قيمة عمل المرأة داخل المنزل وظاهرة التخلي عن العمل خارج المنزل
قرأت في إحدى المجلات العربية مقالاً تحت عنوان (نساء أمريكا يتخلّين عن العمل لتربية الأطفال)، وقد حاول المقال شرح ظاهرة جديدة بدأت تغزو المجتمع الأمريكي، ألا وهو تراجع عدد النساء العاملات عن مسيرات مهنية واعدة للتحول إلى ربات منازل، وخاصة أن من بينهن أعداد لا يستهان بها من الحائزات على إجازات جامعية، أو إجازات من معاهد مهنية، وقد اعتبرت روزالفر (البروفسور في دراسات المرأة في جامعة ماساتشوستش) هذه الظاهرة بأنها "مثيرة للقلق"، وقالت إن النساء في السبعينات ناضلن من أجل الوصول إلى سوق العمل، وإنّ تخلي بعض النساء عن عملهن يمكن أن يؤدي في المستقبل إلى تراجع فرص العمل ومشاركة النساء في عالم العمل.
أمام هذه الظاهرة لابد أن نقف لنسأل السؤال التالي: ما هي الظروف التي بإمكانها أن تدفع بنساء من حملة شهادات جامعية إلى التخلي عن مواقعهنّ في العمل، والركون والعودة إلى المنزل وتحمّل الأعباء المنزلية ومهامها؟ وهل ذلك يُعدّ بحق تراجعاً لتقدم المرأة في مجتمعها؟
من المسلم به أن العمل يأتي بالنسبة لمعظم النساء في المرتبة الثانية بعد البيت والزوج والأولاد، ومتى ما شعرت المرأة بأنها قادرة على التوفيق بين مهامها داخل الأسرة وخارجها، فإنها بلا شك ستتجه إلى العمل خارج المنزل؛ وهذا قرار غالباً ما يكون مشتركاً بين المرأة والرجل، حيث أن عمل المرأة خارج المنزل لابد وأن يترتب عليه مشاركة الرجل المرأة بعض المهام المنزلية، كما أنه عندما تنظر إلى القيمة العملية التي تحققها المرأة والمكاسب المالية التي تجنيها من خلال عملها، لابد من النظر إلى طريقة صرفها؛ فالكثير من العاملات لا يوظفن أجروهنَّ بشكل صحيح، بل بشكل استهلاكي، لذا نرى أن نسبة اللواتي لديهن ودائع في المصاريف والبنوك قليلة جداً مقارنة بنسبة العاملات.
العمل داخل المنزل واقتصاد الأسرة
وعندما ننظر إلى عمل المرأة داخل المنزل نرى أن هذا العمل إلى يومنا هذا لم يدخل ضمن حسابات ناتج الدخل القومي رغم كونه عمل منتج، ويحدد الاختصاصيون في مادة الاقتصاد كيفية إمكانية تحديد قيمة عمل المرأة في المنزل، وكيف يمكن أن تدخل قيمة هذا العمل في حسابات الدخل القومي؛ وذلك عبر فرع من فروع الاقتصاد ألا وهو "المحاسبة الوطنية"، وهي التي تقيس العمليات التي تجري في السوق من بيع وشراء أو استيراد وتصدير، ولا يظهر في هذا الناتج سوى القيمة النقدية المحتسبة. فالأعمال المنزلية هي نوعٌ من الإنتاج من أجل الاستهلاك الذاتي وقيمتها لا تتحول إلى نقود، تساهم بها ربة المنزل في اقتصاد الأسرة وتباعا له في اقتصاد الدولة، وكون هذا العمل منتجاً ولكنه لا يدخل في حسابات الدخل القومي، فإن ذلك يستلزم أن تقوم الدولة بتحديد قيمته الفعلية، وعندها سنشهد تغيرا داخل الأسر.
فقد يساعد حساب قيمة المرأة داخل المنزل على الاستقلال المادي والذاتي للمرأة، ويزيد من قدرتها على المشاركة في اتخاذ القرارات المالية والاقتصادية داخل الأسرة، فلا يعود الرجل وحده المحدد لأبواب الإنفاق وكيفية إنفاقها، كما أن ذلك يحرر المراة من التبعية الاقتصادية للرجل، والذي يحول دون مطالبتها بكثير من حقوقها.
مصدر: islamwomen.org
د. شعلة شكيب
اترك تعليق