مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أساليب الإعجاب الزائد والتدليل والسواء في المعاملة الوالدية للأطفال

أساليب الإعجاب الزائد والتدليل والسواء في المعاملة الوالدية للأطفال

أسلوب المبالغة والإعجاب الزائد بالطفل: Excessive admiration of children style:
حيث يعبِّر الآباء بصورة مبالَغ فيها عن إعجابهما بالطفل، وحبه ومرحه، والمباهاة به، ويترتب على ذلك ما يلي:
شعور الطفل بالغرور الزائد بالنفس، وكثرة مطالبه.
تضخيم صورة الطفل عن ذاته، ويؤدِّي هذا إلى إصابتِه بالفشل عندما يتصادم مع غيره من الناس الذين لا يمنحونه نفس القدر من الإعجاب.
ويتضمن هذا الأسلوب أيضًا تعبيرَ الوالدين على نحوٍ مبالَغ فيه عن إعجابهما بالطفل، وحبهما له، ومدحه، والمباهاة به، ومن آثاره: شعورُ الطفل بالغرور، والثقة الزائدة بالنفس، مع كثرة مطالب الطفل دون تقدير أو مراعاة لظروف وإمكانات الأهل، وتضخيم صورة الطفل عن ذاته؛ مما قد يُصِيبه بالإحباط أو الفشل عندما يصطدم مع غيره من الناس الذين لا يمنحونه نفس القدر من الإعجاب والاهتمام.

أسلوب التدليل Demonstrate style:
يتمثَّل ذلك الأسلوب في تشجيع الطفل على تحقيق معظم رغباته بالشكل الذي يحلو له، وعدم توجيهه لتحمل أية مسؤولية مع مرحلة النمو التي يمر بها، وقد يتضمَّن هذا أيضًا تشجيعَ الطفل على القيام بألوانٍ من السلوك الذي يعبِّر عن عادةٍ غير مرغوب فيها اجتماعيًّا، وكذلك قد يتضمَّن دفاع الوالدين عن هذه الأنماط السلوكية غير المرغوب فيها ضدَّ أي توجيه أو نقد يصدر إلى الطفل من الخارج؛ فالتدليل يتضمَّن التراخي والتهاون في معاملة الطفل، وعدم توجيهه لتحمل المسؤوليات والمهام التي تناسب مرحلته العمرية، مع إتاحة إشباع حاجاته في الوقت الذي يريده هو، والتدليل هو نوع المبالغة في التساهل مع الطفل؛ بحيث يستجيب الوالدان أو أحدهما لمطالبه مهما كانت هذه المطالب، ويغضُّون الطرف عن كلِّ ما يرتكب من أفعال تقتضي التأديب والعقاب، ويسلك الآباء مثلَ هذه الطريقةِ في معاملة الأبناء نتيجةَ ظروف معينة، كأن يكون الطفل وحيدًا، أو جاء بعد مدة طويلة من الزواج.
ففي بعض المنازل يعامل الأطفال كما لو كانوا ضيوفًا محظوظين، تشبع دائمًا أهواؤهم ورغباتهم بواسطة الأبوين، فهم يختارون ما يريدون أكله، ويَلْقَون عناية خاصة فيها كثيرٌ من المبالغة، فقد يختارون ألوانًا من الترفيه والتسلية التي يريدونها، وعندما لا يجدون فكرة جديدة يلجؤون إلى الأم وكأنهم يريدونها أن تفكِّر لهم فيما يمكنهم أن يلعبوا، وقد لا يطلب منهم إطلاقًا أن يقوموا بأي مجهود لمصلحتهم أو لمصلحة الأسرة.
وعليه، فإن الأم -الأب- المتسامحة تُحَاوِل أن تنأى عن استخدام العقاب، وأن تتقبل رغبات الطفل وأفعاله، وتكون مطالِبُ هذه الأمِّ من طفلها قليلةً؛ فهي لا تكلِّفه بمسؤوليات منزلية، ولا تطلب منه سلوكًا منظمًا ولا مرتبًا في حالات كثيرة، إنها تقدِّم نفسها للطفل كمصدرٍ يستخدمه كما يرغب، وليس كمَثَلٍ أعلى، عليه أن يقلده ويحتذي به، وهي لا تعمل على نحوٍ نشطٍ لتشكيل سلوك الطفل الحاضر والمستقبل وتعد له، إنها بذلك تتيح للطفل أن ينظم أنشطتَه بقدر ما يستطيع، وتتجنب ممارسة الضغط، وهذه الأم لا تشجع الطفل على إطاعة المعايير التي تتحدد من الخارج.
ومن ثَمَّ فإن هؤلاء الآباء الذين يخشون رفض أي مطلب للابن حتى لا يعكِّروا عليه صفو سعادته وأمنه، يتركون الأبناء يفعلون ما يريدون بلا حساب على ذلك.
والذي يدفع الوالدين لاتخاذِ هذا الأسلوب هو إصابةُ الطفل، أو مرضه مرضًا شديدًا يجعله عاجزًا لا يستطيع شيئًا، أو وجودُ نوعٍ من السيطرة عند الطفل يضلِّل به الآباء، ولا يستطيعون أن يتغلَّبوا عليه.
أما مشكلة الطفل المريض، فهي مشكلة معروفة؛ حيث يكون موضعَ عطفِ جميع أفراد الأسرة، بل وربما الأصدقاء، وهم يوفِّرون له الراحة والاطمئنان، ويرفعون عنه كل المسؤوليات، فإذا كان هذا المرض مزمنًا - كالإعاقة- فإن انغماسَ الوالدين في هذا السلوك قد يستمرُّ، أو أن يقوم الطفل بخداعِ وتضليل الوالدين ليصل إلى ما يُرِيد بالتشنج، والإغماء، والثورة، أو التهديد بترك المنزل أو الانتحار، فيضطر بعض الآباء إلى التنازل لصغارهم؛ خشيةَ تنفيذ هذه التهديدات.

أسلوب السواء Moderation style:
إن السواء يمثِّل جانبين؛ أولهما يتمثَّل في ممارسة الأساليب السوية؛ ومنها: التقبل، والتسامح، والديمقراطية، والتعاون، والمشاركة الوجدانية...، وغيرها، والآخر يتمثَّل في عدم ممارسة الأساليب غير السوية السابق ذكرها؛ مثل: الرفض، والتدليل، والحماية الزائدة، والقسوة، والتفرقة، والتذبذب في المعاملة.
يقصد به ممارسة الأساليب السوية من وجهة نظر الحقائق التربوية، وعدم ممارسة الأساليب المعبِّرة عن الاتجاهات السلبية، وقد بيَّنت جميعُ الدراسات الخاصة بموضوع العَلاقة بين الطفل ووالديه ارتباطَ اتجاهِ السواء إيجابيًّا بالثقة بالنفس، والقدرة على تحمل المسؤولية، والإبداع، والعلاقة الجيدة مع الآخرين، وضبط الذات، والارتباط الآمن، ومن جهة أخرى ارتبط هذا الأسلوب بنضج الآباء، واتزانهم الانفعالي، وتصوراتهم العلمية لمفهوم الطفولة وحاجاتهم.
إن تقبُّل الطفل لذاته على ما هو عليه يَعنِي ضرورةَ تقبُّل نوعِ الطفل، سواء كان ذكرًا أم أنثى، وأيضًا تقبل شكله -وما هو عليه من ملامح- ولونه، بصرفِ النظر عن أنه يُشبِه أشخاصًا نحبُّهم أو نَكرَهُهم، وتقبُّل ترتيب الطفل بين إخوته، وتقبل ما تَشتَمِل عليه شخصيتُه من ذكاءٍ، وقدراتٍ، واستعدادات، وميول، واهتمامات أو هوايات، ولا شكَّ أن تقبُّل الطفل غير المشروط (على ما هو عليه) يؤثِّر في فكرة الطفل عن نفسه؛ حيث توجد عَلاقة وثيقة بين تقبُّل الذات وتقبُّل الآخرين، وبالتالي يُمكِن القول: إن تقبل الطفل على ما هو عليه يعزِّز إيجابية مفهومه عن ذاته، وتقبله لها، وتكيُّفه معها ومع الآخرين؛ مما يؤثِّر في النهاية على سلامةِ صحَّة الطفل النفسية.
فالطفل في حاجة إلى أن يكون محبوبًا ومقبولاً، ومرغوبًا فيه من الوالدين ومن الآخرين حوله، ومقبولاً كما هو عليه ولذاته، وما يحتمل أن يكون عليه من عجز أو قصور، فلا يكون موضعَ استهجانٍ، أو سخرية، أو مواربة، أو مقارنة، ويتأكَّد الطفل من حب والديه خلال مواقفِ الحياة اليومية بعديدٍ من الأساليب، وطرق المداعبة؛ مثل: المعانقة، واللمسة الرقيقة، والابتسامة العذبة، فكلُّ هذا -وما يماثله من أساليب الملاعبة والتودد- يقنع الطفل بأنه يستطيع أن يعتمدَ على حب والديه، وهو بغيرِ هذا الضمان من الحبِّ والعطف لا يستطيع أن يعيش راضيًا.
هذا بالإضافة إلى أن الآباءَ الذين يُشَارِكون أطفالهم خبراتهم، ويكتسبون ثقتهم واستعدادهم الطيب للتعاون معهم حين يُظهِرون اهتمامًا مخلصًا بشؤونهم ويضعون الأسسَ السليمة للروابط القوية المشتركة بينهم وبين أطفالهم، وتلك الأسس التي ستتحطَّم عليها عواصفُ الخلافات المستقبلية بين الوالدين والابن، وكذلك فإن شعور الطفل بالأمان بالقدر الذي سيصبح معه معتمدًا على نفسه، وبالمهارة التي تجعله يقدِّر المسؤوليات الاجتماعية، وأن يعتمد إلى حد كبير على تلك الروابط التي يكوِّنها والداه معه منذ الصغر.
فمن المسلَّم به أن الحب والتعاطف داخل الأسرة من أهمِّ الأمور اللازمة لنموِّ الطفل ذي الإعاقة، ولكن ينبغي أن يكون هذا الحب وهذا العطف بشكلٍ معتدل ومتكافئ في مقداره مع بقية أفراد أسرته؛ بحيث يوفِّر للطفل الدفءَ العاطفي الذي يُشعِره بالطمأنينة، وأنه محبوب ومرغوب فيه، ويُبْعِده في نفس الوقت عن أي اضطراب نفسي قد يتعرَّض له.
والتعبير عن التقبل الوالدي يتأتَّى بطرقٍ مختلفة حسب النضج الانفعالي للوالدين؛ فالوالدان الناضجان والمتزنان انفعاليًّا يَسْعَيان لتنميةِ الشخصية المستقلة لطفليهما، ويحاولان تحقيق هذا الهدف، وعلى العكس فالوالدان غير الناضجين انفعاليًّا يتعلَّقان بطفليهما بصورة عصابية، والطفل المتقبل يكون متعاونًا، ودودًا، مخلصًا، وفيًّا، مرحًا، ويتمتع بالثبات الانفعالي.


المصدر: شبكة الألوكة.
د. موسى نجيب موسى معوض

التعليقات (0)

اترك تعليق