مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مخاطر التعلق المبالغ من الأم بالطفل

مخاطر التعلق المبالغ من الأم بالطفل: التعلق المبالغ من الأم بالطفل يؤدي إلى انحرافات سلوكية

يزداد تعلق الأمهات بأطفالهن في هذا العصر نظراً لمكامن الخطر التي تحيط بالأبناء وعوالم الانفتاح التي تترك آثارها السلبية عليهم، ولكن بين التعلق الطبيعي من باب عاطفة الأمومة والتعلق المبالغ فيه من باب الخوف والوساوس، تبدو الصورة مخيفة لما يترتّب على هذه العاطفة المبالغ فيها من آثار سلبية قد ترسي لشخصية طفل ضعيفة، منعزلة وغير متصالحة مع محيطها.[...]
هناء النقبي: الأم قادرة على ترسيم حدود تعلق طفلها بها!
تعزو هناء النقبي، مساعدة المديرة لشؤون التدريب في مركز تطوير رياض الأطفال وبكالوريوس تربية رياض أطفال، تعلق الأمهات بأطفالهن إلى الخوف والقلق عليهم إذ "يعوق هذا الخوف دون الاعتماد على نفسه وينعكس عليه سلباً في التواصل مع رفاقه داخل الصف أو مع الكادر التعليمي، إذ يشعر دوماً بحاجته للأم في مساعدته في إنجاز شؤون يومه".
تروي عن إحدى الأمهات التي "تشعر بقلق دائم على طفلتيها في الروضتين الأولى والثانية لدرجة توحي بأنّ ثمة شيئاً سيئاً قد يصيبهما ودوما ما تلاحقنا بأسئلة حول وضعهما وصحتهما، بما ينعكس عليهما قلقاً وعدم تركيز".
والدة أخرى تصر على إعطاء طفلها مخفض حرارة دون أن يعاني من ارتفاع في حرارته وتعزو السبب إلى "شعورها بتعبه على الدوام ومن أجل تهدئته"، في حين أن "أخرى ترفض دخول ابنها الروضة الأولى لتدعه ينام في البيت وبعبارة "توا صغير حرام" في وقت يبدأ تعزيز الاتصال البصري والسمعي للطفل حتى قراءة قصة له في عمر 5 أشهر.
تركّز النقبي على دور الأم والمدرسة "المتكامل" في "إعداد الطفل للحياة وكيفية مواجهته لها بالاعتماد على نفسه"، دون أن تغفل أبعاد العلاقة بين الأم والطفل ودور الأم في إرساء أسس علاقة صحيحة.
توضح: "كل الأطفال يتعلقون بالأم لكونها تشكّل موئل أمان بالنسبة لهم ولكن حدود هذا التعلق رهن "شطار" الأم وابتعادها عن الخوف واتكالها على الله سبحانه وتعالى في تعزيز إيمانها الداخلي، بما يعزز داخلها الشعور بالأمان وعدم الخوف".
تدعو الأمهات إلى معاملة أبنائهن بالاعتماد على النفس حيث "لا أنطق أمام ابني نطقاً طفولياً بل أنطق بشكل صحيح ولا أعبّر أمامه عم خوفي الدائم عليه: فالتوجيه والتعليم هما من اختصاص الأم ونحن بدورنا نحاول تشجيع الأمهات عبر دورات وبرامج تدريبية لمدّهن بإرشادات حول العلاقة وعدم نجاعة الأسلوب في القلق المبالغ على أطفالنا وبأساليب التربية الناجحة".
تتلمس آثار هذا التعلق المرضي على الطفل لجهة "تأتأة واضطرابات في النطق، انعزال عن الجو المدرسي، خجل وخوف...، تبول لا إرادي، عدم تواصل مع الأطفال، عدم تواصل مع الكادر التعليمي" داعية الأمهات العاملات إلى الثقة بالمكان الذي تودع فيه طفلها وتلقينه مبادئ الاعتماد على الذات.
التعامل معه جنينيّاً!
ثمة إرشادات تزودنا بها الأخصائيّة النفسية ريما ديوب لتفادي آثار التعلق المفرط من جانب الطفل والأم:
- تنشئة الطفل على تلبية احتياجاته النفسية والتشجيع من أجل الإبداع والإنجاز والأهم ألا نغفل جانب التشجيع مع تزويده برسائل حول قدرته على التصرف.
- إيلاء السنوات السبع الأولى من حياة الطفل الأهمية القصوى وتدريبه على الانفصال الجسدي والنفسي.
- إلمام الأم بكيفية التعامل مع طفلها وإدراك مسبق باحتياجاته النفسية وهو في رحمها جنينا.
- محاولة إرساء بيئة مستقرة له وتجنب العوامل السلبية.
- عند قدومه للحياة يجب حرص الأم على توجيه رسائل إيجابية تعزز من قدراته وتزويده بالحب اللامشروط والشعور بالأمان إلى التشجيع ومدّه بالثقة بنفسه.
تأتأة وعزلة واتكالية:
بيد أن الطفل المتعلق بأمه هو نتيجة طبيعية لتعلق الأم به، فما الآثار التي تجنيها الأم على سلوكيات ذاك الطفل وقدراته اللغوية، وبالأخص أنها تنوب عنه في التعبير والتصرف والكثير من الأمور؟
تجد أخصائية تقويم النطق واللغة مريم سيف أنّ العاطفة مرتكز أساسي في العلاقة بين الأم وطفلها: "فالحرمان العاطفي أحد أسباب تأخر النطق واللغة ولكن قد يكون الحب غير الموظّف بطريقة صحيحة أحد الأسباب التي تؤدي بالطفل إلى العزلة عن مواجهة المجتمع واكتساب الخبرات الاجتماعية، في ظل الخوف الزائد عليه".
في هذه الحالة، يكون حصاد الحب تأخراً وليس تطوراً، وفق سيف التي تتلمس "أن الطفل الذي يعيش مع أم تحبه لدرجة عزله عن الآخرين على الرغم من وجوده معهم، يتأخر في عدة مستويات عن الطفل الذي يعيش مع أم تحبه بدرجة طبيعية".
توضح: "الطفل الذي يتعلق بأمه لا يستطيع الاعتماد على نفسه في العناية الذاتية (الأكل، ارتداء الملابس، الدفاع عن نفسه، التعبير عن احتياجاته الشخصية) وبالتالي يشهد تأخراً في نمو اللغة والنطق والسبب أنّ الأم لم تعط طفلها الفرصة للاعتماد على نفسه في التعبير عن احتياجاته الشخصية أو الدفاع عن نفسه وتقوم بعمل كل شيء نيابة عنه، بما يحول دون اكتسابه المهارات التي تدفعه للتطور".
تأثير هذا التعلق يتبدّى سلباً على نمو اللغو والنطق لدى الطفل: "في بداية كلام الطفل غير الواضح، تعبّر الأم بالنيابة عنه لتوضيح كلامه للآخرين دون أن تعلمه أو تصحح له الأخطاء النطقية اللغوية غير الواضحة أو التي يلفظها بطريقة خاطئة وتكرار هذا الموقف يؤثر على عدم رغبة الطفل في اكتساب كلمات وعبارات جديدة لأنه مطمئن إلى وجود شخص يعبّر بالنيابة عنه بما يعزّز من تلعثمه "التأتأة" و"اعتماديته".
عايشت ال؟أخصائية سيف العديد من هذه الحالات وبالأخص عند عمل تقييم نطقي لغوي للطفل ومن هذا المنطلق، تطرح الحل: "إذا كان الطفل متعلقاً بالأم بشكل غير طبيعي، على الأم أن تترك الطفل يعتمد على نفسه بشكل طبيعي ولكن تدريجياً وليس مرة واحدة حتى لا يؤثر سلبياً على الحالة النفسية للطفل".
توضح: "إذا كانت الأم تلبي للطفل 10 طلبات يومياً، تقلل الطلبات إلى 8 يومياً لمدة أسبوع ثم 6 لمدة ؟أسبوع وهكذا دواليك حتى يعتمد الطفل على نفسه في آداء احتياجاته الشخصية المناسبة لعمره مع مساعدة في البداية والانسحاب لاحقاً مع التشجيع المستمر".
على الصعيد اللغوي لا تغفل سيف دور الأم في "تدريب الطفل على نطق كلمات أو عبارات أو حتى الحديث عن موقف حصل معه أو غناء أنشودة صغيرة أمام أفراد آخرين، مع التشجيع لدفعه للحوار مع محيطه وتقوية ثقته بنفسه".

المصدر: مجلة كل الأسرة، العدد: 1016.

التعليقات (0)

اترك تعليق