السيّدة زينب عليها السلام في عهد جدّها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
إن الذكاء المفرط، والنضج المبكر يمهدان للطفل أن يرقى إلى أعلى الدرجات -إذا استغلت مواهبه- وخاصةً إذا كانت حياته محاطة بالنزاهة والقداسة، وبكل ما يساعد على توجيه الطفل نحو الأخلاق والفضائل.
بعد ثبوت هذه المقدمة نقول:
ما تقول في طفلة: روحها أطهر من ماء السماء، وقلبها أصفى من المرآة، وتمتاز بنصيب وافر من الوعي والإدراك، تفتح عينها في وجوه أسرتها الذين هم أشرف خلق الله، وأطهر الكائنات، وتنمو وتكبر وتدرج تحت رعاية والد لا يشبه آباء العالم، وفي حجر والدة فاقت بنات حواء شرفاً وفضلاً وعظمة؟!!
وإذا تحدثنا عن حياتها على ضوء علم التربية، فهناك يجف القلم، ويتوقف عن الكتابة، لأن البحث عن حياتها التربوية يعتبر بحثاً عن الكنز الدفين الذي لا يعرف له كم ولا كيف، ولكن الثابت القطعي أنها تربية نموذجية، وحيدة وفريدة.
وهل يستطيع الباحث أو الكاتب أو المتكلم أن يدرك الجو العائلي المستور في بيت الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء عليهما السلام؟
لقد روي أن رسـول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قرأ قوله تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيذكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ»(1).
فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أي بيوت هذه؟
فقال: بيوت الأنبياء.
فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة.
فقال النبي: "نعم، من أفضلها"(2).
ويجب أن لا ننسى أنّ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) -الذي أعطى المناهج التربوية للأجيال، وأضاء طرق التربية الصحيحة للقرون- لابد وأنه يبذل اهتماما بالغاً وعنايةً تامةً في تربية عائلته، ويمهد لهم السبيل حتى ينالوا قمة الأخلاق والفضائل.
وخاصةً حينما يجد فيهم المؤهلات والاستعداد لتقبل تلك التعاليم التربوية.
ومن الواضح أن السيدة زينب -بمواهبها واستعدادها النفسي- كانت تتقبل تلك الأصول التربوية، وتتبلور بها، وتندمج معها، وأكثر انطباعات الإنسان النفسية يكون من أثر التربية، كما أن أعماله وأفعاله، بل وحتى حركاته وسكناته، وتصرفاته وأخلاقه وصفاته نابعة من نوعية التربية التي أثرت في نفسه كل الأثر.
إذن، فمن الصحيح أن نقول: إن السيدة زينب تلقت دروس التربية الراقية العليا في ذلك البيت الطاهر، كالعلم -بما في ذلك الفصاحة والبلاغة، والإخبار عن المستقبل- ومعرفة الحياة، وقوة النفس وعزتها، والشجاعة والعقل الوافر، والحكمة الصحيحة في تدبير الأمور، واتخاذ ما يلزم ـ من موقف أو قرار تجاه ما يحدث.
بالإضافة إلى إيمانها الوثيق بالله تعالى، وتقواها، وورعها وعفافها، وحيائها، وهكذا إلى بقية فضائلها ومكارمها.
وقد كان رسول الله(ص) يغمر أطفال السيدة فاطمة الزهراء(ع) بعواطفه، ويشملهم بحنانه، بحيث لم يعهد من جد أن يكون مغرماً بأحفاده إلى تلك الدرجة.
وكان(ص) -إذا زارهم في بيتهم أو زاروه في بيته- يعطر خدودهم وشفاههم بقبلاته، ويلصق خده بخدودهم.
ويعلم الله تعالى كم من مرة حظيت السيدة زينب(ع) بهذه العواطف الخاصة؟!
وكم من مرة وضع الرسول الأقدس(ص) خده الشريف على خد حفيدته زينب؟! وكم من مرة أجلسها في حجره؟!
وكم من مرة تسلقت زينب أكتاف جدها الرسول؟!
ويؤسفنا أنّه لم تصل إلينا تفاصيل، أو عينات تاريخية تنفعنا في هذا المجال، وحول السنوات الخمس التي عاشتها السيدة تحت ظل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
1 ـ سورة النور/36.
2ـ البرهان في تفسير القرآن، للسيّد هاشم البحراني، عند تفسير الآية الكريمة.
المصدر: من كتاب السيّد محمّد كاظم القزويني.
اترك تعليق