تربية الأبناء على الصلاة والصيام والاهتمام بالقرآن الكريم
الاهتمام بصلاة الأبناء:
إنّ من وظائف الأبوين هو اهتمامهما الفائق بصلاة أبناءهم، وإيقافهم على تلك الأهميّة منذ مراحل الطفولة.
إنّ الصلاة ذكر الله تعالى، والحياة بلا ذكر الله لا معنى لها، والصلاة خير ما يعتمده الإنسان في حياته، والإنسان بلا وجود ما يعتمد عليه يكون مضطرباً، والصلاة إظهار للعبوديّة والشكر لآلاء الرحمن الرحيم، والصلاة أمان للإنسان من الزلل والانحراف، والمجتمع المصلّي يكون مصوناً عن الكثير من المفاسد، والصلاة سكينة القلوب المضطربة وجلاء البواطن ونور الروح.
إنّ الصلاة قرّة عين الرسول الأكرم(ص) وسائر الأنبياء والأوصياء(ع)، وهي سلّم رقي الروح والعروج نحو الملكوت، الصلاة تزيل الشعور بالفراغ والوحدة لدى الإنسان، الصلاة معراج المؤمن، فهي نداء الفطرة، الصلاة هي الحديث مع خالق الوجود بلا واسطة وحجاب.
إنّ الصلاة بمنزلة النهر الزلال الذي يزيل الأدران والأوساخ الروحيّة والذي يظهر به القلب ويضفي إليه نوراً، الصلاة مفتاح الجنّة، الصلاة هي الجهاد الأكبر مع الأعداء، ولذا فإنّ الشيطان يحاول جاداً صرف الإنسان عند اشتغاله بالصلاة عن ذكر الله تعالى إلى ما يجره إلى الغفلة عنه كالتفكير بأمور الحياة ومشكلاتها.
يا بني أقم الصلاة:
لقد أكد القرآن الكريم على هذا الأمر الهام كثيراً، فمما ورد في ذلك ما حكاه عن لقمان في قوله تعالى: "يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم الأمور"(1)
يقول الأستاذ مكارم الشيرازي ذيل الآية المباركة المزبورة: إن لقمان وبعد تحكيم أسس المبدأ والمعاد –الذين هما أساس كلّ الاعتقادات الدينيّة- تعرض لذكر أهم الأعمال، وهي الصلاة... وذلك لأن الصلاة أهم رابط مع الخالق، إنّ الصلاة تحيي قلبك وتصفّي روحك، وتضيء لك الدرب في حياتك، فهي تزيل آثار الذنوب عن نفسك، وتسلّط النور على قلبك، وتمنعك عن الفحشاء والمنكر(2).
بناء على ذلك فإنّ على الوالدين تعليم أبناءهم ومنذ مراحل الطفولة لأخطر الوظائف وأهمها، وتحذيرهم من مزالق المستقبل ليكونوا في مأمن من الانحراف والفساد، قال إبراهيم(ع) بعد أن أقام أساس الكعبة المشرّفة رافعاً يديه بالدعاء: "رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي"(3)
وصايا أمير المؤمنين(ع) لولده:
أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) قبل موته أولاده، فقال: "الله الله في الصلاة فإنها عمود خير العمل، إنها عمود دينكم"(4)
الصلاة عمود الدين:
وأوصى لقمان ولده، فقال: "يا بني، أقم الصلاة، فإنّ مثل الصلاة في دين الله كمثل عمود الفسطاط، فإنّ العمود إذا استقام نفعت الأطناب والأوتاد والضلال، وإن لم يستقم لم ينفع وتد ولا طنب ولا ضلال"(5)
لا تستخفّ بالصلاة فإنّ...
روى أبو بصير عن أبي الحسن موسى بن جعفر(ع) قال: قال لي أبي عند موته: "يا بني، إنّه لا ينال شفاعتنا مَن استخف بالصلاة"(6)
وقال أبو بصير: دخلت على أم حميدة أعزّيها بأبي عبدالله الصادق(ع) فبكيت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد، لو رأيت أبا عبدالله(ع) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه، ثم قال: اجمعوا إلي كل من كان بيني وبينه قرابة، قال: فما تركنا أحداً إلّا جمعناه، قالت: فنظر إليهم ثم قال: إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة"(7)
وكان ذلك وصيّة من الإمام(ع) إلى الذين يظنون بأن قرابتهم منه(ع) تضمن لهم السعادة والنجاة، أو تنالهم شفاعته ولو كان بسبب الاستخفاف بالصلاة، وقد كانت الوصية بالصلاة سيرتهم(ع) جميعاً.
تعجّب الرضا(ع) من طفل يترك الصلاة:
عن الحسن بن قارون أنّه قال: سألت الرضا أو سُئل وأنا أسمع عن الرجل يجبر ولده وهو لا يصلي اليوم واليومين، فقال: "وكم أتى على الغلام؟ فقلت: ثماني سنين، فقال: سبحان الله، يترك الصلاة؟! قال: قلت: يصيبه الوجع، قال: يصلي على نحو ما يقدر"(8)
الصلاة أول الوقت:
أوصى علي(ع) ولده الحسن(ع) فقال: "أُوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها"(9)
وكان الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) يأمر من عنده من الصبيان بأن يصلوا الظهر والعصر في وقت واحد والمغرب والعشاء في وقت واحد، فقيل له في ذلك، فقال: هو أخف عليهم وأجدر أن يسارعوا إليها ولا يضيّعوها ولا يناموا عنها ولا يشتغلوا، وكان لا يأخذهم بغير الصلاة المكتوبة، ويقول: إذا أطاقوا الصلاة فلا تؤخروهم عن المكتوبة"(10)
وروى ابن القداح عن أبي عبد الله جعفر بن محمد(ع) أنه قال: "إنّا نأمر الصبيان أن يجمعوا بين الصلاتين، الأولى والعصر وبين المغرب والعشاء الآخرة، ما داموا على وضوء، قبل أن يشتغلوا"(11). ولعلّ المستفاد من هذه الرواية كون طريقة جميع الأنبياء المعصومين(ع) مع أطفالهم هو ذلك.
إعداد تربية الأبناء على الصلاة والصيام:
إنّ مرحلة الطفولة أفضل وأنسب مرحلة للتأثير على عقل وفكر وروح الطفل، ومن أجل ذلك نجد الأعداء يكثّفون جهودهم في هذه السنين لكي يوجدوا تحوّلاً في أفكار وسلوك الأطفال.
إنّه ومنذ الصبا لا بدّ أن تزرع بذور الهويّة الدينيّة في وجود الإنسان لكي يكون لتلك الشجرة وبمرور الزمان أوراقاً وأغصاناً وثماراً، وتستحكم جذورها في الأرض.
إنّ الأطفال يتعلمون ما يشاهدونه ويرونه مباشرة في البيت منذ أوان تعلّمهم درس التدين والعبادة والصلاة، ولو تهيئت لهم الظروف المشجعة على الصلاة والعبادة في المدرسة وبيئة التعليم لتضاعف ميل الطفل نحو ذلك، لأنه يرى رغبة معلّمه وزملائه كرغبة أبويه في العبادة، فتجده يأتم في الصلاة بأبيه في البيت وبأستاذه في المدرسة، وبذلك تستوثق عرى إيمانه وتستقيم. نعم إنّ الطفل لو كانت له رغبة بالصلاة وأقبل على الله تعالى لصدق في حقّه قوله تعالى: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" مئة بالمئة وسوف يكون فرداً صالحاً في المجتمع، ذلك أنّ الأعمال الصالحة والصلاة والعبادة ووصايا القرآن سوف يكون لكل ذلك نوراً في قلب الطفل، ويستولي النور الإلهي على قلبه.
وصايا الأئمة المعصومين(ع):
1- روى عبدالله بن فضالة عن أبي عبدالله الصادق(ع): "يترك الغلام حتى يتم له سبع سنين فإذا تمّ له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفّيك، فإذا غسلهما قيل له: صل ثم يترك حتى يتم له تسع سنين، فإذا تمّت له عُلّم الوضوء وضُرب عليه وأُمر بالصلاة وضرب عليها، فإذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله لوالديه إن شاء الله(12)
2- وروي عن النبي(ص) أنّه قال: "أدّب صغار أهل بيتك بلسانك على الصلاة والطهور فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً"(13)
3- وروى معاوية بن وهب عن أبي عبدالله الصادق(ع): في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ قال: فيما بين سبع سنين وست سنين(14).
وقد وردت روايات عديدة تقرب من ثلاثين رواية عن الأئمة المعصومين(ع) تحث على مؤاخذة الصبي بالصلاة، وأما السن الذي يؤاخذ فيه الصبي فقد اختلف ذلك في الروايات، يتراوح السن فيها بين الست سنين إلى ثلاثة عشر سنة، فإنّه يستفاد من مجموع الروايات والجمع بينها أن من وظيفة الأبوين مؤاخذة الصبي قبل البلوغ بالصلاة باستعمال شتى الأساليب والطرق، وفي نهاية المطاف يمكنهما معالجة الموقف إن عصى أو تمرّد بالعقوبة بالحدّ المعقول.
إنّ سنوات ما قبل البلوغ في الأولاد الذكور من السابعة وحتى الخامسة عشر وفي الإناث إلى التاسعة، ولا يمكن تحديد العمر الذي يجب فيه أمر الصبيان بالصلاة ولو بالضرب، لكن الأقرب كون لسابعة من العمر هو المراد كما تؤيد ذلك الروايات الكثيرة.
سيرة الأئمة المعصومين في أمر صبيانهم بالصلاة:
استقرت سيرة الأئمة(ع) على أمر صبيانهم بالصلاة منذ السنة الخامسة لكنهم(ع) لم يأمرونا بذلك، بل ذكرت الروايات الدعوة والترغيب إلى الصلاة في السنة السابعة. فقد روى الحلبي عن أبي عبدالله عن أبيه(ع) أنه قال: "إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم إذا كانوا بني سبع سنين"(15)
من التعليم وحتى المؤاخذة على الصلاة:
يمكن تقسيم الروايات الواردة في تعليم الصلاة والآمرة بها إلى ثلاثة طوائف:
أ- تعليم الصلاة:
من الوظائف الأساسية للأبوين تعليم صبيانهم الصلاة، وهذا ما كانت عليه سيرة النبي(ص) وأمر به، قال: "علموا الصبي ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين"(16)
ب- الأمر بالصلاة:
المرحلة اللاحقة على مرحلة التعليم هي مرحلة إلزام الصبي وأمره بالصلاة، وقد ذكرت الروايات في ذلك عمراً يتراوح بين الست إلى العشر سنين، نشير إلى بعضها:
1- قال النبي الكريم(ص): "إذا عرف الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة"(17)
2- وقال عليه وآله الصلاة والسلام أيضاً: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء ست سنين"(18)
3- وعن أبي عبدالله الصادق(ع) قال: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين"(19)
4- وعن أمير المؤمنين علي(ع) قال: "علّموا صبيانكم الصلاة وخذوهم بها إذا بلغوا ثماني سنين"(20)
5- وعن أبي عبدالله الصادق(ع) قال: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء عشر سنين"(21)
ت- المؤاخذة على الصلاة:
المرحلة الأخيرة التي أشارت إليها الروايات هي مرحلة مؤاخذة الصبي وضربه على الصلاة لاستخفافه بها، وقد ذكرنا فيما تقدم عدّة روايات في ذلك.
ومن الطبيعي في هذه الروايات إشارة إلى بيان مراحل مؤاخذة الصبي بالصلاة التي تبدأ من التأنيب والتوبيخ باللسان وتنتهي إلى التوبيخ البدني، فعلى الأبوين أن يعلما بأنه لا بدّ من معاملة أبناءهم في السنين المتقدمة من العمر معاملة رفق ومودة وترغيب في خصوص أمرهم بالصلاة من دون تشدد وعنف كي لا تنفر طباعهم عن الصلاة. وكلما تقدم بالصبيان العمر ينبغي مخاطبتهم بلحن تشم منه رائحة الأمر، وعلى كل حال لا ينبغي مؤاخذة الأولاد لأجل تقصيرهم في امتثال الأمر بالصلاة خصوصاً في السنين التي تكون أقل من ثلاثة عشر، ولا بدّ من أعمال بُعد النظر في معاملة الأبناء والأخذ بجانب الاحتياط وجعل العقوبة آخر ما يتخذ في علاج الموقف، وعلى الأبوين أن يعلما أنّ هناك طرقاً في التربية أكثر تأثيراً يمكنهم معرفتها بمطالعة ما كتب في هذا الموضوع وكذا يمكن معرفة ذلك عن طريق التشاور مع المعلمين والمطلعين على أمور التربية وكذا عن طريق التفكير والتأمل الصحيح يمكن وضع الحلول المناسبة لذلك، واستمداد العون من الله تعالى في كلّ ذلك.
الاهتمام بصيام الأولاد:
وردت وصايا كثيرة عن الأئمة الهداة(ع)، فمن جملة ما ورد عنهم ترغيب الطفل وتشجيعه على الصيام إن كان له قابلية الصوم، فإن آذاه الجوع ولم يطق الصيام فليفطر، فإنّ الصيام جنة من النار ولا بدّ من حفظ الأولاد من النار، قال علي(ع) في وصيته للحسن(ع): "الله الله في صيام شهر رمضان فإنّ صيامه جنة من النار"(22)
الإمام الصادق(ع) وترغيب أولاده بالصيام:
عن المسمعي أنّه سمع أبا عبدالله(ع) يوصي ولده إذا دخل شهر رمضان: فأجهدوا أنفسكم، فيه تقسيم الأرزاق وتكتب الآجال، وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون إليه، وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر"(23)
الصوم التمريني:
وعن أبي عبدالله(ع) أنّه سأله معاوية بن وهب عن العمر الذي يحمل فيه أولاده على الصيام، فقال: "ما بينه وبيني خمس عشرة، سنة، وأربع عشرة سنة، فإن هو صام قبل ذلك فدعه، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته"(24)
وروى الحلبي عن أبي عبدالله الصادق(ع): "نحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، إن كان إلى نصف النهار، أو أكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش والفرث أفطروا، حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم العطش أفطروا"(25)
تعليم القرآن:
القرآن الكريم خاتم الكتب السماويّة يحتوي على جميع الأحكام والقوانين من أجل سعادة الإنسان وهدايته، فالقرآن عبارة عن المائدة السماوية والكنز الذي يحتوي على الحقائق والأسرار الإلهية.
الهوامش:
1- سورة لقمان: 17..
2- تفسير نمونه 17: 52.
3- سورة إبراهيم: 38.
4- تحف العقول: 195.
5- بحار الأنوار 13: 435.
6- وسائل الشيعة 17: 262.
7- المحاسن للبرقي 1: 80.
8- وسائل الشيعة 3: 13.
9- بحار الأنوار 75: 458.
10- مستدرك الوسائل 15: 160. الكافي 2: 409.
11- وسائل الشيعة 15: 183.
12- وسائل الشيعة 3: 13.
13- مجموعة ورام: 358.
14- وسائل الشيعة 3: 12.
15- وسائل الشيعة 3: 12.
16- كنز العمال 16: 440.
17- المصدر السابق.
18- مستدرك الوسائل 3: 19.
19- مستدرك الوسائل 15: 160، الكافي 4: 124.
20- تحف العقول: 110.
21- مستدرك الوسائل 3: 19.
22- تحف العقول: 195.
23- بحار الأنوار 96: 375.
24- الكافي 4: 125.
25- الكافي 3: 409.
المصدر: حقوق الأولاد في مدرسة أهل البيت(ع): محمد جواد الطبسي، ط1، دار الرسول الأكرم(ص)، بيروت، لبنان، 1421هـ - 2000م.
اترك تعليق