مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

جد السيدة أم فروة(ع)

جد السيدة أم فروة(ع)

وكان جدها محمد بن أبي بكر من خلص شيعة أمير المؤمنين علي(ع) وحواريه، وقد ولاه الإمام(ع) مصر وكتب إليه عهداً(1)، ووالدته(2) السيدة الجليلة أسماء بنت عميس(رض).
قتله معاوية بمصر(3)، وقد ترحم أمير المؤمنين(ع)(4) والإمام الصادق(ع) عليه(5).
ووردت في فضله روايات عديدة نشير إلى بعضها:
من هم شيعة عل(ع):
في الاحتجاج بالإسناد إلى أبي محمد العسكري(ع) قال: «قدم جماعة فاستأذنوا على الرضا(ع) وقالوا: نحن من شيعة علي، فمنعهم أياما، ثم لما دخلوا قال لهم: ويحكم إنما شيعة أمير المؤمنين(ع): الحسن والحسين وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره»(6).
أين حواري علي(ع)؟
وقال أبو الحسن موسى(ع): «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله(ص) الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه، فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر، ثم ينادي أين حواري علي بن أبي طالب وصي محمد بن عبد الله رسول الله(ص) فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني»(7).
إنه شهيد حي:
قال سليم: فلمّا قتل محمد بن أبي بكر بمصر وعزّيت به أمير المؤمنين(ع) وخلوت به وحدثته بما حدثني به محمد بن أبي بكر وبما حدّثني به ابن غنم، قال: «صدق محمد رحمه اللّه، أما انّه شهيد حيّ مرزوق»(8).
عند الله نحتسبه:
وفي التاريخ أنه حزن أمير المؤمنين(ع) عند ما بلغه خبر استشهاد محمد بن أبي بكر، حتى رئي ذلك فيه وتبين في وجهه وقام في الناس خطيباً: «ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه، أما والله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب هين المؤمن»(9).
حزن الإمام(ع) عليه:
وورد أنه: قدم عبد الرحمن بن شبيب وكان عيناً لعلي(ع) وأخبره أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشر من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضه بعضاً بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر، وقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت يوماً قط سروراً مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد، فقال علي(ع): «أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافا».
فرد(ع) مالكا من الطريق وحزن على محمد حتى رؤي ذلك فيه وتبين في وجهه، وقام خطيبا فحمد الله وأنثى عليه ثم قال: «ألا وإن مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الإسلام عوجاً ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله عليه وعند الله نحتسبه، أما والله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب سمت المؤمن»(10).
إنه ولدي:
وقال المدائني: وقيل لعلي(ع) لقد جزعت على محمد بن أبي بكر جزعاً شديداً يا أمير المؤمنين؟ فقال: «وما يمنعني أنه كان لي ربيباً وكان لبني أخاً وكنت لـه والداً أعده ولداً»(11).
جزع الأمير(ع) عليه:
وعن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين قال: (لما جاء علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) مصاب محمد بن أبي بكر حيث قتله معاوية بن حديج السكوني بمصر جزع عليه جزعا شديدا)(12).
نقصنا حبيباً:
وفي (نهج البلاغة) وقال(ع) لما بلغه قتل محمد بن أبي بكر: «إن حزننا عليه على قدر سرورهم به إلا أنهم نقصوا بغيضاً ونقصنا حبيباً»(13).
الولد الناصح:
وفي (نهج البلاغة) أيضاً: ومن كتاب لـه(ع) إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر بمصر: «أما بعد فإن مصر قد افتتحت ومحمد بن أبي بكر رحمه الله قد استشهد فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا، وعاملا كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا، وقد كنت حثثت الناس على لحاقه وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ودعوتهم سراً وجهراً وعوداً وبدءً»(14).
رسالة إلى معاوية:
وفي (الاحتجاج): كتب محمد بن أبي بكر(رض) إلى معاوية احتجاجا عليه:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من محمد بن أبي بكر إلى الباغي معاوية بن صخر، سلام الله أهل طاعة الله ممن هو أهل دين الله وأهل ولاية الله، أما بعد فإن الله بجلاله وسلطانه خلق خلقا بلا عبث منه ولا ضعف به في قوة، ولكنه خلقهم عبيدا فمنهم شقي وسعيد وغوي ورشيد، ثم اختارهم على علم منه واصطفى وانتخب منهم محمدا(ص) واصطفاه لرسالته وائتمنه على وحيه فدعا إلى سبيل ربه «بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»(15)، فكان أول من أجاب وأناب وأسلم وسلّم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب(ع) فصدقه بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه كل مكروه وواساه بنفسه في كل خوف، وقد رأيتك تساويه وأنت أنت وهو هو، المبرز السابق في كل خير وأنت اللعين بن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل وتجتهدان على إطفاء نور الله، تجمعان الجموع على ذلك وتبذلان فيه الأموال وتحالفان عليه القبائل، على ذلك مات أبوك وعليه خلفته أنت فكيف لك الويل تعدل عن علي وهو وارث رسول الله(ص) ووصيه وأول الناس لـه اتباعا وآخرهم به عهدا، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتع بباطلك ما استطعت، وتبدد بابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، ثم تستبين لمن تكون العاقبة العليا، والسلام على من اتبع الهدى).
فأجابه معاوية: (إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر، سلام على أهل طاعة الله، أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه مع كلام ألفته ورصفته لرأيك فيه، ذكرت حق علي وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله(ص) ونصرته ومواساته إياه في كل خوف وهول، وتفضيلك عليا وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك، فالحمد لله الذي صرف ذلك عنك وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا في زمان نبينا محمد(ص) نرى حق علي لازما لنا وسبقه مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه(ص) ما عنده وأتم لـه ما وعده وقبضه إليه(ص) فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه على ذلك اتفقا ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به العظيم فبايع وسلم لأمرهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قضى الله من أمرهما ما قضى، ثم قام بعدهما ثالثهما يهدي بهديهما ويسير بسيرتهما فعبته أنت وأصحابك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي حتى بلغتما منه مناكم، وكان أبوك مهد مهاده، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يكن جورا فأبوك سنه ونحن شركاؤه وبهديه اقتدينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا ولسلمنا له، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فأخذنا بمثاله، فعب أباك أو دعه، والسلام على من تاب وأناب)(16).
نجابته من أمه:
وعن حمزة بن محمد الطيار قال: ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله(ع) فقال أبو عبد الله(ع): «رحمه الله وصلى عليه، قال لأمير المؤمنين(ع) يوما من الأيام: ابسط يدك أبايعك، فقال: أوما فعلت؟ قال: بلى، فبسط يده، فقال: أشهد أنك إمام مفترض طاعتك وأن أبي في النار، فقال أبو عبد الله(ع): كان النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل أبيه»(17).
هكذا بايع:
وعن زرارة عن أبي جعفر(ع): «أن محمد بن أبي بكر بايع عليا(ع) على البراءة من الأول»(18).
وعن أبي جعفر(ع) قال: «بايع محمد بن أبي بكر على البراءة من الثاني»(19).
الأصحاب الأصفياء:
كما ورد أن «من أصفياء أصحابه ـأي أصحاب أمير المؤمنين(ع)ـ عمرو بن الحمق الخزاعي عربي وميثم التّمار وهو ميثم بن يحيى مولى ورشيد الهجري وحبيب بن مظهّر الأسدي ومحمد بن أبي بكر»(20).
لا يرضى بمعصية الله:
وعن أبي عبد اللّه(ع) قال: «كان عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر لايرضيان أن يعصى اللّه عزّ وجلّ»(21).
المحامدة:
وعن أبي الحسن الرّضا(ع) قال: «كان أمير المؤمنين(ع) يقول: إنّ المحامدة تأبى أن يعصى عزّ وجلّ، قلت: ومن المحامدة؟ قال: محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أمير المؤمنين ابن الحنفيّة ـرحمهم اللّه- أمّا محمد بن أبي حذيفة فهو ابن عتبة بن ربيعة، وهو ابن خال معاوية»(22).
وفي يوم الجمل:
وفي التاريخ أنه: سلّم محمد بن أبي بكر يوم الجمل على عائشة -أخته- فلم تكلمه، فقال: أسألك بالله الذي لا إله إلا هو، ألا سمعتك تقولين: الزم علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله(ص) يقول: «الحق مع علي وعلي مع الحق لا يفترقان حتى يردا علي الحوض»؟
قالت: بلى قد سمعت ذلك منه(ص)(23).
يحدث بفضائل فاطمة(ع):
وروي: أن محمد بن أبي بكر قرأ «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ» الآية(24)، قلت: وهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: مريم ولم تكن نبية وكانت محدثة، وسارة وقد عاينت الملائكة وبشروها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ولم تكن نبية، وفاطمة بنت محمد رسول الله(ص) كانت محدثة، ولم تكن نبية»(25).
أسماء بنت عميس:
وأم محمد بن أبي بكر هي السيدة الجليلة أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة فولدت لـه هناك عبد الله بن جعفر الجواد ثم قتل عنها يوم مؤتة، فخلف عليها أبو بكر فأولدها محمداً ثم مات عنها، فخلف عليها علي بن أبي طالب(ع) وكان محمد ربيبه وخريجه، وجاريا عنده مجرى أولاده، ورضيع الولاء والتشيع مذ زمن الصبا، فنشأ عليه، فلم يمكن يعرف أباً غير علي(ع) ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره، حتى قال(ع): «محمد ابني من صلب أبي بكر»، وكان يكنى أبا القاسم، وقيل: أبا عبد الرحمن، وكان من نساك قريش، وكان ممن أعان في يوم الدار، واختلف هل باشر قتل عثمان أو لا، ومن ولد محمد: القاسم بن محمد بن أبي بكر فقيه أهل الحجاز وفاضلها، ومن ولد القاسم: عبد الرحمن من فضلاء قريش ويكنى أبا محمد، ومن ولد القاسم أيضا: أم فروة تزوجها الإمام الباقر أبو جعفر محمد بن علي صلوات الله عليهما(26).
إنهما ابنا خالة:
وفي بعض التواريخ: (إن حريثا بعث إلى أمير المؤمنين(ع) ببنتي يزدجرد فأعطى واحدة لابنه الحسين(ع) فأولدها علي بن الحسين(ع) وأعطى الأخرى محمد بن أبي بكر فأولدها القاسم بن محمد فهما ابنا خالة)(27).



الهوامش:
(1) نهج البلاغة، الرسائل: 34، ومن كتاب لـه(ع) إلى محمد بن أبي بكر. وانظر بحار الأنوار: ج33 ص540 ب30 ح720.
(2) أي والدة محمد بن أبي بكر.
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص91-92 ولاية محمد بن أبي بكر على مصر.
(4) انظر تهذيب الأحكام: ج10 ص232 ب18 ح49.
(5) انظر تهذيب الأحكام: ج10 ص232 ب18 ح49.
(6) بحار الأنوار: ج22 ص330 ب10 ح39.
(7) بحار الأنوار: ج22 ص342 ب10 ضمن ح52.
(8) الإرشاد: ج2 ص393 خبر وفاة أبي بكر ومعاذ بن جبل.
(9) الغارات: ج1 ص195، ورود قتل محمد بن أبي بكر على علي(ع).
(10) بحار الأنوار: ج33 ص563 ب30.
(11) بحار الأنوار: ج33 ص566 ب30 ضمن ح722.
(12) بحار الأنوار: ج33 ص589 ب30 ضمن ح734.
(13) نهج البلاغة، قصار الحكم: ح325.
(14) نهج البلاغة، الكتب: 35.
(15) سورة النحل: 125.
(16) بحار الأنوار: ج33 ص589 ب30 ح723.
(17) بحار الأنوار: ج33 ص584 ب30 ح727.
(18) انظر الاختصاص: ص70 محمد بن أبي بكر.
(19) بحار الأنوار: ج33 ص585 ب30 ح731.
(20) راجع بحار الأنوار: ج34 ص271 ب34.
(21) رجال الكشي: ج1 ص63 محمد بن أبي بكر ح112.
(22) راجع بحار الأنوار: ج33 ص271 ب20 ح520.
(23) المناقب: ج3 ص62 فصل في أنه(ع) مع الحق والحق معه.
(24) سورة الحج: 52.
(25) راجع بحار الأنوار: ج43 ص55 ب3 ح48.
(26) انظر بحار الأنوار: ج42 ص162 ب124 ضمن ح33.
(27) بحار الأنوار: ج45 ص330 ب48 ضمن ح3.
 
 
المصدر: http://alshirazi.com

التعليقات (0)

اترك تعليق