مع السيدة سبهري راوية ومؤلفة كتاب نور الدين ومحررة كتاب جيش الطييبين
خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء معدي1 كتاب جيش الطيبين:
... أسأل الله سبحانه أن يعطيكم الأجر أيّها الإخوة الأعزّاء الذين تحمّلتم العناء الكبير في مرحلة الدفاع المقدّس، وإن شاء الله يزيد في عزّتكم في الدنيا وفي الآخرة، كما أسأل الله أن يثيب السيّد رضايي الذي روى هذا الكتاب2 وكذلك السيّدة سبهري التي حرّرته، فالرواية رواية جيّدة جداً والتحرير أيضاً تحرير ممتاز. هذه السيّدة التي كتبت من قبل كتاب نور الدين 3، في الواقع، هذه الأقلام ذات أهمّية. إنّني أشكر الله سبحانه عندما أواجه هذه الظواهر البارزة جدّاً وبلاغة أدب الثورة الإسلامية، حقّاً، إنّه لجدير بالمرء أن يشكر الله على هذا الأمر. إنّ مسائل حرب الدفاع المقدّس مهمّة بكلّ تفصيل من تفاصيلها وكلّ جزئيّة من جزئيّاتها، أي كلّما غاص المرء أكثر، ودقّق واطّلع أكثر، تتّضح له عظمة هذه الظاهرة العجيبة والحادثة المهمّة الممتدّة لسنوات ثمانية. إنّنا إذ كنّا حينها مطّلعين على سير الأمور، حيث كان القادة يأتوننا بالتقارير، كنّا نظنّ أنّنا نعلم كلّ شيء، عندما يقرأ المرء هذه الكتب، يتّضح أنّنا كنّا نعلم شيئاً مختصراً جدّاً عن ذلك المحيط العظيم من الفعالية والعمل والجهاد والأهمّيّة، في الحقيقة، إنّه استثنائيّ جدّاً.
حسنٌ، كان هناك أيضاً عدّة كتب أخرى قرأتها، كتاب "جيش الطيبين" هذا، والذي كتبته هذه السيّدة أيضاً، والذي يحكي عن فيلق عاشوراء، هو كتاب جيّد جدّاً، جدّاً، أهمّيته ناشئة بنحو خاصّ، عن كونه يحكي عن قوّات الغوص والمعلومات (الاستطلاع). وحيث أنّ الأمنيّين لا يتكلّمون مع أحد وهم يلتزمون بتلك العبارة الشهيرة "قيل لنا: لا تتكلّموا" لذا فإنّ الكثير من الأمور والمواضيع التي يعلمونها، غالباً ما بقيت مكتومة طوال هذه السنوات، فلتُعلن هذه، ولتظهر. حادثة الغوّاصين أيضاً والتي هي حادثة عجيبة وغريبة، هي حادثة مهمّة جدّاً، قد فُصّلت جيّداً في هذا الكتاب. إنّ إحدى أعظم فنون الكتّاب أي الأشخاص الذين يكتبون الرواية، سواءً كتّاب الرواية، أو القصّة القصيرة أو المذكّرات وأحد أهمّ أقسام عملهم هو أن يتمكّنوا من تصوير اللحظات الحسّاسة. ينظر المرء في بعض الكتب، عندما يصل الكاتب إلى تلك اللحظة الحسّاسة بحيث تكون حادثة داخليّة تتشكّل في وجود شخصيّة من شخصيّات هذه القصّة، أو تكون حادثة مهمّة تحدث في الخارج، فلأنّه لا يستطيع تصوير المشهد، فإنّه يتجاوزه، كمن يضع نقاطاً في قسم ما، ينقّط ويمضي.
أنا أقرأ الآن هذه الذكريات التي تُكتب، أي إنّني والحمد لله أستأنس بهذه الذكريات وأقرؤها منذ سنوات إحدى محسّنات هذه المؤلّفات الجيّدة والمهمّة هي أنّهم استطاعوا تصوير هذه اللحظات الحسّاسة، واستطاعوا تفصيلها، استطاعوا تبيانها. بعض هذه اللحظات، لا يمكن فهمها إلّا من خلال التصوير الجسديّ والمسرحي، (إذا) استطاع أحد أن يبيّن هذا الأمر في الكتابة ويصوّره جيّداً، يكون واقعاً فنّاً عظيماً جدّاً، ينقل الإحساس إلى القارئ من جميع اللغات، أي أنّ ترجمة مثل هذه الكتابات إلى كلّ اللغات، سيكون مفيداً جدّاً، أي يمكنه إيصال الرسالة، ذلك أنّ فناً استُخدم واقعاً في البيان سواءً بيان الراوي أم بيان الكاتب وفُصّل بشكل جيّد. واللحظات الحسّاسة في هذه الكتب ليست قليلة، خاصّة في مسألة الغوّاصين هذه، وذلك التفصيل والتصوير الذي جرى عن الغوّاصين وعن عملهم، وشِعر ذلك الـ"غوّاص" الحاجّ صمد... أي بالنسبة للذي يفهم هذا المعنى، هو حقيقةً مؤثّر جدّاً فقائله قد قاله جيّداً، وكذلك الحاجّ أصغر المنشد الزنجاني، كان يقرؤه جيّداً على ما يبدو.
ما أوصي به الجميع وأوصيكم به أنتم الذين خبرتم هذه المشاهد بأجسامكم وأرواحكم، وعايشتم هذه الساعات الصعبة لحظة بلحظة وأحسستم بها، وكذلك للآخرين (هي) أن لا تودعوا (هذه الذكريات) طيّ النسيان. منذ اللحظات الأولى لشروع حرب الدفاع المقدّس، وانبعاث هذه الملحمة العظيمة من خلال نَفَس الإمام الحارّ، وهروع الشباب للالتحاق بالجبهة، كانت جميع الأيادي الشيطانيّة تعمل على عدم انعكاس جماليّات هذه الواقعة وعظمتها، الجميع، كان يسعى لمنع تلك العظمة الموجودة في هذا الأمر من الظهور. علاوة على ذلك، الكثير من الأمور العظيمة لا يمكن للإنسان إدراكها ما لم يقترب منها، يتلمّسها، أو على الأقلّ يطّلع عليها من خلال أسلوب فنّيّ. وهذا ما حصل بعد ذلك أيضاً، فعلى امتداد سنوات ما بعد الحرب في هذه الخمسة والعشرين عاماً التي مرّت منذ انتهاء الحرب إلى اليوم سعى الكثير إلى الحؤول دون إحياء هذه الملحمة. عليكم أنتم أن تعملوا بخلاف هذا العمل، أن تعملوا عكسه. أنتم الذين كنتم أنفسكم هناك، ارووا، دعوا هذه الكتابات يدعم بعضها بعضاً. لقد شاهدت في كتاب السيد نور الدين، اسم السيّد مهدي قلي رضايي، ففي قصّة الغوّاصين تلك، يقول في مكان ما "مهدي قلي رضايي من عناصر الجبهة المخضرمين"، هذه تؤيّد تماماً بعضها بعضاً، أي تبيّن أبعاد المسائل. (ينبغي) أن يُروى أكثر فأكثر، يُكتب أكثر فأكثر، أن تُعكس تلك التفاصيل بنحو شفّاف أكثر، من دون زيادة أو نقصان، من دون مبالغة، أي تلك الحوادث ليست بحاجة إلى المبالغة، إنّها تحتوي الكثير من العظمة، بحيث تُفصح الحادثة نفسها التي تُنقل عن جلالها وعظمتها الموجودين داخلها. لا ينبغي اللجوء إلى المبالغة أبداً. كما لا ينبغي التنقيص، ينبغي بيان جميع التفاصيل المهمّة والمؤثّرة والتي هي جميعاً مؤثّرة. كما أوصي السادة المحترمين في مؤسّسة "حوزة هنري" (الدائرة الفنّية) وجميع دور النشر: عليكم أن تقدّروا هذه الكتابات. هذه الظواهر ومكتسبات (نتاجات) تاريخ الثورة هذه، عليكم أن تقدّروا تاريخ حرب الدفاع المقدّس، عليكم أن تقدّروا هذه الأمور كثيراً. أن تنشروها بين الناس أيضاً. شبابنا هؤلاء، لم يشهدوا الحرب، ولم يسمعوا قصّة جيّدة عن الحرب، الرواية الجيّدة، هي هذه الروايات، هذه الكتب، اسعوا قدر الإمكان لأن تكون هذه الكتب بين أيدي الشباب، ليتعرّفوا على الحرب، يعرفوا ما حدث، وما جرى، وما هي الجمهوريّة الإسلامية، ومن هو الشعب الإيراني. لا تستهينوا بتلك الطاقة العظيمة الموجودة في الشعب الإيراني لمواجهة هذه الامتحانات الكبيرة. إحدى الأمور التي تذلّ الشعوب وتجعلها خاضعة لسلطة الآخرين، هي أن تبقى نقاط قوّتهم مخفيّة عن أعينهم، أن لا يعرفوا ماذا لديهم من قيم، وطاقات ونقاط قوّة، ولا يدركوها.
ينبغي أن يرى الشباب، ويفهموا ما كانت عليه واقعة الحرب، وكيف ذهب شبابنا إليها من دون العتاد الكافي، ومن دون الاستعدادات والتحضيرات المسبقة اللازمة لمثل هذه الأعمال، وماذا صنعوا. كما يجب أن تُترجم.
بالطبع، أرى أنه ينبغي، في ترجمتها، أن تكون اللغة المترجم إليها هي اللغة الأمّ للمترجم، لا يمكن الأمر بغير هذا، ينبغي أن يكون كاتباً، وأيضاً أن تكون اللغة المترجم إليها هي لغته الأمّ. الآن، قد لا يكون العثور على مثل هكذا أشخاص في بعض اللغات أمراً سهلاً، لكن (في) بعض اللغات لا، الأمر سهل، يمكنكم مثلاً أن تجدوا أشخاصاً لغتهم الأمّ أو اللغة التي نشأوا عليها ولو لم تكن لغتهم الأمّ، كالإنكليزيّة على سبيل المثال. فإن كانوا من أهل الذوق، ومن أصحاب القلم، فليحملوا القلم ويترجموا هذا الكتاب. مهما أنفقتم على هذا الأمر فهو يستحقّ ذلك. حتماً بشرط أن تتمكّنوا من نشره. فأحد أعمال أجهزة الاستكبار أنهم بخلافنا نحن حيث نصبح أحياناً متنوّرين كثيراً ونقول ينبغي أن يصل كلّ شيء إلى متناول الجميع، هم ليسوا كذلك، إنّهم متعصّبون جدّاً، ومتشدّدون في هذا المجال لا يقبلون بسهولة أن يصل ما ترجمتوه إلى مخاطبيهم، ولكن حسنٌ، عليكم أن تجدوا طريقةً، يمكنكم هذا، بناءً على هذا، الترجمة أمر مهمّ جدّاً.
على كلّ حال، أسأل الله سبحانه التوفيق والتسديد لكم جميعاً. لقد سررت اليوم كثيراً بلقائكم، كذلك أسأل الله التوفيق والتسديد للسيّد مهدي قلي رضايي، ومرّة أخرى أيضاً للسيّد نور الدين، وأسأله أن تكونا دوماً جنديّي الثورة الثابتي القدم، كلاكما. كما أسأل التوفيق الكثير للسيّدة سبهري التي تحمّلت العناء حقيقةً، وكان عملها عملاً قيّماً جدّاً، جدّاً، واعلمي يا سيّدة سبهري أنّ هذا العمل الذي قمت به هذين الكتابين اللذين أراك تخرجينهما هما على التحقيق مصداق للجهاد في سبيل الله، وذلك لأنّ أعداء هذه الثورة وأعداء طريق الله يسعون لمنع هذا الطريق النيّر من الاستقرار أمام الأعين، لقد قمتِ أنتِ بعمل مخالف لهم تماماً، وكنتِ في الجهة المقابلة لهم، لهذا، يكون هذا العمل جهاداً في سبيل الله، أسأل الله سبحانه أن يتقبّل عملك، ويجعل نيّاتنا جميعاً خالصةً له، ويجعل أعمالنا، أفكارنا، أقوالنا، وأفعالنا له وفي سبيله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1- وهم الراوي (القصاص): مهدي قلي رضائي، والكاتبة التي حررت الكتاب: معصومة سبهري. كتاب " جيش الطيبين" أو "جيش الصالحين" من العناوين التي نالت إعجاب القائد وأثنى على المساهمين في كتابته، وكتب تعليقا عليه. وكان له لقاء مع الذين شاركوا في إنجازه وهم الراوي والكاتب والمعدين تكريما لهم، كانت له هذه الكلمة. الراوي هو احد الجنود المشاركين في مجموعات الغوص والمعلومات في ذلك الوقت ومهمته الأساسية كتابة وسرد كل ما يشاهده ويراه. وكانت هذه إحدى المهام الموجودة لأحد الجنود في كل المعارك خلال الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية في ثمانينات القرن الماضي... موضوع الكتاب: خواطر وقصص تحكي بطولات وأعمال مجموعات الغوص والمعلومات في عمليات "فيلق عاشوراء 31".
2- كتاب "جيش الصالحين".
3- كتاب "نور الدين إبن إيران".
المصدر: مشكاة النور، العدد: 63.
*خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء معدي "كتاب لشكر خوبان" (جيش الطيبين) _ 7/10/2013
اترك تعليق