مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

إذا غاب الحوار

إذا غاب الحوار: أسباب غياب الحوار داخل الأسرة وأسس نجاحه

لمّا كانت الأسرة نواةَ المجتمع، كان في استقرارها ورقيِّها نجاحٌ وفلاح للمجتمع كلّه..
ولا يتأتَّى هذا الاستقرارُ إلّا بوعي رُعاتها واهتمامهم بإرساخ أسُس التربية السَّليمة في بيئتهم الصُّغرى، التي لا ريب ستتَّسعُ مع الأيام، وتمتد فروعها شعاعاً، حاملة ثماراً يانعةً من المبادئ الأصيلة والقيم النبيلة؛ لتكون قدوةً للآخَرين ومثالاً في الخير يُحتذى.
ولا تُخطئ العين في واقعنا المعاصر وجوهاً من الخلل والاضطراب يحياها مجتمعُنا، أدَّت إلى كثير من القلق النفسي، والعَوار الروحي، وأنتجت جيلاً هشّاً يعاني قصوراً في النموِّ النفسي، واضطراباً في الشخصية!
ومن مظاهر ذلكم الخلل والاضطراب: كثرةُ الخلاف والشِّقاق بين أفراد المجتمع عموماً، وأفراد الأسرة خصوصاً، حتى لا تكاد ترى أسراً متماسكةً متعاضدة، بل صرنا نرى أخوةً أشقاء أشبهَ بالأعداء!
وإنَّ من أسباب بروز هذه الظاهرة السلبية غيابَ ثقافة الحوار في مجتمعاتنا العربية، وطغيان الأنانية والأثَرَة، وحبَّ الذات وتعظيمها، والرغبة في قهر الآخَر، وإلزامه ما لا يلزم؛ عمداً أو جهلاً.. وهذا بيِّنٌ بجَلاء في الأسرة والمدرسة والمسجد والعمل.. إلخ.
فالأب يفرضُ على ولده ما يحبُّه هو ويطمَحُ إليه، ويُلزمه بما يُؤثره ويتطلّعُ إلى تحقيقه، غيرَ ناظر إلى رَغَبات ولده، ولا إلى حدود طاقته، ولا إلى ما يهوى ويحب!
ومثل هذا تجدُه عند المعلِّم في تعامله مع طلابه، وفي سلوك الشيخ مع مُريديه وتلامذته، فضلاً عن تسلُّط المدير على موظَّفيه وصمِّ أذنيه عن طلباتهم واحتياجاتهم.
إنّ الكبيرَ منّا قبل الصغير بحاجة إلى من يسمعُه ويحاوره ويناقشه، وتنفرُ نفسه من الأوامر والتوجيهات المتَتالية... ومع غياب الحوار ينقطع التواصُل!
أجل إنّ الحوار تواصُل، وبه يكون التفاهُم والائتلاف. وغيابُه انقطاع، وبه يكون التناحُر والاختلاف!!
وإذا ما أردنا لمجتمعنا ارتقاءً في ميادين الحياة، فلا مندوحةَ عن إشاعة روح الحوار والتمكين لثقافته في الأسرة أولاً، وهي ثقافةٌ تقوم على تفهُّم كلِّ فرد من أفراد الأسرة للآخَرين، وبذل الجهد في الإصغاء ومراعاة حال المخاطَب.
ولا شكَّ في أنّ المسؤوليةَ الكبرى في ذلك ملقاةٌ على عاتق الوالدَين، فهما القدوةُ في الأسرة، وإذا ما قامت العلاقةُ بينهما على الحوار والتواصل الإيجابي،[وعلى] الحوار والنقاش واحترام عقولهم وإبداء الاهتمام بآرائهم... فإنّ الأولاد بلا ريب سينشؤون على ذلك، وستتبدَّى آثارُ هذه التربية الإيجابية في شخصياتهم وسلوكهم.
" إنّ كلَّ مولود يولد على الفطرة"، كما قال الصادق- عليه أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم- ثمَّ إنّه ليتطبَّعُ بطباع أهله، ويكتسبُ ثقافة بيئته، فإن نشأ في بيئة تربوية سَوية، ورُبِّيَ على الحوار وتنمية المواهب والقُدرات غدا إنساناً متزناً صالحاً معطاءً، وإن نشأ في بيئة يَشيعُ فيها الاختلافُ والتشاحن، وضيق العطن، وازدراء الصغير أصبح إنساناً ضعيفَ الثقة بنفسه، أو مختلَّ النفس حاقداً على المجتمع، كلّاً(عبئاً) على ذويه أنى توجَّه لا يأتي بخير.

أسس نجاح الحوار
ولكي ينجح الحوار في تحقيق الغايات المرتجاة منه لا بدَّ أن يرتكزَ على أسس، من أهمِّها:
1. أن تكون الغاية منه إنّما هي الوصول إلى الحقِّ والحقيقة، وإلى التفاهُم والائتلاف، وإلى اكتساب العلم والمعرفة، وتوسيع المدارك، وتنمية الحسِّ النقدي، لا إبراز القُدرة على التغلُّب على الآخَرين وإفحامهم!
2. تعويد النفس حسنَ الإصغاء للآخَرين باهتمام وانتباه وحضور ذهن، وأن نستمعَ أكثرَ مما نتكلم.
3. ضبط النفس في الحوار، والتزام الحلم وسعة الصدر، والتأدُّب معَ المحاوَر.
4. التزام جادَّة الأمانة والنزاهة في الحوار والنقاش، خصوصاً مع الأبناء، وإذا سُئل الوالدان عمَّا يجهلان فعليهما ألّا يتردَّدا في قول: "لا أعلم"، مع بذل الجهد في السؤال والبحث عن جواب صحيح مُقنع.
5. المبادرة إلى إعلان التراجُع عن الرأي، والاعتراف بالخطأ، إذا ما بدا لأحد المتحاورَين خطؤه واقتنع بحجَّة الآخَر.

       المصدر: مجلة غدي، عدد20.

التعليقات (0)

اترك تعليق