مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

ليسوا جميعاً من محبي الإمام(عج)

ليسوا جميعاً من محبي الإمام(عج)


لم يكن مسجد جمكران فيما مضى واسعاً ليستوعب كثيراً من الناس. علاوة على أن طريق السيارات لم يكن معبداً بحيث يتيسّر الذهاب إلى المسجد بسهولة. من أجل هذا كان مسجد جمكران حكراً على بضعة أفراد يموجون بمحبة الامام (عليه السلام). وهؤلاء يمضون إلى المسجد على كل حال كلّ ليلة جمعة. أما في غير ليالي الجمعات، فكان المسجد خاليا من الناس، فيغلق الخادم باب المسجد، وينصرف.
ثمة امرأة عجوز ذات صفاء قلب، ربما تشرفت بلقاء الامام ولي العصر (عليه السلام)، في اليقظة وفي المنام.
في ليلة جمعة قصدت المسجد، بعد توسعته. وفي المسجد رأت مئات أو آلافاً من الأشخاص، داخل المسجد وفي الأقنية والباحات؛ مشغولين بالعبادة والدعاء، وكلهم يتودّد إلى الامام (عليه السلام) ويتوسل به.
قالت هذه المرأة: "لمّا شاهدت هذه الجموع من الناس، وقارنت عدد الحاضرين بعددهم قبل توسعة المسجد، استأنست وحمدت الله على كثرة الناس الملتفين حول الامام (عليه السلام) المحبين له. بهذا الاحساس دخلت المسجد، فأديت أعمال المسجد، ثمّ زرت الامام (عليه السلام) بزيارة "آل ياسين"، ورحت أخاطب صاحب الزمان بيني وبين نفسي، وقلت له: مولاي... أنا مسرورة كثيراً؛ لأنّ أناساً كثيرين يحبونك حباً وافراً، ويجتمع في الليالي عدد كبير حول المسجد، يتوددون إليك ويأنسون بذكرك.
ثمّ إني خرجت من المسجد، وتناولت قليلاً من الطعام الذي يقدّم في المسجد عادة لعامة الناس، وذهبت إلى إحدى الغرف في المسجد كنت اتخذتها من قبل للاستراحة، ونمت فيها. وفي عالم الرؤيا أو في عالم المعنى شاهدت الامام بقية الله (عليه السلام) قد دخل مسجد جمكران، وكان يمشي بين الناس، ولكنّ أحداً لم يتوجّه له. عندها خرجت من غرفتي أعدو، وتقدمت بالسلام عليه، فأجابني بكلّ لطف. كرّرت على الامام (عليه السلام) ما كنت قلته في اليقظة، وقلت: "مولاي العزيز، فداءً لتراب قدميك! أنا مسرورة لأن الناس -ولله الحمد- يحبونك كثيراً، وقد جاءوا كلهم إلى هنا من أجلك".
عندها تأوّه الامام (عليه السلام)، وقال: "كلّ هؤلاء ما جاؤوا من أجلي. تعالي معي نسألهم عمّا جاء بهم إلى هنا".
قلت: "فداءً لك، أنا في خدمتك".
برفقة الامام وليّ العصر (أرواحنا فداه)، مشيت بين الناس، فبدأ الامام يسألهم واحداً واحداً عمّا أقدمهم إلى المسجد.
قال أحدهم: مولاي، عندي مريض يئس منه الأطباء.
وقال آخر: أنا مستأجر، وأريد داراً تكون ملكاً لي.
ثالث قال: أنا مدين، ألجأني ضغط الديون إلى باب دارك.
الرابع كان امرأة تستغيث من زوجها.
الخامس كان رجلاً يشكو من زوجته.
وهكذا، كان لكل واحد منهم حاجة جاءت به إلى هنا. اضطرته حاجته الشخصية، بدافع ذاتي للحضور في المسجد.
فقال لي الامام (عليه السلام): "أرأيتِ؟! إنهم لم يأتوا إليّ. إنّ خير ما في هذه الجمهرة من الناس هم من لهم اعتقاد، ويطلبون منّي حاجاتهم، لأنهم يرونني واسطة الفيض. وإذا جزنا هؤلاء، فإن عدداً كبيراً ما قدموا إلى هنا إلاّ للنزهة، وحتى إنّ بعضهم ليس على يقين بوجودي".
ثمّ رأيت وأنا على هذه الحالة رجلاً جالساً في زاوية من المسجد، كان قد جاء من أجل صاحب الزمان (عليه السلام). قال لي الامام (عج): "تعالي نسأله عن حاله". في عالم النوم هذا، ذهبت مع الامام نحو هذا الرجل، كان سيداً معمّما، خطر في ظنّي أنّه من العلماء. كان جالساً في زاوية جلسة القرفصاء، وهو يدير طرفه في أرجاء المسجد، يبحث عن ضائع له. وما إن لمح الامام حتى وثب من مكانه، ووقع على يد الامام (عليه السلام) وقدمه قائلاً: "فداك أبي وأمي ونفسي... أين كنت وقد كدت أقضي نحبي في انتظارك؟!"
أخذ الامام (عليه السلام) بيد هذا الرجل الذي راح يقبّل يد الامام ويبكي. سأله الامام: "لم جئت إلى هنا؟"
لم يقل شيئاً، واشتدّ بكاؤه. سأله الامام ثانية، فقال: "مولاي، ماذا أريد منك غير الوصال؟! أريدك أنت! أنت نعيمي وجنتي، أنت دنياي وآخرتي! أنا لا أستبدل لحظة لقاء بك واحدة بكل ما سوى الله.
ما قيمة الروح للمحبوب تنثرها            ومثلها يملك الصعلوك والجلف!"
عندها التفت إليّ الامام، وقال: "ما مثل هذا الشخص الذي جاء من أجلي إلاّ نفر قليل، وهم يبلغون ما يريدون".


مأخذ: الكمالات الروحية (عن طريق اللقاء بالامام صاحب الزمان (عج))، السيد حسن الأبطحي.

التعليقات (0)

اترك تعليق