مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مشاركة المرأة في دعم إنتاجية العنصر البشري المتمثل بزوجها

دور المرأة في الاسرة والاقتصاد: مشاركتها في دعم إنتاجية العنصر البشري المتمثل بزوجها

إن أهمية وظيفة المرأة في المؤسسة التنموية الأسرية لا تقتصر على أهميتها في إعداد العناصر البشرية المتمثلة في أبنائها للمجتمع، وزيادة إنتاجيتهم، وإنما تتعدى ذلك إلى دعم الزوج نفسه باعتباره عنصرا بشريا مشاركا في التنمية الاقتصادية.
وإن كان البعض قد انتقص من قيمة عملها الصالح في بيتها، فإن النبي(ص) قد جعل ذلك أعلى قيمة من كنوز الأرض. قال(ص): "قلب شاكر ولسان ذاكر وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس"(١).
فهي التي توفر في البيت لزوجها السكن والطمأنينة والراحة بعد الكد والشقاء، فإذا عاد لعمله بعد ذلك كان عالي الهمة متجدد النشاط. قال تعالى: ‹الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا›(٢).
قال القرطبي(٣) رحمه الله بأن معنى (ليسكن إليها) هو: "أن يأنس بها ويطمئن"(٤).
فالبيت الذي تقوم أسسه على المنهج الإسلامي هو سكن لأصحابه. قال تعالى: ‹اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا›(٥). أي أن البيت الإسلامي تهدأ فيه جوارح الإنسان وتطمئن قلوبهم(٦).
وقال تعالى أيضا: ‹هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ›(٧).
يقول الشعراوي(٨) رحمه الله في تأويل الآية: "إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يعلمنا أن المرأة لباس ساتر للرجل والرجل لباس ساتر للمرأة، أو يريد الحق سبحانه وتعالى أن يظل هذا اللباس سترا، بحيث لا يفضح شيئا من الزوجين عند الآخرين"(٩).
كما قال ابن عباس(١٠)(رض) في تأويل الآية بأنها تعني: "هن سكن لكم وأنتم سكن لهن"(١١).
وقد بين علماء النفس المعاصرون أن من أهم ما يجب أن تقدمه الزوجة لزوجها الثقة والتشجيع والإعجاب والتقبل(١٢)..
فالرجل قد يسرّ لزوجته ببعض ما يشغل باله في عمله ويجعله ضيق الصدر؛ ذلك لأن صعوبات الحياة في تزايد مستمر مع بُعد الناس عن الله، وطاقة الرجل قد تعجز عن تحمل ذلك.
يقول الشاعر:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها                                         ولكن أخلاق الرجال تضيق!
في مثل هذه الحالة، فإن الزوجة الصالحة تمدّ زوجها بالثقة، ولا تهزأ من قدراته، بل تشجعه، فيطمئن إلى تقبلها له، وتهدأ نفسه وتلقي بعضا من أحمال معاناتها.
كما أن إحاطة المرأة المستمرة لزوجها بمشاعر الإعجاب والفخر به، تستر ما يشعر به من عجز أمام قهر صعوبات الحياة.
هذا يعني أنه كما تستمد الزوجة قوتها من قوة زوجها الجسدية وتشعر بحمايته، فهو أيضا يستمد قوته من دفء حنان زوجته وعطاء مشاعرها، فكان كلا منهما سترا للآخر يمنع عنه عاديات الزمان ويسكن إليه.
فالراحة النفسية بإجماع علماء النفس هي من أهم مقومات القوة البشرية الجسدية والنفسية(١٣).
لأجل ذلك كان التراحم بين الزوجين أساس السعادة الأسرية، وقد جعله الله تعالى عبادة وقربة منه. قال(ص): "إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة، فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما"(١٤).
وهكذا نرى أن أهمية دور المرأة التنموي يرجع معظمه إلى حسها المرهف، ومشاعرها الفياضة التي تنثر في الأسرة عطور المحبة وتدعم أفرادها بقوة الحنان.
ذلك لأن الحنان قوة تغلب قوة الأبطال، فكم من رجل مفتول العضلات قد ضعف أمام حاجته إلى الحنان، فلا يجب أن يستهان بعطاء المرأة، فهي الدفء الذي يلف أفراد الأسرة، ويمدهم بالصحة النفسية التي هي أساس الصحة الجسدية.
وعطاء المرأة الصالحة لا يقف عند عطاء مشاعرها، وتهيئة البيت لراحة أفراده فحسب، بل إن هناك عطاء آخر ينبع من عقيدتها ومحبتها لزوجها في الله عز وجل.
فالزوجان المسلمان الصالحان تقوم علاقتهما على الحب في الله، وأثر ذلك يظهر في تعاونهما على الطاعات والسير على هدى الإسلام.
قال(ص): "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى، وأيقظ أهله فصلت، فإن أبت نضخ في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضخت في وجهه الماء"(١٥).
وهدي الإسلام يقتضي البعد عن المحرمات؛ لأجل ذلك فإن الزوجة الصالحة هو خير عون لزوجها على الطاعات، فهي تحبه في الله وتسعى من خلال ذلك إلى الفوز بمحبة الله وظله، يوم لا ظل إلا ظله.
قال(ص): "قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"(١٦).
كما قال: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"(١٧).
وأيضا قال: "قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ"(١٨).
أما الزوجة اللعوب الفاسدة، فهي بما تملك من جاذب أنثوي للرجل، ومكر قد يغلب مكر الشيطان، سوف تدفعه إلى المنكرات، وتنزع منه حياة قلبه، بكثرة ما تورطه فيه من معاص. فالمرأة عنصر جاذب للرجل في أصل خلقته، وحسنها سوف يزيد من قوة هذا الجاذب، كما يؤكد ضعف الرجل أمامه، وفي ذلك يقول الشاعر:
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يقتلن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا

ولا شك أن المرأة الفاسدة سوف تستغل ذلك لدفع زوجها في طريق المنكرات، وودُّ امرأة كهذه مرتبط غالبا بقدرة الرجل على كسب المال، مهما كانت الوسيلة، ولذا تبقى دائمة التأفف عند عجزه عن ذلك. والشاعر الجاهلي علقمة الفحل(١٩) يصف ذلك بقوله:
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله                             فليس له في ودّهن نصيب(٢٠)
وإذا امتنع الرجل عن مجاراة زوجته في فسادها، أفسدت عليه حياته وفعلت ما يحلو لها في غيابه.
لأجل ذلك بيّن النبي(ص) أن من أهم أركان السعادة الزوجية: "المرأة الصالحة، تراها فتعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك"(٢١).
فالمرأة الصالحة خير عون لزوجها للسير على هدى الإسلام، ولذا سوف تكون بذلك خير عون له، ليكون دعامة قوية في بناء الأمة الإسلامية، وأحد العناصر البشرية ذات الإنتاجية العالية في التنمية الاقتصادية الشاملة للمجتمع الإسلامي(٢٢).
_______________
(١)السيوطي: الجامع الصغير، تحقيق عبد الله الدرويش، ط٢٠٠٢، رقم٦١٧٣.
(٢)سورة الأعراف، الآية: ٧/١٨٩
(٣)القرطبي رحمه الله: سبقت ترجمته، ص١٠٨.
(٤)القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط١، ٢٠٠٦، ٩/٤٠٨.
(٥)سورة النحل، الآية: ١٦/٨٠.
(٦)القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، ١٢/٣٩١.
(٧)سورة البقرة: الآية: ٢/١٨٧.
(٨)الشعراوي رحمه الله: سبقت ترجمته، ص١٠٧.
(٩)محمد متولي الشعراوي: تفسير الشعراوي، أخبار اليوم، قطاع الثقافة، ط١، ١٩٩١، ٢/٧٩١.
(١٠)ابن عباس(رض): سبقت ترجمته، ص١٦٦.
(١١)الطبري: جامع البيان عن تأويل القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط١، د.ت، ٢/١٩٦.
(١٢)د. جون غراي: الرجال من المريخ النساء من الزهرة، كتاب مترجم، مكتبة جرير، الرياض، ط٥، ٢٠٠٨، ص٢٠٣.
(١٣)د. نور الدين عتر: ماذا عن المرأة، دار الفكر، دمشق، ط٤، ١٩٨١، ص٦٧.
(١٤)السيوطي: الجامع الصغير، د.ن، ط٢٠٠٢، رقم ١٩٩٢، عن أبي سعيد.
(١٥)أحمد: المسند، دار الحديث، القاهرة، ط١، ١٩٩٥، رقم ٩٥٩٣.
(١٦)الترمذي: جامع الترمذي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ٢٠٠٠، رقم ٢٥٢٢.
(١٧)مسلم: صحيح مسلم، دار الفيحاء، دمشق، ط٢، ٢٠٠٠، رقم ٦٥٤٨.
(١٨)مالك: الموطأ، دار الحديث، ط ٢٠٠١، كتاب الشعر، ص ٨٣.
(١٩)علقمة الفحل: هو علقمة بن عبدة، شاعر جاهلي من بني تميم، عاصر امرأ القيس، له ديوان شعر شرحه الأعلم الشنتمري، توفي نحو ٢٠ق.ﻫ. (الأعلام للزركلي: ٤/٢٤٧).
(٢٠)ابن قيم الجوزية: أخبار النساء، دار مكتبة الحياة، بيروت، د.ت، ص١٤٥.
(٢١)السيوطي: الجامع الصغير، تحقيق عبد الله الدرويش، ط٢٠٠٢، رقم ٣٥٢٣.
(٢٢)محمد الغزالي: قضايا المرأة، دار الشروق، القاهرة، ط٧، ٢٠٠٢، ص١١٤ وما بعدها.

المصدر: كتاب: المرأة في الاقتصاد الإسلامي (دراسة مقارنة)، د. ثناء محمد إحسان الحافظ، دار الفكر، ط١، ٢٠١١م، دمشق.


التعليقات (0)

اترك تعليق