مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

شفاء امرأة من مرض خطير في بلدة كفركلا الجنوبية

شفاء امرأة من مرض خطير في بلدة كفركلا الجنوبية

شفاء امرأة من مرض خطير في بلدة كفركلا الجنوبية:
في تمام  الساعة الثالثة من بعد ظهر الأربعاء الأول من شهر آذار كنا أمام منزل عادي من منازل بلدة كفر كلا، خمسة أشخاص كنا وسادسنا أبو مصطفى (ابن خال المريضة).
مدخل المنزل لا يتسع لأكثر من سيارة واحدة وكان علينا أن نصعد درجا طويلا بعد أن استقبلنا شاب مرحبا بنا.
أوصلنا الدرج إلى فسحة تطل على حديقة منزل مزروعة بأنواع مختلفة من الأشجار المثمرة فغدت بستانا صغيرا، ونتجاوز الفسحة إلى ممر يفضي بنا إلى باب غرفة الجلوس.
نستأذن بالدخول فنسمع صوت امرأة تقول لنا تفضلوا.
تستقبلنا واقفة امرأة لم تنه العقد السابع من عمرها بعد مرتدية منديلا أبيضا مرحبة بنا طالبة منا الجلوس.
إنها أم جعفر.
اسمها: محمودة حسن موسى، أرملة رجل من آل شيث.
لها من الأولاد أربع شباب وسبع بنات كلهم متزوجون، ولها عدد من الأحفاد.
في السابع والعشرين من كانون الثاني الماضي أي قبل محرم بأيام زف ابنها الصغير عروسه دون عرس قبل شهري محرم وصفر لأن أم جعفر كانت تتوقع أنها تعيش أيامها الأخيرة وبالتالي فإن ساعة رحيلها التي كان يشعر الجميع أنها صارت قريبة ستؤثر على هذه الأسرة ولذا أرادت أن تزيل أي عقبة محتملة أمام ابنها الصغير الذي يعمل نجارا فأحضر عروسته من البلدة القريبة لكفر كلا وهي العديسة دون أية احتفالات أو مراسم عرس تحلم بها كل فتاة وكل شاب.
هذا ما كان قد نقل إلينا عن أم جعفر بعد زيارة الوالد منذ أيام.

وأما ما أردنا سماعه منها مباشرة فقد طلب منها أحد الشباب أن تسمعنا حكايتها منذ البداية:
شفاء أم جعفر:
قالت لنا أم جعفر بلغة الواثق والمطئمن الذي شاهد ما لم يشاهده غيرها وتلمس ما بدت آثاره للجميع:
كنت في مساء اليوم السادس من محرم الحرام، أي في ليلة السابع وهي الليلة المخصصة لشهادة العباس عليه السلام، كنت جالسة على سرير المرض في هذه الغرفة، وكان سريري في هذه الزاوية وأشارت إلى الزاوية الغربية الجنوبية من الغرفة حيث كان سريري باتجاه هذه المدفأة، كان الوقت قريبا من موعد مجلس العزاء الذي يقام في كل ليلة في بلدتنا، أرادت (كنتي) –زوجة ابني– أن تبقى بجانبي بعد أن ذهب الجميع لحضور العزاء، قلت لها: كلا يا ابنتي لن أحرمك حضور مجلس العزاء بسببي اذهبي ولا بأس علي من البقاء فريدة فأنا في السرير ولا أحتاج شيئا.
خرجت زوجة ابني وتركت شباك الباب مفتوحا بعض الشيء كي يتمكن أي قادم من أن يمد يده ويفتح الباب كما جرت العادة منذ فترة.
جميع من يرغب بزيارتي يعلم أنني لا أستطيع القيام فيفتح الباب بيده بعد أن يمد يده من الشباك.
بقيت وحيدة في المنزل، وتذكرت أيام مشاركاتي في مجالس أبي عبد الله الحسين ونشاطي في أيام عاشوراء وتحسرت على عدم تمكني من الذهاب والمشاركة في هذا العام  بعد أن أقعدني المرض طريحة الفراش.
يأخذ أبو مصطفى الحديث شارحا لنا وصفا لبعض حالتها كان قد سمعه الوالد منها قبل أيام  قائلا: لقد مضى أربع سنوات على إصابتها بهذا المرض، عانت الكثير في السنتين الأوليتين، ثم ساءت حالتها أكثر نتيجة حالة التشمع في الكبد فانعزلت في السنتين التاليتين عن الناس بعد أن كانت اجتماعية في علاقاتها بامتياز، ولم تعد تتمكن من زيارة أحد وصارت حبيسة البيت نتيجة الأوجاع والآلام والتورم الحاصل في رجليها وبطنها، والاسوداد في لونها فرغم أنها سمراء اللون إلا أن لونها نتيجة المرض صار أقرب إلى السواد منه إلى السمرة.
تتدخل أم جعفر لتؤكد كلامه قائلة: لقد صار وجهي يشبه هذه الجاكيت وتشير بيدها إلى جاكيت من الجلد الأسود يلبسها عمي أبو علي.
أما عن وضعها الصحي في الفترة الأخيرة فيشرح لنا ابنها قائلا:
لقد تدهورت حالتها الصحية في الشهرين الأخيرين إلى أبعد الحدود ونقلت إلى المستشفى الحكومي وأجريت لها الفحوصات وأعيدت إلى المنزل بعد أن شخص الأطباء تدهورا في عمل الكبد تجاوز السبعين بالمائة من حالته الطبيعية مما تسبب بتلك الانعكاسات الظاهرة لحالتها المرضية. –وأن الكبد يعمل بنسبة 27%- وكان الجميع يرى أن وضعها ميؤوس منه ولذا استعجلنا بزفاف عروسة أخي الصغير إليه قبل أن يحصل المكروه.

ما شاهدته أم جعفر:
تعود أم جعفر إلى الحديث: في تلك الساعة رحت أتوسل بالحجة المنتظر وبالخضر (الأخضر)  وأتحسر على عدم تمكني من المشاركة بعزاء سيد الشهداء متمنية لو كنت أملك القدرة كي أذهب وأشارك كما كنت في حياتي.
تتوقف في كلامها للحظات وكأنها انتقلت إلى عالم آخر ثم تتابع قائلة:
 وفي الأثناء دخل شخصان لم ألتفت إليهما كيف دخلا ولكنهما فجأة دخلا وتقدم أحدهما ووقف بين السرير والحائط بينما وقف الآخر في قبالي.
لم أشعر بوجل أو خوف بل قلت لهما:
من أنتما؟ وماذا تريدان؟
أجاب أحدهما: أنتِ التي دعوتنا وها نحن قد حضرنا.
قلت: أنا دعوت الحجة والخضر وتوسلت بهما ولم أطلب أحدا آخر.
أجابني قائلا: أنا الحجة.. وهذا الخضر.. فماذا تريدين؟
قلت له: أريد أن أتمكن من المشاركة بعزاء سيد الشهداء، وقد حرمت منه بسبب المرض.
تقدم نحوي ومسح بكلتا يديه على ثوبي من محاذاة رقبتي إلى أعلى مفصل القدم.
ومع تلك المسحة شعرت أن كل الآلام قد زالت من جسدي، ولكن لم أدرك أنني شفيت مما أنا فيه.
فقال لي: قومي وامشي.
قلت له: لا أستطيع بدون عصا، أو مساعدة من أحد.
أجاب: بل قومي فإنك لن تحتاجي عصا بعد اليوم.
قمت من السرير وسرت خطوات في أرض الغرفة ثم رجعت إلى السرير.
تيقنت حينها من أن ما يقوله هو عين الحقيقة فالآلام قد زالت، واستطعت أن أقوم وأمشي بدون أية مساعدة، فقلت له: كيف جئتم؟
أجاب: على المهر.
أردت سؤاله وأين تم ربط المهر لأعرف من أي جهة قدم، فلم أستطع السؤال إذا أنه قال لا تسألي عما لا يهمك، وخرجا كما دخلا دون أن يحدثا أي صوت.

أسألتي [الشيخ مصطفى محمد مصري] لأم جعفر:
سألتها: وكم من الوقت أخذت هذه الحادثة؟
أجابت: لم تتجاوز أربع دقائق.
سألتها: وهل زال الألم نهائيا من جسدك؟
قالت: لم تصل يده الشريفة إلى كاحل قدمي اليسرى لذا لا أزال أعاني عندها من بعض الآلام، أما غير ذلك فقد عاد جسمي إلى طبيعته.
قلت لها: وكيف عرف أولادك بالأمر؟
قالت: ما إن خرجا حتى قدم ابني فوجد الباب مغلقا والشباك مغلقا أيضا على غير العادة، علما أنني لم أسمع صوت إغلاق باب أو شباك، وعندما وجده مغلقا نادى من خارج الباب قائلا: أماه من الذي أغلق الباب والشباك؟ هل أنك يا أماه لا ترغبين بأن ندخل المنزل الليلة؟!
قمت إلى الباب بكل همة ونشاط وفتحت الباب، وكانت مفاجأة لابني أن يراني أفتح الباب دون أن أستعمل العصا، فسألني: ماذا جرى؟
أجبته: هل شاهدت الشخصين الذين خرجا قبل قليل من هنا؟
قال: كلا.
ذهل ابني وهو يراني على هذه الحال.
وهنا يأخذ ابنها الكلام فيقول: اتصلت بأخي ثم بأخواتي لأقول لهم كلمة واحدة: (أمي طابت)، أي أن أمي قد شفيت.
وراح الجميع يحضر إلى المنزل ويرون أم جعفر وقد عادت إلى حالتها الطبيعية.
وفي اليوم الثالث تخرج من المنزل مشيا للمشاركة في المسيرة الحسينية التي تقام في البلدة، ينظر الناس إلى أم جعفر تسير في المسيرة بدون عصا وقد عادت إليها قواها وهي تحكي لهم ما حصل معها.
وجهت إليها سؤالا: وهل تم إجراء فحص طبي مجددا؟ وما هي النتيجة؟
تجيب أم جعفر قائلة: عندما راجعت الطبيب قال: قد يكون شفاءها الحالي نتيجة العلاج والدواء.
صرخت فيه قائلة: أي دواء تتحدث عنه؟ الذي يستطيع أن يزيل كل آلامي وآثار المرض الظاهرة في لحظة واحدة؟
وعن نتيجة الفحص الجديد يجيب ابنها قائلا: أن الطبيب قال بأن التشمع لا يزال موجودا حول الكبد ولكن عمله الآن يسير بشكل طبيعي Normal.

الأوصاف:
قلت لأم جعفر وما هي أوصاف هذين الشخصين وماذا يرتديان؟
أجابت بأن الشخص الذي قال لي الحجة عنه أنه  الخضر كان بدينا بعض الشيء ويرتدي ثوبا أخضر ولم أتأمل وجهه كونه وقف بجانب السرير لجهة الحائط.
أما الذي عرفني عن نفسه بأنه الحجة فكان يبدوا أن عمره يتراوح بين 40 و45 سنة، وليس بالطويل ولا بالقصير، حنطاوي اللون، أسود الشعر الذي بدا منه اليسير من تحت غطاء الرأس الذي يرتديه، جميل اللحية، على خده الأيمن خال. ويرتدي ثوبا اسودا طويلا وفوقه عباءة سوداء، وكذلك غطاء على الرأس أسود اللون.
سألتها: ما لون عينيه وهل حاجباه متصلان؟
قالت: لم ألتفت إلى  حاجبيه لأني لم أحدق النظر في عينيه.
***
وبعد تناولنا لأطراف الحديث قامت أم جعفر لتودعنا ووقفت مع ابنها في الخارج بعض الوقت ليخبرني بأن لوالدته التي عانت الكثير في حياتها  حالات سابقة  فيما يتعلق بوضعها الصحي ولكنها لم تصل إلى مثل هذه الحالة ومنها على سبيل المثال حادثة حصلت معها منذ حوالي ست سنوات عندما أزالت بواسطة الجراحة كيسا من الدهن كان في رقبتها ولكن نزيف الدم استمر بعد ذلك لفترة طويلة مما سبب لها انزعاجا فتوسلت بالسيدة زينب عليها السلام، وفي تلك الليلة شاهدتها في المنام تمسح لها على محل الجرح لتستيقظ في اليوم التالي وقد برأت من آثار الجرح.
وقد أخبرني بأنهم رفضوا استقبال وسائل الإعلام كي لا يؤدي ذلك إلى توافد الكثيرين إلى منزلهم وهذا ما لا طاقة لهم به. علما أنهم تلقوا بعض الاتصالات الهاتفية من عدد من الأشخاص المستفسرين.

إفادات أهل القرية:
خرجنا من منزل أم جعفر لنعبر بجانب بوابة فاطمة في طريق عودتنا وجال في خاطري أن نسأل بعض أهل القرية عن قناعتهم، فنزل بعض  من معي من الشباب أمام دكان عنده بعض الزبائن وكان جواب الجميع مؤيدا ما سمعناه من أم جعفر، ولم نكتف بدكان بل وقفنا في الجهة الأخرى عند دكان آخر وقد أجمع الجميع على تأكيد ما يعلموه عن أم جعفر من أنها كانت مقعدة وشفيت في أيام عاشوراء، لذا لم يكن أمامنا إلا الاكتفاء بهذه الشهادات من أبناء البلدة.

مع الطبيب:
علمت من ابنها اسم الطبيب الذي أشرف على علاجها في الفترة الأخيرة  وهو من بلدتنا، فطلبت من طبيب تربطني به صلة القرابة أن يتصل بهذا الطبيب ويستقرأ رأيه، ولم أعط اسم المريضة، فاتصل به وسأله عما لديه عن امرأة من كفر كلا، وسرعان ما أجاب الطبيب المعالج بأنها: محمودة حسن موسى من كفر كلا.
وأكد له أنها كانت تعاني من تورم في رجليها وكذلك في بطنها نتيجة تشمع في الكبد. وقد وصف لها دواء يساعد على تنشيط عمل الكبد.
وبذلك تكون شهادة الطبيب المعالج عن حالتها الصحية السابقة متطابقة مع ما سمعناه من أم جعفر وابنها عن حالتها.
التقيت بطبيب آخر مختص فاستفسرت منه عن الجواب العلمي لهذه الحكاية.
فقال: أما من الناحية الطبية فيمكن أن يعمل الكبد بشكل طبيعي حتى ولو لم يبق منه سليما سوى 20%، وبالتالي فمن الممكن أن تحصل تهيئات للشخص المريض ويجزم بأن ما رآه هو حقيقة وليس خيالا.
ولكن حالة الشفاء لا يمكن أن تحصل إلا بشكل تدريجي.
إما أن ترتفع الآلام والآثار لهذا المرض بشكل مفاجئ فهذا ما لا نجد له تفسيرا علميا.
وهنا يذهب بي الخيال إلى ما حكاه لنا القرآن الكريم:
«إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ» [المائدة : 110]
إن هذه جميعا ليس لها أي تفسير علمي.
أليس المسيح في اعتقادنا سيعود يوما ليصلي خلف المهدي المنتظر؟
***
كنت قد طلبت من ابنها أن يحضر لي صورا عن الفحوصات الطبية السابقة واللاحقة لإثبات ما قاله، ولكن بعدما سمعته من الطبيب المعالج لم يعد لي من حاجة للإثبات، إذ إنه رغم تفسيره لما حدث من أنه من أثر العلاج، إلا أن ما يقف عنده الإنسان هو الحالة السريعة في ذهاب الألم وعودة القوة والنشاط والحيوية والتي لا يجد لها الأطباء تفسيرا علميا.
فالطب بكونه علما نظريا تجريبيا له جانب قطعي الدلالة، وله جانب ظني مبني على فرضيات واستنتاجات قد تتطابق مع الواقع وقد يكتشف الأطباء خلاف ما كانوا يعتقدون به.
فالحكم بوجود مرض مما يصل إليه الطب على نحو القطع واليقين، وأما التحليل في بيان السبب، أو تحديد العلاج فهو أمر نظري قابل لأن يتبدل ويتغير.


المصدر: موقع فضيلة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي.
 


التعليقات (0)

اترك تعليق