مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الدور العائلي الرسالي على ضوء مفاهيم كربلاء

الدور العائلي الرسالي على ضوء مفاهيم كربلاء

توطئة:
في زماننا الحاضر يواجه مجتمعنا مجموعة مخاطر، فمن جهة يرزح جزء منه تحت الإحتلال العسكري، ومن جهة أخرى يواجه حربا ناعمة تستهدف ثقافته لتغيير هويته ولحرف سلوكه، وهي حرب أخطر من الاولى لأنها تسلط الأعداء على النفوس وتمكنهم من العقول مما يسهل عليهم الهيمنة التامة على الثروات والقابليات، يقول الامام الخميني(قدس): "إن الثقافة التي رسم خطوطها الأجانب وأملوها على شعبنا لهي أخطر من سلاح الجبابرة لأنها تقدم للأمة شبابا يملكون قابلية الاستعمار ومن المعلوم ان المجتمع إذا فُرغ من داخله فيسهل سقوطه"، مضافا إلى هذا النوع من الحروب تصيب كل شرائح المجتمع، يبدأ بالفرد ثم يعمد إلى الأسرة فيفككها بالكامل وبسقوطها يسقط المجتمع فهو كمثل البنيان الذي يؤتى من قواعده فيخر السقف على ساكنيه، ولذا فإن الحفاظ على تماسك المجتمع يبدأ بتحصين الأسرة تحصينا يمتنع على الآخرين خرقه والنفوذ اليه ولا سبيل لتحصينها إلا من خلال المحافظة على أصالتها وأصالة ثقافتها.
الأسرة في القرآن:
للتربية القرآنية بعدان، بُعدٌ يتعلق بالفرد، والآخر يتعلق بالمجتمع فالقرآن يستهدف من خلال ذلك تنشئة الأفراد على ثقافة الاهتمام بالمجتمع والمحافظة على مقدراته، لا ثقافة الإنطواء على الذات لكيلا ينغمس في الأنانية ولا يغرق في مصالحه الشخصية، ومن جملة إهتمامات القرآن التربية الأسرية إذ جعل لها حيّزا كبيرا في آياته الشريفة مما يكشف عن ضرورة بناء الأسرة بناءا مستقيما.
نماذج قرآنية: ١/الأبناء مع الآباء:
لقد ركز القرآن الكريم على وجوب طاعة الأولاد لآبائهم ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف عند اختلاف العقيدة ووجوب برهما وحرمة عقوقهما وضرورة الاحسان إليهما قال تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا» (1) ، وقال تعالى: «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا» (2).
نماذج قرآنية: ٢/الآباء مع الأبناء:
يعتبر الأبناء مصدر لسعادة الآباء وإحدى وسائل بقاء ذكرهم في الدنيا وربما كانوا سبيلا لنفعهم بعد مماتهم، ولذا فينبغي على الآباء أن يُنشِّؤا أبناءهم نشأة تعينهم على برِّهم وعدم عقوقهم، وأن لا يقتلوهم صغارًا ولا كبارًا ولأي سبب، ولا خشية من إملاق وقد نهى عنه القرآن الكريم صراحة حيث «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ» (3)، وقال تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ» (4) وقد جاء في وصية الرسول الأكرم(ص) لأمير المؤمنين(ع): "يا علي لعنَ الله والديْن حملاّ ولدهما على عقوقهما، يا علي يلزم من عقوق ولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما، يا علي رحم الله والدين حملا ولدهما على برهما"(5).
نماذج قرآنية: ٣/الأزواج مع بعضهم:
عمد القرآن الكريم إلى توجيه الراغبين في الزواج توجيها سليما من لحظة إنتقاء الذكر للأنثى وإختيار الأنثى للذكر، ويجب أن يكون الزوج هو الحصن الذي يترعرع فيه الاولاد، ولهذا كان التركيز على اختيار الزوج للزوجة وطذلك اختيار الزوجة للزوج وقد أشار القرآن الكريم بقوله تعالى: «وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ» (6) وفي الحديث عن النبي(ص): "تخيّروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم"(7)  ولقد تعرّض القرآن الكريم لتنظيم العلاقة والحفاظ على الحد الأدنى فيما بين الزوجين ولتقوم على أساس المعاشرة بالمعروف أو التسريح بإحسان حيث قال تعالى: «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» (8).
نماذج قرآنية: ٤/الأسرة مع محيطها:
لم يقتصر الإسلام في تعاليمه وإرشاداته للأسرة على تمتين أواصر العلاقة وتقوية وشابح التواصل داخلها فقط بل ربّى الأسرة على تنظيم علاقتها مع من حولها من الناس وكيفية تعاملها مع الأحداث والأحوال الطارئة على جميع الناس.
نماذج في العلاقة: إختيار الأصدقاء:
بإعتبار أن صديق السوء يفسد الاخلاق ويصده عن سواء السبيل وعلى عكس الصديق الحسن فإنه ينفعه في دينه ويحفظه في غيبته، أكد الإسلام على إختيار الثاني وهجران الأول، يقول الامام الصادق(ع): "إنظر الى كل من لا يفيدك منفعغة في دينك فلا تعتدّن به، ولا ترغبن في صحبته، فإن كل ما سوى الله تبارك وتعالى مضمحل وخيم عاقبته"(9).
الإقتداء بالقدوة الصالحة:
أكد الإسلام على ضرورة إتخاذ القدوة الحسنة وإختيار المثل العليا للفرد والجماعة وقال الله تعالى في محكم آياته: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (10) - وقال أمير المؤمنين(ع): "ألا وإن لكل مأموم إمام يقتدي به ويستضىء بنور علمه"(11).
نشر الإسلام ومنع الفساد:
منع الفساد ونشر الإسلام بين الناس من الأهداف الكبرى لجعل الخلافة الإلهية في الأرض وقد قال تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» (12) وعن النبي(ص): "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنون حتى تحابوا أولادكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم"(13).
رفض الظلم ومخاصمة الظالم وإعانة المظلوم:
لا يجوز إعانة الظالم بل نهىَ العباد عن الرضا بعدل الظالم يقول الله تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ» (14) وقال الامام علي(ع) في وصيته لولديه الحسنين(ع): "كونا للظالم خصمًا وللمظلوم عونًا"(15).
نماذج قرآنية: ٥/-الأسرة الرسالية بين الوقاية والتوريث:
الاسرة الرسالية هي التي تحصن نفسها من الضلالة والضياع في الدنيا وكذلك الأسرة التي تورث عن السلف ما فيه صلاحهم وتورث الخلف ما فيه فلاحهم، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ» (16) وقد سأل أبو بصير الإمام الصادق(ع) كيف نقي أهلنا؟ أجاب الإمام(ع) قال: "تأمرهم بما أمر الله وتنهاهم عما نهاهم الله، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك"(17).
وأما التوريث فقال الإمام الصادق(ع): "لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح حتى يدخلهم الجنة حتى لا يفقد فيها منهم صغيرًا ولا كبيرًا ولا خادمًا ولا جارًا-(18)-
نماذج قرآنية: ٦/على أعتاب كربلاء:
عندما نقف على أعتاب كربلاء ندرك أن النماذج الفردية والجماعية وخاصة الأسرة هي نماذج قرآنية وبعبارة اخرى إذا تعلمنا من القرآن النماذج الأسرية فإنما كان بالأسلوب الصامت وأما من كربلاء فإننا نعلم النماذج الأسرية الرسالية بالأسلوب الناطق، إذ نجد في كربلاء الأب مع ابنه والابن مع أبيه والزوج مع زوجته والزوجة مع زوجها، الأخ مع أخيه والاخت مع أخيها والكبير مع الصغير والصغير مع الكبير والعربي مع غيره وغيره معه، ومن أهم النماذج ما نقرأه في مسيرة السبي حيث إن مصيبة كربلاء تنشطر إلى رزيتين، الأولى تتمثل بشهادة الحسين(ع) واصحابه والثانية بسبي النساء وعلى راسهم عقيلة بني هاشم، فإنها تمثل في آن واحد الأمّ الصابرة والاخت المحتسبة، فإنها المدافعة عن حريم الولاية والكافلة للأيتام والقّيّمة على حركة السبي، والمبلغة لرسالات الله وتخشاه ولا تخشى غيره، لقد تحولت بحق الى المدرسة للعائلة الرسالية يقتدي بها الناس فرادى وجماعات وما نراه اليوم من الإقدام على التضحية والرضا بالقضاء الإلهي عند المجاهدين والجرحى وعوائل الشهداء إنما يعود الفضل لهذه المدرسة القدوة المتمثلة بشخص مولاتنا السيدة زينب(ع) بنت أمير المؤمنين(ع). 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
________________________
(1)سورة الإسراء، الآية: 23.
(2)سورة الإسراء، الآية: 24.
(3)سورة الأنعام، الآية: 151.
(4)سورة الإسراء، الآية:31.
(5)وسائل الشيعة ج21 - ص289.
(6)سورة النور، الآية: 32.
(7)كنز العمال - ح 44556.
(8)سورة البقرة، الآية 229.
(9)بحار الأنوار ج 71 - ص 191.
(10)سورة الأحزاب، الآية21.
(11)نهج البلاغة، رسالة إلى عثمان بن حنيف.
(12)سورة محمد، الآية 32.
(13)مستدرك الوسائل، ج8، ص362.
(14)سورة هود، الآية113.
(15)نهج البلاغة، خطبة 47.
(16)سورة التحريم، اللآية 6.
(17)وسائل الشيعة ح16، ص 148.
(18)مستدرك الوسائل ح 12، ص 201.

المصدر: مجلة المحراب، السنة العشرون، العدد ١٠٦٩.


التعليقات (0)

اترك تعليق