مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أكبر حشد تعبوي

عظمة السيدة زينب (ع)- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أكبر حشد تعبوي

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطهرين المنتجبين لا سيّما بقيّة الله في الأرض.

السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك منيّ سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.

السلام على الحسين وعلى عليّ بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.

هذا اللقاء، هو لقاء هام جداً، التعبئة هي مظهر عظمة الشعب والقوّة الذاتية الفعّالة لبلدنا. واللقاء هذا لقاءٌ للقادة، حيث اجتمعتم هنا بعشرات الآلاف، يمكن تقدير الحضور المفعم بالافتخار للتعبئة الشعبيّة من خلال هكذا اجتماع، أنتم مصدر رضا وأمل وثقة لأنصار النظام والثورة والبلاد وانتم مصدر خوف ورعب للأشرار والأعداء الحاقدين.

الملحمة كبرى، عظمة السيدة زينب عليها السلام
إنّ توافق أسبوع التعبئة مع هذه الأيام، التي هي أيام الملحمة الكبرى في تاريخ الإسلام، هو توافق مناسب وفرصة ينبغي اغتنامها. ونعني بالملحمة الكبرى التي ذكرناها، ملحمة (السيدة) زينب الكبرى (سلام الله عليها) والتي أكملت ملحمة عاشوراء، بل أن الملحمة التي سطّرتها السيدة زينب الكبرى (سلام الله عليها) قد أحيت وحفظت ملحمة عاشوراء. لا يمكن قياس عظمة عمل السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) مع غيرها من الأحداث التاريخيّة الكبرى، بل ينبغي قياسها مع واقعة عاشوراء نفسها، للإنصاف فإنهما عدل بعضها.

هذه الإنسانة العظيمة، سيدة الإسلام الكبرى، بل سيدة البشرية، استطاعت أن تواجه جبل المصائب الثقيل بقامتها المنتصبة والشامخة، فلم يظهر حتى ارتجاف بسيط في صوت هذه السيدة العظيمة من كل تلك الحوادث، لقد وقفت كالقمّة المرفوعة الهامة في مواجهة الأعداء وكذلك في مواجهة المصائب والحوادث المرّة، صارت عبرة وأسوة ورائدة وهادية، في سوق الكوفة وفي حالة الأسر والسبي، ألقت تلك الخطبة المدهشة: "يا أهل الكوفة يا أهل الخَتل والغدر أتبكون! ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة، إنما مَثَلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً" إلى آخر الخطبة، اللفظ صلب كالفولاذ والمعنى سلسٌ كالماء يصل إلى أعماق الأرواح. في تلك الوضعيّة، تكلّمت زينب الكبرى كأمير المؤمنين نفسه، زلزلت القلوب والأرواح والتاريخ، لقد بقي هذا الكلام عبر التاريخ، أمام الناس في موكب السبي. وكذلك بعدها، أمام ابن زياد في الكوفة، وبعد عدّة أسابيع أمام يزيد في الشام، خطبت بتلك القوّة، فحقّرت العدو وكذلك استهانت بالمصائب التي فرضها العدو. [حيث قالت له] أتريدون أن تغلبوا أهل بيت النبي بخيالكم الباطل وتذلّونهم؟ "لله العزّة ولرسوله وللمؤمنين" زينب الكبرى هي تجسّد للعزّة كما كان الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء تجسّد للعزّة في يوم عاشوراء. كانت نظرتها للحوادث تختلف عن نظرة الآخرين، وعلى رغم كل تلك المصائب، حين أراد العدو أن يشمت بها، قالت: "ما رأيت إلاّ جميلاً" ما رأيته كان جميلاً، شهادة، ألماً، ولكنه في سبيل الله، لحفظ الإسلام، لإيجاد تيارٍ على امتداد التاريخ كي تفهم شعوب الأمة الإسلاميّة ماذا ينبغي أن تفعل، كيف يجب أن تتحرك وكيف يجب أن تقف وتصمد، هذا العمل العظيم للملحمة الزينبيّة، هذه عزّة ولي الله.

زينب الكبرى من أولياء الله، عزّتها هي عزّة الإسلام، لقد أعزّت الإسلام والقرآن. وبالطبع فنحن ليس لدينا ذلك الطموح العالي وتلك الهمّة نفسها كي نقول أن عمل تلك السيدة العظيمة هو نموذج لنا، إنّنا أصغر من هذا الكلام، ولكن ينبغي أن تكون حركتنا دوماً باتجاه الحركة الزينبية، أن تكون همّتنا نحو عزّة الإسلام وعزّة المجتمع الإسلامي وعزّة الإنسان، كما فرض الله تعالى من خلال الأحكام الدينية والشرائع على الأنبياء.

صبر زينب، والوفاء بالعهد الإلهي
ما أودّ أن أعرضه عليكم بشكل مختصر في القسم الأول من کلامي أيها الأعزاء التعبويين والشباب الغالي، بأنّ أحد العوامل المنتجة لهذه الروحيّة وهذا الصبر لدى زينب الكبرى (سلام الله علیها) وسائر الأولياء الإلهيين الذين تحرّكوا بهذه الطريقة هو الصدق في التعامل مع العهد الإلهي، تقديم القلب بصدقٍ في سبيل الله، هذا مهمّ جداً. لقد عُدّ هذا الصدق في القرآن الكريم لازماً للأنبياء الإلهيين العظام "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ليسأل الصادقين عن صدقهم وهذه "اللام" في ليسأل "هي لام" العاقبة كما نعبّر نحن طلاب العلوم الدينية، ونتيجة هذا العهد "الميثاق" أنّ الأنبياء سيُسألون عن صدقهم تجاه هذا الميثاق، أي أن نبيّنا والأنبياء الإلهيين العظام ينبغي أن يقدّموا في الساحة الإلهيّة مستوى صدقهم الذي قاموا به في مقام إعمال هذا الميثاق الإلهي، هذا بالنسبة للأنبياء، كذلك بالنسبة للناس العاديين والمؤمنين: "من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا، ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويُعذّب المنافقين إن شاء".

الصدق والإيمان مقابل الكفر والنفاق
بالنسبة للأنبياء العظام، جُعل الصادق النقطة المقابلة للكافر" وأعدّ للكافرين عذاباً أليماً وبالنسبة للمؤمنين النقطة المقابلة للصادقين هي المنافقين، وفي هذه المسألة أمورٌ ومعانٍ متعدّدة. سيسألوننا أنا وأنتم حول الوعد والعهد الذي عاهدناه الله، لدينا معاهدة مع الله. في هذه الآية الشريفة -من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه- هذا العهد الذي يذكره بأنّ المؤمنين قد عاهدوه مع الله وبعضهم قد وفى به بأحسن الوفاء وثبتت قدماه في طريقه، هو نفسه ذلك العهد الذي ذُكر قبل عدّة آيات من تلك السورة المباركة حيث يقول "ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار"

ينبغي علينا جميعاً أن ننتبه إلى هذه النقاط. كانوا قد عاهدوا الله بأن لا يفرّوا من العدو وان لا يولوه الأدبار. التنازل عن المواقف والتراجع الانهزامي في مواجهة العدو، من جملة الأمور التي يؤكّد القرآن على عدم القيام بها، في الحرب العسكرية وفي الحرب السياسيّة وفي الحرب الاقتصادية، وفي كل مكان فيه اختبار للقوّة، يجب الوقوف مقابل العدو، يجب أن ينتصر عزمكم على عزم العدو، يجب أن تغلب إرادتكم إرادة العدو، وهذا يحصل وممكن. في ميدان أي نوع من الجهاد والمواجهة الانهزام وإدارة الظهر للعدو عمل ممنوع في نظر الإسلام والقرآن.


[...]اللهم! بمحمدٍ وآل محمد بركاتك على هذا الجمع وعلى كل التعبويين.
اللهم! سدّد الشعب الإيراني للوصول إلى قمم الشموخ يوماً بعد يوم.
اللهم! بمحمدٍ وآل محمد أرضِ الروح المطهّرة للإمام عنا وعن هذا الجمع.
اللهم! بمحمدٍ وآل محمد أرضِ القلب المقدّس لول العصر عنا وعجّل في فرج ذلك العظيم.
اجعلنا من أنصاره والمجاهدين معه والمستشهدين بين يديه
والسلام عليكم ورحمة وبركاته

________________________________________
خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أكبر حشد تعبوي ضمّ خمسين ألفاً من قادة التعبئة من مختلف أنحاء البلاد في مصلّى الإمام الخميني (رضوان الله عليه) طهران._20-11-2013


المصدر: مشكاة النور، العدد: 63. ت1- ك1- 2013م

التعليقات (0)

اترك تعليق