مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة بمناسبة ذكرى ولادة الصديقة فاطمة الزهراء 2013

بمناسبة ذكرى ولادة الصديقة فاطمة الزهراء: ربوبية البيت من أهم واجبات المرأة

بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك هذا العيد الشريف السعيد ويوم الفرحة والبهجة وطراوة قلوب طوال التاريخ، أباركه لكم جميعاً أيها الأعزاء والأخوة والأخوات بلابل دوحة مدح آل الرسول (ع) وناشرو الثناء على أفضل وأرقى خلائق العالم و البشرية. نتمنى من الله تعالى أن يتقبّل منكم جميعاً أيها الأعزاء الذين قدمتم هنا مدائحكم للصديقة الزهراء وأهل البيت (ع) بأحسن قبوله. [...] أنتم أناس تعملون في مجال الدين والمعرفة والأمور الإلهية، لذلك يجب أن تحذروا بشدة وتراقبوا أخلاقكم وطهارة ألسنتكم وعفافكم و نقاء قلوبكم وطهارة أيديكم. كان الله تعالى في عونكم. مدّاح سيدتنا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حين يتبوّأ هذه المكانة فهو شخصية بارزة. فكما فهمنا وعلمنا واعتقدنا، الذين يسيرون في درب مديح الأئمة الأطهار (ع) ودعوة الناس لمحبتهم وولائهم، هؤلاء أناس أعزاء محبوبون عند الله سبحانه وتعالى. [...]

قضية المرأة
أما الجانب الثاني الذي يجدر اليوم أن نتحدث عنه فهو قضية المرأة. من سيئات الحضارة المادية ما تقوم به في خصوص المرأة. وقد أكثرنا الحديث والكلام في هذا الجانب، ولدينا الكثير مما نقوله حول هذا الموضوع. الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها الحضارة الغربية بخصوص المرأة لا يمكن محوها في القريب العاجل، ولا يمكن تعويضها في المستقبل القريب، بل ولا يمكن التعبير عنها وذكرها بسهولة. ويطلقون على أفعالهم مسمّيات متنوعة -مثل كل أعمالهم التي يقومون بها- فيرتكبون الجرائم ويسمّون ذلك حقوق الإنسان! ويمارسون الظلم  يسموّن ذلك مناصرة للشعوب! ويشنون الهجمات العسكرية ويسمّون ذلك دفاعاً! الخداع والازدواجية والكذب والتناقض في السلوك والأقوال من طبائع الحضارة الغربية، وكذا الحال في قضية المرأة تماماً. إنهم للأسف يروّجون ثقافتهم في كل العالم.
لقد فعلوا اليوم في العالم ما جعل من أهم واجبات المرأة -إن لم نقل أهمّها- التبرّج واستعراض نفسها وجمالها من أجل التذاذ الرجال. هذه أصبحت الخصوصية الحتمية واللازمة للمرأة! هكذا هو الوضع في العالم حالياً للأسف. في أكثر المجالس والاجتماعات رسمية -الاجتماعات السياسية وغيرها- يجب أن يحضر الرجال ببناطيل طويلة وألبسة تغطي أجسادهم، ولكن لا إشكال في أن تحضر النساء بمزيد من العري والخلاعة! هل هذا شيء عادي؟ هل هذا شيء طبيعي؟ هل هذا تصرّف مطابق للطبيعة؟ هذا ما فعلوه هم. المرأة يجب أن تعرض نفسها على أنظار الرجال ليستمتعوا ويلتذوا! فهل هناك ظلم فوق هذا؟ ويسمّون هذا حرية ويسمون العكس أسراً وقيوداً! والحال أن احتجاب المرأة وحجابها تكريم واحترام للمرأة، إنه صناعة حريم و صيانة للمرأة، كسروا هذا الحريم ويكسرونه أكثر فأكثر باستمرار، ويضعون لذلك أسماء متنوعة. أول أو ربما من أول الآثار السيئة لهذه الحالة تحطيم المؤسسة العائلية وزعزعة أسسها، حين تتضعضع أركان العائلة في مجتمع من المجتمعات وتزول تتكرّس المفاسد في ذلك المجتمع.
المشكلات التي يشهدها الغرب راهناً، وهذه القوانين البلهاء الخبيثة التي يسنونها في القضايا الجنسية، سوف تأخذهم إلى قعر الهاوية. هذا الانحطاط لا يمكن الحيلولة دونه، إنهم محكومون بالسقوط. الحضارة الغربية شاءت أم أبت لم تعد قادرة على منع هذا السقوط، لقد عُطلت كوابحهم والطريق زلق ومنحدر بشدة، لقد ارتكبوا معصية حينما عطلوا الكوابح وساروا إلى حافة الهاوية، لذا فهم محكوم عليهم بالهزيمة.
زوال الحضارات مثل انبثاقها أمر تدريجي -وليس بالأمر الدفعي والفوري- وهذه الحالة التدريجية آخذة بالحصول، ولا أخال أن هذا الحدث سيكون بعيداً عن أنظار هذا الجيل أو الجيل الذي يليه، بل سيرون ما يحصل.

فاطمة عليها السلام حجة حجج الله
لقد عين الله تعالى في القرآن الكريم حدود تكريم المرأة. المرأة عند الله سبحانه مثل الرجل، ما من تفاوت بين المرأة والرجل أبداً في الارتقاء في سلّم المراتب المعنوية والإلهية. لقد مدّ الله عزّ وجلّ هذه الجادة للإنسان، وليس للرجل أو المرأة. يخلق الله تعالى في التاريخ امرأة مثل فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) يقول عنها الإمام العسكري أو الإمام الهادي (ع): «نحن حجج الله على خلقه و فاطمة حجة الله علينا». فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حجة حجة الله وإمام للأئمة، فهل من شخصية فوق هذه الشخصية؟ تتمتع السيدة الزهراء بمقام العصمة. مثل هذا الإنسان امرأة.
نساء العالم الكبريات مثل مريم وساره وآسية وغيرهن -النساء العظيمات اللاتي كنّ في التاريخ- هنّ عظيمات عالم الخلقة. الذي يسير في جادة التكامل والسموّ هذه هو الإنسان، ما من فرق بين المرأة والرجل في الحقوق الاجتماعية، وما من فارق بين المرأة والرجل في الحقوق الشخصية والفردية. أعطيت المرأة امتيازات في بعض المسائل الخاصة الشخصية، ومنح الرجل بعض الامتيازات في بعض المسائل، وبحسب مقتضى طبيعة كل من المرأة والرجل. هذا هو الإسلام.. إنه الأمتن والأحكم والأكثر منطقية وعملانية بين القوانين والحدود التي يمكن أن يفكر فيها الإنسان بخصوص مسألة الجنسين. يجب السير على هذا الطريق، ومن أهم النقاط في هذا الطريق تشكيل العائلة، ومن أهمها أيضاً العكوف على صيانة مناخ العائلة وإفشاء المودة فيه والأنس به، وهذا ما تتولّاه ربّة البيت.

ربوبية البيت من أهم واجبات المرأة
بمستطاع الأمّ أن تربّي الأبناء على أحسن وجه. تربية الأبناء من قبل الأم ليست كتربيتهم في صفوف الدراسة، إنما هي تربية بالسلوك والأقوال والعواطف والملاطفة والهدهدة والعيش والحياة. النساء يربّين أبناءهن بحياتهن وعيشهن. كلما كانت المرأة أصلح وأعقل وأكثر ذكاء كلما كانت هذه التربية أفضل، لذلك ينبغي البرمجة في البلاد لرفع مستوى الإيمان والتعليم والذكاء لدى السيدات.
ربوبية البيت من أهم واجبات المرأة. الكل يعلم أنني لا أعتقد بأن النساء يجب أن لا يعملن في المشاغل و المهن الاجتماعية والسياسية.. لا.. لا إشكال في عملهن، أما إذا كان عملهن بمعنى النظر لربوبية البيت بعين الامتهان و الاستصغار، فهذه معصية. ربوبية البيت شغل ومهنة.. شغل كبير ومهم وحساس ومن شأنه صناعة المستقبل. إنجاب الأبناء جهاد كبير، ولكن بالأخطاء التي ارتكبناها وبعدم دقتنا تعرضت هذه القضية في فترة من الفترات في بلادنا للغفلة مع الأسف، وها نحن نشاهد اليوم أخطار ذلك، وقد ذكرت ذلك للناس مرّات عديدة. إنها شيخوخة البلاد، وقلة الجيل الشاب بعد سنوات من الآن، وهذه من الأمور التي تظهر آثارها بعد فترة، وحين تظهر الآثار فلن يكون بالإمكان علاجها في ذلك الحين، أما اليوم فبلى يمكن تدارك الأمر ومعالجته.
إنجاب الأبناء من أهم أنواع الجهاد والواجبات المختصّة بالمرأة. فإنجاب الأولاد هو في الحقيقة ميزة المرأة وهي التي تتحمّل متاعب هذا العمل وجهوده وآلامه، هي التي منحها الله تعالى أدوات ولوازم تربية الأولاد. لم يعط الله تعالى أدوات تربية الأولاد للرجال، بل أعطاها للسيدات. أعطاهن الصبر على ذلك، والعاطفة اللازمة لذلك، والمشاعر الضرورية لذلك، وأعطاهن الأعضاء الجسمية اللازمة لذلك، والواقع أن هذه هي ميزة النساء. لو لم ننس هذه الأمور في المجتمع فسوف نتقدم إلى الأمام.
احترام المرأة وتكريمها قضية -ويجب أن تأخذ هذه القضية نصيبها من الاهتمام والعناية- وسلوكيات النساء في البيئة العائلية وفي بيئة العمل والكسب، وفي المناخ السياسي، وفي البيئة الاجتماعية قضية، والسلوك مع النساء قضية. السلوك مع النساء قضية توجّه للرجال، سواء رجال العائلة -كالآباء  الإخوة والأزواج- أو الرجال في بيئات العمل ممن يتعاملون مع النساء. التعامل مع المرأة يجب أن يكون باحترام ومحبة ومصحوباً بالنجابة والعفة. إذن، تكريم المرأة، وواجبات المرأة، والواجبات تجاه المرأة كل واحدة من هذه القضايا يجب أن تحظى بشكل مستقل بالاهتمام و تجري البرمجة لها.
يوم المرأة ويوم الأمّ الذي تطابق في نظام الجمهورية الإسلامية والحمد لله مع يوم ولادة المختارة من عالم الخلقة سيدتنا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) يجب أن يكون مناسبة لإلفاتنا إلى هذه النقاط. لو استطعنا أن نفكر بصورة صحيحة في قضايا المرأة والعائلة والأمّ والزوجة، ونتخذ القرار بصورة صحيحة ونعمل بصورة صائبة، فاعلموا أنه يمكن ضمان مستقبل البلاد.
جزاكم الله جميعاً خير الجزاء وبارك الله لكم جميعاً، وبارك الله في حناجركم وصدوركم.
والسّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

من كلمة لسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي في مدّاحي أهل البيت (ع) بمناسبة ذكرى ولادة الصديقة فاطمة الزهراء (ع)  بتاريخ 1- 5- 2013م


المصدر: الموقع الإعلامي لمكتب حفظ ونشر آثار سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي(دام ظله).

التعليقات (0)

اترك تعليق