مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

العالمة النوويّة سلوى نصّار

العالمة النوويّة سلوى نصّار

من هي سلوى نصّار؟ التي قيل فيها، إنّها عالمة الذرّة الأولى والوحيدة في زمانها، وأوّل سيّدة عربيّة تخوض معركة تفجير الذرّة، وتقف على أسرارها، وتعمل معاونة لأعظم علماء الفيزياء، وفي مقدّمهم الأستاذ لورنس مخترع آلة تفجير الذرّة (السيكلوترون). كما تمّت الإشارة إليها على أنّها شاركت في أبحاث إنتاج القنبلة الذريّة! أثناء وجودها القسري في الولايات المتّحدة الأميركيّة وعملها في مختبراتها النوويّة، في فترة الحرب العالميّة الثانية (1939 - 1945)؟

سلوى نصّار هي ابنة بلدة الشوير التي أنجبت العلماء والمفكّرين والفنيين والقادة في السياسة وعالم الاغتراب. أطلّت سلوى على الدنيا في مطلع العام 1913، وتميّزت منذ صغرها بالذكاء الحاد، وتفوّقت في دراستها ما قبل الجامعيّة بمادتَيّ الرياضيات والفيزياء. وكانت الطالبة الوحيدة التي دخلت «الكليّة السوريّة» (الجامعة الأميركيّة) في العام 1933 وتخرّجت فيها بعد ثلاث سنوات بدرجة بكالوريوس علوم بامتياز. وانصرفت بعد ذلك إلى تدريس مادّة الرياضيّات في ثانويتَي بيرزيت في فلسطين، والموصل في
 
سلوى نصّار عاشقة العِلم حتى "الذرّة الأخيرة"
لم تكن بلدة ضهور الشوير تدرك أنّها ستكون على موعد مع فتاة توقِد وَهج ذكائها منذ نعومة أظفارها. فتاة غيّرت في المقاييس العلمية وفي نظرة المجتمع إلى المرأة الشرقية. فهي ترعرعت بين مُجايلاتها، وعاصرت أحداث بلدتها وحملتها في ذاكرتها، وتبوّأت أهم المراكز العلمية.
في خريف العام 1933 كانت سلوى شكري نصّار (1913- 1967) الطالبة الوحيدة التي دخلت الجامعة الأميركية، حين تَبرّع بعض معلّماتها مع صديقة عزيزة لَهنّ في نيويورك بمساعدتها على إكمال دراستها الجامعية، ولم تكن سلوى بارعة في الرياضيات والفيزياء فحسب، بل تفوّقت أيضا في العلوم الإنسانية وفي التمثيل.

وكان لإثنين من أساتذتها التأثير المباشر في تفكيرها ونموّ شخصيّتها: منصور جرداق المواطن الشويري وأستاذ الرياضيات، وإيفان روبنسكي الذي أدخل فرع الهندسة إلى البرنامج التعليمي في الجامعة الأميركية، وشجّعها على الذهاب إلى كمبردج لإكمال علمها في الرياضيات.

هي عالمة في الفيزياء الكونية والذرَّة والرياضيات، أستاذة جامعية ومربيّة. ولدَت في الشوير في 5 كانون الثاني عام 1913. والدها شكري نصّار ووالدتها فكتوريا. أنجبت أمّها من زواجها الأول إدمون وأدما، ومن زواجها الثاني بشكري نصّار أربع بنات، هنّ: سلوى وإيفون وإيلان ومارسيل.

تلقّت علومها الابتدائية في الشوير في السادسة من عمرها، ثم انتقلت إلى مدرسة الشوير العالية في عين القسيس. بعد تخرُّجها في العام 1930 تَحَدّت التقاليد والمصاعب المادية والتحقت بمدرسة برمانا العالية التابعة لجمعية الأصدقاء البريطانية، وكانت في هذه المراحل كلها الأولى في صفّها وامتازت بمادتَي الرياضيات والفيزياء.

أكملت بعدها دراستها العالية في الجونيور كولدج في بيروت (الجامعة اللبنانية الأميركية اليوم) عام 1931 وتخَرّجت في العام 1933، وقد كان لوالدها شكري نصّار الفضل الكبير في تشجيعها على نَيل الشهادات العليا، لما وَجد عند ابنته من نبوغ وشوق إلى نهل المعارف وغرفها من مناهلها.
اثنان من أساتذتها كان لهما التأثير المباشر على تفكيرها ونمو شخصيتها: منصور جرداق المواطن الشويري واستاذ الرياضيات وكان يدعوها ابنتي العزيزة سلوى، وايفان روبنسكي الذي ادخل فرع الهندسة إلى البرنامج التعليمي في الجامعة الأميركية. وهو الذي شجعها على الذهاب إلى كمبردج لاكمال علمها في الرياضيات.

تخرّجَت في الجامعة الأميركية في العام 1935 بدرجة بكالوريوس علوم بامتياز بعدما تخصّصت بالعلوم والرياضيات، وكانت الفتاة الوحيدة والأولى بين ثمانية وعشرين متخرِّجا.

عملت بعدها مدرِّسة للرياضيات في بير زيت في فلسطين حتى العام 1938، ثم في ثانوية الموصل الرسمية للبنات في العراق، وجمعت بعض الأموال لتُكمل دراستها.

معركة الذرَّة:
التحقت في العام 1939 بجامعة "سميث" للبنات في ولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة الأميركية، ونالت ماجيستير في الفيزياء، ونشر بحثها في إحدى المجلات العلمية المرموقة. ثم انتقلت إلى جامعة كاليفورنيا في بركلي، وعملت بإرشاد كبار علماء الذرَّة أمثال أوبنهايمر وألفاريز ولورانس وهيزن وفيرمي، وتخَصّصت باختبارات علم الجزيئات الأولية. كان عملها يدور حول استعمال الآلات لرصد تفاعلات هذه الجزيئات، كالآلة التي استقدمت إحداها لاحقا إلى بيروت. وفي آب من العام 1945 نالت درجة دكتوراه في الفيزياء، وتوِّج عملها بتقييم لا مثيل له، إذ أدرجت نتائج بحثها في كتب التدريس المعتمدة للفيزياء في الولايات المتحدة الأميركية في حينه. وكانت ثامن امرأة في تاريخ جامعة كاليفورنيا في بركلي تحصل على درجة دكتوراه في الفيزياء، وأول لبناني وأول امرأة تحصل على دكتوراه في هذا المجال، وأول امرأة عربية تخوض معركة الذرَّة.

إنهالت عليها الطلبات من عدة جامعات مرموقة في الولايات المتحدة للتدريس وإجراء الأبحاث العلمية في رحابها، لكنها رفضتها وتخلّت عن حُب الاكتشاف الذي كان يستهويها، وعن الراتب المُغري الذي كانت بأشد الحاجة إليه، وقررت العودة إلى بيروت للعمل في كليتها الصغيرة حيث المستوى الأكاديمي وحالة المختبر لا تزال بدائية.

عادت إلى لبنان في عام 1945 والتحقت بالهيئة التعليمية في الجونيور كولدج لتدريس الرياضيات والعلوم، وأدخلت الفيزياء إلى المنهج الأكاديمي في السنة التالية.

ليزر وغرفة سوداء:
تلقّت في العام 1949 دعوة من جامعة "آن آربور" في ولاية ميتشيغن الأميركية للالتحاق بالهيئة التعليمية في دائرة الفيزياء كأستاذ زائر، وكان مشروعها الخاص للعام 1949- 1950 إنشاء غرفة معدَّة لدراسة الإشعاع والجزيئات لدائرة الفيزياء.
في أواسط خمسينيات القرن العشرين، بدأت الدكتورة نصَّار تبثّ الدعوة إلى إنشاء المجلس الوطني للبحوث العلمية، بإلقاء محاضرة في الجامعة الأميركية تضمّنت خطة شاملة لتنظيمه وتأسيسه. وتَلتها محاضرة ثانية في الندوة اللبنانية مع التفاصيل والتوجّهات نفسها. وبعد مَساع عدة على الصعيدين الوطني والعالمي، وجِّهت رسالة إلى رئيس الجمهورية الذي كان مستعدا لتقبّل الفكرة، فصدر المرسوم الجمهوري بتأسيس المجلس في 14 أيلول من العام 1962، وانتخبت سلوى نصّار عضوا في لجنة العلوم وبقيت فيها حتى العام 1965. وقد سَعت جهدها لتوسيع الدائرة واستقلالها ورفع مستواها، كما حصلت على منح مالية لإغناء المختبر وإدخال مقرّر جديد يتعلّق بطرائق استعمال الذرّات المُشعّة. واتّجهت نحو تنمية العلوم الاختبارية في الجامعة، فساهمت في تأسيس عدد من مختبرات الأبحاث في الجامعة، واستقدمت إليها أساتذة محليّين وأوروبيّين وأميركيين لتدريب جيل جديد من البحّاثة اللبنانيين والعرب على هذا النمط من البحث العلمي. ومن هذه الموضوعات كان مختبر الفيزياء لدراسة "طيف المركّبات"، ومختبر دراسة خصائص المواد في مجال درجات الحرارة المنخفضة جدّا، ومختبرا لعلوم اللايزر. وكانت كلها رائدة، والأبحاث فيها في مراحلها الأولى في الجامعات آنذاك. وأهدَتها سيدة أميركية غرفة سوداء، واشترطت عليها عدم استعمالها إلّا في لبنان.
كانت بسيطة الهندام، هادئة بطبعها، متواضعة، قليلة الكلام، لا تسرف في شيء، توفّر طاقاتها لأمر مهم، وتتطلّع إلى المستقبل بعينين حالمتين، وبكثير من الطمأنينة والعزم والثقة. حاولت أن تشارك قومها نعمة المعرفة القصوى التي كانت دأبها الدائم في حياتها القصيرة المَشحونة بالتحدي والصمود والشجاعة. كانت لا تزال تحلم قبل وفاتها بمختبر ذرِّي للجامعة الأميركية، وبمختبر علمي، وقد انتمت إلى العديد من الجمعيات العلمية، ومَثّلت لبنان في عدة مؤتمرات علمية دولية. وتركت بعض المنشورات والأبحاث، وأطلق عليها لقب “مدام كوري الشرق”، ولها العديد من المؤلّفات العلمية بالإنكليزية.

وهبَت ثروتها للدراسات العلمية:
لقد شغلتها هموم لبنان والدول العربية، واهتمّت للقضايا الوطنية. فلبنان كان قضيتها الأولى، استقلاله، حريته، وحدته، نموُّه الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي. وقد بقي هاجسها حتى آخر لحظة من حياتها، وكانت تعيد الفضل في تبوّئها المناصب والمهمات العلمية والإدارية المميّزة إلى وطنها الذي ولدت فيه وترعرعت في أحضانه. فقبيل وفاتها، وهبَت من ثروتها المحدودة بعض الأسهم التي بلغت قيمتها خمسين ألف ليرة لبنانية لكليّة بيروت للبنات، على أن يرصد رَيعها من أجل الاستمرار في الدراسات اللبنانية، وأوصَت بتشكيل مجلس للقيام بهذه المهمة. وقرر المجلس منذ اجتماعه الأول تسميتها “مؤسسة سلوى نصَّار للدراسات اللبنانية”. كما أوصَت بقسم من أسهم لها في المصارف لـ “جمعية الإغاثة الشويرية”، على أن ينفق المال على تدريب موظفين يتخصصون بتنسيق المكتبات. وأوصت بقدر من الأسهم للمدرسة التابعة لدير البلمند، لتُنفق على تعليم الطلاب. وكانت هويتها اللبنانية موضع اعتزازها ومباهاتها وافتخارها على الصُعد والميادين كافة.
وكانت تهدف إلى إقامة مكتبة في ضهور الشوير، ومساعدة مواطنيها على اعتناق النسق العلمي حتى يكملوا مسيرة العلماء والرياضيين في بلدتهم. وقد سَعت لأن يكون لبنان كله بهذا الاتجاه حتى يظهر نبوغه. وكانت تزور المدارس الثانوية وتوعز إلى التلامذة بذلك، حتى إذا ما وصلوا إلى الجامعة، استطاعوا أن يستفيدوا من تقديماتها.
أسهمت الدكتور نصّار إسهاما كبيرا في رفع مستوى المرأة في لبنان والعالم العربي، على الصعيد التربوي والاجتماعي والعلمي والثقافي. وأرادت لها أن تكون متفوقة توازي الرجل في العلم، كما في شتى مجالات الوعي والطموح. وقد عبَّرت عن رغبتها في محاضراتها وندواتها.
وآمنت بالتبادل الثقافي بين الجامعات على اختلاف أنواعها، وبالتوافق بين الإيمان والعلم، وكانت تَبثّ رسالتها في كل مناسبة. فقد شاركت مثلا، مع سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح في وضع حجر الأساس لمبنى فرع العلوم في جامعة الكويت عام 1964. وكان لها الفضل في إدخال اختصاص فيزياء الطب إلى لبنان، الذي ساعد على زيادة نجاح العلاج وشفاء المرضى وإطالة أعمارهم في لبنان والشرق الأوسط.

الذرّة المفيدة:
وكانت هذه المرحلة من حياتها حافلة بالنشاطات الأكاديمية والإدارية في مجال البحث العلمي الصرف، وعملت على دراسة الأشعة الكونية، وكانت على وشك التوَصّل في أبحاثها المقبلة إلى جعل الذرَّة تقضي على ذرّة المرض بتحويلها إلى ذرّة مفيدة، وهكذا ستشفى أمراض كثيرة. كما نشرت عددا من الأبحاث، وألقت العديد من المحاضرات، واشتركت في مؤتمرات علمية دولية داخل البلاد العربية وخارجها، واهتمّت بالشؤون التربوية اللبنانية في وزارة التربية وخارجها.

وكانت الدكتورة نصّار تساعد الطلاب وتحثّهم على طلب العلم في أفضل جامعات الولايات المتحدة خصوصا. ولم تقتصر المساعدة على الناحية التشجيعية فقط، بل تعَدّتها إلى انتقاء الجامعة المُثلى والمساعدة في تعبئة طلبات الانتساب والمنح المالية، وإعطاء الإرشادات التفصيلية لكيفية الوصول إليها إذا لم يكن للطالب خبرة في السفر. وكانت تتابع اهتماماتها بطلابها وتقصدهم إلى جامعاتهم خلال زياراتها الولايات المتحدة، وتحضُّهم على الرجوع والعمل في لبنان والنهوض بقدراته العلمية.

انتخبت في العام 1965 رئيسة لكلية بيروت للبنات، فكانت أوّل سيدة لبنانية تتولى هذا المنصب ورابع رئيسة للكليّة. وتكشفت مواهبها عن مربية من الطراز الرفيع، وحاولت خلال سنتين من رئاستها رفع المستوى الأكاديمي، وتحسين دائرة العلوم. وكان همّها الأول إدخال التوازن في البرنامج ما بين العلوم الإنسانية والتكنولوجيا الحديثة. وقد ثابرت في عملها، وكانت سخية في إطرائها على العمل الناجح وصارمة في حكمها على الخطأ. وراودتها أحلام كبيرة ومخطّطات لاستقطاب الأساتذة الجدد ذَوي الكفاية العالية ورغبة في إعادة تقييم البرامج. وكانت تفكر في الأمهات، وتسعى لإنشاء فرع خاص تستطيع فيه الأم أن تتلقى الدروس أو تتدرب على اختصاص بعدما تكون قد تفرَّغت من تربية الأطفال. وأولَت المكتبات اهتماما خاصا، فأنشأت فرعا للتخصص بعملية تنسيق المكتبات.

وفي هذه الأثناء كانت تعاني مرضا عضالا، فذهبت في العام 1966 إلى لندن للعلاج. عادت إلى بيروت في 17 كانون الثاني ووافتها المنية في 17 شباط من العام 1967، ودفنت في بلدتها الشوير التي أحبّت.

لم تحظَ بتكريم يليق بها:
وهناك وجه آخر لسلوى نصّار غير وجه العالمة الطامحة والصلبة العود، هو وَجه الانسانة التي تحبّ الفن والأزهار، ويسعدها أن تحضن طفلا وإن لم يكن طفلها. كما كانت تهوى الطبيعة، وتسَلّق الجبال، والتعَرّف إلى الأزهار البريّة وجمع الطوابع.
وبعد وفاتها، قرر المجلس الوطني للبحوث العلمية إنشاء متحف علمي يحمل اسمها، ولكنه لم يُنفّذ. ثم رُفعت صورتها في دار الكتب الوطنية في العام 1968 إلى جانب وردة اليازجي ومي زيادة. واتخذت بلدية بيروت قرارا بتسمية شارع يحمل اسمها، على أن يُدشّن في أيار من ذلك العام أيضا، ولكن ذلك لم يتمّ.
وفي العام 2000 كَرّم تجَمّع “النهضة النسائية” فرع الشوير العالمة الدكتورة سلوى شكري نصّار لمناسبة مهرجان عيد المغتربين، في رعاية رئيس الجمهورية، وحضور محافظ جبل لبنان، ورئيس بلدية ضهور الشوير وعين السنديانة، وشقيقة المحتفى بها مارسيل نصَّار، وممثلين للجامعة الأميركية في بيروت، والجامعة اللبنانية الأميركية، ووجوه ثقافية واجتماعية.


المصادر:
1- كتاب المرأة في ذاكرة الزمن الجزء الثاني لنجاة فخري مرسي.
2- www.ssnp.info
3- www.almughtareb.com
4-www.muhandes.net
5- http://batrountoday.com
6- http://nagatmorsimuseum.blogspot.com




التعليقات (0)

اترك تعليق