مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كيف تتفاوضين مع أولادك المراهقين!

كيف تتفاوضين مع أولادك المراهقين!

لا شك في أن الأبواب المغلقة بعنف وساعات الصمت والتجهم الطويلة تعد جزءا لا يتجزأ من تحديات تربية المراهقين. ولكن كيف يمكنك التخفيف من حدة الخلافات بينك وبين أولادك المراهقين وإعلان الهدنة بينهم؟
تعتبر المراهقة مرحلة نمو وتطور دقيقة على المستويين الجسدي والعاطفي. وغالبا ما يشعر الأهل بأنهم يعيشون مع ولد غريب عنهم، لا سيما عندما يتحول ولدهم المطيع والمرح إلى شخص مزاجي ومتجهم وساخر. لذا تزخر هذه المرحلة من الحياة العائلية عادة بالخلافات والمشاجرات المستمرة. ويقول الرائد في مجلة صحة المراهقين ومؤلف كتاب When To Really Worry الدكتور مايكل كار-غريغ "إن المراهقة إثبات حي على الطبيعة تتمتع بحس فكاهة".
ويشرح غريغ إن التغييرات الجسدية تتجلى بوضوح لدى المراهقين، ولو كان يمكن للتغييرات العاطفية أن تصبح حسية ومملموسة أيضا، لكانت أكثر درامية من التغييرات الجسدية، إذ يشعر المراهقون بأن موجة هائلة من المشاعر والأحاسيس تغمرهم. وتشير الدراسات إلى أن دماغ المراهق يكتمل بنسبة ٨٠٪ فقط، وأن المنطقة التي تتحكم بالتفكير المنطقي، والسيطرة على التصرفات المتهورة، وتنظيم الأولويات، والتخطيط، والحكم السليم هي آخر منطقة تتطور في دماغه. وتكتمل هذه المنطقة لدى الفتيات ما بين عمر ٢١ و ٢٣ سنة ولدى الشباب في عمر اﻟـ٢٩ سنة.
ولا يستطيع المراهقون تفسير تعليقات الأشخاص المحيطين بهم، لذا غالبا ما يسيئون فهم ملاحظات أهلهم وطلباتهم ويعتبرونها انتقادات مسيئة وسببا للبدء بالمشاجرة عوضا عن التعامل معها على أنها تعليقات عادية وبسيطة. وينصحك كار-غريغ بأن تتذكري دوما أن المشاجرات والنقاشات تعد أمرا طبيعيا خلال تربية المراهقين لا سيما إن كانوا صعبي المراس. فالمراهقون قد لا يوافقون على أقوالك وأفعالك، لكن إياك أن تتراجعي عن مبادئك كي تشعريهم بالسعادة. فمن واجبك الحفاظ على سلامة أولادك المراهقين ومساعدتهم على إدراك الأخطار التي تحيط بهم. لذا إن كنت تخوضين حربا عائلية مع أحد أطفالك المراهقين، حاولي أن تتخلي عن الصدمات وتستعيضي عنها بالتسويات.

توقفي واسألي نفسك إن كان الأمر مهما فعلا!

قبل أن تخوضي أي جدال مع ابنك أو ابنتك المراهقة، تأكدي أولا من أن ما يثير غضبك يتعلق بصحته أو سلامته الشخصية. وإلا فمن الأفضل أن توفري على نفسك عناء الجدال. فالطاقة التي يستهلكها الأهل للجدال والصراخ على أولادهم حول مسائل غير هامة يمكنها أن تؤمن الإنارة لدولة كاملة! لذا حري بك أن تركزي على قضايا أكثر أهمية مثل الممنوعات، وساعات النوم، والتمارين الرياضية، واستخدام الانترنت. وتحديد وقت العودة إلى المنزل. فالمراهق يحتاج إلى أن يدرك أنك ستناقشينه في المسائل المهمة فحسب من دون أن تضايقيه بشأن كل شاردة وواردة، وإلا فسينزعج ويدير لك ظهره.

حددي القيم العائلية والقوانين

تنصحك المدربة المختصة في العلاقات بين الأهل والمراهقين، مارغريت لوفتوس، بأن تحرصي على أن يعرف ولدك المراهق القيم العائلية التي تؤمنين بها لا سيما في ما يتعلق ببعض القضايا الجوهرية، فضلا عن القوانين التي يجب أن يخضع لها والعواقب التي سيواجهها في حال مخالفتها. ولا تتغاضى عن تحديد العواقب وفرضها كي يدرك المراهق أنه سيدفع ثمن خرقه للأنظمة وتخطيه الحدود. وقد تتضمن العقابات مصادرة هاتفه الجوال أو منعه من استخدام الإنترنت أو معاقبته نتيجة عدم احترامه مواعيد العودة إلى المنزل أو حتى حرمانه من مصروفه الشخصي لفترة. لكن تذكري عندما ترسين الأنظمة والقواعد أن الزمن قد تغير واختلف كثيرا عما كان عليه وقت نشأتك، علما أن بعض المواضيع الأساسية تتطلب صرامة في التربية.
فعلى سبيل المثال يمكنك أن تضعي شروطا حول كيفية استخدام الإنترنت وتحددي العواقب في حال عدم الامتثال لها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مواعيد العودة إلى المنزل.
ومن الطبيعي في أوضاع مماثلة أن يتذمر المراهق وقد يصفق أبواب الغرف بعنف ويحاول عدم إطاعة القوانين، لكن من المهم أن تبقي على موقفك. كما ينصحك كار-غريغ بألا تتساهلي أبدا في موضوع الممنوعات.
ومن القضايا المهمة التي يجدر بك التشديد عليها مع طفلك المراهق هي الحصول على قسط كاف من النوم، إذ يحتاج المراهق ما بين ٨ و ٩ ساعات من النوم كل ليلة كي تزداد قدرته على التعلم واستيعاب المعلومات. وإلى جانب تحديد مدة وشروط استخدام الإنترنت وألعاب الكومبيوتر، يجب أن تشجعي أولادك المراهقين على ممارسة الرياضة أو أخذ دروس في الموسيقى أو الفنون نظرا لمساهمتها في تعزيز نموهم النفسي واختلاطهم بأشخاص راشدين ومميزين سيتركون أثرا إيجابيا على حياتهم.

تفاوضي واعثري على حلول بديلة

كوني على ثقة بأنك إن تمكنت من التناقش مع ولدك المراهق ستغدو الحياة في منزلك أكثر سهولة وسعادة لا سيما إن نجحت في إيجاد وسيلة للتفاوض معه وإيجاد حلول وسطية حول المسائل البسيطة. فبهذه الطريقة لن ينظر إليك ولدك كخصم وسيكون أكثر إطاعة وامتثالا لأوامرك في ما يتعلق بالمواضيع الجدية. وتلفت لوفتوس إلى أن تربية المراهقين لا تتعلق بحمايتهم فحسب بل بالتواصل معهم أيضا، لذا حاولي أن تبقي خطوط التواصل مفتوحة مع أولادك من خلال إرساء قوانين واقعية ومنطقية، واعتماد مبادئ توجيهية للتصرفات المسموحة في المسائل الثانوية من دون أن تؤدي إلى نفورهم منك.  
فعندما يبدي المراهق حسا بالمسؤولية ويتصرف بنضج، اعترفي له بذلك عن طريق منحه استقلالية أكبر.
ويشير كار-غريغ إلى أن التفاوض والتفاهم يشكلان وسيلتين فعالتين لتخطي الخلافات التي قد تنشأ بينك وبين أولادك المراهقين. فالمراهق يسعى بكل قوته لتحقيق الاستقلالية والحرية الذاتية، لكنه لا يملك الخبرة الحياتية لاتخاذ القرارات الصحيحة. وهنا يأتي دورك في إرشاده ونصحه والإشراف عليه وتعريفه إلى الخيارات المتنوعة. لذا، عندما تتكلمين مع ابنك أو ابنتك المراهقة حول موضوع ما، إبحثي دائما عن خيارات مختلفة. فعلى سبيل المثال، يمكنك أن تقولي: "أعرف أن هذا ما تريده، لكنه أمر غير ممكن، لكن ثمة ثلاثة أو أربعة حلول بديلة يمكنك الاختيار بينها".

انسحبي إلى غرفة أخرى:
عندما تحتد حدة النقاش مع المراهق، انسحبي إلى مكان آخر.فالمجادلة في حالة الغضب قد تدفع كلا منكما إلى التفوه بكلام مؤذ، وهذا لن يساعدك على إيجاد حلول مجدية. لذا عندما تحتدم وتيرة النقاش، توجهي إلى الحمام حيث لن يلحق بك أولادك، وهذا سيمنحك الوقت والمساحة كي تهدأي.
وإن ازداد غضب ولدك أثناء المجادلة، لا تكملي حديثك معه، فهو يحتاج بدوره إلى الوقت والمساحة للتفكير مليا في موضوع النقاش وتهدئة انفعالاته. وينصحك كار-غريغ بعدم التفاوض مع أولادك عندما تكونين منفعلة ومتوترة، فالمراهق يتفاعل مع مزاجك ونبرة صوتك أي كلما علا صراخك ارتفعت نبرة صوته وازدادت حدة توتره، لذا عليك التصرف كراشدة وإيقاف المشاحنة لفض الجدال. تنفسي بعمق وأرجئي الحديث مع ولدك إلى حين تهدآن، ليتسنى لكما الوقت للتفكير في موضوع الخلاف. واحرصي على إبقاء قنوات الحوار والتواصل مفتوحة بينكما لوقت لاحق.

ساندي ولدك ولو من بعيد:
مع نمو الولد المراهق ونضوج شكله الخارجي، يبدأ بالابتعاد عن العائلة والاهتمام أكثر بعلاقاته مع المراهقين من عمره، لكنه يبقى بحاجة إلى دعم واليه بالرغم من أن معظم الأهل يظنون العكس. وتلفت لوفتوس إلى ضرورة اكتساب الأولاد لحريتهم تدريجيا.
وقد تعتقدين أن ولدك لم يعد بحاجة إليك كما في السابق، لكنه في الواقع يحتاج إلى قضاء وقت نوعي معك وإلى أن يعرف أنك موجودة لمساندته. وحتى إن لم يعترف المراهق بذلك، إلا أنه يحتاج إليك وإلا سيسيء استخدام حريته. إذا في المرة المقبلة التي يصفق فيها ولدك المراهق باب غرفته في وجهك أو يرمقك بنظرة ناقمة ويبدأ بالتبرم عندما تحاولين التحاور معه، تذكري أن هذه المرحلة دقيقة بالنسبة إليه وأنه يحس بالكثير من المشاعر المتناقضة، فهو يحتاج إليك سواء عبر عن ذلك أم لا.

أصغي جيدا إلى ولدك المراهق:
يشكو معظم المراهقين من عدم إصغاء أهلهم فعليا إلى كلامهم، إذ يعتقد ولدك أنك تتظاهرين بالاستماع إليه في حين أنك لا تصغين فعليا بطريقة تجعلك تفهمين حقيقة شعوره. وهذا ما يشعره بالإحباط والأذى العاطفي ويؤدي إلى افتعال مشاجرة بينكما.
فالمراهق يحتاج إلى معرفة أنه يستطيع التكلم مع والديه عن المسائل التي تشغله، من دون أن يحاولا التحكم بسير النقاش وفرض رأيهما عليه.
فعندما تتكلمين بصراحة مع أولادك المراهقين وتسمحين لهم بالتعبير عن مشاعرهم، ستفهمين ما يدور في حياتهم. لذا استمعي بعمق إلى حديث ولدك وأظهري احترامك لما يقوله، لأن ذلك سيشجعه على الاستماع إليك والأخذ بنصيحتك. يمكنك إذا أن تظهري اهتمامك الحقيقي بحديث ولدك عبر استعمال جمل تعكس ما سبق أن قاله لك مثل "ما تقوله لي إذا..." أو "ما أسمعه منك أن....". فهذه التعابير تفسح للمراهق مجالا لتوضيح فكرته إن وجد ذلك ضروريا، وتظهر بأنك تصغين إليه فعلا.
    
المصدر: مجلة Good Health العربية -العدد 02- مايو 2012.


 

التعليقات (0)

اترك تعليق