مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أهمية التواصل الإجتماعي عند الأطفال

أهمية التواصل الإجتماعي عند الأطفال

من الطبيعي أن يسعى الأهل لأن يمتلك أبناؤهم مهارات من التواصل الإجتماعي مع محيطهم ومجتمعهم بنجاح، وهذا بالطبع يستوجب منهم امتلاك المعرفة والطريقة المثلى في كيفية توجيه الأطفال، والتي تعتمد على ترسيخ هذه المهارات منذ الطفولة المبكرة؛ لأنها مرحلة تكوين العادات والسلوكيات والقدرات لتكوين شخصياتهم ومعرفة رموز التواصل الإجتماعي الإيجابي في التعامل مع الآخرين، وما هو مقبول وما هو مرفوض من قبل الآخرين، وما يحق له الإقتراب منه والابتعاد عنه؛ طبعاً ليس عن طريق الزجر والنهي والقسوة، إنما عن طريق التمثل والقدوة والحوار والنقاش بداية مع الوالدين.
وهذا يأتي عن طريق التشجيع والثناء من قبل الوالدين لسلوك الطفل لإعادة تكراره بإيجابية واقتناع، ولخلق الثقة فيما يبديه الكبار تجاه سلوكهم.
استمرار الثناء والتقدير مدى الحياة:
قد لا نبالغ إذا قلنا بأن الثناء والتقدير الذي نجود به على أطفالنا الآن من الممكن أن يستمر معهم مدى الحياة؛ وذلك أننا نثني عليهم ونزوّدهم بالقدوة الحسنة في كيفية الإعلان عن إعجابهم، والتعبير عنه تجاه الآخرين والعالم من حولهم، وهذا يساعد على خلق حالة توافقية تسبغ عليهم الشعور بالمتعة والثقة بتصرفاتهم، ولا أبالغ بأن سلوك الوالدين والإخوة والعلاقة فيما بينهم هي انعكاس مباشر لسلوك أولادهم وتنشئتهم، فكم من أسر غير قادرة على التواصل والتعاون مع الآخرين يخلقون جيلاً من الأطفال غير قادر على إقامة العلاقات الاجتماعية والإيجابية مع أصدقائهم وأقرانهم، فتجدهم في المدرسة دائمي التمرد والتنكر والعدوانية تجاه الآخرين, لا يحبون أحداً، متذمرين بشكل دائم، لا يعجبهم العجب، دائماً هم في حالة من الإنفعال والعصبية.
وعندما نرجع لأصول المشكلة نجد بأن الوالدين والإخوة في علاقة متوترة بشكل دائم قائمة على الشتائم والسباب والغضب وخلوها من الاحترام والثقة وعدم التعاون.
العلاقة القائمة على المحبة والتواصل والتعاون تخلق جواً من التنافس الجميل بين الأطفال:
ولذلك نرجع إلى أن العلاقة القائمة على المحبة والتواصل والتعاون والثناء لكل عمل جميل متقن من قبل أفرادها يخلق نوعاً من التنافس الجميل والتباري لفعل كل ما هو إيجابي، فمثلاً قيام الطفل بتنظيف غرفته وترتيبها والثناء والمديح المعنوي من قبل الكبار في الأسرة يخلق عند الإخوة نوعاً من الغيرة الجميلة، فالكل يتبارى لعمل شيء محبب لدى الأم أو الأب ليقوما بدورهما بالمديح والثناء والدعاء، وهذا ما ينتقل عبر الصغار إلى المدرسة إذ يكون الأطفال قد تعودوا أن الكلمة الطيبة "صدقة"، وهذا ما يوفر لهم استيعاباً أوسع وأدق لقدراتهم الذاتية ولإمكانية توظيفها اجتماعياً لتحقق لهم نجاحاً في علاقاتهم بالآخرين من الأتراب وبالتالي يتعلمون الإجابة على "كيف ولماذا وأين".
وعلى الأهل والمدرسين تعليم الأطفال الإتصال مع الآخرين، وهذه مهارة لأن الطفل يحتاج إلى تعلّمها، وهذا يتطلب من الكبار معرفة الفروق الفردية بين الأطفال ومراعاتها، طبعاً ضمن الخطوط العريضة لهذا النمو؛ فبعض الأطفال اجتماعي بطبعه، وبعضهم يلتزم جانب الحذر، وآخر يحب العزلة ولا عجب في ذلك وهذا ينطبق على البالغين أيضاً.
ويزداد تأثر الطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة بالأفراد الذين يتفاعل معهم، وبالمجتمع الذي يحيا فيه، وكذلك بالثقافة التي تهيمن على بيئته، وهو لذلك يحتاج إلى الشعور بالتقبل في الأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق؛ لكي ينمّي مفهوماً موجباً عن ذاته، لأن الإنسان الذي يملك مفهوماً إيجابياً عن نفسه وذاته يملك النظرة ذاتها عن الآخرين، فمن يحب نفسه يحب الناس ومن يكره ذاته فلن يستطيع أن يحب الآخرين، فالمفاهيم الإيجابية عن الذات تولد مشاعر الكفاية والاقتدار على مواجهة المواقف البيئية المحيطة ما يمكنه من إقامة العلاقات الاجتماعية الناجمة، كحسن الاستقبال والمجاملة الصادقة، والتعاون مع الآخرين، والتواضع في التواصل، واستخدام الكلمات الطيبة "شكراً، من فضلك".
القفز فوق خطوط العمر والسن:
نجد بأن هناك ظاهرة لافتة عند أطفالنا هي القفز فوق خطوط العمر والسن، فالكل يريد أن يكبر قبل الأوان، الولد يريد أن يكون مثل أبيه أو عمّه، والبنت تريد أن تصبح مثل أمها وخالتها وعمتها، وهذه القفزة أصبح يساعد عليها ويدعمها الكثير من الأشياء في عالمنا، بداية من ملابس الأطفال التي لا يتحرج كثير من مصمميها من أن تتجاوز الطفولة الغضة وتبرز الأطفال البنات والصبيان في صورة أكبر من سنهم، بالإضافة لهذا نذكر اتساع فضاء اللعب والتعلم وتغير طبيعة الحدث بفضل الإلكترونيات.
كل ذلك ساهم في كسر المنظومة التقليدية لتنشئة الصغار وأصبح التقليد والتشبه بعالم الكبار وسيلة للقفز فوق منطق الطفولة نفسه وبالتالي لم يعد مدهشاً أن نصادف طفلاً لم يتجاوز سنه خمس سنوات يرفض أن يعترف بعمره فأنا كبير وأفهم وأعرف كل شيء حتى أكثر من بابا وماما، وذلك بإصرار وثقة بالنفس كبيرة وتراه يقفز على قدميه ليثبت ذلك بعناد وتحد.
هذا لا يعني بأن كل تقليد من الأطفال للوالدين سلبي على العكس هناك بعض السلوكيات من عالم الكبار يجب أن تكون قدوة لصغارهم، وعلى الكبار دعمها عند صغارهم، ولكن إذا بدا أن هناك سلوكات سلبية فعلينا أن نتفاعل معها بهدوء ودون عصبية لئلا تكرر كسلوك عناد من صغارنا وكأنها تحدٍ وتمرد، أو خوف وليس احتراماً وهذا ما لا نريد دعمه في سلوكهم.
الآن تقليد الصغار للكبار ليس مؤشر خلل أو اضطراب في التربية إنما هو طور طبيعي يمر به أغلب الأطفال في فترة من الفترات، ولأن الطفل يريد أن يتجاوز ويتخطى ويتمرد بطبعه ولا يعترف بالقيود والحواجز ويقلقه دائماً إحساسه بأنه طفل، فعدم الطاعة والعصيان وقلة الاحترام وكذلك الكذب والعدوانية الزائدة كلها سلوكيات غير اجتماعية مرفوضة داخل محيط الطفل وخارج بيته، وطبعاً لهذه التصرفات أسباب عديدة أهمها كما أسلفنا الأسرة فهي مصدر اكتساب القيم والاتجاهات والعادات لدى النشء في معظم المجتمعات الإنسانية وخاصة في المراحل الأولى من النمو.
ولذلك على الأهل التحكم بتصرفاتهم وسلوكاتهم أمام أطفالهم.

المصدر : الباحثون العدد 52

التعليقات (0)

اترك تعليق