مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

معنى اسم المحدثة(ع)

معنى اسم المحدثة(ع)

ونقف هنا في هذا الصفحات مع اسم آخر لفاطمة سلام الله عليها والذي نستفيده من خلال مراجعة مصادر اللغة إن هذا الاسم ومن دون تحريك حرف الدال نحتمل فيه أما أن تكون الدال المشددة مكسورة وأما أن تكون الدال المشددة فيه مفتوحة، وعلى الاحتمال الأول يكون معنى هذا الاسم أنها سلام الله عليها كانت تحدث أمها خديجة وهذا ما يظهر من خلال مراجعة بعض الروايات، حيث أنها سلام الله عليها كانت تحدث أمها وهي في بطنها، وكما ورد عندما سئل رسول الله من زوجته خديجة أثناء دخوله عليها قائلا لها مع من تتحدثين قالت: الجنين الذي في بطني يؤنسني ويحدثني. وعلى الاحتمال الثاني وهو الأصح على ما يظهر من بعض الأحاديث في المقام يكون معنى المحدثة هو أنها سلام الله عليها كانت تحدثها الملائكة وتؤنسها وخصوصا بعد فقد أبيها رسول الله.
وهنا سؤال يطرح نفسه في المقام وينقدح في ذهن القارئ وهو هل من الممكن أن تكون الملائكة تحدث بعض الناس مع أن المعلوم أن الوحي انقطع بعد وفاة الرسول، وفي حالة كون تحديث الملائكة وإمكان وقوعه ولو على غير نحو الوحي هل يقع هذا مع فاطمة سلام الله عليها؟ وللإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من مراجعة القرآن الكريم ونستقرأه في هذه المسألة وإمكان وقوعها في الأمم السابقة باعتبار أن القرآن الكريم المصدر الأول للمسلمين في عرض الأشياء عليه. فنجد من خلال عدة آيات قرآنية كثيرة جدا ثبتت هذه الحقيقة وهي أن الملائكة يمكن أن تتحدث مع البشر، فهذا صريح القرآن يثبت هذه الحقيقة الواضحة البرهان والتي لا يبقى معها شك وإليك بعض هذه الآيات القرآنية التي ثبتت هذه المسألة:
1-  قال الله تعالى «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا. فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا».
2- «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ».
3- إن الظاهر من خلال التأمل في الآيتين المباركتين أن مريم سلام الله عليها تحدثت مع الملائكة، وهذا من أفضل الأدلة على مسألة تحدث الملائكة مع أناس ليسوا بأنبياء فإن مريم سلام الله عليها لم تكن بنبي ولم تكن إمام بل هي أم نبي من أنبياء الله تعالى، ومع ذلك فالملائكة تحدثت معها.
4- قوله تعالى: «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ»...
5- وقوله تعالى: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ».
وقوله تعالى: «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا».
- «فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا».
- «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي».
- «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ».
- «وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا».
- «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ».
- «إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى».
إذن يظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أخرى أن الوحي ليس مختص بالأنبياء والرسل فقط بل هو يتعدى إلى أولياء الله تعالى، نعم الوحي هنا في هذه الآيات المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء بل هو شأن آخر من الوحي. فالوحي لغة الإعلام الخفي السريع، واصطلاحا الطريقة الخاصة التي يتصل بها الله تعالى برسله وأنبيائه لإعلامهم ألوان الهداية والعلم، وإنما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين ولذا عبر الله تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي.
قال سبحانه: «إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ..».
وقال الله تعالى: «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ».
وهذه الآية الأخيرة حددت معنى الوحي الذي يختص بالأنبياء والمرسلين أما الآيات الأخرى المتقدمة الذكر فلها معاني أخر للوحي، والذي نقول به أن فاطمة الزهراء إنما كانت محدثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي الذي بينته الآيات الآنفة الذكر، فلا محالة أن تكون قد حدثت من قبل الملائكة كما دل القرآن على إمكان وقوع ذلك كما حدث مع أم موسى وكيفية إيحاء الله تعالى لها.
وثمة شواهد أخرى تدل على أنها كانت محدثة من قبل الملائكة، وهذا ما نجده في المأثور الروائي الذي نقل إلينا عبر الرواة والمحدثون. فعن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إنما سميت فاطمة محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين. يا فاطمة، اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين.
فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين.
وعن عبد الله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن علي الأصفهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن إسماعيل بن بشار قال: حدثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة قال: حدثنا سليمان قال: محمد بن أبي بكر لما قرأ: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ» ولا محدث، قلت: وهل يحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: إن مريم لم تكن نبية وكانت محدثة، وأم موسى بن عمران كانت محدثة ولم تكن نبية، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ولم تكن نبية، وفاطمة بنت رسول الله(ص) كانت محدثة ولم تكن نبية.
وجاء في الكتاب القيم (الغدير الذي يعتبر من أهم الكتب التي ألفت في حق ولاية أهل البيت) حول مسألة الأناس المحدثون حيث قال: "أصفقت الأمة الإسلامية على أن في هذه الأمة كما لدى الأمم السابقة أناس محدثون -على صيغة المفعول-.
وقد أخبر بذلك النبي الأعظم كما ورد في الصحاح والمسانيد من طرق الفريقين العامة والخاصة. والمحدث من تكلمه الملائكة بلا نبوة ولا رؤية صورة، أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى، أو ينكت له في قلبه من حقايق تخفى على غيره، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه. فوجود من هذا شأنه من رجالات هذه الأمة مطبق عليه بين فرق الإسلام، بيد أن الخلاف في تشخيصه. فالشيعة ترى عليا أمير المؤمنين وأولاده الأئمة صلوات الله عليهم من المحدثين"..
وقال (رحمه الله): "إن في هذه الأمة أناس محدثون كما كان في الأمم الماضية، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرون علماء محدثون وليسوا بأنبياء. وهذا الوصف ليس من خاصة منصبهم ولا ينحصر بهم بل كانت الصديقة كريمة النبي الأعظم  محدثة، وسلمان الفارسي محدثا.
نعم كل الأئمة من العترة الطاهرة محدثون، وليس كل محدث بإمام.
ومعنى المحدث هو العالم بالأشياء بإحدى الطرق الثلاث المفصلة في الأحاديث. هذا ما عند الشيعة ليس إلا ".
وورد عن العلامة المناوي في ذيل الحديث الذي جاء عن النبي(ص) حول مسألة تحديث الملائكة مع الناس ما نصه: "قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم أناس محدثون". قال القرطبي: الرواية بفتح الدال، اسم مفعول جمع محدث بالفتح أي ملهم، أو صادق الظن، وهو من ألقي في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد، أو تكلمه الملائكة بلا نبوة، أو من إذا رأى رأيا أو ظن ظنا أصاب، كأنه حدث به والقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له. وهذه كرامة بكرم الله بها من شاء من صالح عباده، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء.
إذن يظهر من الأحاديث والأقوال المأثورة عن الخاصة والعامة أن مسألة تحديث الملائكة لأناس ليسوا بأنبياء كانت متسالمة وما شذ عنها إلا من يدعي الزور والبهتان ضد الشيعة، فالأمم الماضية وقع فيها هذا الأمر وهذا ما ظهر لنا من خلال القرآن الكريم حيث أوحى الله إلى الحواريين وإلى الملائكة وإلى النحل وإلى أم موسى...

المصدر: موقع الميزان دوت نت.

التعليقات (0)

اترك تعليق