مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

العالمة رباب كريديّة

العالمة رباب كريديّة

قلّة هنّ النساء أمثال رباب كريديّة ورد (كنديّة من أصل لبناني)، اللواتي اقتحمن عالم الإلكترونيّات الدقيقة وعلوم الكومبيوتر. وبفضل ذكائها وإرادتها وتفوّقها، تبوّأت أعلى المناصب الأكاديميّة، كما نالت منزلة عالميّة في البحوث العلميّة والتكنولوجيّة.
أنهت كريديّة دراستها الثانويّة في بيروت، مسقط رأسها، وحصلت على منحة من جامعة القاهرة لدراسة الهندسة الكهربائيّة، حيث تخرّجت بشهادة البكالوريوس، وعادت إلى بيروت لتتسلّم وظيفة في وزارة الموارد المائيّة والكهربائيّة.
لم يلائم العمل الوظيفي طموحاتها، وسرعان ما قدّمت استقالتها وسافرت إلى الولايات المتّحدة لمتابعة تحصيلها العلمي. وحصلت على شهادتَي الماجستير والدكتوراه من جامعة «بيركلي» في ولاية كاليفورنيا في العام 1974.
بعد التخرّج، حاولت الحصول على فرصة عمل في مجال اختصاصها، ولم يكن الأمر سهلاً [...] ودفعتها تلك الظروف للسفر إلى زيمبابوي (أو روديسيا سابقاً)، حيث عملت أستاذة جامعيّة في كليّة الهندسة لأربع سنوات، هاجرت بعدها إلى كندا في العام 1979. وسرعان ما عُيّنت أستاذة للهندسة الكهربائيّة وعلوم الكومبيوتر في جامعة «بريتش كولومبيا»، وكانت أوّل امرأة تشغل هذا المنصب. تقيم كريديّة حاليّاً مدينة «فانكوفر» على مقربة من الحدود الكنديّة- الأميركيّة.
نظم الإشارات الالكترونيّة
خلال ما يربو على ربع قرن، راكمت كريديّة رصيداً من الانجازات والبحوث والاختراعات العلميّة، حيث عملت على تطوير نظام «المؤشّرات» المستخدَم في المجالات الطبيّة. وتصف عملها بالقول: «أجريتُ بحوثاً متنوّعة في مختبر يختصّ بصور الأشعّة للتأكّد مثلاً من وجود مؤشّرات إلى إصابة الثدي بالسرطان. وبعد تحليل تلك الصور، أضع علامة فارقة على المنطقة المصابة، ما يسمح لطبيب الأشعّة باكتشاف المرض بسرعة ودقّة فائقتَين. وقبل اكتشافي هذه الطريقة، كان الطبيب يحتاج إلى وقت طويل لإجراء هذه العمليّة والتأكّد من صحّتها». وكذلك طوّرت تقنيّة لمساعدة المصابين بالشلل. وتصف كريديّة ما توصّلت إليه قائلة: «إنّ المريض الذي لا قدرة له على التكلّم أو على التحكّم بعضلاته، أو العاجز عن الحركة من الرقبة إلى الأطراف، قد يحتاج إلى شيء ما، أو قد يرغب في القيام بعمل ما. توصّلت إلى طريقة تمكّن من أخذ هذه المعلومات منه بواسطة جهاز إلكتروني يوضع على رأسه كي يتلقّى من الإشارات المرسلة من الدّماغ. وبعدها، نُحلّل تلك الإشارات بواسطة الكومبيوتر الذي ينقل هذه المعلومات إلى إنسان آلي (روبوت) متخصّص في توفير العناية لهذا النوع من المرضى».
في سياق متّصل، عملت كريديّة على تطوير نظام لمراقبة جودة الإشارات (Signal Quality Monitoring System). ويتعامل هذا النظام مع الاتّصالات عبر كابل التلفزيون والنقل المباشر والبث عبر الأقمار الاصطناعيّة «ستلايت». ويستعمل في صناعة الصور وتنقيتها من الضجيج والتشويش. وتستخدمه المحطّات التلفزيونيّة لتزويد المشاهدين بصورٍ ذات درجة عالية من النقاء.
نوم الأطفال والأمن الالكتروني
توصّلت كريديّة إلى طريقة مبتكرة لتحليل المعلومات النّاجمة عن صوت الأطفال في أثناء نومهم، من خلال وضع جهاز إلكتروني تحت مخدّة الأم أو الأب موصول بالكومبيوتر. يرسل الجهاز إشارات عند بكاء الطفل، بحيث ينبّه أحد الأبوين إلى ضرورة النهوض سريعاً لمعرفة أسباب البكاء ومعالجتها. كما أنجزت إنشاء نظام إلكتروني متطوّر، يمكن استخدامه لحماية أجهزة المصارف المؤتمتة، ما يؤدّي إلى إحباط عمليّات السطو على تلك الأجهزة، مهما كان السطو منظّماً. ويُثبّت ذلك النظام في جهاز خفي يتّصل مباشرة بدوائر الشرطة، ويحوي كاميرات دقيقة الصنع وذات قدرة فائقة على التقاط صور اللصوص وملامحهم الرئيسة من زوايا متنوّعة، إضافة إلى تسجيلها على شريط فيديو.
مارست كريديّة تدريس الهندسة الكهربائيّة وعلوم الكومبيوتر في جامعة «بريتش كولومبيا» لأكثر من 37 سنة. وحازت منها على لقب بروفسور، وتخرّج على يديها عشرات الطلاب من حملة الماجستير والدكتوراه من جنسيّات مختلفة. كما قدّمت أكثر من مئة بحث علمي إلى شركات أميركيّة وكنديّة متخصّصة بصنع الكابلات وأجهزة التلفزيون. وشاركت في أكثر من مئتَي مؤتمر عالمي للإلكترونيّات الدقيقة، ونشرت مئات البحوث في مجلات عالميّة متخصّصة في العلوم، وخصوصاً الهندسة. وشغلت منصب «مدير مركز البحوث والعلوم» في جامعة «بريتش كولومبيا» لقرابة 11 سنة، وأشرفت على البحوث التي تقدّم لقسم الهندسة الكهربائيّة في تلك الجامعة. ونالت الكثير من الجوائز، منها وسام «الجمعيّة الملكيّة الكنديّة»، وجائزة «معهد المهندسين للكهرباء والالكترونيّات» (Institute of Electrical and Electronics Engineers)، وجائزة مقاطعة «بريتش كولومبيا» للتفوّق الأكاديمي عام 2008.
سجّلت كريديّة ستّ براءات اختراع في كندا والولايات المتّحدة، ذات صلة بمراقبة الصور والإشارات والأصوات الرقميّة. وتختصر تجربتها العلميّة الطويلة في كندا بالقول: «إنّ الجامعات الكنديّة تحتضن العلماء على اختلاف إثنيّاتهم وثقافاتهم، وتكافئ إنتاجهم وتنوّه برصيدهم العلمي وتفخر بإنجازاتهم واكتشافاتهم، وتوفّر لهم عيشاً كريماً يضمن حياتهم ويعزّز مكانتهم قبل بلوغهم سنّ التقاعد وبعده».

المصدر:
www.almughtareb.com      
نقلاً عن كتاب «العلماء العرب في أمريكا وكندا» للدكتور علي حويلي.

التعليقات (0)

اترك تعليق