مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

السيدة زينب عليها السلام امرأة الحياء والعفّة والطَّهارة

السيدة زينب عليها السلام امرأة الحياء والعفّة والطَّهارة

"..ما كنت لأسبق ربي تعالى، فهبط جبرائيل يقرأ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم السلام من الله الجليل وقال له:سمِّ هذه المولودة (زينب).."

قبس من سيرة الحوراء زينب عليها السلام:
لما وُلدت السيدة زينب عليها السلام: جاءت بها أمّها الزهراء عليها السلام إلى أبيها أمير المؤمنين عليه السلام وقالت له: سمّ هذه المولودة؟ فقال عليه السلام ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان في سفر له، ولما جاء النبي(ص) وسأله عن اسمها فقال: ما كنت لأسبق ربي تعالى، فهبط جبرائيل يقرأ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم السلام من الله الجليل وقال له : "سمِّ هذه المولودة (زينب) فقد اختار الله لها هذا الاسم"، ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب، فبكى النبي(ص) وقال(ص): "من بكى على مصاب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين عليهما السلام"1 . وتكّنى بأمّ كلثوم، وأم الحسن، وتلقّب: بالصدّيقة الصغرى، والعقيلة، وعقيلة بني هاشم، وعقيلة الطالبيين، والعارفة، والعالمة غير المعلمة.ولما بلغت مبلغ النساء زوّجها الإمام علي عليه السلام بابن أخيه عبد الله بن جعفر على صداق أمها فاطمة أربعمائة وثمانين درهماً، ووهبها إياه من خالص ماله عليه السلام وكان عبد الله بن جعفر أول مولود في الإسلام بأرض الحبشة، وكان ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحفظ حديثه ثم لازم أمير المؤمنين عليه السلام والحسين عليه السلام وأخذ منهم العلم الكثير.

مدرستها العلمية:

لم تكن دار علي عليه السلام في الكوفة مجرد مركز للسلطة والحكم، بل كانت داره مركز إشعاع للمعرفة والفكر.

ولكي تنتشر المعرفة في جميع أوساط المجتمع، وحتى لا يُحرم أحد من حقه في الثقافة والوعي، عهد الإمام علي عليه السلام إلى ابنته العقيلة زينب عليها السلام أن تتصدى لتعليم النساء, وأن تبثّ المعرفة والوعي في صفوفهن فكانت العقيلة تفسر لهنّ القرآن الكريم، وتروي لهنّ أحاديث جدها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأخبار أمها الزهراء عليها السلام وتوجيهات أبيها المرتضى عليه السلام فكان لها مجلس في بيتها أيام إقامة أبيها عليه السلام في الكوفة، وكانت تفسّر القرآن للنساء، وقد دخل عليها أبوها ذات يوم وهي تفسر بداية سورة الكهف وسورة مريم.2

القدوة في العفاف:

ومن عناية أمير المؤمنين عليه السلام بابنته أنه كان يُطفئ مصابيح الضريح المقدّس للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عند زيارتها له فقد حدّث يحيى المازني قائلاً: "كنت في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة مدة مديدة وبالقرب البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله(ص) تخرج ليلاً والحسن عن يمينها والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين عليه السلام أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين عليه السلام فأخمد ضوء القناديل فسأله الحسن عليه السلام مرة عن ذلك فقال: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب عليها السلام "3.

زينب مع الحسين إلى كربلاء:
بقراءة واعية لدور السيدة زينب عليها السلام ولمواقفها وكلماتها خلال أحداث كربلاء يتجلى للباحث أن السيدة زينب قد اختارت دورها في هذه الثورة العظيمة بوعي سابق وإدراك عميق، وأنها كانت المبادرة للمشاركة كما احتفظت بزمام المبادرة في مختلف المواقع والوقائع الثورية. ويحدثنا التاريخ أن السيدة زينب عليها السلام هي التي قررت وأرادت الخروج مع أخيها الحسين عليه السلام في ثورته، مع أنها من الناحية الدينية والاجتماعية في عهدة زوجها عبدالله بن جعفر، كما كانت ربّة منزلها والقائمة بشؤون أبنائها، وكل ذلك كان يمنع التحاقها بركب أخيها الحسين عليه السلام.. لكنها قررت تجاوز كل تلك العوائق واستأذنت زوجها في الخروج مع أخيها، فأذن لها بذلك بل وأمر ولديه عون ومحمد بالالتحاق بقافلة الثورة.ولأن سفر الإمام الحسين عليه السلام كان محفوفاً بالمخاطر فقد اقترح عليه شيوخ بني هاشم أن لا يصطحب معه أحداً من النساء والعيال، ولكن السيدة زينب عليها السلام كانت بالمرصاد لمثل هذه المقترحات التي تحول بينها وبين المشاركة في المسيرة المقدسة.

فهذا عبدالله بن عباس وبعد أن عجز عن إقناع الإمام الحسين عليه السلام بالعودة عن قرار الخروج إلى الثورة يناقشه في حمل النساء والعيال معه قائلاً: "إن كنت سائراً فلا تسر بنسائك وصبيتك، فإني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه"4.

وكان جواب الإمام على تساؤل هؤلاء المشفقين على مستقبل نسائه وعائلته أشدّ إثارة وغرابة حيث قال عليه السلام: "قد شاءَ الله أن يراهن سبايا"5 ويروى أن السيدة زينب عليها السلام اعترضت على نصيحة ابن عباس للإمام بأن لا يحمل معه النساء: فسمع ابن عباس بكاءً من ورائه وقائلة تقول: "يا بن عباس تشير على سيدنا أن يخلفنا هاهنا ويمضي وحده؟ لا والله بل نحيا معه ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره"؟ فالتفت ابن عباس وإذا المتكلمة هي زينب عليها السلام.6

الجهاد الزينبي في مواجهة الطغاة:

أ- الدفاع عن السبايا: لما وصلت قافلة السبايا إلى الشام إلى مجلس الطاغية يزيد بن معاوية، وأظهر الطاغية فرحته الكبرى بإبادته لعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ يهزّ أعطافه متمنّياً حضور القتلى من أهل بيته ببدر ليريهم كيف أخذ بثأرهم من ذرية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وراح يترنّم هذه الأبيات التي مطلعها:
لَيْــــتَ أَشـــــْيَاخِي بِبَدرٍ شَـهِدُو *** جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِـنْ وَقْعِ الأَسَـلْ

ولمّا سمعت العقيلة هذه الأبيات ألقت خطبتها الشهيرة في وجه يزيد قائلة عليها السلام: "... أَمِنَ الْعَدْلِ يَا بْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَإمَاءَكَ وَسُوقَكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ سَبَايَا؟! قدْ هَتَكْتَ سُتورَهُنَّ، وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ، تَحْدُو بِهِنَّ الأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدِ إلى بلدٍ،.. وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالبَعِيدُ.."


ب- تحدّي الظالم وتوبيخه:
مما قالته العقيلة في توبيخ يزيد: ".. فَكِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، ونَاصِبْ جَهْدَكَ، فَوَاللهِ لاَ تَمْحُو ذِكْرَنَا، ولاَ تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلاَ تُدْركُ أَمَدَنَا، وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا...".

ج- الدعاء على الظالم في محضره:
فقالت عليها السلام: "أَللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا، وَانتَقِمْ مِمَّنْ ظَلَمَنَا، وَاحْلُلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَقَتَلَ حُمَاتَنَا.فَوَاللهِ مَا فَرَيْتَ إِلاَّ جِلْدَكَ، وَلا حَزَزْتَ إِلاَّ لَحْمَكَ، وَلَتَرِدَنَّ عَلى رَسُولِ اللهِ(ص) بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ ذُرّيَّتِهِ، وَانْتَهكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَلُحْمَتِهِ"

د- لا تمحو ذكرنا:
فقالت مخاطبة يزيد - مؤكّدة على أن نهج محمد لن يمحوه أحد مهما عظمت التضحيات "كِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، ونَاصِبْ جَهْدَكَ، فَوَاللهِ لاَ تَمْحُوَ ذِكْرَنَا، ولاَ تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلاَ تُدْركُ أَمَدَنَا، وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا".

هـ-  استصغار قدر الظالم: قالت عليه السلام: ".. وَلَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ، إِنِّي لأَسْتَصْغِرُ قَدْرَكَ، وَأَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَكَ، وَأَسْتَكْثِرُ تَوْبِيخَكَ، لَكِنِ الْعُيُونُ عَبْرىَ، وَالصُّدَورُ حَرّىَ".

و- الظالم من حزب الشيطان:
فصرّحت عليه السلام قائلة: "أَلاَ فَالعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللهِ النُّجبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاءِ.."
________________________________________
1- وفيات الأئمة، ص433.
2- زينب الكبرى، جعفر النقدي ص 36.
3- وفيات الأئمة، ص435.
4- حياة الإمام الحسين القرشي ج 3، ص 27.
5- المصدر السابق ص 32 .
6- زينب الكبرى النقدي ص 94.


المصدر: مجلة المحراب، العدد 1084.

التعليقات (0)

اترك تعليق