مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أطفال البلوتوث وحروب الهاتف النقال

أطفال البلوتوث وحروب الهاتف النقال

اعتادت أن تخمد ثورة طفلها حين كان بعمر السنتين بإسماعه [الأناشيد] من هاتفها النقال وعرض مقاطع الفيديو لإشغاله عنها، وحين أصبح في الثالثة بدأت تجد صعوبة في إكمال أي اتصال مع الآخرين بسبب رغبته الجامحة في الحديث مع كل من يتصل بها، وحين امتدت السنوات وأصبح في السادسة أصر على أن يقتني هاتفا خاصا به شرط أن تكون فيه كاميرا، واكتشفت لاحقا أنه قد أخذ لها لقطات وهي بثياب البيت وبعضها خاصة جدا ولا تدري عدد من تفرجوا عليها وهي بغرفة نومها!!

شخصياتنا من طفولتنا:
ويؤكد أساتذة علم النفس: إن الاستجابة الدائمة لرغبات الصغير، وخصوصا لناحية اقتناء الهاتف المحمول، تؤثر على تكوين شخصيته، فتجعله أنانيا، كما أن رغبة الطفل في تقليد رفاقه ليست سمة صحية، إذ لا يقف اقتناء الطفل للهاتف المحمول عند هذا الحد، بل يتبعه ضياع الوقت في محادثات لا طائل منها، علما أنه من الأفضل الاستفادة من هذا الوقت بما يفيد عقله وتنمية مواهبه.
تمر الطفولة بمراحل ثلاث، يحتاج الطفل فيها إلى إشباع حاجاته جسدية كانت، أو نفسية، أو عقلية، أو اجتماعية، أو دينية، وهو نتيجة طبيعية لنموه، وضرورات أساس في حياته، حتى يتحقق له نموٌّ خالٍ من الأمراض، والمشكلات، والانتكاسات. وتعد مرحلة الطفولة ركيزة أساسية لحياة الفرد المستقبلية؛ إذ فيها تَتَحَدَّد ملامح شخصيته، من خلال ما يكتسبه من مهارات، أو خبرات، أو قيم، وخاصة من (6 – 12) سنة، حين تكون أنشطة الطفل أكثر منطقية، وتنظيماً، ومرونة من ذي قبل، ولكونه قد تهيّأ للدراسة في المرحلة الابتدائية، فإن الانتباه لديه يكون أكثر انضباطاً، وذاكرته أكثر تركيزاً.
فما الذي سيقدمه الهاتف المحمول للطفل في هذه المراحل العمرية؟ وهل نختلف في أن أهم ما سيباشر باستخدامه هو: تقنية (البلوتوث) وما يتبعها من صور (فوتوغرافية) أو مقاطع فيديو، الرسائل، الألعاب والتصوير. فهل تقدم هذه الخدمات لشخصية الطفل معلومات تسهم في إنضاج شخصيته بالطريقة السليمة أم أنّ الأمر لا يعدو كونه تسلية زمنية تستهلك الوقت والتفكير بانشغالات لا تضيف للعقل أية مبادرات مهمة.

الأوضاع الأمنية سبب!

وتحرص أغلب العائلات ممن تضطرهم ظروف العمل لترك أطفالهم لوحدهم في البيت، على تزويد الأولاد بهواتف نقالة للاطمئنان عليهم، وتتشارك ربات البيوت بذات الحرص بسبب خوفهن على الأولاد حين يذهبون إلى المدارس من التفجيرات والأعمال الإرهابية ولا يجدن عند كل صوت انفجار يسمعنه إلا الاتصال بالأولاد للاطمئنان عليهم وخاصة الفتيات.
فان كان التواصل بين الطفل ووالديه هو السبب الرئيس لتأمين الهاتف الجوال للطفل، لكن إحدى الاستبيانات  أظهرت أنّ هذا الأمر لا يتجاوز (15%) من زمن استخدام الطفل لهذا الجهاز، بينما الانشغال بما فيه من مقاطع أو ألعاب، والتعرف إلى شخصيات أخرى من ذوي القربى، أو زملاء الدراسة، أو الأصحاب المجاورين، وفتح قنوات الاتصال معهم، وتبادل الرسائل والصور والمقاطع المرئية، والتنافس في الألعاب، قد احتل النسبة الباقية التي يمكن أن نستخلص منها السلبيات التالية:
- هدر الوقت وضياعه فيما لا فائدة منه؛ فقد احتوت الأجهزة الحديثة على ألعاب مشوقة، لا يكاد الطفل يفارقها إلاّ عند النوم، ولا يكاد ينتهي من مجموعة إلاّ ويمكنه إضافة مجموعة أخرى، ناهيكَ عن أنَّها في غياب عن أعين الرقيب، فقد تتضمن شيئاً تمجيد العنف والاعتداء على الآخرين، واعتبار القوة البدنية هي العامل الأقوى في حسم المواقف، أو إثارة الفزع والرعب، أو العيب على الآخرين والسخرية بهم، ونحو ذلك.
- تراجع مستوى التحصيل العلمي، نظراً لانشغال ذهن الطفل بالهاتف الجوال، عن وظائفه اليومية الدراسية، وخصوصاً أن الأسرة -في الغالب- ليس لديها تقنين لمواعيد استخدامه. إنه على تواصل معه في المنزل، وفي الطريق، والمدرسة، والسيارة، و حين انتظار وجبة غداء أو عشاء، أو زيارة قريب، بل وحتى تحت غطاء سرير النوم.
- إذا عَلِمنا أنَّ طلبات الموضوعات الجنسية في محركات البحث على شبكة الأنترنت تُقَدَّر بنحو (25%) من الطلبات، وأنّ إحصاءات مصلحة الجمارك الأمريكية تقول إن هناك أكثر من مئة ألف صفحة أنترنت توفر مواد أو صور جنسية للأطفال، وتقرير جمعية بريطانية تعمل في مكافحة العنف ضد الأطفال تقول: هناك عشرون ألف صورة جنسية للأطفال ترسل عبر الشبكة أسبوعياً. فلنا أن نشعر بالخطر من دخول أطفالنا إلى مناطق غير سليمة بالنسبة لأعمارهم وتجاربهم الحياتية.
 
الجوال والضرورة:
لا يمكن لنا أن نتحدث عن إيجابيات الجوال، لكنها تختص بحالات دون أخرى، فهي بحسب حاجة الطفل هذا أو ذاك للجهاز، وبحسب متابعة الأسرة لما يحتويه، ومقدار وزمن استخدامه، وبقائه بين يديه، لذا لا بد من الانتباه إلى الآتي:
- اقتناء جهاز لا يحوي تقنية (البلوتوث)، ولا (الكاميرا) و(الأستوديو)، وأن تكون قدرته التخزينية محدودة.
- العمل على أن يكون استخدام الطفل للجهاز فقط عند خروجه إلى جهة ما، وحاجة الأسرة للمتابعة معه، وليس اصطحابه معه في كل حين. فإن لم يكن، فيتم تعويد الطفل على حفظ الجهاز لدى والده أو أحد إخوته الموثوقين عند عودته إلى المنزل، وخصوصاً عند المساء، مع المتابعة المستمرة الخفية لما قد يحتويه من أسماء غريبة، أو أرقام، أو رسائل وخلافه.
- البحث عن بدائل مفيدة ومأمونة تُشبع حاجات الطفل، وتحقق له الاكتفاء عن الهاتف الجوال.

تقارير وتحذيرات:
أثار عالم الفيزياء البريطاني جيراد هايلاند في بحث نشرته مجلة «لانست» مخاوف جديدة مما قد ينجم عن الإشعاعات الصادرة من الهواتف المحمولة، وقال إن الصبية الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما أكثر عرضة لأثر الإشعاعات لأن أنظمة المناعة في أجسامهم أقل قوة من البالغين.
ويضيف قائلا "إن الأثر الناجم عن موجات قصيرة من الهاتف النقال تشبه إلى حد ما التداخل في موجات الراديو، ولها تأثير على استقرار خلايا الجسم، وأهم آثارها ما يتعرض له الجهاز العصبي والصداع وفقدان الذاكرة واضطرابات النوم".
ويقول الدكتور هايلاند إنه مع ذلك ما يزال هناك قدر من الشك في المخاطر الممكنة للهواتف النقالة، ويضيف "لو كانت الهواتف النقالة نوعا من الطعام فإنها ببساطة لن ترخص بسبب عدم التيقن الكامل من ضررها".
وأظهرت دراسات أخرى أن أجهزة الهواتف النقالة ذات السماعات البعيدة تزيد هي الأخرى إلى حد كبير من تعرض الدماغ للإشعاع.
ويتفق العلماء على أن الإشعاعات الكهرومغناطيسية الصادرة من أجهزة الهاتف النقال تسخن أنسجة المخ، رغم أنه لم يثبت بعد أنها تنطوي على خطر صحي على الإنسان. غير أن هايلاند يقول إن الخطر الحقيقي يكمن في الإشعاع المنخفض الكثافة المعروف باسم "الإشعاع الفاتر" وليس في سخونة خلايا الدماغ.
وحذر العديد من الخبراء من خطر استخدام الأطفال دون سن الثانية عشر للهاتف المحمول، وبينت الرئيسة السابقة لبرنامج بحوث الصحة واتصالات المحمول الحكومي البروفسور لوري تشاليس أن الهاتف المحمول يجب أن لا يسمح باستخدامه لمن هم دون الثانية عشر وأن من هم فوق الثانية عشر، أي المراهقين، يجب أن يستخدموا الهواتف المحمولة بشكل محدود وعدم الإكثار من المكالمات الهاتفية، وخصوصاً الطويلة منها. وأشارت تشاليس إلى أن العديد من البحوث والدراسات الطبية أكدت أن الأطفال أكثر تأثراً عند التعرض لبعض المؤثرات الخارجية ذات التأثير السلبي على جسم الإنسان ومنها أشعة الشمس.

المصدر: مجلة نرجس.
إعداد: زهراء الجمالي.

التعليقات (0)

اترك تعليق