مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

معاناة ربّة الأسرة العاملة

معاناة ربّة الأسرة العاملة والأضرار التي لحقت بها وبأسرتها من جراء خروجها إلى العمل

إنّ اختلاف النضوج العقلي بين الفتاة العاملة وربّة الأسرة العاملة يجعل الحوار مع هذه الأخيرة أكثر عقلانية وتقبّلاً للأفكار دون عصبيّة وتهوّر، كما أنّ لاختلاف أهداف العمل بالنسبة إلى النوعين أثره في إنجاح هذا الحوار، إذ فيما تتعلّق الفتاة –في بعض الأحيان- بالعمل لقتل الفراغ أو لتحقيق بعض الحرية في التحرّك والخروج من المنزل، أو رغبة في إثبات الذّات من طريق الاستقلاليّة المادّية، تتعلّق الزوجة وربّة الأسرة بوظيفتها تعلّقاً معيشيّاً في كثير من الأحيان، مع رغبة شديدة عند بعضهن في التخلّي عن العمل والتفرّغ لتربية الأولاد، وخاصّة في سنّ الطفولة.
   ومن أسباب الحديث عن معاناة الزوجة وربّة الأسرة العاملة وجود الضائقة المادّية التي طالت كثيراً من الناس، وتركت أثراً على نفسية المرأة العاملة التي زاد حملها وكُلّفت بمهام لم تعهدها من قبل.

   ومن الصور التي تحكي عن هذا الواقع ولا يخلو منها أي مجتمع سواء كان قروياً أو مدنياً، الصور الآتية:
1- صورة الأم العاملة التي تضطر لترك أبنائها وحدهم في المنزل منذ الصباح الباكر، مما يجعلهم –على صغر سنهم في بعض الأحيان- يواجهون أحداث النهار منفردين. ومما يحكى في هذا المجال قصة تلك الأم التي اضطرت إلى العودة إلى المنزل مسرعة بسبب الحريق الذي شبّ في بيتها وأتى على محتوياته كلها بما فيه أولادها الثلاثة الذين قضوا وهم يتمسّكون بالباب المقفل محاولين الفرار.
2- صورة المرأة التي تعمل منذ ساعات الفجر الأولى وحتى ساعة متأخّرة من الليل كي تساهم في توفير الدخل الكافي للأسرة. ولا تنتهي معاناتها عند هذا الحد، بل تعود إلى المنزل بعد يوم شاق لتجد زوجها وأولادها في انتظارها، هذا الانتظار الذي لا يخلو من تذمّر ورفض، وإشعار بالتقصير في الواجبات المنزليّة، فالبيت لا يوجد فيه طعام، والبيت يحتاج إلى ترتيب والأولاد لم يبدأوا بدراستهم بعد. الكل في انتظارها لكي تقوم بما لا يستطيع أحد غيرها القيام به!!!
3- صورة الزوج الذي يقوم بشؤون البيت والأولاد، بينما تذهب زوجته إلى العمل صباحاً وتعود مساءً لتجد اللقمة الطيّبة والثياب النظيفة. وأسباب هذا الوضع تتعدد، منها تفوّق راتب الزوجة عن راتب الزوج، طرد الزوج من العمل نتيجة الضائقة الاقتصاديّة وعدم إيجاده لوظيفة أخرى، مما يضطره إلى الاعتماد على وظيفة زوجته فترة طويلة.

   إنّ السؤال الذي يتردد في الأذهان بعد عرض لهذه الصور هو: ما هي الآثار الجسدية والفكرية المترتبة على ازدواجية عمل المرأة؟ وهل عمل المرأة تحت هذه الظروف نعمة أو نقمة؟
   في البدء لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مناقشة شرعيّة عمل المرأة ليس هنا مجال بحثه، وخاصّة أنّ عمل المرأة في بعض الحالات يعتبر حاجة وضرورة لبقاء الأسر وتوفير متطلبات معيشتها، وخاصة في حال فقد المعيل، ولكن الحديث يتناول ذكر بعض الأضرار التي لحقت بالمرأة وأسرتها من جراء خروجها إلى العمل، هذا الضرر الذي يخشى أن يترك أثراً على الأجيال المقبلة والذي يمكن أن يلاحظ عند الإطّلاع على أحوال المرأة العاملة الغربية التي مرّت بالطريق نفسه الذي تمر به المرأة العربية اليوم، حتى إنّ كثيرات من النساء الغربيات بدأن يطالبن بعودة المرأة إلى البيت.
  
ومن أبرز الأضرار التي يمكن استنتاجها ما يأتي:
1- عدم تنازل الرجل عن أي حق منحه إيّاه الشرع أو العادة أو التقليد, لذلك فهو يرفض أن يقوم بأي عمل قد لا يتناسب معه، لهذا تجد المرأة نفسها "تعيش عبء خيارها العمل المزدوج وحدها ولا تحصل على دعم الرجل أو على دعم المجتمع، فإن ضاقت بذلك ذرعاً وأعلنت احتجاجها على هذا الظلم، أحيلت إلى قطيع النساء المطلقات، بعد أن تنال نصيبها الأوفى في الإيذاء والضرب".
2- خسارة المرأة لراحتها واستقرارها داخل البيت مع زوجها وأولادها، حيث يسود جو مشحون بالتوتر واللوم نتيجة تقصيرها في واجباتها العائلية، هذا التقصير الذي لا يخفف منه الاستعانة بالخادمات والمربيات اللواتي يزدن من إحساسها بتأنيب الضمير لكونها تترك لهن مهمة تربية الأولاد والاهتمام بهن.
   إنّ ما ورد هو ذكر لبعض الأضرار التي تطال الزوجة والأم العاملة، أما الحديث عن آثار هذا العمل على المجتمع فهي متعددة ولعل أهمَّها استيلاء كثير من النساء على وظائف كان من الممكن أن يستفيد منها رجال مسؤولون عن عائلات، أو شباب يحتاجون إلى بناء أسر وتكوين عائلات.
   بناءً على ما تقدّم، عبَّر أحد المرشدين الاجتماعيين عن حيرته في هذا المجال، إذ لمس أنه على رغم كَون عمل المرأة وقعودها في البيت يعتبر آلة لتفريغ المشاكل النفسية، إلا أنّه لم يجد أن عملها المهني الذي يزيد من أعباءها قد يوفّر لها حلاً لهذه المعضلة.
   ومن هذه الحلول، ما يؤمل تنفيذه من أجل تحسين وضع المرأة العاملة بشكل عام كتوظيف من تحتاج منهن إلى العمل بوظيفة يمكنها القيام بها في منزلها أو توفير راتب شهري لربة البيت التي فقدت معيلها يدفع عنها ذُلّ العوز والسؤال، وخاصة أنّ الراتب الذي يمكن أن تتقاضاه في الخارج في أغلب الأحيان يكون زهيداً مقارنة بالجهد الذي تبذله، أو إيجاد فرص عمل خاصة بالنساء كإيجاد الأسواق والمستشفيات النسائية التي يمكن أن تسد حاجة إقتصاديّة، كما أنّها تساهم في التقليل من المخالفات الشرعيّة ويمكن أن تتخلى كثيرات من الفتيات عن أعمالهن لعدم وجود فرص الاختلاط المتوافرة حالياً.
  
وفي الختام السؤال الأكبر: هل ما نتمنّاه يتمنّاه سوانا؟ وهل ما ندعو إليه مستحيل في ظل مجتمع تكثر فيه التناقضات حتى في البيت الواحد؟

السؤال ينتظر الجواب...


المصدر: "جنى" العدد 178
إعداد: د.نهى قاطرجي

التعليقات (0)

اترك تعليق