مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

دور الأهل في إعداد أولادهم للمدرسة

للنجاح المدرسي مقدمات ضرورية، تعتمد على الأهل بامتياز، إن لم تتوفر لن تنجح عملية التعلم، حتى ولو كانت في أحسن مدرسة.

يتصور عدد كبير من الآباء والأمهات أنّ نجاح أولادهم في المدرسة يعتمد أولاً على قوة المدرسة وعراقتها في مجال التربية والتعليم، ثم ثانياً على قدرة المدرسين وبراعتهم في أساليبهم التعليمية.
وإن كان على الأهل من دور فهو، بشكل أساسي، في توفير نفقات التعلم في مدرسة مرموقة وفي بعض المتابعة لإنجاز الفروض المدرسية ومن ثم في التحفيز بالثواب عند النجاح والتخويف بالعقاب عند الفشل.
إلا أن البحوث والتجارب أفضت إلى أنّ دور الأهل أوسع من ذلك بكثير ويفوق دور المدرسة أحياناً، إذ إن الإعداد للمدرسة أهم منها.
فالنجاح المدرسي ليس رهناً بنفس العملية التعليمية –التعلمية وحسب، بل له مقدمات ضرورية إن لم تتوفر لن تنجح عملية التعلم حتى ولو كانت في أحسن مدرسة.
وهذه المقدمات تعتمد على الأهل بامتياز وأهمها ثلاث:
1. الصحة الجسدية
2. الصحة النفسية
3. الجهوزية والإستعدادات
ولمزيد من الإيضاح، نلقي الضوء على كلٍ من هذه العناوين بشكل موجز:
أ
ولاً: بخصوص الصحة الجسدية:
هناك ترابط قوي جداً بين قدرة الولد على استيعاب ما يُعرض أمامه من علوم وبين صحته الجسدية، وقديماً قيل:"العقل السليم في الجسم السليم".
فالولد المصاب بضعف في النظر أو السمع مثلاً، لن يرى أو يسمع بوضوح ما يكتبه و يقوله المعلم، وسوف يفوته بعض من المعلومات أو يتلقاها بشكل خاطئ مما يشوش الفكرة لديه ويجعلها غير مترابطة.
والولد الذي لديه ضعف في الدم أو مشاكل في التنفس، تقل عنده كمية الأوكسيجين المطلوبة حتى يكون الدماغ في حالة نشاط، ويميل بعد ذلك إلى النعاس والبلاد.
والولد الذي لديه ضعف في الكالسيوم، سوف تعترضه أوجاع في الظهر والرأس والأطراف تحول بينه وبين القدرة على التجاوب بحيوية مع الأستاذ في الصف وإنجاز التكاليف في الوقت المحدد.
والولد المصاب بكثرة الحركة وقلة التركيز لن يقوى على المكوث طويلاً في مقعده، ولن يتمكن من التركيز ومواكبة رفاقه.
وهكذا فإن أي خلل في الصحة الجسدية، أو أي إختلال في افرازات الغدد يؤثر بشكل مباشر على القدرة على التعلم ولو كان التعليم جيداً.
ثانياً: بخصوص الصحة النفسية:
أثبتت الدراسات أن الأولاد الذين يعانون من إضطرابات أو أمراض نفسية لا يمكنهم التكيف مع العملية التعلمية، وإن كانت النسبة المتوقعة لظهور الأمراض النفسية، العصابية منها أو الذهانية، في سن مبكر قليلة، إلا أن بوادرها تكون موجودة وعلى الأهل أن يتعرفوا إلى هذه البوادر، حتى يستعينوا بالمختصين في الوقت المناسب و قبل استفحال المشكلة.
ولكن، ما يجب أن يلتفت إليه الأهل هو ضرورة خلو ولدهم من الإضطرابات النفسية حتى يتمكن من النجاح المدرسي، وأغلب الإضطرابات النفسية التي يصاب بها الأولاد هي القلق والخوف، وللقلق والخوف أسباب وراثية وبيئية، والأهل هم السبب الرئيسي لهما.
فالأهل الذين يتشاجرون بشكل دائم و مهددة علاقتهم بالإنفصال، أو يتحدثون أمام أولادهم عن ما يحتمل أن يواجههم من مصاعب مادية، أو ما يتهددهم من أخطار أمنية أو صحية، يضعون أولادهم في حالة توتر دائم وعدم إحساس بالأمان.
والأهل الذين يبالغون في توقعاتهم ويطلبون من أولادهم تحقيق نتائج غير متناسبة مع قدراتهم، أو يعتمدون أسلوباً تربوياً قاسياً ليس فيه فسحة للحوار والتفهم، يجعلون أولادهم في حالة من الخوف والقلق المستمر.
وكذلك الأهل الذين يفرطون في تدليل أولادهم وإختلاق الأعذار لهم، والنيابة عنهم في إنجاز أعمالهم، يضعون أولادهم- من حيث لا يدرون-في موقع الخوف والقلق بسبب قلة الخبرات، وعدم الثقة بالذات، والتعلق الزائد بالأهل، ويصاب الصغار منهم بما يسمى بالرهاب المدرسي.
إن الأولاد القلقين والخائفين مصابون دوماً بحالة من الإضطراب والتشتت الذهني الذي يحول بينهم وبين التركيز داخل الصف.
ثالثاً: بخصوص الجهوزية والإستعدادات:
يقتضي النجاح المدرسي توفر مستوى معين من الإستعداد والجهوزية على مستويات ثلاثة:
1. في مجال النمو الذهني.
2. في مجال النمو اللغوي.
3. في مجال النمو الحس- حركي.
وتشتمل الجهوزية في مجال النمو الذهني على قدرة الولد على: الإنتباه والتركيز والفهم والتذكر والتحليل والتركيب والتقويم...
وتشتمل الجهوزية في مجال النمو اللغوي على قدرة الولد على: التواصل، الإستقبال، الإصغاء، المفردات، الكلام، الوصف، التعبير.
وتشتمل الجهوزية في مجال النمو الحس– حركي على قدرة الولد على: التوازن، المهارات الحركية، المهارات اليدوية، التناسق يد/عين – التناسق عين/أذن – التناسق يد/أذن .
إن امتلاك الجهوزية في هذه المستويات الثلاثة مقدمة ضرورية للنجاح المدرسي، والأهل هم المسؤولون عن تنمية هذه الجهوزية ومراقبة سلامتها خاصة في السنين الأولى.
إقتراحات وتوصيات:
أولاً: توصيات لمرحلة الروضات:
  تعويد الأطفال على الإعتماد على النفس والإستقلالية وقضاء حوائجهم بأنفسهم، والقاعدة المعتمدة في هذا المجال "أن لا نفعل عنهم شيئاً يستطيعون هم القيام به".
  تدريبهم على الإنفصال التدريجي عن الأهل.
  تعليمهم لفظ الأحرف بشكل سليم (يمكن التسامح مع بعض الأحرف حتى التمهيدي أما بعد ذلك فيجب مراجعة مختص).
  إشراكهم في أعمال منزلية يدوية لتطوير نموهم الذهني والحس- حركي.
  فتح حوار معهم من وقت لآخر (أفضل هذه الأوقات: وقت تناول الغذاء –أثناء الحمام– قبل النوم) لتطوير نموهم اللغوي.
ثانياً: توصيات لمرحلة التعليم الأساسي (حلقة 1 و2):
  التأكد من إجتياز الولد لمرحلة الروضات وصف الأول الأساسي بنجاح تام.
  المسارعة في مراجعة مختص في حال أنهى الولد الصف الأول الأساسي ولا يزال لديه عجز في إنجاز المطلوب منه على صعيد القراءة والكتابة.
  متابعة الولد بشكل دقيق في مواد اللغات والحساب ومنحه الدعم الكافي الذي يمكنه من تحصيل علامة 80% وما فوق في هذه المواد.
  عدم الضغط عليه في بقية المواد بنفس القدر والتعامل معه بحسب قدراته والإكتفاء بتحفيزه كلما بذل مجهوداً أكبر.
  تنظيم البيئة من حوله وتوفير أجواء هادئة للدرس (عدم الدرس في غرفة الجلوس، وجود ضيوف، تلفاز مفتوح).
  في حال عدم التمكن من التحصيل، بالرغم من توفير كل المطلوب، نراجع مختصاً لتحديد السبب فقد يكون صحياً أو نفسياً أو في الإستعدادات وقد يكون سببه سوء أداء المدرسة؛ فإن معاقبة الولد من دون معرفة سبب انخفاض مستواه من أهم دواعي كره التعلم.
ثالثا: توصيات لمرحلة التعليم المتوسط والثانوي:
  إكتشاف ذكاء الولد وإحترام رغباته: (ذكاء لغوي – رياضي/منطقي – مكاني/بصري – حركي/جسماني، موسيقى، إجتماعي، عاطفي، طبيعي).
  تركيز قيمة العلم والإتقان والتفوق والخدمة... في نفوس الأبناء في هذه المرحلة،  والتأكيد لهم بأن تحصيل السعادة يكمن في الشعور بالإنجاز الجيد.
  توجيه أبنائنا نحو الفرع الذي يتناسب مع قدراتهم وميولهم: تعليمي أو مهني – أدبي أو علمي...
  التأكد من تكيفهم في مدارسهم و مع رفاقهم وإحساسهم بالسعادة و الرضى.
  الإبتعاد عن التوبيخ مطلقاً والمسارعة إلى معالجة أي ضعف من بدايته.
  الإستعانة بالإختصاصيين لمعالجة من لديهم إحساس بالفشل.


المصدر: مجلة بقية الله، العدد 205.
أميرة برغل، باحثة في الشأن التربوي و الإسلامي.

التعليقات (0)

اترك تعليق