مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مواقف السيدة زينب(ع) كمواقف أمها الزهراء(ع)

مواقف السيدة زينب(ع) كمواقف أمها الزهراء(ع)

نائب السيدة الزهراء(ع):
لقد أشبهت زينب(ع) في احتجاجها على يزيد وابن زياد احتجاج أمها فاطمة الزهراء(ع) في قصة فدك، وقضية خلافة بعلها أمير المؤمنين(ع) حيث بذلك بان كبير فضلها، وغزارة علمها، ووفور عقلها، وكثرة فهمها، وحسن معرفتها بالأحكام والقرآن، مما لم يتسنى لأحد إلا لمن هو ملهم من عند الله تعالى.
ونابت(ع) أمها فاطمة الزهراء(ع) في مهمة الإبقاء، وقامت مقامها -وبأحسن وجه- لأداء دور المشاركة في هذه المهمة، ويشهد لذلك مواقفها البطولية المشرفة من بدء قيام أخيها الإمام الحسين(ع) بأعباء الإمامة حتى شهادته(ع) وخاصة من بدء نهضته(ع) حتى انتهاء قضايا السبي والأسر، والرجوع ببقايا حرم رسول الله(ص) إلى المدينة، ومنها حتى ارتحالها من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة.
ففي كل هذه المدة الطويلة والفترة العصيبة قامت السيدة زينب(ع) مقام أمها فاطمة الزهراء(ع) في دور المشاركة ونابت عنها في مهمة الإبقاء وقدمت في سبيل ذلك كل ما قدمته، حتى لقبت بكونها: نائب الزهراء(ع).
فكما أن الأم شاركت زوجها وإمامها الإمام أمير المؤمنين(ع) في مهمة الإبقاء، وقدمت نفسها ضحية، ودمها وقاءا، ومحسنها قربانا، ليبقى الإسلام على نزاهته وقدسيته، وطهارته وبراءته مما ارتكبه المتقمصون للخلافة ومما فعله الغاصبون لفدك باسم الإسلام.
فكذلك البنت شاركت أخاها وإمامها الإمام الحسين(ع) في مهمة الإبقاء، وقدمت ما قدمت لتصون نزاهة الإسلام، وتحفظ قدسيته وطهارته مما ارتكبه الطلقاء وأبناء الطلقاء من تشويه وتمويه، وجرائم وجنايات ضد الإسلام، باسم الإسلام.
ولكن هذه المرة كان القربان هو الإمام الحسين(ع) وزينب(ع) شاطرته بتقديم نفسها أسيرة، ودم ولديها وقاءا، وراحت في موكب السبي من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام لتبلّغ دم الشهيد حتى في قصور الظالمين، وتوصل أهداف الشهادة إلى العالم أجمع، والى كل الأجيال على مدى التاريخ ومر العصور والزمان.
ولولا مشاطرتها وتحمّلها في سبيل الله ما تحملته من البلايا والرزايا، والمصائب والمحن لأبطل بنو أمية دم الإمام الحسين(ع) ومحوا أثره، ولاستطاعوا بعد ذلك من اجتثاث جذور الإسلام والقضاء عليه بالمرة، إذ ورثة المتقمصين للخلافة الطلقاء، وأبناء الطلقاء كانوا قد عرّفوا أنفسهم -كذبا وزورا- بأنهم أولى الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، وصوروا بأن جرائمهم وجناياتهم هو انعكاس عن الإسلام الصحيح، وكان بيدهم السيف والسوط، والدعاية والتبليغ وقد سخروها جميعا لتثبيت سلطانهم، فكانوا بسوطهم وسيفهم يقمعون الأحرار، وبدعاياتهم وإعلامهم يضللون الجماهير، فلم يكن أحد من الناس يجرأ على مناجزتهم ومجابهتهم، وكشف زيفهم وزيغهم، وبيان كذبهم وغدرهم، والتنديد باستبدادهم ودكتاتوريتهم، وفضح تآمرهم على الله ورسوله، وعدائهم للإسلام والمسلمين، سوى الإمام الحسين(ع)، وذلك بأغلى ثمن وحتى بمثل سبي حرم رسول الله وأهل بيته(ص)، ووطنت السيدة زينب(ع) نفسها على كل ذلك وتلقته بصدر رحب وبوجه منبسط، وشاطرت أخاها الإمام الحسين(ع) في البقاء على الإسلام وطهارته ونزاهته، وأبلغت صوته(ع) إلى مسامع التاريخ وفي أذان الأجيال حيث قال الشاعر عن لسان الإمام(ع):
إن كان دين محمد لم يستقم             إلا بقتلي يا سيـــوف خذيني
ثم إن السيدة زينب(ع) مع علمها بما يجري عليها وعلى موكب كربلاء من بلايا ورزايا في هذه الرحلة، شاركت أخاها الإمام الحسين(ع) في سفره هذا مشاطرة له همومه، وهي مسرورة على أنها في خدمة أخيها وإمامها، ومبتهجة بذلك، وكانت للسيدة زينب(ع) في المنازل التي مروا بها في الطريق وكذلك في كربلاء مواقف أخوية صادقة، وقضايا شجاعة وهامة، ومصائب عظيمة ومؤلمة منها:
إنها(ع) قدّمت ولديها: محمدا وعونا وألبستهما لباس الحرب، وأمرتهما بنصرة أخيها الإمام الحسين(ع) ومجاهدة أعدائه وتفدية أنفسهما من أجله، فتقدم بين يدي الإمام الحسين(ع) أولا محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب(ع) وأخذ يقاتل وهو يترجز ويقول:
نشكو إلى الله من العدوان         قتال قوم في الورى عميان
قد تركوا معالــم القــــرآن          ومحـــكم التنزيل و التبيـان
وأظهروا الكفر مع الطغيان

فقاتل بين يدي إمامه قتال الأبطال حتى قتل عشرة من الأعداء، قتله بعدها عامر بن نهشل التميمي.
ثم برز بعده أخوه عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب(ع) وهو يرتجز ويقول:
إن تنكروني فانا بن جـــعفر          شهيد صدق في الجنان أزهر
يطير فيها بجناح أخــــضــر          كفى بهذا شرفا في المحشـر

ثم كرّ على الأعداء، وجدل الصناديد والأبطال وقاتل قتالا شديداً حتى قتل جمعاً من الفرسان ومن الرجالة، فشد عليه حينئذ عبد الله بن بطة الطائي فقتله، وقيل: قتله عبد الله بن قبطنة التيهاني.
نعم، قدمت السيدة زينب(ع) بين يدي أخيها الإمام الحسين(ع) ولديها وفلذتي كبدها عونا ومحمدا بكل إخلاص، واحتسبتهما لله، ولم تذكرهما في شيء من مراثيها، ولم تنوّه باسمهما، ولم تتطرق إلى شيء يخصهما أو يذكّر بشهادتهما، ولم تخرج حتى عند شهادتهما حين سقطا على الأرض، كل ذلك تجلدا منها وصبراً، وتفانياً منها ومواساة، كي لا[...] يمس أخاها الضرّ من أجلهما، ولا ترى آثار العسر والحرج في وجه أخيها بسبب شهادتها.
فإنها من شدة معرفتها بإمامها كانت ترى كل شيء -حتى شهادة فلذتي كبدها- في قبال الإمام الحسين(ع) صفرا، وتجاهه صغيرا ضئيلا، كما أنها كانت ترى أسرها وسبيها كذلك،[...]


المصدر: كتاب السيدة زينب(ع)، مؤسسة السيدة زينب(ع) الخيرية، بيروت، لبنان.           

التعليقات (0)

اترك تعليق