيتكِ؟
فقالت: ما رأيتُ إلاّ جميلاً. هؤلاءِ قومٌ كَتَب اللهُ عليهم القتلَ فبَرزوا إلى مَضاجِعهم، وسيجمعُ اللهُ بينك وبينهم فتُحاجَّ وتُخاصَم، فانظُرْ لِمَن الفَلج يومئذٍ ثَكَلَتْكَ أمُّك يا ابنَ مَرجانة!
ثم التفتَ ابنُ زياد إلى عليّ بن الحسين فقال: مَن هذا؟
فقيل: عليّ بن الحسين.
فقال: أليس قد قَتلَ اللهُ عليَّ بن الحسين؟!
فقال عليّ: قد كان لي أخ يُسمّى عليّ بن الحسين قَتَله الناس.
فقال ابن زياد: بل اللهُ قَتَله!
فقال عليّ(ع): اللهُ يَتوفّى الأنفُسَ حينَ مَوتِها والتي لَم تَمُت في مَنامِها.
فقال ابنُ زياد: ولكَ جرأةٌ على جوابي؟! اذهَبوا به فاضربوا عُنُقَه!
فسَمِعَت عمّتُه زينبُ ذلك فقالت: يا ابنَ زياد، إنّك لَم تُبقِ منّا أحداً، فإن عَزَمتَ على قتلهِ فاقتُلني معه(8).
وقد تطرّقنا إلى خطبتَي عقيلة بني هاشم(ع) في الكوفة وفي الشام، اللتين أبانت بهما حقيقةَ النهضة الحسينيّة، وفضحت مَكْر بني أميّة ومحاولتهم تصوير الإمام الحسين(ع) بأنّه خارجيّ خرج على خليفة زمانه، فكانت كلمات العقيلة(ع) استمراراً لنهضة أخيها الشهيد(ع)، وكان ثباتها وصمودها وصبرها السُّورَ الحصين الذي صان مُعطيات الثورة الحسينيّة المباركة، والترجمانَ الصادق الذي نقل للأجيال تفاصيل تلك النهضة الظافرة.
فسلام الله عليكِ يا عقيلةَ الهاشميّين يوم وُلدتِ، ويوم التَحقتِ بالرفيقِ الأعلى، ويوم تُبعثينَ حيّةً فيوفّيكِ اللهُ تبارك وتعالى جزاءك بالكأسِ الأوفى مع جدّكِ المصطفى، وأبيكِ المرتضى، وأمّكِ الزهراء، وأخيك الحسن المجتبى، وأخيكِ الشهيد بكربلاء
الهوامش:
1- الإرشاد للشيخ المفيد 247:1؛ وقد أشار(ع) في كلامه هذا إلى الأخبار الواردة عن النبيّ(ص) بأنّ أمير المؤمنين(ع) سيُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وبأنّه(ع) سيقاتل الفئة الباغية، وبأنّ طلحة والزبير سيقاتلان عليّاً(ع) وهما ظالمان له، وأنّ عائشة ستخرج في حربه فتنبحها كلابُ الحوأب؛ والحوأب منطقة قرب البصرة.
2- زينب الكبرى 25.
3- تاريخ أبي مخنف 457:1.
4- بحار الأنوار 43:45 و 44.
5- تاريخ أبي مخنف 490:1.
6- بحار الأنوار للمجلسيّ 54:45.
7- بحار الأنوار 59:45.
8- بحار الأنوار 116:45 ـ 117.
المصدر: جمعية المعارف الثقافية.
اترك تعليق