مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

بقاء روح الإنسان بعد الموت مع بدن لطيف مثالي في عالم البرزخ

بقاء روح الإنسان بعد الموت مع بدن لطيف مثالي في عالم البرزخ [النفحات الرحمانية للمجتهدة أمين]

 كتاب النفحات الرحمانية في الواردات القلبية كما تعرّفه مؤلّفته: "وبعد... فلما ورد في الحديث: "إنّ لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها"، ووجدت في نفسي وروعي في بعض الأيام والساعات إشراقات غيبية ليست مسبوقة بأمور كسبية فكرية، تفطنت أنها هي النفحات التي أُشير إليها في الحديث وهي من رحمة ربي فأحببت تدوين بعضها الذي بقي في خاطري...
ولما كان أكثرها من أمور إلهامية غير منوطة بأمور نظرية، ألتمس من الإخوان المؤمنين أن يغمضوا عن الخطأ والخلل مهما وجدوا فيها، وليحملوا على الصحة امتثالا لقول المعصوم عليه السلام "ضع أمر أخيك على أحسنه ما تجد إليه سبيلاً"... وأن يعرضوها على كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله والعقل السليم من الأمراض النفسية، فإن وافقها فذلك مطلوبي الذي أمليت الكتاب لأجله، وإن فهموا منه خلاف ذلك فإني بريئة من ذلك فليرفضوه" (خانم نصرت أمين).



[بقاء روح الإنسان بعد موته الطبيعي مع بدنه المثالي]
فليعلم أولًا أنّ ما انكشف لي في أمر المعاد هو المطابق لما ورد في الكتاب والسنة، ولا أجد في نفسي شيئًا مخالفًا لهما كي أحتاج إلى توجيههما أو تأويلهما؛ فما آمنت به بالدليل والبرهان وجدته بالشهود والوجدان بلا تخالف بينهما. فأطلعني الله تعالى، إجمالًا لا تفصيلا، كيفية بقاء الإنسان بعد الموت الطبيعي في العالم البرزخ إلى فناء العالم العنصري، وكيفية عوده في يوم المعاد والقيامة إلى جسده الذي عاش فيه في هذا العالم الدنيوي، وكيفية تجسم الأعمال وتطائر الكتب والصحف والنار والجنة والصراط والميزان، وغير ذلك مما نطقت به الشريعة الحقة الاسلامية في الجملة وعرفتها كلها حقًا ومطابقًا مع الواقع ونفس الامر.

وبالجملة انكشف لي أنّ الانسان بعد موته الطبيعي أي الدنيوي يبقى روحه في العالم البرزخ، كما قال الله تعالى: ‹وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ›(١) مع بدنه المثالي، ويشهد على ذلك الأخبار الكثيرة كما في التهذيب عن الصادق(ع) في حديث المؤمن إذا قبضه الله صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليه القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا. وأمثال هذه الأحاديث كثيرة، والظاهر أنّ المقصود من البدن المثالي ليس بدن آخر مثال هذا البدن كما ذهب إليه بعض، بل هو هيئة جسده الدنيوي وهو الذي له أصل محفوظ وبه يبقى شخصية الانسان من أول عمره إلى آخره، وبه يتصرف النفس في البدن العنصري وبه يكون على الدوام في التجدد والتغير والذوبان والتصرم، وهو يحفظ شخصية البدن وقواه ومشاعره، وهو جسم لطيف ملكوتي غائب عن أبصار الأنام وله قوى ومشاعر أقوى من هذا البدن الدنيوي بمراتب كثيرة، وهذا البدن الكثيف المحسوس قشره وغلافه ومحل نفوذ أفعاله.

فالإنسان، في عالم البرزخ، إن كان من السعداء يكون متنعمًا في قبره وملتذَا بأشدّ الالتذاذ فيه ويصير قبره روضة من رياض الجنة، وأمّا إن كان من الأشقياء (نعوذ بالله) فيكون معذبًا في قبره بأشدّ العذاب ويصير قبره حفرة من حفر النيران كما نطقت به الشريعة الحقّة وذلك لظهور ما يكمن في باطن الإنسان على ظاهره في الجملة في ذاك العالم، ولعلّه لا يزال في باطنه وحقيقة نفسه في استكمال إلى خراب الدنيا واضمحلالها وتبدّله بغيرها، فحينئذٍ يصل كل فرد من أفراد البشر إلى منتهى كما له اللائق به بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ›(٢) من تحصيل السعادة أو الشقاوة، فيتصل أوله بآخره وظاهره بباطنه وروحه بجسده؛ فيصير كاملا بحسبهما أي يصير كل أحد كاملا بحسب جسمه وروحه في السعادة أو الشقاوة. فإن كان من السعداء والمقربين يصل إلى منتهى درجته في الشرف اللائق به بحسب استعداد وجوده، وإن كان من الأشقياء فهو أيضًا كذلك أي يصل إلى منتهى درجته اللائقة به من الخذلان، لأنَّ لكل واحد من هذين النوعين -أي السعادة والشقاوة- عرضًا عريضًا يتكثر بتكثّر أفراد المكلّفين، فربما يصل واحد إلى منتهى درجة الشرف والسعادة ومقابله الذي يصل إلى منتهى درجة الشقاوة والضلالة وبينهما مراتب كثيرة غير محصورة وحينئذٍ يكون لكل أحد منهما ما كسبته من الأمور ما قدمت يداهما ‹كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ›(٣).

وذلك -أي احتياجه في عالم البرزخ لبدن المثالي- لأن الانسان عبارة عن مجموع النفس والبدن، لأنّ النفس الإنسانية لا تتمّ بلا جسد وإن كانت مجردة في نفسها وتجوهرها؛ وذلك لأن امتياز الإنسان عن غيره من المجردات والروحانيات بل شرافته وكرامته إنّما يكون بجامعيته وتماميته، وهما يتمّان إذا كان له جسد يمكن له أن تتصرف به في الجسمانيات وتلتذ به من محظوظاتها ونعيمها، حتى في البرزخ له جسد مثال لهذا الجسد الدنيوي وفي القيامة واليوم الموعود يعود إلى بدنه الدنيوي الذي هو محفوظ في علم الله وفي عالم الدهر.

______________________
(١) سورة المؤمنون، الآية:١٠٠.
(٢) سورة البقرة، الآية:٩٥.
(٣) سورة المدثر، الآية:٣٨.

المصدر: أمين، خانم نصرت: النفحات الرحمانية في الواردات القلبية، نشاط أصفهان، انتشارات كلبهار، 1389، أصفهان- إيران.

التعليقات (0)

اترك تعليق