مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الأسرة ركن ركين من وجهة نظر إسلامية

الأسرة ركن ركين من وجهة نظر إسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل أن نقرأ خطبة العقد، أنوه بعدة نقاط تذكرة للأزواج المحترمين:
النقطة الأولى هي أن الأساس والمحور من وجهة نظر الإسلام، في مشروع الزواج وهذه المراسم، والتقليد الجاري في الإسلام وفي كل الأديان ولدى كافة البشر، هو تشكيل الكيان الأسري. إن الأسرة ركن ركين في المنظار الإسلامي. فإذا كانت وتبدّت على النحو الصحيح وكانت التربية سليمة، فلها دورها الكبير في تطوير المجتمع على المنهاج الذي يبتغيه الإسلام، فما يريده الإسلام هو أن تتشكل هذه النواة وتنبثق.
ما تتميز به الأديان -والإسلام بامتياز- إنها جعلت من الغريزة الجنسية وغريزة إدارة الزوج -وهي الغريزة الجنسية- في خدمة تكوين العائلة. وعملت على إنبثاق وديمومة الكيان الأسري توكُّؤا ً على الغريزة الجنسية، أو تلك الغريزة الأخرى -الأعم من الغريزة الجنسية- البعض قد لا يشعرون بالحاجة الجنسية في سنين معينة، ولكنهم يحتاجون إلى أزواج، ولا بد لهم من أزواج من الجنس الثاني. ولا فرق في هذا بين الذكر والأنثى. فالسكن يُطمئن الإنسان ويريحه. وقد جعلت الأديان -ولاسيما الإسلام- هذه الغرائز تعضيدا ً لتكوين نواة الأسرة.
لو كان الناس متروكين ليشبعوا الغريزة الجنسية كيفما أرادوا، فإما أن العائلة لم تكن لتتشكل، أو لكانت كيانًا ركيكا ً متزلزلاً معرضا ً للتهديدات والخراب بأدنى نسائم تهب عليه. لذلك أينما ترون حريات جنسية في العالم تجدون كيان الأسرة ضعيفًا بنفس المقدار. لأن الرجل والمرأة لا يحتاجان لهذا الكيان من أجل إشباع هذه الغريزة. أم في المجتمعات التي يسودها الدين، ولا تشهد حرية جنسية، فيوفر هذا الكيان كل شيء للرجل والمرأة، لذلك تصان هذه النواة وتحمى.
أساس القضية هي ضرورة تشكيل نواة العائلة، فهذا ما أراده الإسلام. أنتم؛  فتاة من مكان، وشاب من مكان آخر، تتعرفان على بعضكما وتتصلان وتنشئان عائلة تكون أساسا ً للكثير من الخيرات. فثمة الكثير من الواجبات الجسيمة في إدارة الإنسانية تقع على عاتق هذه العائلة. هذه قضية مهمة جداً. وعليكم رعاية هذا الكيان والمحافظة عليه.
بكلمات العقد التي نقرؤها -وهي أمر اعتباري- تتكون بينكم علقة اعتبارية. ينبغي أن تنصب كل همة الشاب والفتاة على صيانتها والحذر من تضعضعها بالعتاب والمغاضبات والاستكثار والتوقعات الثقيلة، والجفاء، وأحيانا ً بتدخلات الآخرين وما إلى ذلك. هذا هو المهم. ليحاول كل من الشاب والفتاة المحافظة على علقة الزوجية هذه. فكيف تستطيعون المحافظة عليها؟ ذوي الرجاحة في العقل والأذكياء وأصحاب المشاعر والضمائر الصادقة لا تعوزهم الحيلة في هذا المضمار طبعاً. فالمحافظة على هذا الكيان ميسور بالثقة والمحبة المتبادلة فلا المرأة تفرض على الرجل وتضطهده، ولا الرجل يستزيد المرأة ويفرض عليها شيئا ً بالقوة. وإنما يكونان متحابين كرفيقين أو شريكين، ليحرسا نظام الأسرة هذا.
الأساس الإنساني في مشروع الزواج:
النقطة الثانية
هي أن أساس القضية في مشروع الزواج حالة إنسانية وليست مادية. لقد شرع الإسلام المهر. بيد أن المهر لا يجعل من الزواج معاملة تجارية. فلا مساومة ها هنا. وإنما يستثمر الجانبان المال في مشروع مشترك. ليست القضية كبيع وشراء تعطون فيه شيئا ً وتأخذون شيئاً، لا، هنا لا يوجد شيء يعطى وشيء يؤخذ. وإنما يضع الطرفان ما يمتلكانه في صندوق مشترك ينتفع منه كلاهما. هذه هي القضية في الزواج.
إذن لا بد من تقويض دور الماديات هنا إلى أدنى مستوياتها. ولهذا نوصي بأن لا تكون المهور عالية. حينما نقول أن المهر لا يكون أكثر من المقدار الفلاني، فليس معنى هذا أنه إذا زاد على المقدار المذكور بطل العقد أو كان حراماً. بل هو جائز، ولكن زيادة المهور ممارسة خاطئة.
البعض يطلب عد ملايين كمهر. أي أنه يبدل الزواج، هذا المشروع الإنساني، إلى معاملة تجارية ومساومة سوقية. وهذه إهانة وحط لدور الإنسانية وشأنها في الزواج. أنه عمل غير صحيح.
ليس الزواج مسرحا ً للتفاخر:
وفريق يحول الزواج، وهو مشروع عاطفي إنساني وجداني، إلى مسرح للتفاخر. فيقال مثلا ً أن جهازنا تضمن كيتا ً وكيتاً، فهل ضم جهاز ابنتكم هذه الأشياء؟! إنه التفاخر والتنافس. أو يقال أننا أقمنا حفل الزواج في صالة الفلانية. وللأسف شاع مؤخرا ً أن تقام المراسم في الفنادق. وهي ظاهرة سيئة جداً. وقد يسمع أو يرى أحياناً أن بعض الأشخاص ممن لا يتوقع منهم الكثير، يقيمون مراسم زواجهم في الفنادق والصالات ليتفاخروا على بعضهم! أبداً، أقيموا مراسم العقد في غرفة بيتكم أو باحة منزلكم أو في بيت الجيران وادعوا الناس كما في السابق. فهناك تتوفر أجواء عائلية حميمة، يجتمع عدد من الأصدقاء ومن الأقارب وبعض أقران الفتاة والشاب وزملائمهم في العمل أو الدراسة ليفرحوا ويبتهجوا مع بعضهم. هذا هو الصحيح.
أن نجعل من الزواج ساحة للتفاخر، خطأ في خطأ. فهذا يلوّث بيئة الزواج بالماديات، ويجعل من هذا الصعيد الوجداني الطاهر اللطيف ساحة للتفاخر والتنافس والمزايدات. وسيتعود الزوج والزوجة منذ بداية حياتهما على التشريفات والكماليات الزائدة. لماذا؟ ليتعودا منذ البدء على حياة متوسطة.
التشريفات الزائدة تضر بالمجتمع:
التشريفات سيئة للمجتمع ومضرة به. والذين يعارضون التشريفات ليسوا جاهلين بالملذات والطيبات، لا، إنما التشريفات مضرة بالمجتمع، شأنها شأن الطعام أو الدواء المضر. إن المجتمع يتضرر بالتشريفات الزائدة، وطبعا ً لا ضير فيها ضمن حدودها المعقولة المتداولة. ولكن حينما تتحول إلى سباق وتنافس محموم سوف تتجاوز حدودها وتبلغ مديات أخرى، وفي هذا إضرار للمجتمع. ولو أردنا سحب هذه الممارسة الضارة إلى ميدان الزواج، سنقع في خطأ مضاعف، ونرتكب عملا ً سيئا ً للغاية.
إن هذه الضيافات الصاخبة في الفنادق، والإنفاقات الضخمة، كانت من أعمال أولئك المترفين. وفي الآونة الأخيرة نشروا في إحدى الصحف شيئا ً عن إحدى هذه الحالات، وما أحسن ما فعلوا إذ نشروا، حتى يفهم الناس أن هذه ممارسات قبيحة. لقد كنّا نقيم مراسم العقد والعرس في بيوتنا، في غرفة أو غرفتين. وإن لم يكن لنا، كنّا نقيمها في بيت الجيران. ونقدم مقادير من الفاكهة والحلويات، ونتحادث ونضحك ونتلاطف وتمر بنا الأوقات سعيدة جدا ً . وطبعاً لم يكن أولئك المترفون والطالحون، الذين أزيلوا بحمد الله، يقيمون مراسمهم على هذه الشاكلة. فلم يكونوا يقنعون بهذه الحال، لذا كانوا يذهبون لتلك الفنادق ليقيموا فيها ضيافات صاخبة مكلفة جداً.
واليوم حيث تولينا زمام الأمور، ينبغي أن لا نعيد الكرة. وإذا أعدناها كنا طالحين مثلهم. ليس الفضل في أن لا يقيم غير المستطيع مراسم باهضة، فإذا استطاع أقامها، وما فضله إذن؟! المنطق الصحيح ضد هذه الطريقة. ينبغي إقامة الأمور على بساطة. تبسطوا في التجهيز. من الحسن أن يلبي الجهاز حاجات الفتاة، ولكن لا يتمادى الأمر إلى البذخ.
انسجام الزوجين، أساس الزواج:
النقطة الثالثة هي أن أساس الزواج انسجام الفتاة والشاب. فيجب أن ينسجما. ولهذا "الانسجام" معنى عميق جداً. ذات مرة حضرتُ عند الإمام الخميني وكان يريد قراءة خطبة عقد. وما رآني حتى قال تعال وكن طرفاً في العقد. لقد كان خلافاً لنا -حيث نطيل ونسهب ونتكلم- يقرأ العقد أولاً، ثم يتحدث بعبارتين أو ثلاث قصيرات. لاحظت أنه بعد أن قرأ العقد التفت إلى الفتاة والشاب وقال: اذهبا وانسجما مع بعض. وجال بخاطري أن كل ما تقوله يتلخص في مقولة الإمام هذه "إذهبا وانسجما مع بعض". وها أنا قائل لكما أيضاً أيتها الفتيات وأيها الفتيان؛ إذهبا وانسجما مع بعض. الإنسجام هو الأساس. كل ما يتعارض مع انسجام العروس والعريس، بين الفتاة والشاب، بين المرأة وزوجها، ينبغي أن يعتبر أجنبياً. اتخذوا هذا منطلقاً، حتى ينزل الله تعالى بركاته عليكم إن شاء الله.
أتمنى أن يبارك الله في هذه العقود التي نقرؤها، وأن يضفي هؤلاء الأزواج أجواءً بهيجة على العوائل، وأن يرزقهم الله نسلاً طيباً طاهراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

      


المصدر: حديث الولاية - مختارات من أحاديث القائد، ط ١، مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع، ١٤٢٥ھ. ق. ج٢.
كلمته في مراسم عقد زواج ؛٢٠/٤/١٣٧٠
 

التعليقات (0)

اترك تعليق